وٳذا کتبتَ فٲتقِن !
لا يكون المكتوب ذا قيمة إلا إذا جاء متقَنا دقيقا، بكلمات مصقولة، وأفكار موزونة، وإن الشخص مهما كان متّقد الذكاء، وافر البراعة، واسع المعرفة، لا ينجح في الكتابة ولا يُعدّ كاتبا إذا ما لم يجتهد لتحسين كتاباته وإجادة صياغتها.
إن العمل المُتقَن محبّب إلى صاحبه، يسرّه، فالكاتبُ إذا كتب فأتقن هو يحبّ أن يردّد عباراته مراتٍ ومرات مستلّذا، فيبدئ ويعيد، ويرفع بها صوته ويخفض، وهو يحصل على الثقة بالنفس، وتتحول الكتابة إلى متعة لديه، فيجد رغبة ملحّة في مواصلتها، وهذا عمل مجرّب.
كما أنّ العمل غير المتقَن مكروه إلى صاحبه، يضيق به، فالكاتب إذا كتب شيئا ولم يُتقنه فهو لا يريد أن ينظر فيه بعد ذلك، ولا يحبّ أن يدقق فيه غيرُه، مما يؤدي إلى فقد الثقة بالنفس، وتحوّل الكتابة إلى كابوس لديه، لأن أعماله غير المتقنة تظل أمام ناظريه، كلما ذكرها ازداد اشمئزازاً من الكتابة، فينتهي به الأمر إلى ترك الكتابة.
وعليه فإن السبب في إعراض الكثيرين عن الكتابة بعد مدة تمضي على ممارستها، هو عدم اهتمامهم بالإتقان، قد كتبوا بسطحية، فجاءت كتاباتهم لا تعجبهم بل يخجلون منها، ومعلوم أن الإنسان لا يرغب في ممارسة عمل يسبب له الخجل، وهكذا يقع في مصيدة اليأس والإحباط.
إنه لا يتحقق الإتقان إلا إذا تحلّى الكاتب بالصبر، فالصبر من أهمّ ما يحتاج إليه كل من يريد أن يصبح كاتبا، والكاتب حينما يمارس الكتابة بصبر تأتي كتاباته جميلة، تُمتع القارئ وتنفعه، وترفع الذوق، ويُكتب لها التأثير والقبول والخلود. إن شاء الله.
من لم يكن متحلّيا بالصبر فخير له أن لا يخوض غمار الكتابة، إذ هي مفتقرة إلى الصبر من المبتدأ إلى المنتهى، فالطريق الموصلة إلى الإتقان هي المعاناة، والكاتب يراجع المقال بعد التفرغ، ويعرضه على الآخرين للتصحيح، وقد تمر به ساعات تكون الكتابة فيها أشد عليه من قلع الضرس، بل القراءة الموسعة والمستمرة التي هي إكسير الكتابة لا يوفق لها إلا الصابر، والإتقان وليد الصبر، وحسن الصياغة وجمال العبارة ربيبه، والإبداع نتاجه.
فليهتم بالإتقان، وحسن الصياغة، وجمال العبارة، كل من أراد مواصلة الكتابة بحب وشغف إلى أن يصبح كاتبا بارعا، حتى ولو كتب سطورا وكليمات، فالمهمّ الإتقان ولو كان المكتوب موجزا، فخير العمل أدومه وإن قلّ، وليعلم الكاتب أن ما يبذله من دقة وجهد هو لا يخفى على القارئ.
ليكن الكاتب حريصا على الإجادة، مستفرغا جهوده في سبيل الدقة والإتقان، صابرا على المعاناة التي يلقاها، لأن الصبر هو الذي سوف يجعله نابغة إذا كان جادّا مجدّا، وقد قال الأستاذ الرافعي:"إنّ النُبوغَ صبرٌ طويلٌ"، وفي الحديث الشريف "إنَّ اللهَ تعالَى يحبُّ إذا عمِل أحدُكم عملًا أن يُتقِنَه". (رواه البيهقي)
سيد مسعود
إشراقة/ ٨ رمضان ١٤٤١