الحلقة (1): من حلقات اجتماع الدعوة والتبليغ
لعلك شاهدت مدينة إسلامية وهي بأكملها مدينة إسلامية، غير أنها لا تدوم مدة طويلة، بل تقام على الأكثر لثلاثة أيام، إنها مدينة لا مثيل لها، فالمشاركون فيها كلهم لا يتذكرون إلا الأخوة الإسلامية، فكل واحد يهتم بالغ الاهتمام في القيام بالأعمال الصالحة على طريقة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فالماشون على الطرق يمشون وألسنتهم رطبة في ذكر الخالق وفي ذكر الرازق ـ سبحانه وتعالى ـ والجالسون على أماكنهم قاعدون إلا أن قلوبهم متوجهة إلى الله ـ سبحانه وتعالى ـ والأعجب من ذلك العمل الاجتماعي يقدمونه على الأعمال الفردية، والصلوات الخمس تؤدى بجماعة واحدة، والعدد لا يكون فيها أقل من مليونين بل يتجاوزه في كثير من الأحيان...
لا ريب أن تلك المدينة ليست للنزة، بل للخروج في سبيل الله ـ سبحانه وتعالى ـ فتكون فيها موعظة العلماء حول اليقين وحول كلمة لا إله إلا الله " وحول حسن الخلق والمعاملة، والترغيب في الخروج، فتقام فيها حلقات التعليم التي هي عبارة من قراءة مجموعة من الأحاديث النبوية ـ صلى الله عليه وسلم ـ من كتاب فضائل الأعمال والصدقات، ثم يكون فيها تصحيح التلاوة, فالجميع يسمعون ويسمعون فيما بينهم حول عشر سور الأخير ة من القرآن الكريم، فتجد فيه كل واحد يحاول تصحيح تلاوة عشر سور حتى تصح الصلاة...
والجدير بالذكر أنك لو أخطأت فمقابلك يطلب منك العفو، فالقلوب فيها رقيقة، والعيون فيها مسيلة الدموع، والآذان منصتة إلى الخير، وبعيدة عن قيل وقال، والاستيقاظ في ساعة متأخرة من الليل وتسمع أصوات البكاء أمام الله ـ عزوجل ـ فكل واحد من الغني والمفلس والتاجر والزبائن والموظف الحكومي والأهلي والمدرس والطالب يتضرعون أمام الله ـ سبحانه وتعالى ـ أن يوفقهم للخروج في سبيله ـ عز وجل ـ..
ترى فيها الشباب يعملون بكل جد وبكل نشاط، فيغسلون الأواني ويطبخون الأطعمة المتنوعة، وهم مشغولون في ذكر الله ـ سبحانه وتعالى ـ ولا تجد فيها جدالا ولا فسوقا، إنها أجمل مدينة بعد مكة والمدينة، والكلمة فيها واحدة وهي كلمة لا إله إلا الله...
كما أن إحياء هذه المدينة وإقامتها لا تستغرق إلا عدة أيام، كذلك إنهاؤها لا يدوم إلا ساعات، فبعد نهاية الاجتماع لا تجد شيئا من الناس ولا خيمة من الأخيمة وبساطا من البسط ولا آنية من الأواني ولا فراشا من الفرش، بل تجد ذلك المكان كالصحراء وكأنه لم يحدث هنالك أي شيء...