إليك مقالتي هذه إن كنت جادا في تعلم الكتابة
إن الكاتب دائما يحاول تحسين كتابته، وتجديد أفكاره، وحل مواضيع حديثة، فبناء على ذلك يرى دائما سارحا في فكرة من أفكار الموضوع، بغض النظر إلى أنه جالس في الغرفة، أو أنه ماش على الطريق، وأنه ذاهب لعمل ما، لكن فكرته لا تنفك عنه، فإن الفكرة هي ثروته في دنياه وفي آخرته، بل إنه لو قام بكتابة موضوع جعل القاري متأثرا منه، فبدأ يغير وجهة حياته، فحينئذ لا أن الكاتب بدأ له الحساب الجاري الذي لا يمكنه إخراج الرصيد إلى ما بعد رحيله من هذه الدنيا، فهنالك لا تسأل عن مدى سروره وفرحته، فلذا على الكاتب أن لا يتخلف عن الكتابة مهما يحدث...
والموضوع الذي جاءني اليوم هو موضوع عام، كتب عليه الكُتَّاب، وملأ به السجلات والمكاتب المؤلفون، إلا أن كل واحد له أسلوب خاص، فالبعض منهم يودون أسلوبا أدبيا، فتركيزهم يدور على العبارات الأدبية والجمل الأدبية مع عناصر الموضوع، والذين يحبون التفاسير فهم يجلبون في موضوعاتهم معظم الأدلة من التفاسير العديدة، وهلم جرا.
وأنا لا أدعي أنني كاتب، غير أنني طالب جديد في مجال الكتابة، فلذا أحاول القيام بكتابة المواضيع الجديدة، وإن كانت في الحقيقة قديمة، لكنها بالنسبة إلي جديدة، ثم أسلوبي لم يكن أسلوب المؤلفين الكاتبين الكبار، بل أنا متبدئ في هذا المجال، وقد أدرك هذا الأمر القراء أكثر مني حين قراءة مقالاتي، فيطلعون على الأخطاء الإملائية والصرفية والنحوية وغير ذلك مما يتعلق بالكتابة، لكني لم أتخلف عن كتابة المواضيع، والسبب في ذلك هو أن الإنسان يتعلم بأخطائه، فإن أخطأ اليوم مائة، غدا يخطئ تسعين، وثم في اليوم التالي ثمانين، إلى أن تنتهي سلسلة الأخطاء في الكتابة والإنشاء...
وهنالك أمر تجب علي الإشارة إليه، وهو أن المبتدئ لما يبدأ كتابته فيعتقد من أول يوم أن كتابته لا تساويها كتابة أخرى، ثم إذا رأى كتابة أجود من كتابته من حيث ربط الكلمات والعبارات وربط الأفكار بعضها ببعض، فحينئذ يتقاعس تماما، ويضع يده على جبينه متأسفا على ما كتبه، فنتيجته إما أن يترك الكتابة، وإما أنه لا يداوم عليها، أو أنه يكتب لكنه يقول في نفسه: إنني لا أستطيع كتابة جميلة من حيث المواضيع والأفكار...
فمثل هؤلاء أصلا مرضى، يحتاجون إلى علاج مستقل، وبما أن أمراضهم لم تكن ظاهرية فلذا دواء أمراضهم أيضا لم تكن ظاهرة، بل يعالجون بتغيير أفكارهم، حيث يسأل أحدهم سؤالا بسيطا، وهو أن الذي يعطر نفسه هل هو يشم رائحة طيبه، وعطره مدة طويلة، أم لا؟ طبعا، الإجابة لا تكون بـ "نعم"، بل هي بالنفي، لكن الذي يمر بجنبه، ويجلس معه، أو يرافقه فإنه يجد راحة في نفسه بسبب رائحة ذلك الطيب، وقد يسأله أيضا بسؤاله: أي عطر استخدمته؟ فنفس الشيء في الكتابة، حيث إنها لا تحسن لصاحبها لكنها بالنسبة إلى غيره تكون أجمل كتابة في الدنيا، فإذا تفكر الكاتب المريض بهذه الصورة، فإنه يتمكن من علاج نفسه وعلاج مرضه الذي أصيب به... ثم بإمكانه المداومة على الكتابة حتى يتمهر فيها...