مجدد الدعوة العلامة محمد إلياس الكاندهلوي رحمه الله

مجدد الدعوة إلى الله على نهج النبوة العلامة محمد إلياس الكاندهلوي رحمه الله





رجل نحيف تشف عيناه عن ذكاء مفرط وهمة عالية ، علي مجهه مخايل الهم والتفكير والجهد الشديد ، ليس بمخوط ولاخطيب ، بل يتلعثم في بعض الأحيان ، ويضيق صدره ف ولاينطلق لسانه ، ...

مجدد الدعوة إلى الله على نهج النبوة العلامة محمد إلياس الكاندهلوي رحمه الله رجل نحيف تشف عيناه عن ذكاء مفرط وهمة عالية ، علي مجهه مخايل الهم والتفكير والجهد الشديد ، ليس بمخوط ولاخطيب ، بل يتلعثم في بعض الأحيان ، ويضيق صدره ف ولاينطلق لسانه ، ولكنه كله روح ونشاط ، وحماس ويقين ، لاسيأم ولايمل من العمل ، ولايعتر به الخطور ولا الكسل رأيته في حالة عجيبة من التألم والتوجع ، والقلق الدائم ، كأنه علي حسك السعدان يتململ السليم ويتنفس الصعداء ،... لما يري من حوله من الغفلة عن مقصد الحياة وعن غاية هذا السفر العظيم ، وافقته في السفر والحظر ، فرأيت ونواحي من الحياة لم تنكشف لي من قبل ، فمن أغرب ما رأيت : يقينه الذي استطعت به أن أفهم يقين الصحابة فكان يؤمن بما جائت به الرسل ايماناً يختلف عن ايماننا اختلافاً واضحاً كاختلاف الصورة والحقيقة ، ايماناً بحقائق الإسلام أشد وأارسخ من ايماننا بالماديات وبتجارب حياتنا ، فكان كل شيء صح في الشرائح وثبت من الكتاب والسنة حقيقة لايشك فيها ، وكانه يري الجنة والنار رأي العين . وكان لسلف الشيخ محمد إلياس دورة التاريخ الاصلاح الديني ومساهمة فعاله في حركة الجهاد ، والدعوة الي الدين الخالص ، التي قادها الامامان : السيد احمد الشهيد ، والشيخ محمد اسماعيل الشهيد ، وتتلمذ رجال هذه الاسرة علي مسند الهند وامام الحديث فيها لعلامة الشيخ عبدالعزيز بن الامام أحمد عبدالرحيم الدهلوي صاحب « ححجة الله البالغة » ومسند الهند العلامة الشيخ محمد اسحاق بن محمد أفضل العمري حفظ القرآن في صباه وكان تحفيظ القرآن عرفاً متبعاً في الأسرة . مولده ونشاطاته : كانت ولادة الشيخ محمد الياس الكاندهلوي في سنة 1303 هـ . وقد عاش أيام طفولته في خودلته ( في « كاندهلة » أحدي القري الجامعة في مديرته « مظفر نكر » في ولاية « أتراپردش » بالهند ) وعند والده الشيخ محمد اسماعيل في « بستي نظام الدين » بدهلي الجديد . كانت أسرته مهد العلم والدين والورع ، حتي أن قصص حرص السيدات في هذه الاسرة علي العبادة والتلاوة والذكر ، ومواظبتهن علي الأوراد ووالتسبيحات ، وإحيائهن الليالي ، وقيامهن بتلاوة السورة القرآنية ، مما لاتسموا اليه همة كثيراً من الذكور في هذه الأيام ، فقد كن يحافظن علي السنن والنوافل بما فيها صلاة التراوح في رمضان ، وكان شهر رمضان المبارك ربيع القرآن الكريم ، حيث يتذوقن تلاوة القرآن ويتلذذن به . والده : والده هو العالم الرباني الشيخ محمد اسماعيل الذي ينتهي إلي أسرة كريمة عريقة في العلم والدين . ينتهي نسبها الي سيدنا أبي بكرالصديق رضي الله عنه . وكانت إقامته بدهلي الجديد واما مسقط رأسه وطنه الام العريق فهو قرية : جهنحهانه في مديرية مظفر نكر في ولاية أترا پردش . أمه : كانت أمه السيدة صفية حافظة القرآن الكريم وقد حفظته بعد الزواج ، حين كان ابنها الشيخ محمد يحيي رضيعاً ، كانت تتلو القرآن كله ، وعشرة أجزاء زيادة عليه كل يوم في شهر رمضان المبارك وعلى ذلك فكانت تتلو القرآن في كل رمضان أربعين مرة ، وذلك بجانب القيام بشؤون البيت ووظائفه ، بل كانت يداها مشغولتين بعمل من الأعمال ، فالإنسان يقضي العجب منها، فقلما يقدرعليها رجل قوي متفرغ صاحب همة عالية وعزيمة . طفولة الشيخ محمد إلياس وثقافته البيتية : تعلم الشيخ محمد الياس في الكتّاب ، وقرأ القرآن الكريم كعادة الأطفال في أسرته ثم حفظ القرآن في صباه ، وكان تحفيظ القرآن عرفاً ومتبعاً في الأسرة حتى لم يكن يوجد في المسجد غير حافظ للقرآن الكريم إلا المؤذن وحده . كانت توجد فيه منذ الصبا مسحة من روح الصحابة وولائهم ، وقلق واضطراب واحتراق للدين والدعوة ، حتي كان العلامة الشيخ محمود حسن المعروف بشيخ الهند شيخ الحديث بدارالعلوم ديوبند سابقاً يقول : إني كلما أري الشيخ الياس أتذكر الصحابة رضي الله عنه . ولقد كان هذا الإمام من أهل العزلة والخلوة والعبادة والتلاوة وخدمة الغادين والمسافرين، وكان تعليم القرآن شغله الشاغل في ليله ونهاره. وكان قمةً في التواضع وإنكار الذات حتى إن كان ليحمل الحمل عن الأجير ويضعه.. وينزع الماء بالدلو من البئر ويسقيه ثم يركع ركعتين شكراً لله على توفيقه لخدمة عباده دون جدارة أو استحقاق … جبل الشيخ محمد إلياس علي الحمية الدينية التي زادت ونمت واتخذت صورة منظمة فيما بعد ثم أشتغلت الجمرة الإيمانية ، وأثارت الغيرة الدينية في قلبه بيئته التي نشأ فيها ، وقصص العلماء الربانيين والمؤمنين الصادقين التي كانت تتلى في بيته ، حتي غدا تصدر عنه في صباه أعمال لاتصدر عادة عمن كان في سنة . يقول تريبه ورفيقه في الكتاب الأستاذ رياض الإسلام الكاندهلوي : حينما كنا تلميذين في الكتاب ، جاء يوماً بحطب ، وقال : تعال يا أخي رياض الاسلام نجاهد ضد تاريكين الصلاة . دراسته : أول ما درس الشيخ الياس عند أخيه النابغة الشيخ محمد يحيى ، وكانت طريقة الشيخ محمد يحيى في تعليم وتربية الشيخ محمد إلياس طريقة مبتكرة ، وكان يركز على اللغة والأدب والتضلع منهما منذ البداية ، ويبذل عناية خاصة بإتقان اللغة العربية ، فتكون عنده النبوغ والاستعداد العلمي ، وكان الشيخ محمد الياس ما زال يتنقل بين كاندهلة ونظام الدين وفيها (خؤولته وإقامة والده) وكان إقباله على الدين والعبادة كبيراً جداً من طفولته، لذلك عرض الشيخ محمد يحيى على والده أن يرافقه أخوه محمد الياس إلى كنكوه كي يتمكن من الإقبال على دراسة العلوم والإشراف عليه بصورة منظمة ودائمة .. حيث تلك القرية منتجعٌ الصالحين والأتقياء والعلماء تمتع الشيخ بمعايشتهم فيها وصحبة الشيخ رشيد .. ولا يخفى على الحكماء وأهل الخبرة ماذا تعني هذه المجالس والمحافل الدينية ومعاشرة الأخيار وما فيها من أثر على طالب العلم، حيث العواطف الدينية والذكاء والفهم الديني والشعور الإسلامي.. هذه البيئة التي عاش فيها الشيخ محمد الياس رحمه الله كان لها الأثر الأكبر والعامل الأساسي في تكوين حياته الدينية والإيمانية ، حيث أمضى بها أكثر من عشرة أعوام يدرس حتى توفي الشيخ رشيد رحمه الله في سنة 1363 هـ ، والتلميذ يقرأ ويتعلم حيث كان أخوه الخبير الشيخ محمد يحيى يشرف عليه ويربيه بحنكته وخبرته مركزاً عنايته على أن لا تحول دراسته النظامية بينه وبين الإفادة من تلك المجالس الخيّرة. تغيّرت صحة الشيخ محمد الياس رحمه الله وأُصيب بصداع شديد وأمراض قد نحلت جسده وأضعفت قوته ، مما اضطره إلى الانقطاع عن الدراسة فترة ، ثم ما لبث أن رجع إليها قبل أن يتم شفاؤه رغم معارضة أخيه لعودته ، حيث قال له أخوه: ما حاجتك إلى الدراسة وأنت في هذه الحالة من النحول والضعف؟ فأجاب: وماذا ينفعني أن أعيش جاهلاً؟ وأخيراً استسلم الناس لإلحاحه ورجع إلى العلم والدراسة. اتمام دراسة الحديث الشريف ( في ديوبند ) : ارتحل في سنة 1326 هـ إلي ديوبند ، وحضر دروس العلامة الشيخ محمود حسن المعروف بشيخ الهند – رئيس هيئة التدريس وشيخ الحديث بدارالعلوم ديوبند – في جامع الترمذي وصحيح البخاري ، وبعد ذلك بأعوام أتم الدراسة الحديث ، وقرأ بقية الصحاح والكتب والأجزاء الحديثية على أخيه الشيخ محمد يحيي . بيعته : بعد وفاة لشيخ الكنكوهي اتصل بالشيخ خليل أحمد السهارنفوري – صاحب بذل الج هود في حل الفاظ أبي داوود وبايعه ، وذلك علي اشارة من الشيخ محمود حسن رحمه الله ، وتلقي التربية الروحية ، وتخرج عليه في التزكية القلبية والإحسان . الإمعان في العبادة ، والحرص علي السنن والنوافل : بعدما توفي الشيخ الكنكوهي ، أصبح الشيخ يقضي أوقاته في صمت وسكوت ، حتى تمضي عليه أيام لا ينبس ببنت شفة ، فقد مضي الشيخ محمد الياس عشر سنوات كوامل في صحبة الشيخ رشيد احمد الكنكوهي رحمه الله . الزواج : كان زواجه في 6 من ذي القعدة سنة 1330 الموافق 17 من أكتوبر سنة 1912 م بعد صلاة العصر يوم الجمعة المبارك في « كاندهلة » علي نت الشيخ رؤوف الحسن ، وحضر تلك المناسبة السعيدة زبدة العلماء والمشايخ ، أمثال الشيخ خليل أحمد السهانفوري ، والشيخ عبدالرحيم الرائفوري والشيخ أشرف علي التهانوي ، وألقي الشيخ أشرف علي التهانوي بهذه المناسبة خطبة قيمة بعنوان فوائد الصحبة تكرر طبعها وتوزيعها . بيعة للجهاد : كانت عاطفة الجهاد مشتعلة في قلبه بجانب الإكثار من الذكر والسنن والنوافل والعيش في العبادة والمتصلون به يعرفون أن دوراً من أدوار حياته لم يخل من تلك العاطفة ، والعزيمة مما دفعه إلي أن يبايع الشيخ محمود حسن بيعة الجهاد . الإتصال بقوم مَيو : بدأ هذا الاتصال في حياة الشيخ محمد إسماعيل والد الشيخ محمد إلياس ، ولم يكن هذا الاتصال أمراً اتفاقياً رهين المصادفة ، بل تقدير الله العزيز الحكيم الحليم . أراد الشيخ محمد إلياس أن يخطو خطوة أخرى ، ويقيم في ميوات نفسها كتاتيب ومدارس حتى يعلم الشعور بالدين ويتوسع نطاق الخير والصلاح ، وبعد مضي مدة لم تستقر طبيعتة القلقلة على مرحلة بدائية للإصلاح والدعوة وشعر بالجهل المطبق والظلام المخيم على البلاد ، واللادينية السارية في المجتمع ، ولا يوجد عند القوم الحرص على الدين حتى يبعثوا أولادهم للتحصيل والتعليم مندفعين واغبين ، ثم إن هذه الإهتمامات كلها مصروفة إلى هؤلاء الأطفال الذين لم يبلغوا الحلم ولم تكلفهم الشريعة بشيء ما . أما الرجال الذين هم موضع الخطاب في الشريعة والأحكام الذين هم موضع سخط الله من أجل الإهمال للدين والرغبة عن العمل والتطبيق ، فليس لهم نصيب في هذه التدابير كلها ولا يمكن أن يكونوا جميعاً طلاباً في الكتاتيب ، يلتحقون بها ويدرسون فيها ، منصرفين عن أشغال الحياة ووسائل كسب المعاش ، وقد حرص الشيخ في زيارته لميوات على حسم النزعات والصراعات الكثيرة التي كانت لا تعرف النهائية منذ القديم ، وقد نجح في ذلك نجاحاً كثيرا بفضل حكمته ولباقته الدينية ، وكان ذا ربانية وروحانية ، حتى كان أهل ميوات يقولون : ما لهذا الرجل الذي ليس إلا مجموعة من عدة عظام ، يصلح كل قضية يتدخل فيها وينزل الخصمان عند رأيه مهما كان كل واحد آبيا عصياً لا يعرف اللين والمرونة . مزايا ميو القومية : فقد كانت ولاتزال – البساطة والعزم والانفعالية والصلابة والأصالة هي التي يمتاز بها الميواتي عند المسلمين من سكان المدن وللقري المتمدنة . نبذة من وضع أمة « ميو» الديني والخلقي : بلغت أمة ميو من الانحطاط الديني نهاية ليس بعدها إلا الردة القومية ، وقد شعر المؤرخون من غير المسلمين أيضاً ببعد ميو عن الإسلام ،حتى أصبحوا أشباه الهنادك في عاداتهم ، وتقل المساجد في قراهم ، ولديهم عادة استخدام المسكرات والمواد التي تبعث النشاط ، وهم ضعيفوا الإيمان واليقين ، وكانوا معروفين بسوقة الحيوانات والبهائم والثور والبقر . الحجة الثانية : انطلق في شوال سنة 1344 هـ ليمضي إلى الحج في رفقة الشيخ خليل أحمد السهارنفوري ، ولما انتهى الحج وعزم الرفقة إلى مغادرة المدينة المنورة ، وجدوا الشيخ محمد إلياس في قلق عجيب ، وأبى أن يفارق المدينة ، وقد شرح الله صدر الشيخ في تلك الزيارة الكريمة لبدء عمل دعوي وحركة دينية شاملة ، وارتحل من المدينة المنورة بعد ما أقام خمسة أشهر . بداية جولاته الدعوية : وبعد عودته من الحج بدأ يقوم بجولات دعوية ، وكانت مثل هذه الدعوة غير معهودة لدى الناس . وتزامن ظهور هذه دعوة الشيخ إلياس في وقت كثرت فيه الأفكار والاتجاهات مع انتشار الآراء والأحزاب السياسية والدينية، والتي غلب على صفاتها الفشل … فظن كثير من الناس والعلماء أن هذه الدعوة كأخواتها وسابقاتها. وسبب هذا الظن هو بُعدهم وانتشارهم في الولايات الهندية و وصول الأخبار إلىهم عن هذه الدعوة ليس كما يجب. فلذلك كان اكبر أمل عند الشيخ محمد إلياس رحمه الله هو أن يحمل أهل العلم وطلبته هذا الفكر وينشرونه في المدن والقرى لذلك شُكلت الجماعات إلى المدن المعروفة والمشتهرة بدور العلم والعلماء. فأرسل الجماعات إلى سهارنفور وديوبند وغيرهما ، وكان يزور العلماء ويحدثهم ، وكان يقول في ذلك: لا أدري أيّ قوة أستخدمها للإفهام والإقناع وبأي لسان أصارح وبأي قوة أثبت في ذهني وبأي حيلة أحوّل المعلوم البديهيَّ الواضحَ كلَّ الوضوح مجهولاً أو أجعل المجهول معلوماً*!!! إني أؤمن إيماناً كاملاً بأنه ليس هناك (سد سكندري) عالٍ أمام هذا التيار الجارف والسيل العرمرم من الفتن العمياء والظلمات المتراكمة … إن إيماني بالمساهمة في هذه المحاولة التي نهضتُ بها بكل قوة وبكل حماس وعاطفة وبالقلب والقالب وبصرف كل جهد وعناية إليه كفيل بأن يتصدى لذلك. لقد كان في بداية الأمر كثير من العلماء يعارضون الشيخ الياس ، ومنهم من تصدى لهذا العمل ، إلا أن الله شرح صدورهم بعد ذلك وأصبحوا من قادة الدعوة ، وكان من مخالفيه كذلك ولده الشيخ محمد يوسف رحمه الله الذي كان يبتعد عن فكر والده، إلى أن شرح الله صدره لهذا العمل ، فما إن قضى الشيخ محمد إلياس أجله ، حتى قام الشيخ محمد يوسف رحمه الله بأعباء الدعوة ، وكثُر أهل العلم في بلاد الهند والعلماء والمدارس تفهماً لعمل الدعوة، وأصبحت تلك المدارس تُخرّج الحفاظ وأهل الحديث والفقه، ثم تجعل نهاية دراستهم النظرية خروجاً في سبيل الله مع الجماعة للتمرن على عمل الدعوة. حتى إن الخريجين من ندوة العلماء يخرجون سبعة أربعينيات (يسمونه نصاب العلماء) فعلمنا بفضل الله أنهّم الآن يقومون بهذا العمل ، نسأل الله أن يسدد علمائنا ويشرح صدورهم لذلك ، ويُرَغِّبوا طلبة العلم للتمرن على عمل الدعوة ، وأن يخرجوا في سبيل الله مع أهل هذا السبيل ليتفقهوا ويُفقِّهوا غيرهم ويصبح لواء الدعوة إلى الله بأيدي العلماء وطلبة العلم، فتقوى الحجة ويظهر البيان، ، ويتواضع المتعلمون والدارسون لتفهيم الناس وتعليمهم، وقيادة فكر الدعوة. تأييد غيبي : يقول الشيخ محمد يوسف ابن الشيخ محمد إلياس بينما نحن جلوس في مكة– وكان الشيخ محمد إلياس يتحدث إلينا ونحن منصتون إليه إذ طلع علينا رجل ووقف بالباب وقال : إن العمل الذي تقومون به أوصيكم بالاستمرار فيه . لأن في ذلك أجراً لو اطلعتم عليه لطرتم فرحاً وتفلقت أكبادكم جذلاً ، ولم يلبث الرجل أن مضي ولم ندر من هو ، أما الشيخ فبقي يتحدث ولم يلتفت إليه بتاتاً . مكانته بين العلماء والمشايخ : كان موضع احترام بين العلماء والمشايخ ، يحترمه الكبار ويجلونه رغم صغر سنة ، كان الشيخ يحيي – أخوة الوسط – اكبر منه سناً ، وما كان يعامله معاملة الكبير مع الصغير ، بل كان في سلوكه معه إجلال وتقدير . كان الكبار من العلماء والمشايخ يعرفون تقواه ورعه وروح الإنابة التي كان يمتاز بها فكانوا يقدمونه للإمامة بالناس في الصلاة على ملأ من الكبار العلماء فقد اتفق أن اجتمع في « كاندهلة » كل من المربي الكبير الشيخ عبدالرحيم الرائفوري ، والشيخ المحدث الكبير خليل احمد السهارنفوري ، والشيخ الكبير اشرف على التهانوي ووافاهم وقت الصلاة العصر ، وقدموا الشيخ إلياس ليؤم بهم ، فقال الأستاذ بدر حسن – احد كبار الأسرة – ممازحاً » ما أطول القطار و أثقله وما أخف القاطرة ، فأجاب أحد الحاضرين : ولكن القاطرة قوية على خفتها . الليلة الأخيرة : وبدأ يستعد في ليلة الثالث عشر من يولو للرحلة ، وسأل أحد الحاضرين : هل الغد يوم الخميس ؟ فقالوا نعم ، قال : انظروا في ملابسي لئلا تكون وسخة ، فقالوا : إنها طاهرة ، ثم نزل من السرير وتوضأ وصلي العشاء مع الجماعة في داخل الحجرة ، وأوصى الناس أن يكثروا من قيام الليل و الدعاء ، وقال : ليكونن اليوم عندي أناس يميزون بين فعل الشيطان وفعل ملائكة الرحمن ، ثم قال للشيخ إنعام الحسن : ما تمام الدعاء : اللهم إن مغفرتك.. فذكر الدعاء بتمامه : اللهم إن مغفرتك أوسع من ذنوبي ورحمتك أرجي عندي من عملي وظل يردد الدعاء ، ثم قال : أحب أن تغسلونني وتنزلوني من السرير ، وأركع ركعتين سيكون لهما شأن ، وفي السحر طلب ابنه الشيخ محمد يوسف والشيخ إكرام الحسن ، وقال للشيخ يوسف : تعال نلتقي ، فلا بقاء بعد هذه الليلة ، فإني مرتحل.. وانتقل إلى رحمة الله قبل أذان الفجر ، وانتقل المسافر المكدود المجهود الذي لم يكتحل عبر حياته بنوم هادئ – إلى نوم عميق ، لأنه قد وصل إلى منزله ومستقرة (( يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي)) وبعد صلاة الفجر نصب الناس وهم مستعبرون منكسرون . وقد أثرت هذه الدعوة التي أذاب فيها مهجتة ووضع فيها مواهبه ، رغم ما كان فيها من مصاعب ، فقد قبل دعوته ألوف من علماء الهند وأهلها وخرجوا شهوراً وقطعوا مسافات بعيدة مما بين شرق الهند وغربها ، وشمالها وجنوبها ، ركباناً ومشاة من غير نفقات باهظة ولا مساعدات مالية ، أو نظم إدارية ، بل بطريقة بسيطة تشبه طريقة الدعوة في صدر الإسلام ، وتذكر بدعوة المخلصين المجاهدين والمؤمنين الذين كانوا يحملون في سبيل الدعوة والجهاد متاعهم وزادهم ، ينفقون عن أنفسهم ويتحملون المشقة محتبسين متطوعين . هذا مع استغناء تام عن مساعدات أو تيسيرات تقدم من الجهات الرسمية لجماعات نشيطة ، ذات نفوذ شعبي ، أو دعوات وحركات تتمتع بثقة الجماهير واحترامها . وقد توفي إلى رحمة الله تعالى في رجب عام 1363 هـ .

العلامة أبو الحسن علي الندوي

الداعية المفكر الرحالة
مجموع المواد : 90
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2024

التعليقات

يجب أن تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

إنشاء حساب

يستغرق التسجيل بضع ثوان فقط

سجل حسابا جديدا

تسجيل الدخول

تملك حسابا مسجّلا بالفعل؟

سجل دخولك الآن
المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2024