هم المعاش غالب على هم الآخرة!
العدو مهما يكن مخلصا غير أنه هو عدو في النهاية، فإنه لا يتفكر إلا في الشر، ولا يكيد إلا بالمكائد، ويحاول أن يصطاد صيده بطرق متنوعة، وبأساليب شتى، فتجده دوما مشغولا في الأفكار والمكايد، ويتفكر كيف يمكن أن يجعل منافسه يتضرر في دنياه وفي آخرته، وبطريقة حتى لا يشعر، ويجعل مكيده في إطار جميل، ويعرضه عليه حتى يقبله منافسه دون أن يتذكر أنه هو عدوه، بل يحسب أنه هو أخلص أصدقائه، لكن الحقيقة تقول بالعكس...
فاخترع جوالا متطورا متمنيا أن يكون منافسه مستخدمه باستعمال كثير حتى يبتعد عن هدفه الأصلي، فإنه قد نجح في معروضه هذا، وفي فكرته، ولقد طبق فكرته على منافسه، وهو مشغول كل حين بجواله ظنا أنه يستفيد منه، والحقيقة تقول: لا، بل اصطيد بصنارة الجوال، وأُبْعِد عن هدفه حيث إنه لم يتفكر، ولم يشعر،
لم يكتف على هذا، بل تخطى خطوة أكبر من تلك هذه المرة، وهي جاء بفكرة جديدة، وهي الحاسوب، فإنه عرضه علي منافسه في إطار جميل، حيث قال: إن الحاسوب هو ضرورة لكل واحد، ويجعل لك الكتابة أمرا سهلا، والهدف وراءه هو إبعاد منافسه عن تعلم الكتابة، وقراءة الكتب، ومطالعته، فلا ينكر أحد من نيله هدفه، فإنه أبعد منافسه من تعلم الكتابة، وقراءة الكتب، ومطالعته، وذلك لأن منافسه قبل اختراع الحاسوب كان يقوم بمحاولات عديدة لتحسين خطه إن كان سيئا، لكنه ترك تلك المحاولات بعد نزول الحاسوب في الأسواق، ظنا لا حاجة لتحسين الخط، فإنه لا شيء الآن بعد اختراع الحاسوب، وطبعا فكرته هذه خاطئة، فإنه يعني مستقبل أولاده لا يتعلمون الكتابة باليد، بل يكتفون بالكتابة في الحاسوب، وكذلك شراء الكتب، وقراءتها، ومطالعتها، فإن فكرته هذه أيضا قد هدمت تماما، وذلك لأنه من قبل كان يجمع فلسا فلسا كي يشتري الكتب، ويزين مكتبته بها، ثم يستفيد منها شيئا فشيئا، فمنذ أن جاء الحاسوب، لم تبق تلك الفكرة، بل ظل يعترض على الذي يحمل فكرة شراء الكتب لمكتبته قائلا: لما ذا تنفق مبلغا باهظا رغم أنك تجد كتبا مجانا على الشبكة، فحَمِّلْها منها في حاسوبك، واستفد منها، وهو نسي أن الاستفادة من الكتب المحملة في الحاسوب ليست كتلك الاستفادة التي ينالها هو من الكتب الموجودة في المكتبة، ثم إذا طالع من الكتاب مباشرة يستقر في ذهنه، وإذا طالع من الكتب المتواجدة في الحاسوب فلم يستقر شيء منها في دماغه، فهذا هو أكبر ضرر له في مستقبله العلمي...
ثم بدأ يتفكر العدو بأنه كيف يمكنه الهجوم على منافسه هجمات حتى ينسى مقصد تخلقيه، فبدأ يتفكر ثم يتفكر ... حتى وصل إلى نتيجة مثمرة، والتي جعلت منافسه ينسى هدفه الأساسي من مجيئه إلى هذه الدنيا، والتي هي أكبر خسارة تصيب منافسه، لم تعوض بعد... إنه هي فكرة المعاش، فإن العدو قد جعل هذه الفكرة يبثها في رأس منافسه، وفي دماغه لا يكاد ينفك عنها، ولقد نجح في بث هذه الفكرة، حيث نسي منافسه مقصده الأصلي من تخليقه....
فكل واحد من الصغير إلى الكبير ومن المفلس إلى الغني، ومن البخيل إلى الجواد يتفكر في معاشه من الصباح إلى المساء حتى يحلم في منامه رؤيا حول معاشه، ونسي بأن القرآن الكريم كله يعلمه فكرة الآخرة، لكنه اصطيد في هذا المجال، ولقد غلبت فكرة معاشه على فكرة آخرته، فلا بد أن يتفكر في الخلاص من مكايد أعدائه، ولا سيما في فكرة المعاش، فلا يتركها تغلب على فكرة آخرته، ولا تعود فكرته هذه بأعظم خسائر في حياته وفي مماته...