أيها الطالب، استفد من نصائح المشايخ، (تعلم آداب القضاء ومصاحبة السلطان)

ولا تكثر الخروج إلى الأسواق، ولا تكلم المراهقين فإنهم فتنة، ولا بأس أن تكلم الأطفال وتمسح رءوسهم، ولا تمش في قارعة الطريق مع المشايخ والعامة، فإنك إن قدمتهم ازدرى ذلك بعلمك، وإن أخرتهم ازدرى بك من حيث إنه أسن منك ...

أيها الطالب، استفد من نصائح المشايخ

(تعلم آداب القضاء ومصاحبة السلطان)

وصية الإمام الأعظم أبي حنيفة لأبي يوسف رحمهما الله بعد أن ظهر له منه الرشد وحسن السيرة والإقبال على الناس فقال له : 

يا يعقوب وقر السلطان وعظم منزلته ، وإياك والكذب بين يديه والدخول عليه في كل وقت ما لم يدعك لحاجة عليه ، فإنك إذا أكثرت إليه الاختلاف تهاون بك وصغرت منزلتك عنده،

فكن منه كما أنت من النار تنتفع وتتباعد ولا تدن منها ، فإن السلطان لا يرى لأحد ما يرى لنفسه ، وإياك وكثرة الكلام بين يديه ، فإنه يأخذ عليك ما قلته ليري من نفسه بين يدي حاشيته أنه أعلم منك وأنه يخطئك فتصغر في أعين قومه ، ولتكن إذا دخلت عليه تعرف قدرك وقدر غيرك ، ولا تدخل عليه وعنده من أهل العلم من لا تعرفه فإنك إن كنت أدون حالا منه لعلك تترفع عليه فيضرك ، وإن كنت أعلم منه لعلك تحط عنه فتسقط بذلك من عين السلطان . 

وإذا عرض عليك شيئا من أعماله فلا تقبل منه إلا بعد أن تعلم أنه يرضاك ويرضى مذهبك في العلم والقضايا ، كي لا تحتاج إلى ارتكاب مذهب غيرك في الحكومات 

ولا تواصل أولياء السلطان وحاشيته بل تقرب إليه فقط وتباعد عن حاشيته ليكون مجدك وجاهك باقيا ولا تتكلم بين يدي العامة إلا بما تسأل عنه ، وإياك والكلام في العامة والتجارة إلا بما يرجع إلى العلم ; كي لا يوقف على حبك رغبتك في المال ; فإنهم يسيئون الظن بك ويعتقدون ميلك إلى أخذ الرشوة منهم. 

ولا تضحك ولا تتبسم بين يدي العامة،

ولا تكثر الخروج إلى الأسواق ولا تكلم المراهقين; فإنهم فتنة، ولا بأس أن تكلم الأطفال وتمسح رءوسهم ولا تمش في قارعة الطريق مع المشائخ والعامة; فإنك إن قدمتهم، ازدرى ذلك بعلمك وإن أخرتهم ازدرى بك من حيث إنه أسن منك، 

فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { من لم يرحم صغيرنا ولم يوقر كبيرنا فليس منا } ولا تقعد على قوارع الطريق " 

فإذا دعاك ذلك فاقعد في المسجد، ولا تأكل في الأسواق والمساجد. 

ولا تشرب من السقايات ولا من أيدي السقائين ولا تقعد على الحوانيت ولا تلبس الديباج والحلي وأنواع الإبريسم، فإن ذلك يفضي إلى الرعونة.

ولا تكثر الكلام في بيتك مع امرأتك في الفراش إلا وقت حاجتك إليها بقدر ذلك، ولا تكثر لمسها ومسها ولا تقربها إلا بذكر الله تعالى، 

ولا تتكلم بأمر نساء الغير بين يديها ولا بأمر الجواري، فإنها تنبسط إليك في كلامك ولعلك إذا تكلمت عن غيرها تكلمت عن الرجال الأجانب. 

ولا تتزوج امرأة كان لها بعل أو أب أو أم أو بنت إن قدرت إلا بشرط أن لا يدخل عليها أحد من أقاربك فإن المرأة إذا كانت ذات مال يدعي أبوها أن جمع مالها له وأنه عارية في يدها ولا تدخل بيت أبيها ما قدرت. وإياك أن ترضى أن تزف في بيت أبويها ; فإنهم يأخذون أموالك ويطمعون فيها غاية الطمع. 

وإياك وأن تتزوج بذات البنين والبنات ، فإنها تدخر جميع المال لهم وتسرق من مالك وتنفق عليهم ، فإن الولد أعز عليها منك ولا تجمع بين امرأتين في دار واحدة . 

ولا تتزوج إلا بعد أن تعلم أنك تقدر على القيام بجميع حوائجها واطلب العلم أولا ثم اجمع المال من الحلال. ثم تزوج ; فإنك إن طلبت المال في وقت التعلم عجزت عن طلب العلم ودعاك المال إلى شراء الجواري والغلمان وتشتغل بالدنيا والنساء قبل تحصيل العلم ; فيضيع وقتك ويجتمع عليك الولد ويكثر عيالك فتحتاج إلى القيام بمصالحهم وتترك العلم

واشتغل بالعلم في عنفوان شبابك ووقت فراغ قلبك وخاطرك ثم اشتغل بالمال ليجتمع عندك; فإن كثرة الولد والعيال يشوش البال ; فإذا جمعت المال فتزوج ، 

وعليك بتقوى الله تعالى وأداء الأمانة والنصيحة لجميع الخاصة والعامة ، ولا تستخف بالناس ، ووقر نفسك ووقرهم ولا تكثر معاشرتهم إلا بعد أن يعاشروك ، 

وقابل معاشرتهم بذكر المسائل ، فإنه إن كان من أهله اشتغل بالعلم وإن لم يكن من أهله أحبك 

وإياك وأن تكلم العامة بأمر الدين في الكلام ; فإنهم قوم يقلدونك فيشتغلون بذلك ومن جاءك يستفتيك في المسائل ; فلا تجب إلا عن سؤاله ولا تضم إليه غيره ; فإنه يشوش عليك جواب سؤاله.

وإن بقيت عشر سنين بلا كسب ولا قوت فلا تعرض عن العلم ; فإنك إذا أعرضت عنه كانت معيشتك ضنكا وأقبل على متفقهيك كأنك اتخذت كل واحد منهم ابنا وولدا لتزيدهم رغبة في العلم ، 

ومن ناقشك من العامة والسوقة فلا تناقشه ، فإنه يذهب ماء وجهك ، ولا تحتشم من أحد عند ذكر الحق وإن كان سلطانا ولا ترض لنفسك من العبادات إلا بأكثر مما يفعله غيرك ويتعاطاها فالعامة إذا لم يروا منك الإقبال عليها بأكثر مما يفعلون اعتقدوا فيك قلة الرغبة واعتقدوا أن علمك لا ينفعك إلا ما نفعهم الجهل الذي هم فيه . 

وإذا دخلت بلدة فيها أهل العلم ; فلا تتخذها لنفسك ، بل كن كواحد من أهلهم ليعلموا أنك لا تقصد جاههم ، وإلا يخرجون عليك بأجمعهم ويطعنون في مذهبك ، والعامة يخرجون عليك وينظرون إليك بأعينهم فتصير مطعونا عندهم بلا فائدة ، وإن استفتوك المسائل فلا تناقشهم في المناظرة والمطارحات ، ولا تذكر لهم شيئا إلا عن دليل واضح ، ولا تطعن في أساتذتهم ، فإنهم يطعنون فيك ، وكن من الناس على حذر ، وكن لله تعالى في سرك كما أنت له في علانيتك ، 

ولا تصلح أمر العلم إلا بعد أن تجعل سره كعلانيته ، وإذا أولاك السلطان عملا لا يصلح لك فلا تقبل ذلك منه إلا بعد أن تعلم أنه إنما يوليك ذلك إلا لعلمك ، 

وإياك وأن تتكلم في مجلس النظر على خوف ، فإن ذلك يورث الخلل في الإحاطة والكل في اللسان وإياك أن تكثر الضحك ; فإنه يميت القلب ، ولا تمش إلا على طمأنينة ولا تكن عجولا في الأمور ، ومن دعاك من خلفك فلا تجبه ، فإن البهائم تنادى من خلفها وإذا تكلمت فلا تكثر صياحك ولا ترفع صوتك واتخذ لنفسك السكون وقلة الحركة عادة كي يتحقق عند الناس ثباتك . 

وأكثر ذكر الله تعالى فيما بين الناس ليتعلموا ذلك منك ، واتخذ لنفسك وردا خلف الصلاة ، تقرأ فيها القرآن وتذكر الله تعالى وتشكره على ما أودعك من الصبر وأولاك من النعم واتخذ لنفسك أياما معدودة من كل شهر تصوم فيها ليقتدي به غيرك بك وراقب نفسك وحافظ على الغير تنتفع من دنياك وآخرتك بعلمك ولا تشتر بنفسك ولا تبع ، بل اتخذ لك غلاما مصلحا يقوم بأشغالك وتعتمد عليه في أمورك.

ولا تطمئن إلى دنياك وإلى ما أنت فيه ، فإن الله تعالى سائلك عن جميع ذلك ولا تشتر الغلمان المردان ، ولا تظهر من نفسك التقرب إلى السلطان وإن قربك فإنه ترفع إليك الحوائج فإن قمت أهانك وإن لم تقم أعابك ، ولا تتبع الناس في خطاياهم بل اتبع في صوابهم ، وإذا عرفت إنسانا بالشر فلا تذكره به ، بل اطلب منه خيرا فاذكره به ، إلا في باب الدين ، فإنك إن عرفت في دينه ذلك فاذكره للناس كي لا يتبعوه ، ويحذروه ، 

وقال عليه السلام { اذكروا الفاجر بما فيه حتى يحذره الناس وإن كان ذا جاه ومنزلة } والذي ترى منه الخلل في الدين فاذكر ذلك ولا تبال من جاهه ، فإن الله تعالى معينك وناصرك وناصر الدين ، فإذا فعلت ذلك مرة هابوك ولم يتجاسر أحد على إظهار البدعة في الدين..

وإذا رأيت من سلطانك ما يوافق العلم ; فاذكر ذلك مع طاعتك إياه فإن يده أقوى من يدك ; تقول له : أنا مطيع لك في الذي أنت فيه سلطان ومسلط علي ، غير أني أذكر من سيرتك ما لا يوافق العلم ، فإذا فعلت مع السلطان مرة كفاك لأن إذا واظبت عليه ودمت لعلهم يقهرونك فيكون في ذلك قمع للدين ، فإذا فعل ذلك مرة أو مرتين ليعرف منك الجهد في الدين والحرص في الأمر بالمعروف . فإذا فعل ذلك مرة أخرى ، فادخل عليه وحدك في داره وانصحه في الدين وناظره إن كان مبتدعا ، 

وإن كان سلطانا فاذكر له ما يحضرك من كتاب الله تعالى وسنة رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فإن قبل منك وإلا فاسأل الله تعالى أن يحفظك منه واذكر الموت واستغفر للأستاذ ومن أخذت عنهم العلم وداوم على التلاوة وأكثر من زيارة القبور والمشايخ والمواضع المباركة ، واقبل من العامة ما يعرضون عليك من رؤياهم في النبي صلى الله عليه وآله وسلم وفي رؤيا الصالحين في المساجد والمنازل والمقابر ، 

ولا تجالس أحدا من أهل الأهواء إلا على سبيل الدعوة إلى الدين ، ولا تكثر اللعب والشتم وإذا أذن المؤذن فتأهب لدخول المسجد كي لا تتقدم عليك العامة ، ولا تتخذ دارك في جوار السلطان ، وما رأيت على جارك فاستره عليه فإنه أمانة ولا تظهر أسرار الناس ، ومن استشارك في شيء فأشر عليه بما تعلم أنه يقربك إلى الله تعالى واقبل وصيتي هذه ; فإنك تنتفع بها في أولاك وآخرك ، إن شاء الله تعالى..

وإياك والبخل فإنه يبغض به المرء ولا تك طماعا ولا كذابا ، ولا صاحب تخليط ، بل احفظ مروءتك في الأمور كلها ، والبس من الثياب البيض في الأحوال كلها ، وأظهر غنى القلب مظهرا من نفسك قلة الحرص والرغبة في الدنيا ، وأظهر من نفسك الغناء ، ولا تظهر الفقر وإن كنت فقيرا ، وكن ذا همة ; فإن من ضعفت همته ضعفت منزلته..

وإذا مشيت في الطريق ، فلا تلتفت يمينا ولا شمالا ، بل داوم النظر إلى الأرض وإذا دخلت الحمام ، فلا تساوِ الناس في أجرة الحمام والمجلس بل أرجح على ما تعطي العامة لتظهر مروءتك بينهم فيعظمونك ولا تسلم الأمتعة إلى الحائك وسائر الصناع بل اتخذ لنفسك ثقة يفعل ذلك ; ولا تماكس بالحبات والدوانيق ولا تزن الدراهم بل اعتمد على غيرك وحقر الدنيا المحقرة عند أهل العلم ، فإن ما عند الله خير منها وول أمورك غيرك ليمكنك الإقبال على العلم فإن ذلك أحفظ لحاجتك..

وإياك أن تكلم المجانين ومن لا يعرف المناظرة والحجة من أهل العلم ، والذين يطلبون الجاه ، ويستغربون بذكر المسائل فيما بين الناس ; فإنهم يطلبون تخجيلك ولا يبالون منك ، وإن عرفوك على الحق وإذا دخلت على قوم كبار فلا ترفع عليهم ما لم يرفعوك ، كي لا يلحق بك منهم أذية وإذا كنت في قوم فلا تتقدم عليهم في الصلاة ما لم يقدموك على وجه التعظيم ، 

ولا تدخل الحمام وقت الظهيرة والغداة ، ولا تخرج إلى النظارات ولا تحضر مظالم السلاطين ; وإلا إذا عرفت أنك إذا قلت شيئا ينزلون على قولك بالحق ; فإنهم إن فعلوا ما لا يحل وأنت عندهم ربما لا تملك منعهم ويظن الناس أن ذلك حق لسكوتك فيما بينهم وقت الإقدام عليه

وإياك والغضب في مجلس العلم ،

ولا تقص على العامة فإن القاص لا بد له أن يكذب وإذا أردت اتخاذ مجلس لأحد من أهل العلم ; 

فإن كان مجلس فقه فاحضر بنفسك واذكر فيه ما تعلمه وإلا فلا ، كي لا يغتر الناس بحضورك فيظنون أنه على صفة من العلم وليس هو على تلك الصفة ، وإن كان يصلح للفتوى فاذكر منه ذلك وإلا فلا . 

ولا تقعد ليدرس الآخر بين يديك بل اترك عنده من أصحابك ليخبرك بكيفية كلامه وكمية علمه . 

ولا تحضر مجالس الذكر أو من يتخذ مجلس عظة بجاهك وتزكيتك له ، بل وجه أهل محلتك وعامتك الذين تعتمد عليهم مع واحد من أصحابك وفوض أمر المناكح إلى خطيب ناحيتك ، وكذا صلاة الجنازة والعيدين ولا تنسني من صالح دعائك ، واقبل هذه الموعظة مني ، وإنما أوصيك لمصلحتك ومصلحة المسلمين..

شمس الدين الصديقي

مدرس، طالب، تلميذ، معلم
مجموع المواد : 60
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2024

التعليقات

يجب أن تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

إنشاء حساب

يستغرق التسجيل بضع ثوان فقط

سجل حسابا جديدا

تسجيل الدخول

تملك حسابا مسجّلا بالفعل؟

سجل دخولك الآن
المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2024