نشأة الكتابة
الكتابة المستمرة تنشئ في صاحبها ملكة تدب دبيبا في أوائل أمرها كحبر ألقي على الأرض ما له من رافع، ثم لا يلبث إلا برهة حتى يرفع رأسه راجيا الرفعة والنجاة من الضعة...
فلم يلبث غير كثير حتى يسلك مساره نحو العلى والقلم، ولأنه لسانه الذي ينطق به، وكبده الذي لا يأوي إلا إليه، وأوردته التي لا تنبثق منها إلا هو، فلا يرضى بالقعود والتثاقل...
وكأنه يخاطب نفسه بشعر:
ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها
إن السفينة لا تجري على اليبس
وبعدما يسمو إلى ذيل القلم، يتنفس نفسات عميقة مطلقا عنانه نحو ممسك القلم وذهنه، ليقطف من خواطره المتبعثرة وخواطره اللامعة وخيالاته المكنونة القيمة الثمينة، لينقلها إلى الحقيقة البادرة والحياة المتواجدة...
فلا يتريث طويلا حتى يفوض نفسه مستسلما متطايرا صوب شوكة القلم عملا بآية "واتوا البيوت من أبوابها" ليلمسها مستأذنا منقادا متشكلا كيفما أراد الكاتب، ويرد حيثما شاء الكاتب إيراده على وجه الصفحة، يسعى أن يحيي بنات أفكاره ذكرى للذاكرين وعظة للمعتبرين وبحرا ذاخرا للباحثين.