هل للكتابة وقت خاص؟
قد يلتبس الأمر على الكاتب المبتدئ ويحتار بشأن وقت الكتابة خاصة حينما يتراءى له تضارب في أقوال الخبراء، حيث يرى من يقول: الكتابة ليس لها وقت خاص، فاكتب متى شئت، وآخر وهو يقول: تفتقر الكتابة إلى وقت خاص يلائم المزاج ويتلّقى الكاتب فيه الوحي.
لنفهم بأنه لا تعارض بين الأقوال في هذا المجال، وكلا القولين صائب، فنستطيع أن نقول لها وقت خاص وكذلك نستطيع النفي! ومردّ ذلك نوع المقال الذي يتناوله الكاتب، فعندما يقال: الكتابة ليس لها وقت خاص فيعنی نوع، وعند القول بأنها تحتاج إلى وقت خاص يعنون نوعا.
فالمقالات المصنّفة في قسم المقالات العلمية بالمعنى الواسع أي كل مكتوب يكون فيه بحث ودراسة، هي غير محتاجة إلى وقت خاص، فيكتبها متى استعدّ وتوفرت له الأدوات وهي الكتب والمراجع وما إلى ذلك بعد معرفة أساليب البحث.
أما المقالات الأدبية والإنشائية الخالصة، فكتابتها إضافة إلى استعداد الكاتب تحتاج إلى المزاج الملائم كذلك، فهذا النوع من المقالات يحتاج إلى وقت خاص يصادف الكاتب فيه الاستعداد ومطاوعة المزاج لممارسة الكتابة.
الكاتب إذا أراد الإحسان في المقالات الإنشائية فعليه أن يضرب له وقتا خاصا يطاوعه مزاجه في ذلك الوقت، ويمكن أن يكون هذا الوقت ساعة معينة من الليل أو النهار بشكل يومي، بأن يكون بداية الليل أو منتصفه أو بداية النهار أو أي وقت آخر حسب مزاجه.
ذلك لأن المقالات الإنشائية تتم كتابتها باستمداد من الخيال والفكر والذهن، وهو مما لا يكون عمله على غرار واحد على مدار الساعة، فقد يكون الكاتب بصدد وصف مشهد، أو تصوير منظر، وهو يحوجه إلى المخيِّلة.
وإن هذه المقالات لا تخرج قوية ذات روح وأثر بالغ في نفس القارئ ولا يتحقق لها الإبداع والتميز إلا إذا كان الكاتب على استعداد تام وكتبها في وقت يطاوعه مزاجه.
يجب على الكاتب أن يحاول للتأقلم مع الموضوع الإنشائي الأدبي الذي يريد أن يكتبه، وهذا أمر صعب، فقد يكتب موضوعا فيه الفكاهة والسخرية، ويكتب موضوعا فيه الحزن والأسى، ولا بد أن يكون مزاجه موافقا للموضوع ساعة الكتابة، وإلا فلا تنثال عليه الكلمات ولا تتدفق له المعاني.
لعل أحدَنا جرّب في بعض الأحيان وهو أراد كتابة موضوع محزن مُبكٍ لكنه لم ينجح في التأقلم مع الموضوع في ذلك الوقت، وباءت محاولاته كلها بالفشل، أو أراد كتابة موضوع فكاهي مضحك، ولكن مزاجه لم يساعده، حتى انصرف عن الكتابة نهائيا. كما جرّب أحيانا أن عاطفة فياضة غمرته، بحيث أثار المكتوب بعد ذلك عجبه وإعجابه، ولم يستطع أن يصدّق أنه هو كتبه!
الإخوة الطلاب والذين يمارسون الكتابة بما أنهم يكتبون في الأغلب موضوعات أدبية خيالية وصفية تصويرية ينبغي لهم أن يبحثوا عن وقت ملائم لهم، حتى يكتسبوا النجاح في فن الكتابة، وتتطوّر كتاباتهم، وتسهل عليهم عملية الكتابة، ويجدوا الرغبة في مواصلة الطريق.
إنّ الأستاذ أحمد أمين له وقفة طيّبة مع موضوع الحاجة إلى الوقت وما نحن فيه من مطاوعة المزاج في المقالات الأدبية دون العلميّة، فقد تناول الموضوع بأسلوبه الجميل الفذ، وبيّنه بيانا وافيا بحيث لم يُبق فيه غموضا، يقول:
"المقالات الأدبية ليس الكاتب في كل وقت صالحا لها، بل لا بد أن يكون مزاجه ملائما للموضوع الذي يريد أن يكتب فيه؛ فإن كان الموضوع فكِها مرِحاً فلا بد أن يكون مزاج الكاتب كذلك فَكهاً مرِحاً، وإن كان الموضوع عابسا حزينا فلا بد أن يكون مزاج الكاتب من هذا القبيل؛ ولذلك قد يمرّ على الكاتب الأديب أوقات وخلعُ ضرسه أهون عليه من كتابة مقال، فإذا هو حاول ذلك فكأنما يمتح من بئر أو ينحت في صخر؛ ذلك لأن هذه المقالة الأدبية لا بد أن تنبع من عاطفة فياضة، وشعور قوي؛ فإذا لم يتوفر هذا عند الكاتب خرجت المقالة فاترة باردة لا يشعر منها القارئ بروح، ولا يحس منها حرارة وقوة. ولا يكفي عند الكاتب وجود عاطفة قوية بل لا بد أن تكون هذه العاطفة من جنس الموضوع الذي يريد معالجته. فويل له إن أراد رثاءً وقلبُه ضاحكٌ مرح، أو أراد فكاهة وقلبه بائس حزين. ومن أجل هذا يحاول الكتّاب أن يؤقلموا نفوسهم للموضوع أولا، فيستلهموا كتابا أو قصيدة أو منظرا طبيعيا أو نحو ذلك من الوسائل الصناعية -إن عدموا الوسائل الطبيعية- حتى تهيج مشاعرهم من جنس الموضوع، ثم يأخذوا في الكتابة، فتتدفق معانيهم، وتغزر أفكارهم ومشاعرهم".
(فيض الخاطر ١| ١٧٥)
سيد مسعود
إشراقة/ ١٣ رمضان ١٤٤١