هل تصدق بأنني ركبت على متن الطائرة بسبعين روبية فقط
مرة من المرات قلت خلال الدرس متسائلا الطلاب: من منكم لم يزر حتى الآن غرفة قيادة الطائرة، ولم يركب على متنها إلى الآن، فرفع معظمهم أيديهم مشيرين إلى أنهم لم يزوروا غرفة قيادة الطائرة، ولم يركبوا على متنها في حياتهم، فقلت لهم: سوف أذهب بكم إلى مكان الطائرة، وتركبون على متنها، حتى تدخلون غرفة قيادة الطائرة، فتلفظت هذا الكلام، ونسيته تماما...
والطلاب توزعوا على صنفين: فالصنف الأول هم الذين أخذوا كلامي بالجدية، وكانوا يصدقونني بأن الأستاذ إذا كلمنا ككلام هذا، فمعناه أنه يقوى على ذهابنا إلى مكان الطائرة، فنزورها ونركب على متنها أيضا، ولكن في نفس الوقت الصنف الثاني من الطلاب قالوا: لا، لم يكن الأستاذ جادا فيما قال لنا، بل كان يمازحنا بكلامه هذا كالعادة، فنحن لا نرى إلا مجرد كلام، تفوهت به شفتاه ونطقتا به، فلا تأخذوه جادين، والدليل على ذلك أنه لا يمكن لأي واحد أن يذهب بهذا العدد إلى الطائرة، ويركبهم على متنها، فهذا الأمر يحتاج إلى مشقة كبيرة، ومعرفة على مستوى كبير، ونفقة عالية.. فبعض الطلاب من الصنف الأول اقتنعوا بكلامهم، والبعض كانوا على ما كانوا عليه...
جرى النقاش بينهم، وأنا جالس في مكاني، وكنت أسمع كلامهم، ولم أتدخل في شؤونهم، بل تركتهم أحرارا فيما يناقشونه فيما بينهم، حتى انتهت الحصة، فكل واحد ذهب إلى وجهته، وإلى ما يريده، وأنا أيضا أتيت إلى الغرفة، فمضى الوقت حتى مضت الأشهر الثلاثة، فأنا أيضا نسيت ذلك النقاش...
فاليوم ما إن حضرت إلى الصف، رأيت بعض الطلاب يتهامسون فيما بينهم، ويدندنون، وفي البداية ظننته أمرا عاديا، فما إن أجلس تنقطع تلك الأصوات، لكن ماهذا؟ لم تنقطع تلك الأصوات، بل ظلت تتجهور شيئا فشيئا، فتفكرت في نفسي: ما ذا يمكن أن يكون سبب تلك الأصوات؟ فما إن تفكرت خاطبني أحد الطلاب قائلا: عفوا يا أستاذ، هل تسمح لي بأننا نكلمك في أمر هام، فقلت له: تفضلوا، لكن فليكلم واحد منكم نيابة عن الجميع، فرفع أحد الإخوة يده قائلا: إن زملائي ندبوني لأكلمكم، فقلت له : تفضل ما ذا تريد مني؟ فقال لي بصوت خفي يا أستاذ، ثم توقف، فقلت له: تكلم يا أخي، لماذا توقفت؟
فقال لي: يا أستاذ، قبل ثلاثة أشهر وعدتنا بأمر، هل تتذكره؟! فقلت له: لا، لا يحضرني شيء الآن، ولا أتذكره، ثم قلت له: تفضل بما الذي وعدتكم؟ فقال لي: يا أستاذ، قلت لنا: بأنك تذهب بنا إلى مكان طائرة، فتركبنا على متنها، وتدخلنا غرفة قيادة الطائرة... فقلت له: نعم، نعم، الآن تذكرت، ولكني لم أعدكم، وإنما كلمتكم، وقلت لكم: سوف نذهب سويا. فقال لي: نعم، يا أستاذ، إذن متى نذهب للركوب على متن الطائرة، ولزيارة غرفة قيادة الطائرة في الطائرة!؟
فقلت له: يوم الخميس نذهب، ثم جاء يوم الخميس، فأخبرتهم عن مكان وجود تلك الطائرة، وقلت لهم: أنا أنتظركم هنالك، لأن لدي عملا، فلا أستطيع الذهاب معكم، فقالوا لي: طيب، يا أستاذ، فحسب الاتفاق جاءوا على الموعد إلى ذلك المكان المحدد، واشترينا تذكرة بسبعين روبية، ثم أولا ركبنا على متن الطائرة، ودخلنا غرفة قيادة الطائرة، ورأينها من داخلها، ثم نزلنا منها، فكان بجنب الطائرة مكان خاص لعرض فلكيات، فدخلناه، وشاهدنا عرضا عرض علينا، وما أجمل ذلك العرض! ثم رجعنا إلى المدرسة بعد ما انتهى ذلك العرض...