هكذا عدت من جديد إلى مدينة العلم والعلماء: من سلسلة يومياتي بقلمي.
بعد ما شفيت من المرض الذي أصابني وطال مدة ستة أشهر وأجبرني على الجلوس في البيت نويت العودة إلى المدرسة من جديد، فأخبرت أبوي وإخوتي وأخواتي وأسرتي عن موعد سفري إلى مدينة كراتشي والتي هي مدينة العلم والعلماء في زمننا الحاضر، فلا شك ولا ريب في أنها تحضن في حضنها العلماء الماهرين في فنونهم والمدراس الدينية العريقة الشهرية القديمة. فلذلك معظم طلاب المدارس يتوجهون في شهر شوال إلى مدينة كراتشي ليلتحقوا بالمدارس، وليحصلوا العلم من كبار العلماء والشيوخ، فلا تخلو حافلة من الحافلات التي تتوجه إلى تلك المدينة من طلبة العلوم الشرعية في بداية شهر شوال وأنا أيضا طالب من طلبة العلوم الشرعية وقضيت خمسة عشر عاما من عمري في هذه المدينة، ولي ذكريات تتعلق بها. ولكن الأسف الشديد فإنها تتلاشى يوما بعد يوم. فلذلك بدأت سلسلة تدوين ذكرياتي في مقالات بعناوين جديدة وأحتفظ بها في شكل الكتب الإلكترونية حتى كلما أقرأها أعود إلى ذكرياتي التي أمضيتها في حياتي.
فكنت أقول: إني أيضا طالب من طلبة العلوم الشرعية، وبسبب المرض الذي أجلسني في البيت مدة ستة عشر عاما كنت بعيدا عن هذه المدينة وعن الجو الذي أحبه أقصد الجو الصالح والديني. فلما جاء ذلك اليوم وحضر فجهزت حقيبة السفر، وجاء أخي بالسيارة، فجلست فيها وقدتها بنفسي متوجها إلى هذه المدينة. وبما أنني كنت قائدها وكنت وحدي في القيادة فشغلت التسجيل الصوتي وشغلت فيه الأناشيد غير الموسيقي حتى لا أمل ولا أنعس وأنا قائد السيارة، فالحرارة كانت شديدة غير أنها لم تؤثر علي لأني شغلت مكيف السيارة فكانت باردة في الداخل حتى وصلت إلى المدرسة فأوقفت السيارة ودخلت المسجد لأنه آنذاك كان وقت صلاة الظهر، وقد قامت، فكنت في محاولة إدراكها فأسرعت في الوضوء ثم دخلت المسجد وأدركت الصلاة.
فلما انتهيت من الصلاة لمحت أستاذي المكرم جالسا على الكرسي في زاوية المسجد فذهبت إليه ولقيته مصافحا متفقدا أحواله ثم جئت إلى القسم الدراسي الذي أنا فيه فلقيت إخوتي وزملائي وأصدقائي، وتحدثت معهم في أمور شتى ثم طلبنا الشاي وشربناه. فالإخوة انصرفوا إلى أمورهم وأعمالهم التي كان يجب عليهم إنجازها في نفس الوقت، وأنا عدت إلى أموري الشخصية، فهكذا عدت من جديد إلى مدينة العلم والعلماء.