حتى تصبح كاتبا رفيع المستوى !
يقول الكثير وهو يبثّ شكواه: أحاول أن أكتب فلا أستطيع، أواجه صعوبات في اختيار الموضوع وبعد ما وقع اختياري على موضوعٍ مّا فتستمر المشكلة في إخراج الأفكار، فأعصر نفسي ساعات ولكن دون جدوى ولو جاءت الفكرة فتكون دون صياغة وبشكل لا يرضيني، وحتى هناك مواضيعُ كثيرة وأفكارٌ جميلة أحبّ الكتابة عنها ولكن الكلمات والتعابير لا تطاوعني كما أشاء.
نعم. دون شك هذه المرحلة يواجهها كل من يمارس الكتابة (ولو كان يكتب بلغته الأم) فهو قد يريد إجالة القلم في عديد من المواضيع الممتعة الشيّقة ولكنه لا يستطيع، أو يريد أن يقيّد كتاباته في مجال واحد يهواه إلا أنه لا يقدر عليه.
الإجابة في رأيي باختصار هي: إنك لم تختر موضوعك للكتابة! فالموضوع الذي تريد أن تكتب فيه ليس موضوعَك أنت !
إذ ليس بمقدور الإنسان أن يكتب في كل موضوع يرغب فيه لأن كل مجال يتطلب معلوماته وله كلماته وتعابيره، وهو أمر يحتاج إلى وقت كبير ودراسة موسّعة ومطالعة عميقة مستمرّة وممارسة مُضنية.
فالحل بالنسبة لك هو أن تكتب في مستواك الفكري والثقافي الذي أنت فيه اليوم، وفي ذات الوقت تسعى لرفع مستواك الفكري والثقافي والارتقاء إلى المستوى المطلوب لديك، وذلك بممارسة أمرين وهما متلازمان: "القراءة" و"الكتابة"، فلو التزمتَ القراءة والكتابة معا فلا يطول عليك المطال لتستطيع أن تكتب في المواضيع التي تحب أو مجال واتّجاه محدّد تهواه.
أمّا حاليا فلا تخض في غمار المواضيع العميقة التي تحتاج إلى مستوى رفيع، واقتصر على الكتابة في الموضوعات السطحية البسيطة، ولا داعي للقلق أبدا ولا تستعجل، لأنك سائر في طريق الوصول إلى ذلك المستوى فيما لو استمررت على الأمرين: القراءة والكتابة. وبجنبهما حفظ ما تيسّر من الفقر والمقطّعات الأدبية وعيون الأشعار، وقد قيل "الحفظ الإتقان". وإن هذه وصفة شاملة لكل من يريد أن يصبح كاتبا سواء في لغته الأم وأية لغة أجنبية.
وأما الموضوعات السهلة فما أكثرها يا أخي، فهي يومياتك والمواقف التي تؤثّر فيك ومشاعرُك تجاه الأشياء والأشخاص، ويمكنك أن تجد موضوعا للكتابة من داخل البيت والمدرسة والصفّ والحافلة وبين الأصدقاء والأقارب والشوارع والميادين والأخبار اليومية والعادات والقيم، كلها مما يلائم مستواك الثقافي والفكري وأنت في بداية الطريق بعد، ولكن كما أسلفنا مع الكتابة الحثيثة والقراءة المستمرة حتى لا تكون بالغد في المستوى الذي كنت فيه أمس، وهكذا ترتقي في سلالم الرقي وتبلغ المستوى المنشود وتحدّد مجالك فيما بعد وتصبح كاتبا مثقّفا مفكّرا، مرضيّا عند الله وعند الناس. إن شاء الله.
سيد مسعود
إشراقة/ 14 ربيع الثاني 1441