يومياتي في الحظر : الحلقة (64)
إني أشكر الله ـ تعالى ـ على أنه منحني نعما في هذه الدنيا، وأعظم نعمة من نعم الله هي نعمة الإسلام والإيمان، ثم بعد هذه النعمة رزقني الله ـ سبحانه وتعالى ـ علما أستفيد منه في حياتي، ولا شك أن الصحة هي أيضا أكبر وأعظم نعمة من نعم الله ـ سبحانه وتعالى ـ بعد نعمة الإسلام والإيمان، وهذه النعمة لا تقدر إلا بعد زوالها، والقصة التي تبدأ من زوال نعمة الصحة، ثم تنتهي إلى عودتها...
الإنسان مهما يكون ضعيفا في الاقتصاد، ولكنه قوي في الصحة، فإنه يكون مسرورا في حياته، فما ذا رأيك في ذلك الشخص الذي يتمتع بصحة جيدة، وتسير حياته بمرضاته، ولكن فجأة حدث أمر مؤلم في حياته، وقد قطع عليه أفراحه، ونكد عليه حياته، وجعل بياض حياته سوادا، ودارت الدنيا بما حدث به، وقد جاء في خاطره أنه لم يأت إلى هذه الدنيا للاستقرار، وقد أظلمت الدنيا في أعينه، وظن أنه أضعف شخص في الدنيا، وأنه أفلس رجل في الدنيا من رغم أنه يملك الدنيا، ولكنه فقد أعظم نعمة في حياته، وهي الصحة...
وقد سقط من دراجته، وانكسر عظم فخذه اليمنى، وقد ساعده المارون، وأجلسوه على الرصيف، وكانوا يسألونه أسئلة مختلفة، ومنها هل تتألم فخذك اليمنى من داخلك؟ فقال لهم: لا، ولكنه لم يكن قادرا على تحريك قدميه اليمنى، فعلم المارون بأن عظم فخذه اليمنى قد انكسر، ويحتاج إلى أن ينقل ذلك الأخ إلى المستشفى، وقد اتصل بإخوته حتى حضروه، ثم نقلوه إلى المستشفى، وقد أخذت أشعة صينية لفخذه، وقد جاءت فيها صورة واضحة لكسر عظم فخذه اليمنى، فقيل له: سوف تجرى لك عملية جراحية، وقد أجرى له الطبيب البارع، وتمت عمليته بنجاح...
فبقي في المستشفى وحده قرابة شهر، ولا أدري كيف تمكن من قضاء هذه المدة الطويلة وحده، وما يحب قضاء الوقت بمفرده، وقد عرف في هذه المدة من الأصدقاء الذين كانوا يحبونه، فجاءوا لعيادته بكل إخلاص، ومضى شهر وهو في المستشفى طريح على الفراش حتى أذن له بالذهاب إلى البيت، وذلك اليوم بالنسبة له كان يوم العيد، وكأنه دخل في دنيا جديدة، وذلك لأنه لم يرى الشمس طوال الشهر، وبعد مضي شهر رأى الشمس، وقد نقل من المستشفى إلى البيت...
لما تجاوز عتبة باب داره شاهد بيته الذي لم يشاهده أكثر من شهرين، ثم دخل الغرفة، وقد هيأت تلك الغرفة تماما له، وبما أن الطبيب نصححه بلزومه على فراشه، وقد لزم فراشه، وسريره، ولم يكن يشعر وحده وهو في بيته، وذلك لأنه دائما يكون عنده أحد من الإخوة والأخوات ومن الأٌقرباء، حتى قضى شهرين مزيدين...
ثم بعد مضي ثلاثة أشهر، وبالضبط اليوم سمح له الطبيب بوضع رجله اليمنى المكسورة على الأرض، وسمح له بالضغط عليها خمسا في المائة، فما أفرحه! فكأنه وجد شيئا مفقودا، لأنه لم يضع رجله اليمنى المكسورة على الأرض منذ ثلاثة أشهر، ووضعها على الأرض اليوم، فكيف لا يفرح؟ وكأن له هذا اليوم عيد قبل حلول عيد الفطر، لأن عيد الفطر بقي له أكثر من ثلاثة عشر أم أربعة عشر يوما... فنصيحي لنا في هذه القصة بأنه يجب علينا أن نقدر النعم التي أعطانا الله ـ سبحانه وتعالى ـ إياها، وأن يرزق ذلك المريض المكسور رجله شفاء كاملا، وأن يعيد إليه صحة كاملة...