يومياتي في الحظر: الحلقة (47)
جرائد يومية مليئة من أخبار جرائم تحدث في البلد، وخارج البلد، والتلفاز ينشر نشرة الأخبار بعد كل ساعة، فنشاهد فيه أخبار جرائم عديدة متنوعة، والراديو أيضا لم يتخلف في نشر تلك الأخبار، والمحاكم في كل مدينة، والقضاة كل يوم يجلسون فيها لحل القضايا، ومع ذلك لم تقل الجرائم، ولم ينقص عدد المجرمين، بل تزداد كل يوم، ولو أقول: تتولد كل يوم جريمة جديدة فليس فيه مبالغة، والمجرمون عند ما يرتكبون جرائم فلا يبالون بأي شيء، لا بالإنسانية، ولا بالقرابة، ولا بالعمر، ولا بالصغر ولا بالكبر، فيقتلون كل من يعرقل في طريق جرائهم، فيقتلونه ويرمون جثته في مكان قذر، وكأن الخوف قد انسلخ من قلوبهم تماما، وكأنهم لا يأتيهم الموت...
وحسب التحقيق المباشرون بالجريمة ليسوا مجرمين في الحقيقة، وإنما المجرمون هم الذين يرشدونهم، ويشرفون على تربيتهم، ويدفعون إليهم أموالا باهظة لارتكاب جريمة بشعة، ولا أقصد من كلامي أن الذين يقتلون المقتولين هم ليسوا مجرمين تماما، بل هم أيضا مجرمون، ولكن أكبر مجرمين هم الذين يحرضونهم على ارتكاب الجرائم...
فالجرائم ليست بنوع واحد، وإنما هي بأنواع مختلفة، فعلى حد علمي أكبر جريمة في هذه الدنيا هي قتل الإنسانية، فالمجرم يقتل أحدا عوض بعض المبلغ الذي لا يساوي شيئا أمام الإنسانية، فكل يوم يقتل عشرات في كل مكان، وقاتلهم لا يزال مجهولا، فأين أجهزة الأمن، وأين القضاة، وأين المحاكم؟ وأين الإنصاف؟ طبعا، الجواب واحد، هو أن أجهزة الأمن مضغوطون من قبل الزعماء، فليس بإمكانهم أي تصرف دون إذنهم، أما القضاة فهم قد باعوا أنفسهم بمبلغ باهظ، والمحاكم أبوابها مغلقة في وجوه المظلومين، ولكنها مفتوحة للظالمين، أما الإنصاف فقد رحل من هذا البلد المبارك، بل ودع جميع بلاد المسلمين، واستقر في بلاد الكفار، فمثل هذه الأخبار لا نسمع أنها تقع في بلاد الكفار، لأنهم اختاروا العدل والإنصاف في محاكمهم...
ثم القاتل لا يرى من يقتله، هل هو صغير أم كبير، بل من أهدافه ارتكاب هذه الجريمة، فيرتكبها ويقتله ثم يرمي جثته في مكان مجهول، ويختفي وراء الكواليس، ثم يأتي على شاشات التلفاز خبر قتل ذلك المقتول، فتظهر صورة جثته، فيشاهدها على شاشات التلفاز آلاف رجال، فيتأسفون على قتله دون أن يفعلوا شيئا، ولكن ذلك الأسف لا يبقى إلا لحظات، ثم ينسونه تماما، وكأن الشيء لم يحدث...
فما شاهدت صورة مقتول اليوم على صفحة فيسبوك أجبرني على كتابة هذه الكلمات، فذلك المقتول حسب نشرة الأخبار كان حافظ القرآن الكريم، ولم يتجاوز عمره أكثر من عشرين عاما، ومن وجهه يرى أن اللحية لم تنبت، فإن أحد المجرمين قتله، ثم رمى جثته على واد، فمثل هذا المقتول هو ما ذنبه؟ ولما ذا قتل؟ طبعا، يوم القيامة يسأل حاكم الوقت، ويسأل ذلك المجرم الذي قتله، فأسأل الله ـ سبحانه وتعالى ـ أن يصبر أبويه، وأقربائه، وأن يجعل مثواه في الجنة، وأن يغفر له أخطائه، وأن يعاقب من قتله عقابا شديدا في الدنيا والآخرة...