إجراء منافسة محمودة بين الطلاب
المعلم لا يبقى جامدا، بل يختار أساليبا متنوعة في سبيل تعليمه الطلاب، وتثقيفه إياهم، وتربيته إياهم، ولا يكون نظره قد استقر في مكان واحد، بل يدور حول الطلاب، ويتفقد ما يحتاجونه من العلوم والثقافة، والتربية، ثم يرى أسلوبا من بين أساليب، يناسب اختياره حسب واقعهم، ويختاره، ويستخدمه...
فوضع المعلم لا يكون على حالة واحدة، بل يكون يرتفع ويخفض كأسعار العملة، فإنها عادة لا تستقر على سعر واحد، بل تتغير أسعارها في اليوم أكثر من عشرين مرة، وقد يكون أكثر مما ذكرته، فالمعلم أحيانا يكون وضعه جيدا، حيث يتلين مع طلابه، ويشفق عليهم، وأحيانا لا بد من تغيير وضعه، حيث يجمع غضبه، ويتظاهر أمامهم لعدم إكمال واجباتهم، وأحيانا يكون تحريضهم وحثهم من قبله على إكمال واجباتهم مشروطا بمنحه إياهم جوائزة، وليس الضروري أن تكون تلك الجوائز قيمة، وتكلف المكلف بتصفير جيوبه، بل تكون تلك الجوائز عادية، كالقلم العادي، والكراسة، والمسواك، وقارورة العطر، والكتيب الصغير، حتى يطمع الطلاب بسبب تلك الجوائز، ويقومون بإنجاز مهامهم في أسرع وقت ما يمكن...
فمنذ عدة أيام أملأ فراغي بمطالعة كتاب "كليلة ودمنة" لعبد الله ابن مقفع، ولقد نال إعجابي ذلك الكتاب، حيث إنه يحضن في حضنه نصائح قيمة، فالذي يطالعه بنية العمل، فإنه يستفيد منه استفادة عظيمة، حيث يستفيد من حيث اللغة، ويستفيد من حيث النصائح، فرجال أكياس لا يتركون مثل هذا الكتاب، ولا يخلون بيوتهم ومكاتبهم من مثل ذلك الكتاب، فلما لاحظت ثمار ذلك الكتاب فجاء في خاطري بأني أشتري هذا الكتاب، وأهديه طلابي، فشراءه لا يكلفني كثيرا، بل نسخة واحدة مطبوعة محلية سعرها لا يتراوح بين مائتين وسبعين أوثلاث مائة روبية، لكن كيف أهديهم، وما هو الأسلوب الذي أختاره حتى أستفيد أنا، وهم أيضا يستفيدونه...
فالوقت كان يمضي، وفكرته حوله أيضا ظلت تتعمق في دماغي، ويتوسع نطاقها، حتى غلبتني، فما كنت أرى خلاصي منها دون الحكم على أمر واحد، فلما ركزت فوجدت أسلوبا، واخترته حتى أتمكن من هديهم ذلك الكتاب، واستخدماهم في إكمال الواجبات، فقررت قرارا حتميا، وقلت في نفسي: غدا أدخل على الطلاب في الصف، ثم أستعمل ذلك الأسلوب في منحي إياهم ذلك الكتاب كهدية...
ها هي أذان الفجر يرفع من مساجد مختلفة، والناس بدؤا استعداداتهم لأداء صلاة الفجر، والطلاب أيضا كانوا في استعداداتهم لصلاة الفجر، فلما صلينا صلاة الفجر مع الجماعة، وأفطرت، ثم على الموعد حضرت الصف، والطلاب جالسون، ومشغولون في مراجعة دروسهم. ثم وجهت توجههم إلي، ولفت أنظارهم قائلا: هل تريدون جائزة!؟ فقالوا بصوت واحد، وجهوري: كيف لا يا أستاذنا الكريم، نريد، لكن دون أي شرط، ولا تمهيد ولا مقدمة، وذلك لأنهم كانوا يعرفون مزاجي وطبيعتي حيث إني أشترط مثل هذه الهدايا بإنجاز واجباتهم نظرا لاستفادتهم...
فقلت لهم: لكم ذلكم، ولكن... قالو لي: ماذا تقصدون يا أستاذ من كلمة "لكن"، فضحكت قليلا، ثم خاطبتهم قائلا: إن الجوائز التي أعلن عنها اليوم، هي في الحقيقة سبب تنشيطكم، فلا بد من ربطها واشتراطها بإنجاز عمل ما، وبما أن هذه الأيام البحث هو أهم عمل لديكم من قائمة الواجبات اليومية، فإن حصولكم على جائزة منوط بإكمال بحوثكم، فمن أكمل قبل الجميع بحثه من جميع الوجوه ينال جائزة، والذي يكمله بعده هو أيضا يستحق لجائزة، وهلم جرا إلى الثالث، أما من بعد الثالث فلن يمنح تلك الجائزة، فَكُرَةُ حصول تلك الجائزة رأميتها أمامكم، فمن عنده رغبة في نيلها، فليضاعف جهده فيما هو منوط به، وسوف يجد بديل تعبه، وإتعابه ما يريحه طوال حياته...
فمنذ أن بدأت تلك المنافسة الكرة لا تزال في أيديهم، فلم ينلها منهم إلا واحد، فمنح في جائزة كتاب "كليلة ودمنة"، ومازات الكرة تنتظر والثالثة أيضا، فننتظر لمن يحالفه حظه...
حررت هذا النص في تاريخ: 1 جمادي الآخرة 1441هجري، الموافق 27 يناير 2020 ميلادي.