يومياتي في الحظر: الحلقة (51)
قد يختلف أحدنا معه في كفية قضاء الأوقات، غير أنه مصر على أن الطريقة التي اختارها لقضاء أوقاته هي أفضل طريقة لاستثمار الوقت، والذي هو حياة الإنسان، لأن حياة الإنسان تنتهي بمرور الوقت، وكما أن النمل الأبيض يجوف خشبا، ويأكل من داخله، حتى يجعله لا شيء، فالوقت أيضا ينقص حياة الإنسان بمروره، فاليوم إن كان أحد في السن الثالثة من عمره، فبعد مضي عام يدخل في السنة الرابعة من عمره، وهلم جرا، ولا يفارق حياته إلا أن يدخله في قبره، وبعد دخوله في القبر أيضا يمضي عليه وقت، فكم من الزائرين يأتون لزيارة قبره، ويكون على ألسنتهم أنه توفي السنة الماضية، أو يقولون: قبل خمس سنوات أو مثل ذلك...
ولا ينكر أحد أن كل واحد له أسلوب خاص في قضاء أوقاته، فالبعض يقضون أوقاتهم في مطالعة كتب مفيدة، والبعض يقضونها في تلاوة القرآن الكريم، والبعض يقتلون أوقاتهم في لعب، وزد على ذلك أن البعض يقتلون معظم أوقاتهم في استعمال الجوالات، وفي مشاهدة الأشياء فيها، ولكن كل واحد منهم هو مالك وقته، فله حق أن يتصرف كما يشاء، ولكن فليكن في ذهنه أنه يسئل عن قضاء الأوقات، فلذا ينبغي لكل واحد أن يجعل أوقاته في أمور مفيدة...
فذلك الذي كان يقضي أوقاته بطريقة خاصة، فكل واحد يحاول معرفة طريقته، وكم من الإخوة حاولوا معرفة طريقة أوقاته، ولكنهم فشلوا، ولم يصلوا إلى هدفهم، ولكن أحد منهم لم يتخلف، بل ألزم نفسه حتى يعلم طريقته الخاصة لقضاء أوقاته في أمور مفيدة، فمشى خلفه، وكان يجلس معه من حين إلى آخر حتى يعرف، ولكن ذلك الأخ أيضا لم يكن غبيا، فأدرك ما في دماغه، فما كان يظهر شطارته أمامه، فمرة من المرات خلاف العادة أنجز بعض الأمور بطريقته الخاصة دون أن يدرك وجود ذلك الأخ، فمن هنا تفشى سر طريقته الخاصة في قضاء الأوقات...
في البداية ذلك الأخ كان مشغولا في تلاوة القرآن الكريم، وتقريبا بعد ساعتين وضع المصحف، وأخذ الكتاب يطالعه، واستغرق في مطالعته أكثر من ساعة، ثم أخذ كراسة بدأ يكتب فيها، ولا أدري ما ذا يكتب، ولكنه كان مشغولا في كتابة شيء، وقد استغرق في عملية الكتابة في كراسته ساعة واحدة، ثم أخذ الحاسوب، وبدأ يكتب فيه "على حد علمي" مقالات، وبعد مضي ساعة واحدة جدد وضوءه، وبدأ دوره من البداية حيث أخذ المصحف، وبدأ يتلو القرآن الكريم، ثم نفس الترتيب الذي ذكرته قبل قليل...
والشيء المفيد في طريقته الخاص لقضاء أوقاته هو أنه لم يلزم نفسه في عمل واحد، فإن الإنسان إن قيد نفسه في إنجاز عمل واحد، فربما يمل، فلذا نوع استعمال أوقاته في أمور مختلفة، فإن مل من عمل ينقتل إلى عمل آخر، وإن مل من عمل آخر ينتقل إلى عمل ثالث، وإلى عمل رابع، وهلم جرا...