هل تعلم أن أحدا خاطر بحياته ليفيد الآخرين؟
إن قضية اليوم ليست صعبة حيث لا يمكن حلها، وليست سهلة حيث يحلها كل صغير وكبير، بل تحتاج إلى تفكر، وإن كان ذلك التفكير سطحيا، والقضية هي واضحة من عنوان مقالة اليوم، ومع ذلك أحاول تسليط ضوء عليها حتى يسهل حلها على القاري في البداية، أما في النهاية فالقضايا كلها تنحل، ولا يبقى فيها أي غموض، ولا إبهام...
لما تفكرت في ما خاطر بحياته في سبيل أن يقدم فائدة إلى الآخرين، فتدوخ دماغي في البداية، وبدأت أتفكر فيما واجهه من الخطورة، فشاهدت أنه بالفعل جعل حياته في الخطر تماما، حيث أتى به على النار المشتعلة، والتي لا تترك أحدا إلا وقد تسخنه جيدا، وقد يحرق جسده تماما، وتفني حياته للأبد، فتحمل سخونة النار، وبقي عليها، وليست مواجهته أول مرة، بل سبق له العديد من المواجهات، فيسخن مرارا وتكرارا، مع مقاومة نار تطير شرارتها إلى الهواء، ولا يستطيع أحد الدنو منها، لكنه يدنو منها تماما...
والمحصول الناتج من مواجهته الشديدة تجاه النار لم يعد إلى نفسه، بل ذلك النفع يعود إلى الآخرين، ولم يكن يتفكر يوما من الأيام، أنه إذا تكرر بمواجهة النار يموت أبديا، ثم سخونته لم تكن سخونة عادية، بل ترتفع سخونته إلى درجة تجعل ما في داخله يغلي غليانا، حتى تطمس صورته الحقيقية، وتتحول إلى صورة غير صورته...
ولم يشاهد بأنه تخلف يوما من الأيام، بل دائما يرى في مواجهتها، وأثر مواجهته يبقى مدة بسيطة عليه، ثم يزول حينما يزيله مستخدمه، وكل واحد من الإنس يحتاجه، فلا أرى بيتا يخلو منه، بل يسكن في كل بيت، ويفيد سكانه مقابل سكنه فيه، وذلك لأن غيرته لا ترضى بأنه يسكن في بيت من البيوت مجانا، دون مقابل أي شيء، بل يدفع أجرة سكنه فيه بإفادته سكانه، حتى يضحي نفسه لأجلهم كل مرة بمواجهة النار الشديدة...
ولم ينكر بأنه لا يرضى بمواجهة النار، بل يفرح عند ما يواجهها، ثم مواجهته النار تكون بكل شجاعة، وفي كل مرة تجده أكثر نشاطا في مواجهته، ولكنه ينقصه عيب واحد، ألا هو أنه لا يقوى على حماية ما يكون معه، فإنه يُقْتَلُ تماما، ثم هو ليس بمعنى أنه لا يدافع عنه، بل يدافع عنه حتى يحضنه في حضنه، ومع ذلك العدو يرى بأعينه الحادة، ويرميه صواريخه بأساليبها الخاصة، وفي نهاية المعركة النتيجة تكون بالتعادل، حيث تعقد المعركة من جديد، وذلك العراك بينه وبين النار يكون مستمرا حتى ينهزم أحدهما، فإن انهزم أحدهما فحينئذ الحكم يعلن نتيجة المعركة، ويجعل أحدهما فائزا، وثانيها خاسرا فيها...
فما أشجعه! فما رأيت مثله في شجاعة، وما رأيت أحدا يقدم نفسه تضحية للآخرين، فكل واحد يتمنى أن يكون مثله، ويقول: يا ليتني كنت مثله، ولكن عندما تكتشف عليه حقيقته، فيرجع بما قال، ثم لا يشك أحد أنه محبوب عند الجميع، وممدوح، وجعل الجميع يحتاجون إليه، نعم، إنه إبريق الشاي ويقال له: إبريق القهوة، وجمعه أباريق، فهو الذي يتحمل المصاعب كلها في سبيل إفادة الآخرين...