يومياتي في الحظر: الحلقة (20)
إن الصحة تعتبر أكبر نعمة في الدنيا بعد نعمة الإيمان والإسلام، وقد اعتبر النبي صلى الله عليه وسلم ـ الصحة من نعم، فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ: شَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ، وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ "[1] وهي نعمة لا تقدر إلا عند فقدانها، أما المعافى والصحيح فأحيانا لا يدرك هذا الشعور، ولكنه سرعان ما يدرك حقيقة هذا الكلام...
منذ ثلاثة أيام وأنا أقوم بالاتصال بزميلي في الدراسة، وهو بمنزلة أخي، ولقد عاملني منذ أن كنا معا في الدراسة معاملة الأخوة، وكان مبتسما، ومخلصا مع الجميع، ثم جاء وقت الافتراق، فأنا سافرت إلى مدينة أخرى لأكمل دراستي، وهو سافر إلى مدينة أخرى، ليكمل دراسته، وقد أكملنا دراستنا مع مضي الوقت، حتى تخرج هو وأنا من المدارس، فبدأت حياتنا بدور جديد، حيث إنه عين مدرسا في مكان، وأنا أيضا عينت مدرسا في مدرسة، لكنها تقع في مدينة، ولم أشعر بمضي أكثر من اثني عشر عاما، وأنا في هذا المجال...
ثم نزلت عليه ظروف قاسية، حيث واجه العديد من المشاكل في حياته، وقد خرج من تلك الظروف فتوفيق الله، وكرمه، وفضله، ولكنه فجأة أصيب بمرض ما كان يتوقع، وهو العطل في كليتيه، فمنذ سنتين وهو مصاب بهذا المرض، فأحيانا أتصل به، وأتفقد أحواله، وهو أيضا يتصل بي ويأخذ أحوالي، حتى جاءت أيام الحظر، وأصبح كل شيء مغلقا، وأنا أيضا صرت محبوسا في بيتي...
وقد قلت في بداية النص أني كنت أقوم بالاتصال به منذ ثلاثة أيام، إلا أن الاتصال به ما كان يمكن، ولكن بفضل من الله ومنه قد وفقت بالاتصال به اليوم، وتحدثت معه حديثا طويلا حول أمور مختلفة، وأخيرا سألته عن مرضه، فأخبرني أنه سوف يجرى له عملية جراحية لاستبدال إحدى كليتيه، ولكن بسبب الحظر أجلت عمليته، فبعد ما يرفع هذا الحظر يجرى له عملية جراحية بإذن الله...
أما هذه الأيام فأنا أذهب كل أسبوع ثلاث مرات إلى المستشفى لغسل كليتي، والرسوم أدفعه إلى الطبيب كل مرة حوالي اثني عشر ألف روبية، فعند ما سمعت كلامه، فحسبت وضربت اثني عشر ألف روبية في أربع، فاثنا عشر ألف روبية في أربع يساوي ثمانية وأربعين ألف روبية...
ولعدة ثوان سرحت في فكرة هذا المبلغ الباهظ، ثم عدت إلى الحديث معه من جديد، حتى أكمل كلامه، وأخيرا بما أنه زميلي في الدراسة، فقلت له: أريد أن أرسل إليك مبلغا معينا كهدية لك، فهل لك حساب مفتوح على رقم هاتفك؟ فقال لي: لا عليك، لست بحاجة إلى المبلغ، فقلت له: لا بد من قبول هديتي وإلا لا أتصل به، ولا أكلمك، وما كنت أقصد من كلامي إلا ليعطيني حسابه، وأرسل إليه مبلغا، وذلك لأني كنت أعلم أحواله الاقتصادية، فإنه ضئيل، فلما سمع كلامي هذا، فقال لي: لا تغضب، لدي حساب مفتوح على رقم هاتفي، فيمكنك إرسال هدية، فشكرت الله ـ سبحانه وتعالى ـ أنه وفقني للقيام بهذا الخير العظيم، وأرسلت إليه مبلغا كهدية، ودعوت له بأن الله ـ سبحانه وتعالى ـ أن يعيده إلينا سالما ومعافا...
________
[1] - الزهد والرقائق، أبو عبد الرحمن عبد الله بن المبارك بن واضح الحنظلي، التركي ثم المرْوزي (المتوفى: 181هـ)، المحقق: حبيب الرحمن الأعظمي، الناشر: دار الكتب العلمية – بيروت: 2.