أخيرا علمت سبب غضب أستاذي
بعض الأمور تكون غامضة مبهمة، ولا يدركها أحد في طفوليته، وبعد ما يكبر، فهو يدركها شيئا فشيئا، ولما كنت طالبا في المدرسة الابتدائية، كنت أداوم الحضور في الدرس، ولم أعرف حينئذ، أن الغياب أيضا شيء مثل: الحضور، فيوما من الأيام لا أدري ما ذا حدث؟ لم أرغب بالذهاب إلى المدرسة، فتعطلت، لكن كانت الإجازة حلوة تماما.
وبما أني أول مرة تذوقت طمع الإجازة فحسست أنها حلوة جدا كحلويات، ثم استثقلت في اليوم التالي بالذهاب إلى المدرسة، لكن لم يكن لدي أي عذر، فلم أجد بدا سوى الحضور في المدرسة، فحضرتها، فسألت في الصف عن سبب عدم الحضور أمس، فأجبت أن لدي كان عذر، فلذا لم أحضر، فلم يقل أستاذي شيئا، وبدأ في مواصلة الدروس.
ومضى الوقت، لكن حلاوة يوم الإجازة لم تنتهي بعد، ولا تزال غالبة على دماغي وعلى أفكاري، فكنت أود الإجازة من جديد، لكن لم يكن لدي عذر، فشرعت في تفكير الأعذار واحد تلو الآخر، حتى أستطيع تقديمه للحصول على الإجازة من المدرسة، فتعطلت من المدرسة، وهذه المرة كانت مرة ثانية، فبقيت في البيت دون أن أفعل أي شيء، حتى انتهى ذلك اليوم بخير وعافية..
وفي اليوم التالي استعدت حسب العادة للذهاب إلى المدرسة، دون أية رغبة، فذهبت إليها، ولما دخلت الصف ناداني أستاذي بصوت جهوري هز أرجاء الصف، فغضب علي، وأسمعني ما أسمع، ولم تزل كلماته ثابتة راسخة في دماغي، فقلت في نفسي: لما غضب الأستاذ اليوم إلى هذه الدرجة، لكني لما أتوصل إلى سبب غضبه ذلك الوقت.
مضى الوقت، وبمضيه مضت طفوليتي، وقد قطعت مسافتها حتى كبرت، وصرت أستاذا، فها هو اليوم الذي أدركت سبب غضب أستاذي، لما غاب طالب من طلاب صفي، وقد تكرر غيابه، فغضبت عليه دون أن أعلم سبب غضبي، لكن بعد تفكير علمت بأن غياب ذلك الطالب مكررا جعلني أغضب عليه، فعرفت بعد سنوات بأن غياب الطالب يكدر مزاج الأستاذ..