يومياتي في الحظر: الحلقة (13)
"ماذا علي أن أكتب" تلك هي كلمات عديدة تضرب دماغي منذ ساعة، ولا تتركه يخوض في أفكار أخرى، بل لازمته حتى أجبرته بأنه يشتغل فقط على هذه الكلمات، وهي مكتوبة في بداية الفقرة، والضغط على الدماغ في مثل هذه الظروف لا ينفعه، بل يجعله يتألم أكثر فأكثر، ومع ذلك ضغطت عليه حتى يخرج من الظروف التي هو فيها، ولكن محاولتي هذه باءت بالفشل...
فأبصرت كل ما في الغرفة، فأحيانا يقع بصري على الستائر التي لونها بني، فأقول في نفسي: هل أكتب حول هذه! لكن ما ذا أكتب حولها؟ وتارة يقع بصري على طاولة موضوعة بجنب الباب، وهي مليئة من الأشياء الكثيرة، فعلى سطحها قارورة الماء، وقارورة الدواء، وقارورة الزيت، والمرآة، وكأنها تجلب منظر صيدلية أو تشبه بقالة، وفجأة وقع نظري على مشجب مثبت خلف باب الغرفة، فلاحظت من بين الأشياء المعلقة عليه، القارورة مع غلافها، والحقيقة الصغيرة، والمنديل، وكيسا أسود، لا أدري ما ذا في داخله، ثم التفت إلى يساري، فوقع بصري على مفرغة الهواء المركبة في ناحية الغرفة، ولكنها لم تكن مشتغلة، وقابسها كان خارج المقبس، ومعلقا، ولم أفهم تفسير هذه، ثم رأيت أن الكرسي موضوع في وسط الغرفة بالضبط، فبدأت الإشكالات حوله من زوايا مختلفة، مثلا: من وضع هذا الكرسي في هذا المكان، ولما ذا وضعه؟ فمثل هذه الأسئلة جاءتني حوله، ورأيت بجنبي فوجدت كبتا موضوعة بجنب وسادتي، وفي مواضيع مختلفة، وذلك لأني لست قادرا على المشي، فلا يمكنني أخذ كتاب من مكانه المعتاد، فطلبت هذه الكتب، ووضعتها قريبا مني حتى عندما أحتاج أي كتاب من تلك الكتب أتناوله، وأطالعه، وبجنب الكتب حقيبة موضوعة، وهي أيضا على سريري، والسر في ذلك هو لا يختلف عن السر في وضع الكتب بجنبي، فكلما أحتاج إلى كتابة شيء، أفتح الحاسوب، وأبدأ كتابة أفكاري، وأفحص عنواني البريد كل يوم، والأمور الأخرى التي لا يمكن إنجازها دون استخدام الحاسوب، فنظرا إلى هذه الظروف وضعت حقيقة الحاسوب على سريري...
فعدت إلى دماغي لأعلم مدى فكرته، فوجدته في نفس الظروف، ولم يخرج منها، بل كانت فكرته على نفس العبارة، ويرددها وكأنه يقول بلسانه: "ماذا علي أن أكتب!" فأنا أيضا مللت مما هو فيه، ولا سبيل حاليا من إخراجه من تلك الظروف، وفجأة رن الجرس بصوت خاص، وهو صادر من ساعة جدارية ترن بذلك الصوت عند نهاية الساعة معلنة بأن الوقت الآن أصبح كذا، فلما سمعت ذلك الصوت التفت إليها، فها هي تشير إلى الساعة الثانية عشرة ليلا، فتأسفت قائلا: مضت ساعات وأنا مازلت أتفكر "ماذا علي أن أكتب"...