المجموع : 4
هَويتَ لِنُصرةِ الحقّ السُهادا
هَويتَ لِنُصرةِ الحقّ السُهادا / فلولا الموتُ لم تُطِقِ الرُّقادا
ولولا الموتُ لم تَتْرُكْ جِهاداً / فَلَلْتَ به الظغاةَ ولا جِلادا
ولولا الموتُ لم تُفْرِحْ فُرادى / صعَقْتَهُمُ ولم تُحزِنْ سودا
ولولا الموتُ لم يَذهبْ حريقٌ / بيانعةٍ وقد بَلَغتْ حَصادا
وإنْ كانَ الحدادُ يَرُدُّ مَيتاً / وتَبلُغُ منه ثاكلةٌ مُرادا
فانَّ الشَّرقَ بينَ غدٍ وأمسٍ / عليكَ بِذِلَّةٍ لبِسَ الحِدادا!
ترفَّعْ أيُّها النجم المُسَجَّى / وزِد في دارة الشَّرَفِ اتّقادا
ودُرْ بالفكر في خَلَدِ الليالي / وجُلْ في الكون رأياً مُستعادا
وكُنْ بالصَّمتِ أبلغَ منك نُطْقاً / وأورى في مُحاجَجةٍ زِنادا
فانَّ الموتَ أقصرُ قِيدَ باعٍ / بأنْ يَغتالَ فِكراً واعتقادا
جمالَ الدين يا رُوحاً عَليّاً / تنزَّلَ بالرسالة ثمَّ عادا
تجشَّمْتَ المهالكَ في عَسوفٍ / تجشَّمَهُ سواك فما استَقادا
طَريقِ الخالدينَ فمَنْ تَحامى / مصايرَهُمْ تَحاماه وحادا
كثير الرُعْبِ بالأشلاء غطَّتْ / مَغاورَهُ الجماجِمُ والوِهادا
جماجِمُ رائِدي شَرَفٍ وحقٍّ / تهاوَوا في مَجاهلهِ ارتْيادا !
وأشباحُ الضحايا في طواهُ / على السارينَ تحتشِد احتشادا!
وفوقَ طُروسه خُطَّتْ سُطورٌ / دمُ الأحرار كان لها مِدادا
شقَقْتَ فِجاجَهُ لم تخْشَ تَيْهاً / ومَذْئَبةً وليلاً وانُفرادا
لأِنَّكَ حاملٌ ما لا يُوازي / بقُوَّتهِ : العقيدةَ والفؤادا!
وتختلِفُ الدُروبُ وسالكوها / وغايتُها دُنوّاً وابتعادا
ويختلفُ البُناةُ ورُبَّ بانٍ / بَنى مِن فِكرةٍ صَرْحاً وشادا
وأنت ازْدَدْتَ من سُمٍّ زعافٍ / تَذَوَّقَهُ سَواك فما استزادا!
نضالِ المستبدِّ يَرى انكشافاً / عَمايتَه وعثرتَه سَدادا
إذأ استحلىَ غَوايتَه وأصغى / إلى المتزلّفِينَ له تمادى
خَشِيتَ اللهَ عن علمٍ وحقٌّ / إذا لم تَخشَ في الحقّ العبادا
وجَدْتَ اللذَّةَ الكُبرى فكانت / طريفَ الفِكرِ والهِمَمِ التِلادا
وأعصاباً تَشُدُّ على الرَّزايا / إذا طاشَتْ وتَغلِبُها اتئادا
ولمَّا كنتَ كالفجر انبلاجاً / " وكالعنقاء تكْبُرُ أنْ تُصادا"
مَشَيْتَ بقلبِ ذي لبَدٍ هَصورٍ / " تُعانِدُ من تُريدُ له العِنادا"
صليبَ العُودِ لم يَغمزْكَ خَوفٌ / ولم تَسهُلْ على التَرفِ انعقادا
ولم تَنزِلْ على أهواء طاغٍ / ولا عمَّا تُريدُ لمِا أرادا
ولم أرَ في الرجالِ كمُستَمِدٍّ / من الحقِّ اعتزازاً واعتدادا
وكان مُعسكرانِ : الظُلمُ يَطغى / ومظلومٌ فلم تَقفِ الحيِادا
ولم تحتجَّ أنَّ البَغْيَ جيشٌ / وأنَّ الزاحفينَ له فُرادي
ولا أنَّ اللياليَ مُحرِجاتٌ / وأنَّ الدَّهَر خصمٌ لا يُعادى
و أنَّ الأمرَ مرهونٌ بوقتٍ / ينادي حينَ يأْزَفُ لا يُنادى
مَعاذيرٌ بها ادَّرَعَتْ نُفوسٌ / ضعافٌ تَرهبُ الكُرَبَ الشِّدادا
تُريدُ المجدَ مُرتميا عليها / جَنىً غَضّاً تَلَقَّفُهُ ازدِرادا!
جمالَ الدينِ كنتَ وكانَ شَرقٌ / وكانتْ شِرعةٌ تَهَبُ الجْهادا
وكانت جَنَّةٌ في ظِلِّ سيفٍ / حَمَى الفَردُ الذِمارَ به وذادا
وإيِمانٌ يقودُ الناسَ طَوعاً / إلى الغَمَراتِ فَتوىً واجتهادا
وناسٌ لا الحضارةُ دنَّسَتْهُمْ / ولا طالُوا مع الطَمَعِ امتِدادا
وكانت " عُروةٌ وُثْقَى " تُزَجَّى / لمنقَسِمينَ حُبّاً واتحادا
ونيَّةُ ساسةٍ بَسُطَتْ فبانت / ووجْهُ سياسةٍ جلَّى وكادا
وحُكْمٌ كالدَّجى عُريانُ صافٍ / فلم يُنْكِرْ إذا انتَسبَ السَّوادا
ولم يُدخِلْ من الألوانِ ظّلاً / يلوذُ به انتقاصاً وازْديادا
دَجَا قَسْراً وسادَ وكان شَهماً / صريحاً أنَّه بالرُّغمِ سادا
وجِئتَ ورُفقة لك كالدَّراري / لِضُلاَّلٍ بغَيْهَبِه رشادا
تَصُدُّ عُبابَهُ وجهاً لوجهٍ / وتَزْحَمُهُ انْعكاساً وَاطَّرادا
جمالَ الدينِ كنتَ وكانَ عهدٌ / سُقيتَ لما صمَدْتَ له العِهادا
نَما واشتطَّ واشتدَّتْ عُراه / وزادَ الصامدونَ لهُ اشتدادا
مشَتْ خمسونَ بعدَك مرْخياتٍ / أعِنَّتَها هِجاناً لا جِياداً
محَّملةً وسُوقاً من فُجورٍ / وشامخةً كَمُحصَنةٍ تهادى
تحوَّرَتِ السياسةُ عن مَداها / إلى أنأى مدىً وأقلَّ زادا
وباتَ الشرق ليلَتَه سَليماً / على حالينِ ما اختَلَفا مُفادا
على حُكْمين من شَفعٍ وَوتْرٍ / عُصارةُ كلّ ذلك أن ْ يُسادا
ولُطِّفَتِ الابادةُ فهو حُرٌّ / بأيِّ يَدٍ يُفَضِّلُ أنْ يُبادا!
ومُدَّتْ إصْبَعٌ لذويهِ فيهِ / فعاثَتْ فوقَ ما عاثُوا فَسادا!
فكَمْ في الشَّرقِ من بَلدٍ جريحٍ / تشَكِّى لا الجروحَ بَلِ الضِّمادا!
تشَكَّى بَغيَ مُقتادٍ بغيضٍ / تأبَّى أنْ يُطاوعَه انقيادا
فكانتْ حِيَلةٌ أنْ يَمْتَطيهِ / رضيعُ لِبانه فبغى وزادا
صَدىً للأجنبيّ ورُبَّ قَفْرٍ / أعادَ صدىً فَسُرَّ بما أعادا
وكان أجلَّ من زُمَرٍ إذا ما / تجَّنى المُستَبيحُ بها تفادى
فكانوا منه في العَوْراتِ سِتراً / وكانوا فوق جمرتهِ رمادا
تروَّى من مطامعهِ وأبقى / لهم من سُؤر ما وَرَدَ الثمادا
وكان إذا تهضَّمهُ غريبٌ / أقامَ له القيامةَ والمعادا
فأسلَمَهُ الغريبُ إلى قَريبٌ / يسّخِرُهُ كما شاءَ اضطهادا
وكان الأجنبيُّ وقد تَولَّى / زمام الأمرِ واغتَصَبَ البلادا
يرى أدنى الحُقوقِ لهمْ عليه / مُساغَ النقد والكلِم المُعادا
فأضحوا يحسبونَ النقد فتحاً / لو اسطاعُوا لِما يَصِمُ انتِقادا
فبئسَ مُنىً لمصفودٍ ذليلٍ / لَوَ انَّ يَديه لم تضَعا الصِفادا
وبئسْ مَصيرُ مُفَترشينَ جمراً / تَمّنْيهم لو افترَشوا القَتادا!
وكانوا كالزُّروعِ شَكَتْ مُحُولاً / فلمَّا استمْطرتْ مُطِرَتْ جرادا!
دَلالاً في مَياديِنِ الجِهادِ
دَلالاً في مَياديِنِ الجِهادِ / وتيهاً بالجِراحِ وبالضِّمادِ
ورَشْفاً بالثغورِ من المَواضي / وأخذاً بالعِناق من الجِهاد
وَعبّاً مِن نميرِ الخُلد يَجري / لِمُنْزَفَةٍ دِماؤُهم صَوادي
وَتَوطيناً على جَمرِ المنايا / وإخلاداً إلى حَرِّ الجِلاد
وَإقداماً وإنْ سَرَتِ السَواري / بما يُشجي وإن غدتِ الغوادي
وبذلاً للنفيِس مِن الضحايا / فَأنْفَسُ منهم شَرفُ البلاد
حُماةَ الدارِ مسَّ الدارَ ضُرٌّ / ونادى بافتقادكُمُ المُنادي
أرادَتْكُمْ لِتكفوها فُلُوْلاً / مُعرِّزةٍ كأرتالِ الجَراد
وشاءتْكُمْ لتنهطِلوا عليها / هُطولَ الغيثِ في سَنةٍ جَماد
وطافَ عليكُمُ حُلُم العَذَارَى / مُروَّعةً كُحِلْنَ مِن السُهاد
يَشُوْقُ الذائدينَ على المَنايا / نداءُ العاجزاتِ عنِ الذياد
تطَلعَتِ العيونُ إلى خُيولٍ / مُحجَّلةٍ مُنشَّرَةِ الهوادي
خبَرْنَ رَحَى الوغَى فعن اعتِسافٍ / يَدُرنَ مدارَها وعنِ اعتماد
إذا الرِجّلانِ مسَّهما لُغوبٌ / شأتْ بهما اليدانِ عن ارتِداد
عليها كلُّ أُغلَبَ أرقميٍ / يَبيسِ العَينِ ريّانِ الفؤاد
زَوَتْ ما بين جَفْنَيْهِ هُمومٌ / نَفَتْ عن عينهِ دَرَنَ الرُقاد
وشدَّتْ خافِقَيهِ فلن يَرِّفا / إذا التقيا على الكُرَبِ الشِّداد
وكلُ مُسَعَّرِ الجَمراتِ يُكسَى / من الغَبَراتِ ثوباً من رماد
تَمرَّسَ بالحُتوف فلا يُبالى / أحادَتْ عنهُ أم عَدَتِ العوادي
ويا جُثَثاً يَفوحُ المجدُ مِنها / فتَعَبقُ في الجبالِ وفي الوِهاد
سَقَتْكِ الصائباتُ مِن التَّحايا / مُعطَّرَةً فما صَوبُ العِهاد
أعزُّ الناسِ في أغلى مماتٍ / وَخيرُ الزرعِ في خيرِ الحَصِاد
ويا مُتَقربين إلى المنايا / يَشُقُّ عليِهمُ وطءُ البِعاد
رأيتُ الجودَ ملهاةً يُجازَى / بها اللاهي بحَمْدٍ مُستفاد
ومُتَّجَراً يدُرُّ المجدَ ربحاً / لكُل مُسلِّفٍ بِيضَ الأيادي
يُؤدِّي الناسُ ما وَهَبَتَْ كِرامٌ / وتدفَعُهُ المحافِلُ والنّوادي
ولكِنْ ثَمَّ للبلوى مِحَكٌّ / تَميزُ به البخيلَ مِنَ الجواد
هُنالِكَ إذ يَشُقُّ على المفدَّى / فَكاكُ إسارِهِ منْ كفِّ فادي
تفيضُ النفسُ لا تدري جزاءً / - ولا تبغي – إلى يوم المعاد
ولا يَختَالُ – صاحبُها ازْدِهاءً / بما أسدى – على هامِ العباد
وروحٍ من " صلاح الدّينِ " هَبَّتْ / من الأجداثِ مُقلَقَةَ الوِساد
تَسَاءَلُ هل أتَتْ دوَلٌ ثمانٍ / ضِخامٌ ما أتاه على انفراد
وما أضفى الحديثُ على قديمٍ / وما ألقى الطَريفُ على تلاد؟
وما عِند الدُهاة منِ انْتقامٍ / ومن أخْذٍ بثأرٍ مُستقاد؟
وهل ضاقوا وهمْ كُثْرٌ ذِراعاً / بداهيةٍ نهضتُ بها دَآد
مَشَيْتُ بطبِّها عَجِلاً فطابت / عواقُبها وساروا باتِئاد
بلى كانوا ومَنْ عادَوْا تبيعاً / وكنتُ المستقِلَّ ومَن أُعادي
ومعتدّاً وما تُجدي حياةٌ / إذا خلتِ النفوسُ مِن اعتِداد
حَماةَ الدّارِ لم تَتْركْ لشعري / فِلَسْطينٌ سوى كَلِمٍ مُعاد
بَكَيْتُ مصابَها يَفَعاً ووافَتْ / نِهايَتهُا وخَمْسونٌ عدادي
قَدَحْتُ لها رَويَّاً من زِنادِي / وصُغْت لها رَّوِيَّا من فؤادي
وألقَيْتُ الظِِلالَ على القوافي / عليها يصْطَفقْنَ مِنِ ارتعاد
وهل عندي سوى قلبٍ مريرٍ / أُذَوِّبُهُ بكأسٍ مِن سُهاد
حماةَ الدارِ إنّي لا أُماري / وإن قلتُ الجديدَ ولا أُصادي
وليس تملُّقُ الجُمْهورِ مني / ولا التَّضْليلُ من شيمي ونادي
حماةَ الدارِ من عشرينَ عاماً / تقضَّتْ فاتَنا يومُ التَّنادي
دعانا وعدُ بلفورٍ وثنّى / وثلّثَ صائحُ البلدِ المُذاد
ونادتْنا بألسِنَةٍ حِدادٍ / دِماءٌ في قرارةِ كلِّ وادي
ومَوجاتٌ من الكُرَبِ الشدادِ / تراوَحُ بانتقاصٍ وازدياد
فكنّا نسْتَنِيمُ إلى قُلوبٍ / قَدَدْناها من الصُّمَ الصِلاد
وكنّا نستجير إلى زعيمٍ / كلِيلِ السيفِ لمّاع النِّجاد
كَذوبِ الدَّمع يسمَنُ في الرَّزايا / ويَدْعَرُ وهو يَرْفُلُ في الحِداد
وكنا نمتطي مُهْرَ الطِراد / فِلَسْطيناً إلى يومِ اصطياد
وكانَتْ دَلْوَ نّهازين مدّوا / بها واستنفدوا ملء المزاد
وَعَدْناها بثأرٍ مستقادِ / ومجدٍ قد أضَعنا مُسْتَعاد
بتصريحٍ وصاحبِه مفادِ / وتصريحٍ يَظَلُّ بلا مفاد
ومؤتمرٍ تعجَّلَ عاقدوه / ومؤتمرٍ سيؤذِنُ بانعقاد
حماةَ الدارِ ما النَّكساتُ سِرٌّ / ولا شيءٌ تَلفَّفَ في بِجَاد
ولا لُغْزٌ يَحارُ المرءُ فِيهِ / فَيَجهلُ ما سُداسٌ مِنْ أُحَاد
ولكِن مِثلَما وَضَحتْ ذُكاءٌ / ونَوَّرَ حاضِرٌ منها وبادي
فما ذَهبَتْ فِلَسطينٌ بسحر / ولا كُتِبَ الفناءُ بلا مِداد
ولا طاحَ البِناءُ بلا انحرافٍ / ولا بَنَتِ اليهودُ بلا عِماد
وما كنتْ فِلَسْطينٌ لِتَبقى / وجيرتُها يُصاحُ بها بَداد
وسِتُّ جِهاتِها أخذت بجوعٍ / وجهلٍ واحتقارٍ واضطهاد
شعوبٌ تستَرقُّ فما يُبَقّي / على أثرٍ لها ذُلُّ الصِّفاد
تُساطُ بها المواهِبُ والمزايا / وتُحتَجزُ العقائدُ والمبادي
وتَطْلُعُ بينَ آونةٍ وأُخرى / " بحجَّاج " يُزَيَّفُ أو " زياد "
فَيُذوي الخَوفُ منها كُلَّ خافٍ / ويُصمي الجَوْرُ منها كلَّ بادي
وتُنتَهَبُ البلادُ ومِنْ بَنيها / يَؤوبُ الناهبون إلى سِناد
وتَنطلِقُ المطامعُ كاشراتٍ / تُهدِّدُ ما تُلاقي بازدراد
وتَنطبِقُ السُّجونُ مُزمجراتٍ / على شبَهٍ وظَنٍّ واجتهاد
حُماةَ الدارِ ما ميدانُ حَربٍ / بأعنفَ من مَيادينِ اعتقاد
فَمثلُكُمُ من الأرواح جسمٌّ / تُقاسي الموتَ من عَنَتِ الجهاد
وأخلاقٌ تضيق بِمُغْرياتٍ / شدادٍ في خُصومَتها لِداد
تَكادُ تَطيحُ بالعَزماتِ لولا / رُجولَةُ قادرينَ على العِناد
رُجولةُ صائمينَ ولو أرادوا / لكانوا الطاعمينَ بأيّ زاد
ومَعركةٍ يَظَلُّ الحقُّ فيها / يُسالِمُ أو يُهادِنُ أو يُبادي
وميدانٍ وليس لنازليهِ / سوى الصَّبرِ المثلَّم من عَتاد
وكانتْ في السُّطوحِ مَزعزَعاتٍ / خُطوطٌ يرْتَسِمْنَ منَ الفَساد
فها هي فرطَ ما جَنَتِ الجواني / إلى عُمقٍ تَغَّورُ وامتداد
لقَد شبَّتْ عنِ الطَّوقِ المخازي / وكانَتْ بنتَ عامٍ في مِهاد
حُماةَ الدارِ لولا سُمُّ غاوِ / أساغَ شَرابَه فَرطُ التمادي
وَلَوْغٌ في دم الخِلِّ المُصافي / فقل ما شِئتَ في الجنِفِ المُعادي
ولبَّاسٌ على خَتَلٍ وغَدْرٍ / ثيابَ الواقفينَ على الحِياد
وَخِبٌ لا يُريكَ متى يُواتي / فتأمنَ سرَّهُ ومتى يُصادي
تَطلّعُ اذ تَطلّعُ في رَخِيٍّ / وتَقرَعُ حين تَقرعُ في جَماد
ولولا نازلونَ على هواه / سُكارَى في المحبّةِ والوداد!
نَسُوْا – إلا نفوسَهُمُ – وهامُوا / غراماً حيثُ هامَ بكلِّ واد
أجرّهُمُ على ذَهبٍ فَجرّوا / فِلسطيناً على شوكِ القَتاد
وقادُوها له كَبْشَ افتداءٍ / صنيعَ الهاربينَ منَ التّفادي
لكنتم طِبَّ عِلَتِها وكانت / بكم تُحدَى على يدِ خيرِ حادي
حُماةَ الدارِ لم تَزَلِ اللّيالي / يُطوِّحُ رائحٌ منها بغادي
ولا تَنفكُّ داجيةٌ بأخرى / تَعثَّرُ لم يُنِرهْا هَدْيُ هادي
ولا تألو الضلالَةُ وهي سِقطٌ / تُكابرُ أنّها أمُّ الرَّشاد
حماةَ الدار كلُّ مَسِيلِ ظُلمٍ / وإن طالَ المدى فإلى نَفاد
وكلُ مُحتَشَّدٍ فإلى انِفِضاضٍ / وكلُ مُفرَّقٍ فإلى احتشاد
فصبراً ينكشِفُ ليلٌ عميٌ / وينَحسرِ البياضُ عن السواد
وتَتَضِحِ النفوسُ عن الخبايا / ويُفصِحُ مَنْ يُريدُ عن المراد
وتَندفِعِ الشعوبُ إلى محجٍّ / مُبينِ الرُشدِ موثوقِ السَّداد
وتُؤذنْ جذوةٌ إلى انْطِفاءٍ / يَؤولَ مآلُها أم لاتّقاد
ومهما كانتِ العُقبى فَلستُمْ / بمسؤولينَ عن غيبٍ مُراد
عَدتني أن أزوركمُ عوادي
عَدتني أن أزوركمُ عوادي / فلا تُشْجوا بكتبكُمُ فؤادي
عجيبٌ ما أرتنيه الليالي / وأعجب منه أن سلم اعتقادي
بأيسر من أذاي ومن شَكاتي / رمى الناسُ " المعرّي " بارتداد
وما في هِمَّتي قِصرٌ ولكن / قدحتُ مطالبي فكبا زنادي
سلِ الأيامَ ما أنكرنَ مني / كريمَ الخِيم أم شرفَ الوِلاد
أرقُّ من النسيم الغضَّ طبعي / وأحمل ما يشقُّ على الجماد
فيا نفسي على الحسرات قَرّي / فأين مُراد دهركِ من مرادي
ولا ترِدي ماردَ صافيات / إذا ما كان حتماً أن تذادي
أينكر إلفتي حتى صحابي / وتنبو الأرض بي حتى بلادي
ومن عجب تضيعني وذكري / تردّده المحافل والنوادي
أيدري من يردِّدها حساناً / خلاءً من زِحتف أو سناد
تناقَلُها الرُّواة بكلّ فجٍّ / وتُهديها الحواضر للبوادي
بأن الشعرَ تشرب من عيوني / قوافيه وتأكل من فؤادي
أتت زمراً فهدَّدت البلادا
أتت زمراً فهدَّدت البلادا / خطوبٌ هزَّت الحجرَ الجمادا
فيا وطناً تناهبتِ الرزايا / حُشاشتَه وأقلقتِ المهادا
برغمي أنَّ داءك لاأقيه / وجرَحكَ لاأطيق له ضمادا
وأنْ يِردوا مياهَكَ صافياتٍ / مرقرقةً وأنْ أرِدَ الثمادا
وأن تصفو مواردُهم فتحلوا / لهمْ وبنوكً لا يَجِدونَ زادا
تدفقْ ماءَ دجلة فاخترقْها / سهولاً طبنَ مرعىً أو وهادا
وجلّلْها عميمَ النبت واخلعْ / عليها الحُسْنَ وافرُشْه وسادا
وقُلْ للزارع المسكين يزرعْ / ويتركه إذا بلغ الحصادا
أراد السوطُ أن نشقى ليهنوا / وماضٍ حكم "سوطٍ " إنْ أرادا
وسيّدُ نفسه شعبٌ ولكنْ / قضى الفردُ المسلَّطُ أن يُسادا
ألا ساعٍ ولو بخيال طيفٍ / يبشّر أنَّ عصَ الظلم بادا
أخُلانَ العبادِ على استواءٍ / لِمن وعلى مَ اسلَمْتِ العِبادا
رأوا في الرافدين ثرىً خصيباً / يروقُ العين فانتشروا جرادا
سل النشءَ الجديدَ حماه ربي / أيقدِر أنْ يُبلّغنَا المرادا
أيقدر أن يُري التاريخ سعياً / متى نمرُرْ عليه نقلْ أجادا
وأن يسعى ليصلحها شعوباً / بنوها أوسعت فيها فسادا
فانَّ على الوجوه سماتِ خيرٍ / حساناً تكشف الكُرَبَ الشدادا
مدارسَنا احفظي الأولد إنا / وضعنا بين أضلعك الفؤادا
أريهم واجبَ الوطنِ المفدَّى / لكيما يُحسنوا عنه الجهادا
أريهمْ أننا بالعلم ننمو / كما ينمو الثرى سُقِي العهادا
أريهم أننا نبغي رجالاً / نسود بها الممالك لا سوادا
أشبَّانَ العراق لكم ندائي / ومثلُكُمُ جديرٌ أن يُنادى
ألستم إنْ نبا بالشعب خطبٌ / نضيناكمْ له قضباً حدادا
وحسب الشعبِ بالفكرِ اعتقاداً / وبعد الله بالنشء اعتضادا
لساني نافثٌ سماً وطبعي / يلطفُه فتحسبُه شِهادا
لئنْ غطى على كَبدي اديمٌ / فكم من جمرةٍ كُسِيَتْ رَمادا