ما الذي منعني من كتابة موضوع اليوم!؟
إن هذا اليوم قضيته دون أن أقوم بعمل يذكر، فلست أدري من الصباح إلى المساء لماذا لم أقم بأي عمل، حتى الكتابة، التي جعلتها من واجباتي اليومية، والتي هي أصبحت عادتي وديدني، فهي بالنسبة لي كالدواء، فالمريض عند ما يتفاقم مرضه، فإنه بأمس الحاجة إلى تناول دواء ليخفف مرضه، ويشفيه من مرض أقلقه، فأنا أيضا مريض، وأحتاج إلى دواء فعال، فلا أرى دواءا يناسبني غير الكتابة، فلما أمضي يوما دون كتابة فكأني قتلت ذلك اليوم في الهو واللغو، وإن كان حافلا من الأمور الأخرى...
لكن الكتابة أيضا تحتاج إلى أن أختار لها موضوعا يناسبها، واختيار الموضوع لا يكون أمرا سهلا كما يظن البعض، بل يحتاج إلى تركيز كامل، وهدوء تام حتى يتم اختياره، فلا كتابة دون موضوع، ولا موضوع دون تركيز، ولا تركيز دون هدوء، فهذه الأمور كلها مترابطة بعضها ببعض، فإن فقد واحد منها لا يكتمل الثاني، وإن فقد الثاني لا يكتمل الثالث، وهلم جرا...
وقد يكون هنالك سبب آخر ليكون مانعا من الكتابة، فلا بد من البحث عن ذلك السبب حتى يعالج، ويبعد، فسبب عدم كتابة اليوم صار مجهولا عني، ولم أعلمه، ثم ركزت على دماغي، وتفكرت باحثا عنه في يوم كامل، فقضيت ساعات عديدة فيه حتى أصل إلى معرفة ذلك السبب، وفي البداية عانيت العديد من المشاكل في التركيز على البحث عن ذلك السبب، ولكن في النهاية أخيرا علمت أكبر سبب منعني من كتابة موضوع اليوم...
إنه في عيني أكبر سبب، وقد يصغر في أعين القاري، فالخلاف في كبره وصغره حجما موقوف على حجم العمل، فإن كان يمنع عملا يكبر حجما، فإن ذلك السبب يكون كبيرا، وإن كان يمنع عملا يصغر حجما، فإن ذلك السبب لا يكون كبيرا، بل هو سبب صغير وبسيط، فالسبب الذي منعني من القيام بعلم الكتابة، فإنه أكبر سبب بالنسبة لي، وذلك لأن ذلك العمل أقصد الكتابة، أكبر عمل لدي، فلذا جعلت سبب مانيعه أكبر فأكبر...
نعم، إنه كوب الشاي، فإن لدي عادة بأنني أشرب قبيل العصر كوب الشاي، لكن اليوم لم أشربه بسبب ما، ولم أكن أدري أثر ذلك الكوب، غير أني اليوم عرفته، فإني لو كنت أشرب لما تكاسلت في إنجاز مهمة الكتابة، ولما تخلفت عنها، لكن حدث ما حدث، فإني شربته بعد العشاء، فبدأت نشاطاتي من جديد، وكتبت أكثر من صفحة، وهي أمامك الآن...