إن كنت تدعي أنك لا تتعرض للنسيان فأنت مخطئ!
إن ادعى أحدنا أنه لا ينسى ما يحفظه، مستدلا بأنه يحمل ذاكرة قوية، فلا يمكنني القول: إنه كاذب يكذب علينا، لأن الكذب صفة لا تليق بشأن المسلم، بل أقول: إنه مخطئ فيما يدعي هو، وذلك لأنه في النهاية هو إنسان، والقاعدة المعروفة للإنسان هي أن كل إنسان معرض للنسيان، فأنا وأنت معرضان للنسيان...
فلست أنا وحدي أقول مثل هذا الكلام، بل البيئة التي نعيش فيها والزمن الذي نعيش فيه يشهد على أنني صادق فيما قلت وأقول، حتى يتعرض أحدنا وهو في مناداة ربه ـ عز وجل ـ لكن أمر النسيان ليس في يده، فلذا لو نسي وهو في الصلاة يجب عليه سجدتا السهو...
والذي أنقله إليكم هو مبني على الحقيقة حيث أن الشهر كان شهر رمضان، والناس كانوا يستعدون لصلاة العصر، فأنا أيضا كنت أتوضأ حتى أجلس في الصف لأنتظر لصلاة العصر، فجلست أنا والذي كان يفرغ من وضوئه يجلس في الصف منتظرا لإقامة الصلاة...
والحرارة كانت على منتهاها، فكل من كان يدخل المسجد يرى أثر العرق على وجهه، فأحد المصلين قال للإمام: من فضلك يا إمامنا، شغل مولد الكهرباء حتى نصلي صلاة العصر براحة، لأن الكهرباء منقطعة منذ ساعتين، لكن الإمام لم يلتفت إليه وكأنه لم يسمع شيئا، فسكت ذاك الأخ منتظرا لإقامة الصلاة...
فها هو حان وقت إقامة صلاة العصر، فأقيم بكلمات... الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمد رسول الله، أشهد أن محمد رسول الله، حي على الصلاة حي على الصلاة حي على الفلاح حي على الفلاح، قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله...
فكبر الإمام والمقتدون كبروا، لكن قدر الله ما شاء، نسي الإمام بأنه في صلاة العصر، وبدأ يقرأ سورة الفاتحة بصوت جهوري، فواصل حتى وصل إلى قوله تعالى : "إياك نعبد وإياك نستعين" فتذكر مباشرة أنه في صلاة العصر، فتوقف من الجهر، لكن الحرارة لم تترك أي واحد من المقتدين أنهم في صلاة العصر، فالمقتدي الذي هو نائب الإمام والذي قد أقام الصلاة، ظن أن الإمام قد نسي سورة الفاتحة، فلقنه لقمة "اهدنا الصراط المستقيم" فالإمام صامت...
ثم عاود نفس التلقين بقوله: اهدنا الصراط المستقيم" حتى ثلاث مرات لقن الإمام حتى أخيرا صمت... ثم ماذا! ما إن سلم الإمام من الصلاة بتسليمتين إلا وقد بدأ يفرغ جام غضبه على ذاك الذي لقنه قائلا: يا أخي ، لما ذا كنت مصرا على تلقيني أنا، أما عرفت أننا في صلاة العصر، التي تكون فيها قراءة سرية لا جهرية...
فقال ذاك المقتدي للإمام: إنه ببركة شدة الحرارة، وأنا نسيت تماما بأننا في صلاة العصر، فبدأ الناس يضحكون... يضحكون... حتى بعضهم لم يتمكنوا من السيطرة على الضحك، فخرجوا من المسجد...فتيقنت حينئذ مباشرة بأن النسيان هو مرض عادي يصيب كل واحد منا، فأسأل الله سبحانه وتعالى أن يحمينا جميعا من مثل هذا الموقف المضحك المحرج...