اليوم السابع عشر : من يومياتي في شهر رمضان عام 1442هـ
اليوم السابع عشر من رمضان
هل يتعلم الصغار الكذب بأنفسهم أم أنهم يكتسبون تعلمه من الكبار؟ وكيف يتعلمون من كبارهم؟ هذا هو موضوعي اليوم. لست خارج الموضوع، لأنني عزمت على أني أكتب في شهر رمضان أحداث كل يوم، وأضيفها إلى يومياتي في رمضان، فإن هذا اليوم الذي شاهدته ورأيته هو أوصلني إلى تفكير في هذا الموضوع. والنتيجة سوف تعلمها في نهاية مقال اليوم، وأحاول الابتعاد عن المبالغة في كلام أذكره وأكتبه، وأبذل قصارى جهدي في أن لا يكون بعيدا عن الحقيقة، بل يكون كله مبنيا على الحقيقة.
أحد الأبناء كلفه أبوه بإنجاز مهمة، فذهب لإنجازها، وقد تم إنجازها، ثم عاد وأخبر أباه بأنه قد أنجزها. فغضب في وجهه أبوه، واشتد غضبه، فخاف ذلك الابن ثم التفت إلى كذب، وقال لأبيه: في الحقيقة أنا أخطأت في بياني أمامك، والحقيقة هي هذه، وكذب أمامه، ففرح أبوه قائلا: نعم، الآن جئت بالحق. فانتهى حوارهما وأنا كنت جالسا بنيهما، فلم أقل لهما شيئا خشية أن يحدث بينهما أمر جديد.
ثم بعد ذهاب أبيه جاءني ابنه، وكلمني في بعض الأمور، فسألته عن إنجاز مهمة كلف به من قبل أبيه، فقال لي: أولا أخبرت أبي صدقا، ثم لما رأيت أنه قد غضب علي واشتد غضبه فكذبت أمامه عمدا حتى يخف غضبه. فلما سمعت كلامه هذا مباشرة ذهب دماغي إلى هذه النقطة، وهي أن الكذب لا يتعلمه الإنسان بنفسه، بل يجبره أحد على تعلمه، سواء يكون صغارا أم كبارا، وما أقوله الآن هو مجرب، حيث إني قضيت بضع سنوات بين طلاب المدارس، فما لاحظت أنهم لا يكذبون عادة، بل يجبرهم عمل أحد على تعلمه، وقد أجلب لكم مثالا واضحا حتى تتضح هذه النقطة، وهو أن أحد الطلاب يريد الإجازة فيقدم العريضة إلى أستاذه ويكتب كل ما فيها مبنيا على الحقيقة، ولكن أستاذه لا يقبل عريضته، وهو مضطر إلى أخذ إجازة فما ذا يفعل؟ طبعا يذهب مرة أخرى ويكتب في العريضة الكذب، ثم يقدمها إلى أستاذه مرة أخرى، فيقبلها، فهنا تتضح هذه النقطة حيث إن ذلك الطالب لم يتعلم الكذب بنفسه، بل علمه أستاذه بتصرفه.
فنفس الحال في أمر الصغار، فهم أيضا لا يتعلمون الكذب بأنفسهم، ولكن لم يغضب أمامهم آباءهم وأمهاتهم فهم يضطرون إلى الكذب أمامهم حتى يجتنبون عن غضبهم، وعن ضربهم، فلذلك لا بد أن لا نغضب في وجوههم في كل أمر، بل نتفكر ونسمع كلامهم ثم نفهمهم بالمحبة والشفقة حتى لا يضطرون إلى الكذب.