وأمّا الكتابةَ فلا تخشَ!
«في أي موضوع أكتبُ ليقرأه الآخرون بشغف؟ ماذا أكتبُ لألفت الأنظار إليّ؟ كيف أستطيعُ أن أبهر القرّاء بما أكتب؟ ما هي الفكرة المُذهلة لأتناولها موضوعا لي اليوم؟ هل ما أكتبه سيتمتّع بقيمة لدى الآخرين؟ هل يحوي مقالي في طيّاته معرفة مفيدة للقارئ؟».
من أكبر العراقيل التي تحول بين الكاتب المبتدئ وبين الاستمرار في عمليّة الكتابة هي هذه الوساوس والأفكار. تساوره فكرة المثاليّة والنجوميّة عند الخطوة الأولى، وتكون النتيجة طرْحَ القلم وإدباراً ليس بعده إقبال، لأنه طبعا يراه عاجزا عن الارتقاء إلى المستوى الفائق الذي يحلم أن يكون فيه.
يريد أن يكتب وكل ما يهمّه صدى كتاباته في نفوس القرّاء، فلا يكتب ما يريد بل ما يريدون وما يُعجبهم، نابذاً اليسرَ والبساطةَ والحريةَ والتلقائيةَ، باحثا عما يدهش به القراءَ، كل هذا وهو في بداية الطريق وعند الخطوة الأولى، فسُرعان ما يسمع صدىً في قرارة نفسه: أما أنا فلن أستطيع الكتابة!!
لا ينبغي للكاتب أن يكون مُدّعياً، معسّرا الكتابةَ عليه، خصوصاً وهو في بداية الأمر، فلا ينساق أبدا وراء فكر: كيف أدهش القرّاء؟ بمَ أذهلهم؟ ما هو الموضوع الطريف؟ هل من جديد أنقله إلى القراء؟ إذ كل هذه الأفكار مما يثبّط الكاتب الناشئ ويُحبطه ويُصيب أمانيه في المقتل، ويحوّل الكتابة عنده إلى أمر عسير يخشاه ويجده فوق طاقته، ويفضي إلى انصرافه عن الكتابة.
إن الكتابة ليست بحاجة إلى الادّعاء والمثاليّة والكمال كما نظن، أو حتى المهارة اللازمة، لأن المهارة تتأتّى مع الوقت. وإنما على الناشئ أن يكتب في كل ما يبدو له وما يمرّ به، مهما كان بسيطا، وكلُّ ما يحتاج إليه للبدء في الكتابة هو الرغبة والعزيمة والقراءة، وبعد ذلك لا يهمّنّه هل يُقرأ ما يَكتب، ويَنال رضا القرّاء وإعجابَهم أم لا؟
كأني قلتُ: القراءة، فأؤكد عليها، لأنها هي الزاد الذي يمنح الإنسان الطاقة في تسهيل الكتابة وتجاوز عقباتها، وهي الإكسير الذي يحتاج إليه الفكر للنضوج والاستمرار في الأمور وإتقان مفاهيم الحياة والمقاصد العالية، والقارئ يواجه أثناء القراءة مواقف تشابهه وتفاصيل كأنها هو، ومشاعر تجعله يهتف بكل قوّة: نعم، هذا ما أشعرُ به وأريدُ أن أقوله.
ما أكثر السائلين: كيف أكتب؟ ماذا أكتب؟ لماذا أجد الكتابة صعبة؟ وما ليَ لا أستطيع أن أكتب شيئا؟ واليوم أيضا راسلني أحد، موجّها هذه الأسئلة، وصار الدافع لأرتجل بكتابة هذه الكلمات. ونزولاً إلى تناول ما يبدو لي وما يمرّ بي.
أقول لكل من يريد أن يكتب: ابدأ بالكتابة ولا تكن مُدّعياً، ولا تشدّد على نفسك، ولا تجعل الكتابة شبحا تخشاه، ولا تتوخّ الكمال والمثاليّة، ويسّر ولا تعسّر. ولستُ أعني أنك لا تبلغ درجة المثاليّة والنجوميّة والتألق ونيل الإعجاب لدى القرّاء، بل كل هذا حاصلٌ لك ولكن مع الأيام، فسوف تُرزق قلما مقروءًا، وتكتسب المهارة، وتشقّ كلماتُك طريقها إلى نفوس القرّاء، إذا تجرّدت من الادّعاء وواصلتَ الطريق برغبة وعزيمة، وقرأتَ وقرأتَ وقرأتَ.
سيد مسعود
إشراقة/ ٢٣ رجب ١٤٤١