أفادتني اليوم تجربة سابقة!
حياة الإنسان مليئة من الأحداث والتجارب، فكم من حدث يحدث في حياته، وكم تجربة تحدث فيها! فيتعلم دروسا من تلك الأحداث في حياته، ويستفيد من بعض تجاربه، فأنا أيضا من أولئك الذين مروا على عدة تجاربهم، واستفادوا منها..
من تلك التجارب التي قد مرت بي هي تجربة مضت عليها حوالي خمس سنوات، وهذه المدة لم تكن مدة طويلة، بل هي مدة قريبة، فكان لي صديق، فمرة من المرات جاءني وطلب مني أن أعطره، فحسب عادتي خلعت غطاء قارورة العطر، وأعطي من يطلب مني الطيب والعطر، فلما أعطيته قارورة العطر دون غطائها وجه إلي سؤالا، وقال: لما ذا أعطيتني قارورة العطر دون غطاءها، وما هي الحكمة فيها؟ من فضلك أخبرني حتى أستفيد من خبرتك، ومن تجربتك...
وبما أنه كان صديقا لي، وما كنت أريد أن أبخل فيما تعلمته من تجاربي، فلم أستطع إمساك لساني، ولم أقوى إغلاق فمي، بل قلت له مباشرة: في الحقيقة عند ما أعطي أحدا قارورة العطر مع غطاءها، فإن أعجبته فلا يردها علي، فلذا لا أعطي من يطلبني العطر القارورة مع غطائها، فما إن سمع كلامي، فحرك رأسه، وعطر نفسه، ثم رد علي قارورة العطر، وانصرف...
وفي اليوم التالي لما كنت جالسا على سريري فنفس الصديق جائني، وطلب مني العطر، فحسب العادة أعطيته قارورة دون غطائها، فأخذ مني قارورة العطر، وأدخل يده في جيبه، وأخرج غطاء آخر، وغطى تلك القارورة، وقال لي مبتسما في وجهي: مع السلامة يا صديقي، فأصحب فمي مفتوحا ناظرا إليه بنظرات الاندهاش، فقلت في نفسي: كنت أظن أني أذكى من الجميع، ولكنه أذكى مني، والتجربة التي كنت أعتمد عليها لم تفدني اليوم، فما قلت له شيئا...
ومر وقت طويل على ذلك الحدث، ونسيته، ولكن اليوم حدث ما يشابهه، وهو أن أخي الأكبر جاءني في الغرفة، فرأيت في يده قارورة العطر، فقلت له: أرني تلك القارورة وأنظر كيف هي؟ فخلع غطائها، وأعطاني قارورة العطر دون غطائها، فتذكرت ما حدث بي قبل خمس سنوات، فمباشرة رأيت قارورة العطر الأخرى كانت موضوعة بجنبي، وكانت فارغة، فخلعت منها غطائها، وغطيت تلك القارورة التي أعطاني إياها أخي، وقلت له: لا حاجة إلى غطاء القارورة، وضعها عندك، فبدأ ينظر إلي بنظرات الاندهاش، وقال لي: ما هذا؟ فقلت له: هي في الحقيقة تجربة قد مرت بي، وأفادتني اليوم حق الافادة...