يومياتي في الحظر: الحلقة (46)
حَبْسُنَا في بيوتنا قد أنسانا كثيرا من الأمور، حتى أيام الأسبوع، فلا نتذكر أن هذا اليوم من هذا الأسبوع أي يوم؟ فلا نتذكر تاريخ اليوم، إلا إذا رأينا صحيفة اليوم، ثم نتذكر، وهذا النسيان لم يحدث معي فقط، بل هنالك الكثيرون من الإخوة ينسون أشياء كثيرة خاصة في أيام الحظر...
هذه النتيجة أخذتها من كلام خالي الذي جاءني أمس لزيارتي، فأثناء كلامه معي كان يسأل نحن في أي يوم؟ فقلت له متعجبا: أنت أيضا مثلي في نسيان الأيام والأمور الكثيرة، فهز رأسه قائلا: لا أدري لما ذا نسيت اليوم الذي نحن فيه، فقلت له: السبب واضح، وهو حبسك وبقاؤك في بيتك أربعا وعشرين ساعة، وليست فقط أربعا وعشرينا ساعة، بل أكثر من شهر ونحن محبوسون في بيوتنا، وهذا هو السبب الذي جعلك تنسى الكثير من الأمور...
فاندهش بكلامي، وقال لي: هذه فلسفتك أنت، فليست لي علاقة بما تقول، ولا أؤمن بفلسفتك، فرددت عليه قائلا: لست مجبرا على اقتناء كلامي، ولا على أخذ فلسفة بينتها أمامك، فإن أعجبتك فتأخذها، وإلا فأنت وطريقك، أما فلسفتي فهي تبقى فلسفتي مهما تكن المخالفة...
ولقد جربت على نفسي هذه الفلسفة، وكم مرة أخطأت في تحديد اليوم الذي أنا فيه، فمثلا: اليوم الذي أكون فيه هو يوم الخميس، فأقول: إنه يوم الأربعاء، أو تخمينا أقول: يوم الثلثاء، وهلم جرا... حتى كم مرة سألت إخوتي، فهم أيضا يخطئون في تحديد اليوم الذي نحن فيه، لأننا نحن جميعا نقضي الأوقات كلها من الصباح إلى المساء، ومن المساء إلى الصباح في بيوتنا، ولا نخرج إلى السوق، ولا للعمل، فالمساء والصباح سواء بالنسبة لنا، ونحن محصورون في بيوتنا، فيحدث النسيان فينا ولا سيما في تحديد الأيام الأسبوعية...
وبما أن شهر رمضان بدأ، والجميع يصومون نهارا، ويقومون بقيام الليل ليلا، وبقية الوقت مشغولون في تلاوة القرآن الكريم ، وفي ذكر رب العالمين، وفي الصلاة على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ والأيام تمضي كالبرق، ولا نشعر شيئا من مضيها، ربما ينتهي شهر رمضان حيث لا نشعر بأننا قضيناه، فاليوم لما جلسنا في السحور فسألت أخي: أي صوم هذا؟ لأني كنت أعتقد أن اليوم هو صوم رابع، فقال لي أخي: لا الصوم الذي نصومه اليوم هو الخامس، أما الأربعة فقد أكملناها، فقلت له: والله لا أذكر تماما... المهم أيام شهر رمضان تمضي كالبرق، ولا نشعر شيئا، وذلك لأننا لا ننام طوال اليل، وننام طوال النهار، وكأننا جعلنا الليل نهارا، والنهار ليلا، حيث ننام نهارا ونعمل ليلا، هذا حالنا أما حال الآخرين فلست أدري به...
أسأل الله ـ سبحانه وتعالى ـ أن يوفقنا لما يحب ويرضى، وأن يجعل هذا الشهر المبارك سبب مغفرة جميع المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات في العالم كله، وأن يوفقنا لكثرة تلاوة كلامه، وأن يتقبل صيامنا وقيامنا وتلاوتنا وأن يجعلها في ميزان حسناتنا يوم لا ظل إلا ظله...