رحلتي مع اللغة العربية وكيف أتقنت مهاراتها الأربع؟
قصة ملهمة ومنهجية عملية متكاملة لإتقان مهارات الاستماع والتحدث والقراءة والكتابة باللغة العربية.
لا شك أن للغة العربية لها منزلة مرموقة ومرتبة عالية ومكانة رفيعة، فهي أفضل لغات العالم وأفصحها وأبلغها وأشرفها، كيف لا وقد منحها الله تعالى هذا الشرف، وفضلها على سائر اللغات وبين فضلها وشرفها، فقال في كتابه المجيد: ﴿وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِي مُّبِينٍ ﴾ [سورةالشعراء]. وكذلك بين النبي صلى الله عليه وسلم فضل اللغة العربية فقال: "أحبوا العرب لثلاث؛ لأني عربي، والقرآن عربي، وكلام أهل الجنة عربي".
إن هذه اللغة ليست لغة كسائر اللغات الرائجة في العالم، بل إنها لغةٌ وعلمٌ، لغة نتواصل بها مع الناس الذين يتحدثون باللغة العربية، وعلم ندخل به إلى رحاب علوم
القرآن والسنة، فاللغة العربية علمٌ، بل هو أساسٌ لكثير من العلوم العالية، وفهم تلك العلوم موقوف على فهم اللغة العربية وإتقانها، خاصة علوم القرآن والسنة، فلا يمكن للرجل أن يفهم القرآن والسنة فهما صحيحا، إلا إذا فهم اللغة العربية وتمهر فيها وعرف أسرارها واتقن أساليبها.
وإننا اليوم نحتاج غاية الحاجة إلى تعلم اللغة العربية لنفهم بها القرآن والسنة فهما دقيقا، وما نواجه اليوم من الضعف في فهم القرآن والسنة، فسببه الأساس هو الضعف في اللغة العربية، ولكننا اليوم ما زلنا في وهم باطل: بأن اللغة العربية لغة رائجة في الدول العربية ينطق بها ويحدث بها العرب، وليس لها أهمية بالنسبة إلينا نحن المسلمين، ولا نحتاج إليها، بل نستطيع أن نفهم ديننا الإسلامي بدون الحاجة إلى اللغة العربية...
كلا وحاشا! إن اللغة العربية لغة رسمية لدين الإسلام، فمن أراد أن يفهم الإسلام بشكل صحيح فعليه أن يفهم اللغة العربية أولا، يقول الله تبارك وتعالى في كتابه المجيد: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لهم} تدل هذه الآية دلالة ظاهرة على ضرورة وحدة اللسان بين الرسول وبين قومه، ومقتضى هذه الآية أن نتعلم اللغة العربية التي نزل بها القرآن ونقلت بها الأحاديث؛ لنتمكن من فهم القرآن والحديث فهما واضحا من غير وسيط أو ترجمان.
اهتمام السلف الصالح باللغة العربية:
وقد أدرك سلفنا وعلماؤنا السابقون أهمية اللغة العربية وضرورتها في فهم القرآن والسنة؛ فاهتموا بها اهتماما بالغا بالتعلم والتعليم والنشر والتعميم، وأرشدوا الناس إلى تعلمها وتعليمها، فقد قال سيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه-: "تعلموا العربية فإنها من دينكم". وكان الإمام أبو عمرو بن العلاء يعدُّ العربية من الدين لا تنفصل عنه ولا ينفصل عنها، فبلغ ذلك عبد الله بن المبارك فقال: «صدق». وكان الامام سيبويه - رحمه الله تعالى- في بداية شبابه أراد أن يتعلم العلوم الشرعية، فبدأ بدراسة الحديث عند الإمام حماد بن سلمة، وفي يوم من الأيام طلب الإمام حماد من تلميذه سيبويه أن يقرأ الحديث، فأخطأ سيبويه في قراءة لفظ من ألفاظ هذا الحديث فغضب الإمام حماد، وقال لسيبويه: أتخطئ في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فخجل سيبويه مما حصل وندم ندامة شديدة، وحلف بالله على "أن يتعلم علما لا يلحن بعده في اللغة العربية أبدا" فانتقل إلى الإمام الخليل بن أحمد الفراهيدي؛ ليتعلم منه علوم اللغة العربية، ولازمه سنين طويلة، حتى برع في اللغة العربية وعلومها، ثم برع في القرآن والسنة وعلومهما.
اللغة العربية مفتاح العلوم الشرعية:
ومن هنا نعتقد اعتقادا جازما لا يشوبه شك، أن اللغة العربية مفتاح العوم الشرعية كلها، فيجب علينا أن نملك هذا المفتاح لكي نستطيع أن ندخل إلى خزائن علوم القرآن والسنة ونجول في أعماق نصوصها ونخرج بالجواهر واللآلئ الموجودة فيها، وكل ذلك لن يمكن إلا بعد إتقان اللغة العربية والتمهر في علومها.
وتعلم اللغة العربية ليس صعبا ولا محالا، بل هو سهل يقتضي منك قليلا من التركيز والاهتمام، وأفضل طريق لتعلم اللغة العربية هو الاستمرار والمداومة على التكلم بها، بأن نواظب على التكلم باللغة العربية في كل وقت من أوقاتنا، كما يقال بالعربية (لا يُفلُّ الحديدُ إلا بالحديد) فكذلك لا يُتعلم اللغة العربية إلا بالتكلم.
قصَّتي مع اللغة العربية:
ويحسن ههنا أن اذكر قصتي مع اللغة العربية، فقد كنت في بداية أمري لا أعرف شيئا من اللغة العربية، ولكنني كنت أشتاق إليها بصبوة ولهفة، فالتحقت بالجامعة الفاروقية في كراتشي، فكنت أستصعب اللغة العربية، وكنت أرى الطلاب يتكلمون باللغة العربية الفصحى، فأشعر في نفسي بشعور مزيج من الخوف والخجل، ولكنني كنت عازما على تعلم اللغة العربية، فبدأت أجتهد في تعلمها، وأواظب على التكلم بها مع إخواني وأصدقائي، فكنت أخطئ في بعض الكلمات والتعبيرات وهم يصلحونها لي، فكنت أدون الألفاظ الجديدة والتعبيرات الجميلة في كراستي، ثم أبدأ باستعمالها في حواراتي اليومية مع إخوتي وأصدقائي، حتى بدأ أسلوبي في اللغة العربية يتحسن يوما فيوما، واجتمع عندي ذخيرة كافية من المفردات والكلمات والتعبيرات بحيث أصبحت قادرا على التعبير عن الأفكار التي تجول في خاطري...
وفي يوم من الأيام أثناء الدراسة تحدَّث أستاذنا فضيلة الشيخ عبد القدير خان (مدرس اللغة العربية وآدابها بالجامعة الفاروقية كراتشي) عن أهمية اللغة العربية وأساليب تعلمها وطرائق التمهر فيها، وأرشدنا إلى أسلوب قويم ومنهج مستقيم في تعلُّم اللغة العربية والبراعة في مهاراتها، وكان مما قال يومئذ:
للغة العربية أربعُ مهارات:
إن اللغة العربية -كسائر اللغات- تعتمد على أربع مهارات، وهي:
۱- مهارة السماع.
٢- مهارة التكلم.
٣- مهارة القراءة.
٤- مهارة الكتابة.
فمن تمكن من هذه المهارات كلها، استحق أن يعد من الماهرين في اللغة العربية.
1 - مهارة السماع والاستماع :
وهو أن يفهم الرجل ما يسمعه باللغة العربية من الحوار والخطب والدروس والمحاضرات، فإذا استمع إلى شيء من هذه الأشياء عرف المفردات والتعبيرات وفهم المعاني التي يريد المتكلم أو الخطيب أن يوصلها، والسماع هي الدرجة الأولى من درجات تعلم اللغة العربية الصحيحة، ولكن كثيرا من الناس يغفلون عن هذا الأمر المهم.
وطريقة التمهر في فن السماع أن يستمع الطالب إلى الأساتذة الذين يجيدون التكلم باللغة العربية، خاصة الأساتذة العرب الذين يدرسون باللهجة العربية الخالصة والخطباء العرب الذين يخطبون بالأسلوب العربي الخالص، وكذلك يستمع إلى القصص والمسلسلات العربية التي تكون لغتها سلسة وفصيحة، ليستفيد منها في تطوير مهارة السماع فيسمع الكلمات والتعبيرات باللهجة العربية الفصيحة فيتعود على محاكاتها واستعمالها في حواراته اليومية.
2 - مهارة التحدث والتكلم:
وهو أن يستطيع المرء أن يعبر عن الأفكار التي تدور في ذهنه بكلمات جميلة وتعبيرات فصيحة من غير تلعثم ومن غير تكلف.
وطريقة التمهر في هذا الفن أن يواظب الطالب على التكلم باللغة العربية حق المواظبة فيجعلها شعاره ودثاره وطعامه وشرابه، ويتكلم بها مع كل أحد من الأساتذة والزملاء والأصدقاء، فإن لم يجد صديقا يتكلم معه، فينزل الأشجار والأحجار والجدران بمنزلة الأصدقاء ويخاطب هذه الأشياء باللغة العربية كما أنه يخاطب أصدقاءه، فالتكلم باللغة العربية أمر مهم لمن أراد أن يتعلم اللغة العربية، كما يقول شيخنا الأديب عبد اللطيف معتصم -حفظه الله ورعاه-: «التكلم مفتاح التعلم».
3 - مهارة القراءة والمطالعة:
وهو أن يستطيع الرجل أن يقرأ النصوص العربية ويفهم ما يقراه ويطالعه في الكتب والمجلات والرسائل بكل سهولة.
وطريقة التمهر في فن القراءه والمطالعة أن يقرأ الطالب بالاستمرار في الكتب العربية والأدبيه ويستخرجه منها الكلمات الجديده والتعبيرات الفصيحة والعبارات البليغه ثم يبدأ باستخدام هذه الكلمات والتعبيرات في حواراته وفي كتاباته لتتحسن لغته ويترقى أسلوب كتابته.
4 - مهارة الكتابة والإنشاء:
وهو أن يعبر المرء عن الأفكار الموجوده في ذهنه بعبارات جميلة وتعبيرات رائعة وأسلوب مؤثر مناسب
للمقام.
وطريقه التمهر في هذا الفن أن يتمرن الطالب على كتابة القصص وإنشاء المقالات، بأن يكتب قصصا وجيزة ومقالات قصيرة بالاستمرار، ويهتم بكتابة يومياته وذكرياته ويحاكي في ذلك أساليب الكتاب والأدباء الذين يقرأ كتبهم ويطالع مقالاتهم، فإن المداومة والاستمرار على الكتابة سيصقل مواهبه في الإنشاء ويهذب أسلوبه في الكتابة.
فبدأت أعمل بنصيحة أستاذي حفظه الله ورعاه، والزمت على نفسي التكلم والقراءة والكتابة يوميا، واستمررت على هذه الطريقة برهة من الزمن، حتى رأيت ثمرة ذلك بعيني وذقت حلاوة ذلك بلساني، وبدأ أسلوبي في اللغة العربية يتحسن يوما فيوما، حتى أصبحت قادرا على التكلم والمحادثة والكتابة والإنشاء باللغة العربية، وها هي مقالتي الأولى باللغة العربية أقدمها إليكم في مجلة الفاروق الغراء، وما هي إلا أثر من آثار بركة الاستماع إلى نصيحة أستاذي حفظه الله تعالى في صحة وعافية.
فتعلم اللغة العربية ليس أمرا صعبا، بل هو بين أيديكم وتحت قدرتكم، تستطيعون أن تتعلموا اللغة العربية بكل سهولة بشرط أن تهتموا بها وتواظبوا عليها وتلزموها على أنفسكم في السفر والحضر والدراسة والعطلة، والمقصف والملعب، وفي كل زمان ومكان.
فإن ألزمتم اللغة العربية على أنفسكم وواظبتم عليها حق المواظبة؛ فستتعلمونها إن شاء الله العزيز بسرعة فائقة في مدة يسيرة جدا إن شاء الله تعالى.