سياقة القلم
إنّ الكاتب في بداية الطريق يحتاج إلى مَن يأخذ بيده فيعلّمه إمساك القلم بين الأصابع، يقوم له بدور المرشد، يُريه الطريق ويشرح له معالمها ومواصفاتها.
يحتاج إلى من يُشرِف عليه، فيصدر أحكاما شديدة عليه لتكوينه، ويؤنّبه على الإهمال والخطأ ويعاتبه. كما يربت على كتفه، ويحثه، ويحفّزه، باعثا فيه الأمل، ملقّنا إياه أنه يملك من المواهب والمؤهّلات ما يساعده على أن يصبح كاتبا بارعا.
يحتاج إلى من يرسّخ فيه حبّ الكتابة، حتى يعلق بقلبه، بكثرة ممارستها، وقد سأل سائل كاتبا مجرّبا خبيرا: ماذا أفعل حتى أحبّ الكتابة؟ فقال له: اكتب واكتب واكتب حتى تحبّها.
ما أشبه الكاتب بالسائق، فالذي يريد تعلّم السياقة يلتمس له مدرّبا يدرّبه عليها فهو يسوق والمدرّب جالس بجنبه يراقب حركاته بكلّ دقة ويلقّنه القواعد والأساليب، يصحح أخطاءه، ويرسبه، إلى أن يتعلم ويحصل على الشهادة، فهكذا جرّ القلم.
إن السائق يواجه في مسيرته المنخفضات والمرتفعات، والطرق المعبّدة والوعرة، والحزون والسهول، وتعترض له منعطفات خطيرة ومطبّات هائلة، وقد يتعرّض للسقوط في الحفرات. يسوق في المدن الكبيرة والصغيرة، والأحياء والأرياف والأزقة، ولا يُعدّ سائقا ماهرا لو عجز في موقف من هذه المواقف.
هكذا الكاتب يواجه في مسيرته مختلف الطرقات ويجرّب كافة المنعطفات، ينخرط في موضوعات قصصية، ومقالية، وشعرية، ومسرحية، وفلسفية، وسياسية.
عندما يسوق السائق الناشئ السيارة، لا يعاينه أحد إلا ويعرف أنه ناشئ، تدله على هذا جِلستُه وقبضُه المقودَ ونظراته الخائفة وترنّحه في السير، فكذلك الكاتب.
لا تسأل عن معاناة السائق وحيرته في استخدام المسرّع والمِكبح، والترس، والقابض في البداية، ثم بعد مدة عندما يتمهر يجد السيارة تتحرك بإرادته وتتوقف، وتعمل الآلات بشكل تلقائي، فينسى ما قد عانى وكأنه وُلد سائقا!
فهكذا الكاتب عندما تمرّس بالكتابة لا يشعر بعد ذلك بجري القلم ولا ينتبه حتى يرى الصفحات مسوّدة، والأبواب مرتبة، والمقال مكتملا معدّا للنشر، وكلما واصل الدرب ازداد خبرة ومهارة.
سيد مسعود
إشراقة/ ١١ رمضان ١٤٤١