لما ذا لا تجعل سنة كاملة كشهر رمضان لتلاوة القرآن الكريم !؟
إنني كنت في محاولة حل معضلة بالنسبة لي، وهي لما ذا نحن نلزم أنفسنا بتلاوة القرآن الكريم في شهر رمضان بعناية تامة، ولكننا لا نلتزم بهذا الالتزام بتلاوة كلام رب العالمين بعد مضي شهر رمضان؟ ومن الممكن أن يكون لدينا أعذار فأعذار، لكن ما نقدمه من لدينا على عدم التزام تلاوة القرآن الكريم كواجب يومي بعد رمضان، هل هو عذر أم لا؟ فإن ثبت أنه عذر، فينظر إلى قبوله وعدم قبوله، وذلك لأن هنالك عشرات أعذار تكون في حياتنا إلا أن البعض لم يقبل بعد لعديد من الأسباب، فنفس الكلام ههنا...
لو نفرض أن لدينا أعذارا على عدم تلاوة القرآن الكريم، فما هي الأعذار؟ فإنني حسب مطالعتي إنها كلها تشترك في أمر واحد، وهو ضيق الوقت، وهذا هو أساس جميع الأعذار، فمن طالب علم إلى عالم، كل واحد لو يسأل لما ذا لا تلتزم بتلاوة القرآن الكريم، كواجب يومي بعد مضي رمضان، فإنهم يتفقون على إجابة واحدة، وهي ضيق الوقت، ولدينا أعمال كثيرة، فطالب العلم يقول: إن لدي دروسا، ومراجعتها، وحفظها، ثم التمارين التي أقوم بحلها يوميا، فإنها تستغرق وقتا كثيرا، فلذا لا أجد فرصة لتلاوة القرآن الكريم، كواجب، مثل واجبات أخرى، فعند ما نرجع إلى المدرسين، فإنهم أيضا يقدمون عذرا على عدم التزام تلاوة القرآن الكريم، فأحدهم يقول: لدي كتب كبيرة، تتطلب مني مطالعتها، وهي تستغرق ساعات، ثم تدريسها، فلذا لا أجد فرصة لالتزام تلاوة القرآن الكريم يوميا، والخلاصة بأن العذر الذي جاء من الجانبين هو ضيق الوقت، وهذا العذر حسب ظني غير مقبول، فإن طالب العلم والعالم أمثالنا يقضون أعمارهم لفهم القرآن الكريم، والذي هو أساس جميع العلوم الشرعية، فإننا نترك الأساس نهائيا، ونتمسك بفرعه، فهذا جهل مركب لدي...
نعم، إن كلامي ليس لأسلافنا، ولا لكبارنا، ولا لأساتذتنا، وإنما هو في أمثالنا، فأسلافنا لم يتركوا قراءة القرآن الكريم من رغم كثرة مشاغلهم، وأمورهم، ولا يدعوها تكون حائلة بينهم وبين التزامهم بتلاوته، بل كانوا يخصصون وقتا مباركا لتلاوة القرآن الكريم، وهو الهزيع الأخير من الليل، بل أفتخر بما أقول: إنهم كانوا يهتمون بالتهجد، ثم كانوا يتلون القرآن الكريم بتدبر، وبتفكر، فلذلك الله ـ سبحانه وتعالى ـ قد بارك في علومهم، وجعلهم أئمة لهذه الأمة، ورفع من شأنهم، حيث إن بركاتهم لا تزال موجودة إلى يومنا هذا، وهم في قبورهم، ولا يخلو يوم حتى لا يقال: رحمه الله، وغفر الله له، ونور الله مرقده، وهذه كلها ببركة القرآن الكريم...
فها هو زمننا نحن، نحفظ بعض العبارات من كتب شتى، ثم نكررها، وهي تكون خالية من أي أثر، لأننا لا نلتزم بما التزم به مشايخنا، وأسلافنا، وأكابرنا، وأساتذتنا، غير أنني لا أقول: إن الجميع سواء فيما أقوله، لأن البعض اليوم أيضا يهتمون بتلاوة القرآن الكريم كما كانوا يهتمون به في شهر رمضان، بل إنهم جعلوا سنة كاملة كشهر رمضان، حيث إنهم يهتمون به اهتماما بالغا، فلذلك الله ـ سبحانه وتعالى ـ رفع من شأنهم، وجعلهم يرتقون في علومهم وفي أعمالهم...
وهذا هو أساسنا في حياتنا، ودستور حياتنا، فلا بد من منح الوقت له، ومن اهتمامه اهتماما بالغا، ونجعل جميعنا سنة كاملة مثل رمضان في تلاوة القرآن الكريم، ونعطي وقتا كاملا من أوقاتنا، ثم سوف نرى بركاته في حياتنا، وفي علومنا، وفي أوقتنا، وهذه التجربة قد جربتها، بأنني كلما أهتم بتلاوة القرآن الكريم أجد سعة في أوقاتي رغم كثرة أعمالي وأشغالي، وهذا ما جعلني أهتم به طوال السنة، وأدعوكم جميعا إلى الاهتمام بتلاوة القرآن الكريم طوال السنة، ولا ينبغي أن نخدع أنفسنا بأعذار، ليست أعذارا حقيقية، بل هي حيلة تبعدنا عن تلاوة القرآن الكريم، والارتباط به، فأسأل الله ـ سبحانه وتعالى ـ أن يجعلنا من عشاق القرآن الكريم، وأن يقوي ارتباطنا بكلامه ـ جل وعلا ـ وأن يبعد كل ما يحول بيننا وبين تلاوة كلامه ـ جل وعلا ـ وأن ينور قلوبنا به في حياتنا، وأن ينور قبورنا بعد وفاتنا، يا رب العالمين...