في سبيل التذوق القرآني (١٢) : التصوير الفني في الأمثال القرآنية

إن الطريقة التصويرية في القرآن الكريم هي الطريقة الفريدة التي تكفلت بتحقيق القسط الفني في الإسلام، ومخاطبة الحاسة الفنية لدى المسلم! وإن الرغبة في الفن والجمال عميقة الجذور في أعماق النفس، بل إن إدراك الجمال الفني دليل استعداد لتلقي التأثير الديني، حين يرتفع الفن إلى هذا المستوى الرفيع وحين تصفو النفوس لتلقي رسالة الجمال.
وإن القرآن الكريم يحمل في طياته وصفحاته عددا لا بأس به من الأمثال التي سيقت لترسيخ المعاني التي وردت من أجلها في أعماق النفس، ولزيادة التأثير في القلب والمشاعر، وقد استخدمت في عرض هذه الأمثال طريقة وحيدة لم يشذ مثل واحد عنها، ألا وهي طريقة التصوير الفني. 
ومن أمثلة الأمثال المصورة قول الله جل جلاله في محكم تنزيله:{مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا ۚ بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ ۚ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِين}َ(الجمعة:5)
هذا مثل سيئ شائن لبني إسرائيل، لأنهم لم يحملوا التوراة ولم ينفذوا ما فيها، فرسمت لهم هذه الصورة الزرية البائسة، ولكنها صورة معبرة عن حقيقة صادقة، إنهم بموقفهم السلبي من تعاليم التوراة كالحمار يحمل الكتب الضخمة، ليس له منها إلا ثقل الحمل، فهو ليس صاحبها ولا يستفيد مما فيها، واليهود كذلك، وواقعهم التاريخي وما عليه اليوم أهل الاستشراق  من علم غزير بعيد عن التطبيق والعمل يشهد بصدق هذا المثال التصويري المعبر !
ولو بدأت تتأمل في الأمثال القرآنية لوجدت لون التصوير الفني متجليا فيها، ولكن لا يتذوق هذه الأساليب ،ولايصطبغ بهذه الألوان التي لعبت دورا جميلا في سحر قلوب الناس إلا من بذل جهده المستطاع في سبيل التدبر في القرآن الكريم، وليالى رمضان الأخيرة هي فرصة ذهبية لتوثيق وتوطيد صلتنا بالقرآن الكريم، فعلينا أن نقرأه قراءة تمعن وتدبر وتذوق، لنعود بفوائد عظيمة وعوائد جسيمة نضيئ بها أرجاء قلوبنا المظلمة.
{وفي ذلك فليتنافس المتنافسون} 

يوسف عبدالرحمن الخليلي
 ٢٤ رمضان ١٤٤١

يوسف عبد الرحمن الخليلي


مجموع المواد : 44
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2024

التعليقات

يجب أن تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

إنشاء حساب

يستغرق التسجيل بضع ثوان فقط

سجل حسابا جديدا

تسجيل الدخول

تملك حسابا مسجّلا بالفعل؟

سجل دخولك الآن
المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2024