هل تعلم قصة الكراسة المفقودة!؟

إن الكلمات تذهب في جوف الهواء إن نطقها أحد في مكان لا يوجد فيه سواه، لكن لو كُتِبَتْ نفس الكلمات في ورقة أو مذكرة، أو كراسة فإنها تكون محفوظة بين الصفحات، لكن قصتي اليوم هي قصة كراسة مفقودة، حيث إنها فقدها صاحبها، ومالكها، فإما قصدا فقدها، أم أن قصده لم يتدخل في فقدانها، لكنها عُثِرَتْ في النهاية.

      والذي عثر عليها لم يكن صاحبها ومالكها، بل كان غيرها، فكان يقول: إنها كانت مسودة بكتابات غامضة، لكن بعض صفحاتها في الوسط كانت بيضاء، حيث لم يعثر على كلمة واحدة مكتوبة عليها، وفي النهاية اطلع على كلمات أعجبته وأرغمته على نقلها في شكل المقالة.

      لربما صاحب الكراسة كتب تلك الكلمات من مشاعرها دون أن يعلم بأنها تكون يوما من الأيام في يد أحد العاثرين، وتكون الكتابة محل إفشاء، ولم يكن يتصور أنها تبقى سرا كما هو مطلوب، فما إن عثر عليها عاثر بدأ يقلب صفحاتها حتى رأى كتابة مكتوبة بخط واضح، وبأسلوب جميل، ولعل الكاتب وضع روحه في كتابة تلك الكلمات.

      والكلمات هي أنني اليوم مُسِكْتُ بالرطانة، فما إن دخلت الصف حتى ذكر اسمي أستاذي أمام الجميع، فتلك اللحظات لن أنساها طوال حياتي، فكم كنت خجلا بين زملائي، فخرجت من بين زحمة زملائي مطأطأ الرأس، متعبس الوجه، ماشيا بخطوات بسيطة إلى الجدار، حتى أتشرف بالقيام لثلاثة أيام.

      ثم واصل كتابته حتى قال: لما وصلت إلى الجدار فرأيت طالبين قائمين مع الجدار، فسألتهما مباشرة لما تشرفتما بالقيام؟ فقالا لي: بسبب الرطانة بالأعجمية، فشكرت الله بأنني لست وحدي في هذا المجال، وإنما هنا من يساهمني في حزني وفي مشاعري، فتشرفت ثلاثة أيام حسب القوانين، لكني عزمت في نفس الوقت بأنني مخطئ، وما كان ينبغي أن أقوم بهذا الخطأ، فتبت في نفسي، وعزمت على أن لا أعود إلى نفس الخطأ من جديد بعد هذا اليوم.

      فلما قرأ العاثر هذه الكلمات علم بأن الكتابة تحفظ كلمات مدة طوية، ولا تكون مفقودة، بل تكون مقيدة، فلذا على كل واحد أن يقيد كلماته وذكرياته بقلم في كراسة، ويحافظ عليها، فحفاظه على الكراسة في الحقيقة حفاظ على ذكرياته وكلماته.

أ.د.خليل أحمد


مجموع المواد : 506
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2024

التعليقات

يجب أن تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

إنشاء حساب

يستغرق التسجيل بضع ثوان فقط

سجل حسابا جديدا

تسجيل الدخول

تملك حسابا مسجّلا بالفعل؟

سجل دخولك الآن
المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2024