مقدمة سلسلة (رجال أعدوا الرحال، قبل الوصال)
خلال جولتي في تراجم العلماء والمحدثين وجدت لهم حكايات أعاجيب، فكانوا منارات الخير ومعالم الرشد ومنابر الهدى ومصابيح التقى، يهتدى بهديهم وتقتفى آثارهم. من أعاجيب حالاتهم أنه ذكر في ترجمة غير واحد منهم أنه كان على استعداد كامل لارتحاله من الدنيا، ولم يكن يقدر على أن يزيد من أعماله شيئا حتى يستعد للموت، بل كان على عدة تامة لرحلته.
جمعت أسماء جملة من الأعلام وحالاتهم التي تنير هذا الجانب الذي قلما يؤبه له وينتبه إليه أحد أو يلقي له بالا، ولم أستوعب، بل معظمها ما وقفت عليها مصادفة فضبطتها ونقلتها، والفحص والتتبع يكشف عن الكثير من أمثال هذه الحكايات ونظائرها، فلا يحسبن أحد أن هذا المكتوب عمل نهائي وصنعة شاملة لما عنون عليه، ولكني أود أن أتتبع وأتصفح المزيد من أمثالها، فإنها تنفع الجامع قبل غيره، والله ولي التوفيق والسداد.
وسترى في ثنايا هذه السطور ما لا يتعلق بصلب هذا الموضوع، ولكنه جانب مهم فلا يضرب عن ذكره صفحا، وذاك أن كل واحد منهم كان ذا حظ من الصلاة، يتلذذ بها حتى ترى أحدهم يصلى متطوعا من طلوع الشمس إلى العصر، ومثل ذلك في تراجمهم كثير، ونظائره عديدة، ولما أن ذلك لم يتعلق بموضوعنا لم أعرج عليه.