سلسلة قرآنية مقتبسة : من تفسير تنوير الإيمان في تفسير القرآن الكريم
بسم الله الرحمن الرحيم لا شك أن العرب في صدر الإسلام ما كانوا يحتاجون لفهم القرآن الكريم إلى تعلم لغة مستقلة، بل اللغة العربية هي كانت كافية لهم لفهم القرآن الكريم، ثم كانوا في معية النبي صلى الله عليه وسلم، فما كانوا يعانون أية مشكلة في فهم القرآن الكريم، فإن لم يفهموا آية من القرآن الكريم فكانوا يرجعون إلى النبي صلى الله عليه وسم للاستفسار عنها، فكانوا يفهمون منه. فلما توسعت دائرة الإسلام وبدأ يدخل بلدانا أعجمية، فحينئذ غير العرب كانوا يجدون أكبر صعوبة في فهم القرآن الكريم، فيجب عليهم تعلم لغة أخرى غير لغتهم الأم، وهي العربية في سبيل فهم القرآن الكريم، وهذا كان أكثر صعوبة عليهم، فمست الحاجة إلى ترجمة القرآن الكريم إلى لغتهم حتى يفهموا رسالة الله سبحانه وتعالى وأحكام الدين. فجزا الله الإمام أبا حنفية ـ رحمه الله ـ بخير الذي هو أول عالم من علماء ذاك العصر قد أفتى بجواز ترجمة القرآن الكريم إلى لغات أخرى، مثل الفارسية والسندية والأردية وغير ذلك مما سواه، فبسبب فتواه قد سهل على كثير من الناس فهم القرآن الكريم. والعلماء الآخرون الذين عاصروا الإمام أبا حنيفة هم اختلفوا في مسألة ترجمة القرآن الكريم إلى لغات أخرى، لكن رأي أبي حنيفة ـ رحمه الله تعالى ـ صار مقبولا في النهاية. ثم إن الإسلام لما جاء إلى قارة الهند فأولا دخل بلاد السند، والمجاهد الشاب الذي يدعى محمد بن قاسم، هو الذي فتح بلاد السند تحت رئاسة الخليفة وليد بن عبدالملك في نهاية القرن الأول للهجرة، ولقد ذكر أحد أعلام المعروفين في السند الفقيه الشيخ مخدوم محمد هاشم التتوي في كتابه : بياض هاشمي، أن الإمام جلال الدين السيوطي ـ رحمه الله تعالى ـ قد أتى روايتين: أولا: عن محمد بن علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنهما ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ ذكر أنه وفد عليه وفدان في يوم واحد من السند وأفريقية بسمعهم وطاعتهم. فهذا الحديث مرسل عند المحدثين، وذلك لأنه لم يذكر اسم الصحابي. ثانيا: روي أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أرسل كتابه إلى أهل السند على يد خمسة نفر من أصحابه ـ رضي الله عنهم ـ فلما جاؤا إلى السند في قلعة يقال لها نيرن ، أسلم بعض أهله، ثم رجع من أصحابه اثنان مع الوافد عليه من السند وبقي ثلاثة منهم في السند، وأظهر أهل السند الإسلام وبينوا لأهل السند الأحكام وماتوا فيه وقبورهم فيه إلى الآن موجودة. ولقد بحث في هذه الروايات المخدوم محمد هاشم التتوي كمحدث، ولقد تتأيد هاتان الروايتان من صفحات التاريخ، وخلاصة هذه الرواية بأن الصحابة الذين جاؤا إلى السند في منطقة حيدر آباد وعلموا الناس، فلا بد من أنهم علموهم القرآن الكريم وأحكامه، وبما أن المخاطبين لم يكونوا دارين اللغة العربية، فاستخدمت اللغة السندية كوسيلة لإفهامهم القرآن الكريم. ترجمة القرآن الكريم باللغة السندية لما بدأ دور التأليف والتصنيف ترجم القرآن الكريم باللغة السندية في القارة الهندية في وسط القرن الثالث للهجرة، فنظرا إلى طلب مهروك بن رائق لقد ترجم العالم العراقي ترجمة القرآن الكريم باللغة السندية بأمر حاكم عبدالله بن عمر بن عبدالعزيز، وبما أنه قد مكث في السند تعلم اللغة السندية فكان يجيدها، وكان شاعرا أيضا. قد أثرت ترجمته على الحاكم حيث لما سمع آية من القرآن الكريم في قوله تعالى: من يحي العظام وهي رميم" نزل من سريره وعرشه وجلس على الأرض والدموع كانت سائلة من أعينه. لكن الأسف لم تبقى تلك النسخة محفوظة بسبب تغير الأطوار والأحوال وبسبب عدم وجود رسم الخط، وهذا التفسير "تنوير الإيمان في تفسير القرآن الكريم" هو تفسير نادر، حيث أنه لا يوجد مثله في اللغة السندية، والذ ألفه هو مولانا محمد عثمان، وهو من أسرة لها علاقة بالأدب والعلم منذ خمس مائة عام، ولم أقف على تاريخ ميلاده في الكتب. وكان أول معلم الفقه في سند مدرسة الإسلام، وقد قدم خدماته فيها من 1888م إلى 1912م، وبما أنه كان شاعرا فألف أبياتا وأشعارا باللغة السندية، وله مؤلفات عديدة، أما تنوير الإيمان فهو آخر تأليف له، حيث أنه بدأه في سند مدرسة الإسلام عام 1904م وبلغ إلى سورة الشورى أعني الجزء الخامس والعشرين، أما بقية التفسير فقد أكمله حفيده مولانا محمد. ولقد نهج في هذا التفسير حيث أنه قام بترجمة الآية الكريمة ترجمة لفظية، ثم بين خلاصتها وشأن نزولها، وفي المرحلة الثالثة والأخيرة بين معنى الآية ومفهومها المعني، وقد ذكر مسائل فقهية وفق المذهب الحنفي. ولقد اعتمد في هذا التفسير على التفاسير المعتمدة، ثم تقاعد بعد مضي خمسة وعشرين عاما وعاد إلى قريته كورواه" وتوجه إلى تعليم أبنائه وأحفاده، ثم أصيب بمرض حتى توفي فيه 4 سبتمبر عام 1918م ودفن في مدينة "كريوكهنور".