في سبيل التذوق القرآني (٩) : التصوير الفني للمعاني الذهنية
للتصوير في القرآن الكريم جمالياته الفنية التي تؤثر في العقل والقلب معًا، والتصوير ملمح أساسي في النص القرآني يتضافر في تحقيقه اللفظ برنينه الصوتي، والجملة بتراكيبها المتنوعة وبنغماتها الداخلية، والفاصلة بإيقاعها المتلائم مع النسق اللفظي والسياق العام، والمشهد الحي بتكريس التصوير فيه إلى التجسيد الحي حركة وتأثيرًا...والتصوير في القرآن نمط في الأسلوب البياني بلغ حدّ الإعجاز، وتأثيره في النفوس نافذًا حتى الأعماق.
وإن المعاني الذهنية لم توجد في القرآن الكريم بصورتها الخالصة، وحالتها التجريدية المطلقة، لقد استخدم القرآن الكريم طريقة التصوير في نقل هذه المعاني من حالتها الذهنية إلى حالة تصويرية، من يقرأ آية من الآيات تصور معنى من هذه المعاني ترتسم في خياله وأمام ناظريه صورة شاخصة حية متحركة متناسقة لهذا المعنى.
مثاله قوله تعالى : وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِّنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (سورة البقرة،آية:101).
"فالمعنى الذهني الذي صورته هذه الآية هو أن الذين أوتوا الكتاب كفروا بكتاب الله الذي جاءهم به الرسول صلى الله عليه وسلم، كفروا به، وأبعدوه عن مجال تفكيرهم وحياتهم، ولكن التعبير القرآني المصور ينقل هذا المعنى من دائرة الذهن إلى دائرة الحس، ويمثل عملهم بحركة مادية متخيلة، وتصور هذا التصرف تصويرا بشعا زريا، ينضح بالكنود والجحود، ويتسم بالغلظة والحماقة، ويفيض بسوء الأدب والقحة، ويدع الخيال يأخذ هذه الحركة العنيفة، حركة الأيدي تنبذ كتاب الله وراء الظهور".(في ظلال القرآن١/٩٥)
يوسف عبدالرحمن الخليلي
١٩ رمضان ١٤٤١ ھ