هل ترى أن المطالعة ضرورية لكل طالب أم أن هنالك استثناء؟
موضوع مقالة اليوم لم يكن قديما كما يظن البعض، ولم يكن حديثا كما يعتقد البعض، بل إنه متوسط من أوساط موضوعات قديمة وجديدة، ولكن هذا الموضوع لا يزال يقتضي في عصرنا الحاضر أنه يناقش بين المناقشين، ويكتب بأقلام الكاتبين، حتى تصل أهميته إلى كل طالب من طلبة العلوم، وأهميته واضحة كضوء الشمس، فكما أنه لا يمكن لأحد إنكار ضوء الشمس، كذلك لا يمكن لأحد أن ينكر أهميته، وبناء على ذلك أن الكاتب قد مسك قلما بين أنامل أصابه، وبدأ يتفكر حول الموضوع وما حوله، ولكنه منذ وقت طويل فهو حائر من بدء هذا الموضوع، فأحيانا فكرته تقول: ابدأ بهذه الطريقة، وقد تتغير وتقول له: لا، بل اكتب بداية هذا الموضوع بهذه الطريقة، فذاك المسكين أصبح متعلقا بشبكة الصيد، وهي في يده، ولكنه ما استطاع رميها في الماء...
قد حان أوان تلك اللحظة التي لطالما ينتظرها ذلك الكاتب المسكين، وبدأ كتابة حول هذا الموضوع، والبداية كانت برأيه حيث قال: إنني أرى أن كل طالب يجب عليه أن يطالع درسا جديدا قبل أن يذهب إلى الأستاذ، فإن لم يفعل ذلك فإنه قد يعاني أكبر مشكلة في فهم ذلك الدرس، وقد يكون جسده حاضرا في الفصل أمام أستاذه ويحرك رأسه على كل كلامه وقوله، ولكن قلبه يكون خارج الفصل، أما الدماغ فقد ينكر نهائيا من قبول أي كلام يأتيه من فم أستاذه، بل يولد فكرة ويخبر صاحبه قائلا: لا تتفكر إن لم تفهم هذا الدرس أمام أستاذك، فقد تفهمه خارج الفصل من زملائك، وإن لم تفعله من زملائك فيمكن أن تفهمه من شرح ذلك الكتاب، هكذا يجعله يسرح في أفكاره، والأستاذ يصرف كل طاقته في إفهامه ذلك الدرس، ويظن من تحريكه رأسه على كل كلامه وقوله: أنه ما شاء الله ـ يفهم كل درس، والحقيقة تكون خلاف ذلك...
وكذلك لو لم يطالع درسا جديدا وهو مبتدئ، فكيف بإمكانه أن يعتمد على نفسه بعد تخرجه، فوالله رأيت الكثيرين من الإخوة الذين قد أكملوا دراستهم، وتخرجوا من مدارس شتى، ولكنهم للأسف ثم للأسف لا يعلمون كيفية البحث عن كلمة ما في القاموس، وليس إلى هذا الحد، بل كلمت بعض الإخوة، وطلبت منهم بأنهم يبحثون عن معنى كلمة في القاموس، فرأيتهم يقلبون صفحات القاموس، فأحيانا يقلبونها إلى الأمام، وإلى الخلف، فسألتهم هل تستطيعون البحث عن كلمة في قاموس؟ فجوابهم كان محيرا ومدهشا، حيث قالوا ورؤوسهم منخفضة قائلين: سامحني يا أستاذ، لم نبحث أية كلمة في القاموس في حياتنا، وهؤلاء ليسوا طلابا عاديين، بل هم خريجون، فإن كان وضعهم هذا فماذا يعلمون تلامذتهم وطلابهم في المستقبل.
فلذلك أٌقول: يجب على كل طالب أن يطالع درسا جديدا قبل ذهابه إلى الفصل، حتى يستفيد من كلام أستاذه استفادة كاملة، وذلك لأن الذي يطالع مسبقا فإنه عند ما يذهب إلى الفصل فيكون حاضرا فيه جسدا وقلبا وفكرة ودماغا، لأنه ربما بل على يقين لم يفهم بعض العبارات من خلال مطالعته، فيريد فهمها من أستاذه، فيتوجه إلى سماع الدرس توجها كاملا، ولا يخدعه دماغه، ولا يذهب قلبه إلى الخارج، ولا يكون في واد أجنبي، بل يكون في نفس الوادي الذي فيه أستاذه، ثم إنه يتعلم كيفية مطالعة الكتاب، ويعتمد على نفسه، ويكون راسخا في العلوم في النهاية بإذن الله...
ولكن لو هنالك طالب لم يطالع رغم ترغيب أستاذه، فماذا يجب على أستاذه أن يفعل تجاه ذلك الطالب؟ أنا لدي رأي خاص في هذا، وقد يكون ذلك الرأي يخالف آراء الإخوة الآخرين، ولكن يحق لكل واحد اتخاذ رأي مستقل، فأنا أقول: مسئولية الأستاذ تقتضي من ذلك الأستاذ أن يجبر ذلك الطالب على مطالعة درس جديد، وإن كان هذا العمل جبرا، لأن الأستاذ يكون بمنزلة الأب بالنسبة لطلبة العلوم، كالوالد، كما أن الوالد يجبر أولاده على تعلم بعض الأمور التي تفيدهم فيما بعد، ولا يبالي ماذا يجدون في أنفسهم، ولا يتفكر ماذا يقول الناس فيه، بل يستمر في هذا الوضع حتى يعلمهم، فإن تعلموا وكبروا ثم يقدرون جهد أبيهم، ويشكرونه عمليا، أما لو تركهم أبوهم على حالهم، ولم يجبرهم على تعلم تلك الأمور فعند ما يكبرون يطعنون أباهم، ويغضبون عليه، ويتكلمون فيه كلاما لا يناسبه...
فنفس الشيء ههنا حيث إن الأستاذ لو أجبره على مطالعة درس جديد كل يوم، ولو يكون جبرا فإنه يجعل ذلك الطالب قويا في العلوم مستقبلا، وربما لا يكون راضيا في نفس الوقت، ويجد في نفسه على أستاذه، ولكنه في المستقبل القريب تجده مادحا لأستاذه، وذاكرا له بكلمات جميلة، وشاكرا له، ولكن لو تركه ذلك الأستاذ على حاله، ولم يقل له شيئا حاليا، فربما يفرح ذلك الطالب في هذا الوقت، ولكن سروره وفرحته يكون مؤقتا، فبمضي الوقت ونهايته تنتهي فرحته وبهجته، ثم تجده يذكر أستاذه بكلمات عجيبة وغريبة، ويجعله أكبر مذنب في تدمير مستقبله، وهذا ما حدث في الماضي وفي الحال، وسوف يحدث في المستقبل أيضا...
فلذلك أكرر كلامي وأقول: يجب على كل طالب أن يطالع درسا جديدا قبل أن يذهب إلى الفصل أمام أستاذه، وعمله هذا بإذن الله يجعل مستقبله منورا، ويخرجه عالما بارعا في العلوم والفنون، ويعوده على مطالعة الكتب طوال حياته، وهذا هو المطلوب من الدراسة...