يومياتي في الحظر: الحلقة (26)

إني أدركت اليوم علاقة بين اللغة العربية والقرآن الكريم، وليس بمعنى ما أدركت من قبل، بل علمتها من قبل، ولكن اليوم حدث شيء غريب عند ما كنت أتلو القرآن الكريم، فكنت أتلو من الجزء الأول قول الله ـ سبحانه وتعالى ـ : وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (126)

فلم أتمالك نفسي، ودون اختيار كدت أن أبكي، وبما أني كنت أتلو القرآن الكريم مع التجويد، وبالفهم، فعلمت أن اللغة العربية هي أعظم وسيلة لفهم القرآن الكريم، والذي عنده خبرة كاملة على اللغة العربية الفصحى، هو يتأثر من القرآن الكريم عند ما يتلو بالفهم...

      وقد اشترطت أثر القرآن الكريم بتلاوته بالفهم، أما لو تلا ذلك الرجل الذي خبير في اللغة العربية دون إرادة الفهم، فإنه يختم القرآن الكريم تلاوة ولكنه لم يتأثر منه، ومقابله من لم يكن عنده خبرة في اللغة العربية، وقد اعتمد على ترجمة القرآن الكريم لأجل الفهم، فإنه لا يتأثر من القرآن الكريم عند تلاوته مثلما يتأثر منافسه، ومقابله، والذي ذكرته سالفا، أقصد من عنده خبرة في اللغة العربية...

      وهذا الفرق بينهما علمته قبل عشر سنوات، حيث في البداية ما كنت قادرا على التكلم باللغة العربية، وما كانت لي سيطرة عليها، فحينئذ عند ما كنت أتلو القرآن الكريم ماكنت أتأثر منه، بل كنت أتلو دون فهم حتى أختم القرآن الكريم، ولكن بعد ما تعلمت اللغة العربية فإني بفضل من الله ومنه عند تلاوة القرآن الكريم أفهم معظم الآيات، وأتأثر منها...

      ولا يقولن أحد معترضا على كلامي هذا قائلا: فما ذا رأيك حول أسلافنا، وأكابرنا، فإني أقول صراحة: إن كلامي هذا لم يكن في شأنهم لا إشارة ولا صراحة، بل فيه إشارة إلى أمثالنا نحن، والذين ضعفاء جدا في الدراسة، وما عندنا اهتمام بالغ لفهم القرآن الكريم، بل رسميا ندرس ترجمته، ولا نركز عليها كما ينبغي حقه، ولا نطالع تفاسير أسلافنا وأكابرنا، بل ننفق جهودنا في فنون أخرى، التي هي في الحقيقة وسيلة وليست مقصودة...

      ثم أسلافنا وأكابرنا كانوا أقوياء في العلوم والفنون، حتى اللغة العربية، فإنهم كانوا يمارسونها، وما كانوا يقتلون دقيقة واحدة في اللهو واللعب، بل وقفوا حياتهم للتعلم والتعليم، أما نحن فلا حول ولا قوة إلا بالله، وبالذات أنا، فكم من الوقت نقتله في أمور تافهة لا هدف منها، ولا فائدة، وما عندنا ذوق ولا رغبة لمطالعة كتب وتفاسير، وتاريخ، فصرنا ضعفاء...

      وماز ال الوقت حتى نملأ ذلك الفراغ الذي حدث بسبب إهمالنا وكسلنا، وننفق طاقاتنا في فهم القرآن الكريم من خلال تفاسير أكابرنا، ونحاول أن نقوي علاقتنا مع اللغة العربية حتى نجعلها وسيلة لفهم القرآن الكريم، ثم نتأثر من مناجاة رب العالمين في ظلام دامس، فأسأل الله ـ سبحانه وتعالى أن يرزقنا همة وتوفيقا ورغبة حتى نفهم القرآن الكريم، ونجعله هدفا ومقصدا لحياتنا...

أ.د.خليل أحمد


مجموع المواد : 506
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2024

التعليقات

يجب أن تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

إنشاء حساب

يستغرق التسجيل بضع ثوان فقط

سجل حسابا جديدا

تسجيل الدخول

تملك حسابا مسجّلا بالفعل؟

سجل دخولك الآن
المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2024