حديث اليوم جديد بالنسبة لي!

         حديث اليوم جديد بالنسبة لي، هذا هو عنوان موضوعي اليوم، علما أن هذه العبارة وإن كانت مختصرة من حيث عدد الكلمات، إلا أنها تحمل في حضنها مفهوما بسيطا وواسعا، يفتقر إلى شارح يشرحه بقوة علمة، وبمعرفة ثقافته، وبكثرة مطالعته، فإذا أخذ كل كلمة ويشرحها، فإنه من الممكن يصبح مؤلف شارح كلمات سبع في مفهوم واسع، فترى هذا الاسم لامعا على واجهة الكتاب، فيرى أجمل ما تشاهده من المنظر!

       ولعلك قرأت مثلا معروفا، بل حفظته وأتقنته كمثلي، فإني أيضا مثل هذه الأمثال والحكايات والعبارات التي تفيدني في تكلمي وفي كتابتي، أقيدها بقلمي في كراستي الخاصة بي، وأسجنها في ذاكرتي مع محفوظات حياتي، ثم تعرض من حين إلى آخر في المحكمة أمام قاضي القضاة، لكنها ترجع من جديد إلى سجنها القديم.

       وهو المثل المعروف والذي جاء في أكثر الكتب الأدبية، والتي هي ثروة علمية للأدباء، ولأمثالنا الذين يرغبون بتعلم الأدب، ويطالعون الكتب حوله، فأحيانا يداي تميلان إلى رف يخص بالكتب الأدبية، وأحيانا تجراني إلى رف يخص بالقصص، والتي هي عامة حيث إن القصص لها عدة أيام، فهنالك كتب تتحدث عن القصص الواقعية، كقصص تتعلق بالأنبياء ـ عليهم السلام ـ وتتعلق بالصحابة ـ رضوان الله عليهم أجمعين ـ وتتعلق بالتابعين وهلم جرا.

       وأحيانا تبدو رغبتهما بمسك القوامين حتى تقدم إلي يد العون لمعرفة اسم القاموس، ولمعرفة ترجمة عن مؤلفه، ولأسلوبه ومنهجه في ذلك القاموس، فمثل هذه المعلومات تساعدني حتى لا أجد أية صعوبة فيما بعد، لكن حديثي اليوم يختلف من هذا كله.

       لا يمكنني أن أقول: إنه يتعلق بالأدب، لكن أستطيع القول: إنه يتعلق باللغة العربية أيضا، في تحسينها وتحسين لهجتها، ثم إنه يساعدني في تلاوة القرآن الكريم تلاوة صحيحة، والتي هي مطلوبة من جميعنا، فكل واحد منا يتلو القرآن الكريم حسب أوقاته، فهنالك من يتلوه في وقت لم يرفع الأذان، وهذا هو وقت مبارك لتلاوة القرآن الكريم، لأنه يمنحك خلوة لمناجاة ربك، بعيدا عن الدنيا وما فيها.

       فهنالك من يتلوه بعد ما يفرغ من صلاة الفجر، والبعض يتلونه بعد الظهر والعصر، والبعض لهم موع خاص لتلاوة القرآن الكريم، وهو وقت الأوابين أي بعد المغرب.

       المهم، كل واحد منا يتعلق بالقرآن الكريم، ويحاول أن يجعل علاقته معه علاقة قوية، حتى لو جاءت أمامها صخرة فإنها لا تتأثر منها، بل تجعلها تتأثر منها، فعند ما يكون بين وبينك مثل هذه العلاقة، فحينئذ تجد سعادة في قلبك، وطمأنينة في صدرك، وسعادة في حياتك، وحلاوة في لسانك، وبركة في أوقاتك وأعمالك، وبعيدا عن المشاكل العديدة، والتي تحدث عادة لأجل الفراغ.

       إذا كان هذا كله يتعلق بحديث موضوعي اليوم، فلا بد من معرفة ذلك الحديث، وإلا يبقى الحسرة والندامة في قلب كل واحد، حتى النفس أيضا تلومه بأنك لما ذا ما علمت ذلك الحديث الذي يخفي وراء الكواليس الفوائد العديدة. فلذا كل واحد منا يحاول في معرفة ذلك الحديث، لا يواجه أية ندامة فيما بعد.

       حديث اليوم بدأ من اعتراض طالب والذي هو طالب مواظب ومهتم بالدراسة، حيث إنه قال لي: يا أستاذ، لما أئمة المساجد لا يراعون الاخفاء والإظهار في الحروف عند تلاوتهم القرآن الكريم. فقلت له: ما حدث اليوم! أخبرني مفصلا حتى أكون على علم، فقال لي: يا أستاذ، اليوم خرجت من المدرسة، وصليت المغرب في مسجد قريب من المدرسة، لكه خارج عنها، فالإمام بدأ يقرأ القرآن الكريم، فلاحظت من خلال قراءته أن الإمام المسكين لا يعرف الفرق بين الإخفاء والإظهار، أو يعلمه لكنه لم يتدرب جيدا.

       وبما أن هذا الحديث في البداية كان مبهما بالنسبة لي، فقلت له: وضح أكثر فأكثر  بأنه متى يكون إظهارا ومتى يكون إخفاء؟ وكيف يكون؟ وهذا السؤال وجهته إليه ليعلم الجميع هذا الشيء الجديد من رغم أني كنت أعلمه.

       فقال لي: يا أستاذ، هذا سهل، حيث لو جاء بعد النون الساكن إحدى الحروف الحلقي فهنالك يكون إظهار، أي يظهر النون بالنطق إظهارا كاملا، ومثله هو كما قوله ـ سبحانه وتعالى ـ: "من خوف".

       وإن لم يكن بعد النون الساكن إحدى الحروف الحلقي فتلك الساعة يكون الإخفاء، وهو قريب من الغنة، بمعنى أن النون لا يظهر عن النطق، مثل قوله ـ تعالى ـ : "من جوع".

       فقلت له: بارك الله فيك، وفي علمك، ثم توجهت إلى الطلاب قائلا: هل فهمت أيها الإخوة، كلام أخيكم وزميلكم، فقالوا جميعا بصوت واحد: نعم، يا أستاذ، فهمنا. ثم بعد نهاية الدوام أحد الطلاب قال لي: يا أستاذ، إن حديث اليوم جديد بالنسبة لي!.  

أ.د.خليل أحمد


مجموع المواد : 506
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2024

التعليقات

يجب أن تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

إنشاء حساب

يستغرق التسجيل بضع ثوان فقط

سجل حسابا جديدا

تسجيل الدخول

تملك حسابا مسجّلا بالفعل؟

سجل دخولك الآن
المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2024