القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : ابنُ المُقَرَّب العُيُونِي الكل
المجموع : 46
خُذوا عَن يَمينِ المُنحَنى أَيُّها الرَكبُ
خُذوا عَن يَمينِ المُنحَنى أَيُّها الرَكبُ / لِنَسأَلَ ذاكَ الحَيَّ ما صَنَعَ السِّربُ
عَسى خَبَرٌ يُحيي حَشاشَةَ وامِقٍ / صَريعِ غَرامٍ ما يَجِفُّ لَهُ غَربُ
بِأَحشائِهِ نارُ اِشتِياقٍ يَشُبُّها / زَفيرُ جَوىً يَأبى لَها النَأيُ أَن تَخبو
أَلا لَيتَ شِعري وَالحَوادِثُ جَمَّةٌ / وَذا الدَّهرُ سَيفٌ لا يُقامُ لَهُ عَضبُ
عَنِ الحَيِّ بِالجَرعاءِ هَل راقَ بَعدَنا / لَهُم ذَلِكَ المَرعى وَمَورِدهُ العَذبُ
وَهَل أَينعَ الوادي الشَمالِيُّ وَاِكتَسَت / عَثاكيل قِنوانٍ حَدائِقُهُ الغلبُ
وَهَل بَعدَنا طابَ المُقامُ لِمَعشَرٍ / بِحَيثُ تَلاقى ساحَةُ الحَيِّ وَالدّربُ
وَهَل عِندَهُم مِن لَوعَةٍ وَصَبابَةٍ / كَما عِندَنا وَالحُبُّ يشقي بِهِ الحِبُّ
وَهَل عَلِمت بِنتُ المَناوِلِ أَنَّني / بِأُخرى سِواها لا أهيمُ وَلا أَصبو
وَبَيضاءَ مِثلَ البَدرِ حُسناً وَشارَةً / يزينُ بِها السِّبُّ المُزَبرَقُ وَالإِتبُ
إِذا ما نِساءُ الحَيِّ رُحنَ فَإِنَّها / لَها النَّظرَةُ الأُولى عَلَيهنَّ وَالعَقبُ
تَحَيَّرَ فيها رائِقُ الحُسنِ فَاِغتَدَت / وَلَيسَ لَها فيهِنَّ شَكلٌ وَلا تِربُ
بَدَت سافِراً مِن ضَربِ دينار وَالصِّبا / يُرَنِّحُها وَالدَّلُّ والتّيهُ وَالعُجبُ
رَأَتني فَأَبدَت عَن أَسيلٍ وَحَجَّبَت / بِذي مِعصَمٍ جَدلٍ يَغصُّ بِهِ القُلبُ
وَقالَت غَريبٌ وَالفتاةُ غَريبَةٌ / وَلا في نِكاحِ الحلِّ ذامٌ وَلا ذَنبُ
فَقُلتُ لَها إِنّي أَلوفٌ وَلي هَوىً / وَما ليَ في بَغدادَ شِعبٌ وَلا سِربُ
فَقالَت وَأَينَ الشِّعبُ وَالسِّربُ وَالهَوى / فَقُلتُ بِحَيثُ الكرُّ وَالطَّعنُ وَالضَّربُ
فَقالَت أَرى البحرَين دارَكَ وَالهَوى / بَنوكَ وَهَذا ما أَرى فَمنِ الشِّعبُ
فَقُلتُ سَلي حيَّي نِزارٍ وَيَعرُبٍ / بِأَعظَمِها خَطباً إِذا اِستَبهَمَ الخَطبُ
وَأَمنعِها جاراً وأَوسعِها حِمىً / وَأَصعَبِها عِزّاً إِذا اِستُرحِلَ الصَعبُ
وَأَنهَرِها طَعناً وَضَرباً وَنائِلاً / إِذا اِغبَرّتِ الآفاقُ وَاِهتَزَّتِ الحَربُ
وأَقتلها لِلملكِ صَعَّرَ خَدَّهُ / قَديمُ اِنتِظام المُلكِ وَالعَسكَر اللَّجبُ
فَقالَت لَعَمري إِنَّها لِرَبيعَةٌ / بَناتُ المَعالي لا كِلابٌ وَلا كَلبُ
وَلَو سُئِلَت يَوماً رَبيعَةُ مَن بِهم / لَها خَضَعت وَاِرتَجَّتِ الشَرقُ وَالغَربُ
وَمَن خَيرُها طُرّاً قَديماً وَسالِفاً / وَأَنجبُها عَقباً إِذا أَخلَفَ العَقبُ
لأَخبرَ أَهلُ العِلمِ أَن رَبيعَةً / رَحىً آلُ إِبراهيمَ في سِرِّها القُطبُ
هُمُ النّاسُ كُلُّ النّاسِ وَالناسُ فَضلَةٌ / إِذا نابَ أَمرٌ أَطَّ مِن حَملِهِ الصُّلبُ
بِهم يُدرَكَ الشَأوُ البَعيدُ وَعِندَهُم / لِمُلتَمِسِ المَعروفِ ذو مَربَعٍ خَصبُ
وَفيهم رِباطُ المَكرُماتِ وِراثَةً / يُورِّثُها المولودَ والِدُه النَدبُ
وَلَولا أَياديهم وَفَضلُ حُلومِهم / لَزُلزلت الأَرضونَ وَاِنقَصَّتِ الشُهبُ
خِفافٌ إِلى داعي الوَغى غَيرَ أَنَّهُم / ثِقالٌ إِذا خَفَّت مَصاعيبُها الهُلبُ
إِذا الجارُ أَمسى نُهبةً عِندَ جارِهِ / فَأَموالهُم لِلجارِ ما بَينَهُم نَهبُ
أَطاعَت لَهُم ما بَينَ مِصرَ إِلى القَنا / إِلى حَيثُ تَلقى دارَها الشِّحرُ وَالنُّقبُ
وَجاشَت نُفوسُ الرومِ حَتّى مُلوكها / إِذا ذَكَرتَ أَملاكَهُم هَزَّها الرُعبُ
تَحِنُّ إِلى بَذلِ النَوالِ أَكُفُّهُم / حَنيناً كَذاتِ السَقبِ فارقَها السَقبُ
فَأَكثَرُ ما تَلقاهُمُ وَلِباسُهُم / حَبيكُ الدِّلاصِ التُبَّعِيّاتِ لا العُصبُ
لَهُم أَبَداً نارانِ نارٌ بِها الصِّلا / تَلذُّ وَنارٌ لا يُفارِقُها العَضبُ
وَأَيّامُهُم يَومانِ يَومٌ لِنائِلٍ / يَقولُ ذَوُوا الحاجاتِ مِن فَيضِهِ حَسبُ
وَيَومٌ تَقولُ الخَيلُ وَالبيضُ وَالقَنا / بِهِ وَالعِدى قَطنا فَلا كانَتِ الحَربُ
وَإِن ضُنَّ بِالعِدّانِ كانَ قِراهُمُ / سَديفُ المَتالي لا عَتودٌ وَلا وَطبُ
أُولَئِكَ قَومي حينَ أَدعو وَأُسرَتي / وَيُنجِبُني مِنهُم شَمارِخَةٌ غُلبُ
وَما أَنا فيهم بِالمَهِينِ وَإِنَّني / إِذا عُدَّ فَضلٌ فيهمُ الرَجلُ الضَربُ
لِيَ البَيتُ فيهم وَالسَماحَةُ وَالحِجا / وَذو الصَّبرِ حينَ الباسِ وَالمِقوَلُ الذَّربُ
وَإِنَّ اِنفرادي عَنهُمُ وَتَغَرُّبي / تَرامى بِيَ الأَمواجُ وَالحَزنُ وَالسُهبُ
بِغَيرِ اِختيارٍ كانَ مِنّي وَلا قِلىً / وَإِنّهُمُ لَلعَينُ وَالأَنفُ وَالقَلبُ
وَلَكِنَّها الأَيّامُ تُبعِدُ تارَةً / وَتُدني وَلا بعدٌ يَدومُ وَلا قُربُ
وَإِنّي حَفِيٌّ عَنهُمُ وَمُسائِلٌ / بِهِم حيثُ يَثوي السَفرُ أَو ينزلُ الرَّكبُ
وَكَم قائِلٍ لِي عدِّ عَنهُم فَإِنَّهُ / مَعَ الأَلَمِ المَضّاضِ قَد يُقطَعُ الإِربُ
فَقُلتُ رُوَيداً قَد صَدَقتَ وَذَلِكُم / إِذا لَم يَكُن فيهِ لِحامِلِهِ طِبُّ
إِذا لَم أُداوِ العُضوَ إِلّا بِقطعِهِ / فَلا قَصَبٌ يَبقى لَعَمري وَلا قُصبُ
وَإِنّي بِقَومي لَلضَّنينُ وَإِنَّني / عَلى بُعدِ داري وَالتَنائي بِهم حَدبُ
وَلي فيهمُ سَيفٌ إِذا ما اِنتضَيتُهُ / عَلى الدَّهرِ أَضحى وَهوَ مِن خِيفَةٍ كَلبُ
عَلى أَن حَدَّ السَّيفِ قَد رُبَّما نَبا / وَفُلَّ وَهَذا لا يُفَلُّ وَلا يَنبو
همامٌ عَلَت هِمّاتُهُ فَكَأَنَّما / يُحاوِلُ أَمراً دونَهُ السَّبعَةُ الشُّهبُ
عَلا كُلَّ باعٍ باعُهُ وَتَواضَعَت / لِعِزَّتِهِ وَاِنقادَت العُجمُ وَالعُربُ
سَليلُ عُلاً مِن دوحَةٍ طابَ فرعُها / وَطالَت ذُرى أَغصانِها وَزَكى التُربُ
يَبيتُ مُناويهِ يُساوِرُ هَمَّهُ / وَيُقضى عليهِ قَبلَ يُقضى لَهُ نَحبُ
سَما لِلعُلا مِن قَبلِ تَبقيلِ وَجهِهِ / فَأَدرَكَها وَالمأثراتُ لَهُ صَحبُ
هُوَ البَدرُ لَكِن لَيسَ يَستُرُ نُورَهُ / حِجابٌ وَنورُ البَدرِ يَستُرُهُ الحجبُ
هُوَ اللَّيثُ لَكِن غابُهُ البيضُ وَالقَنا / هُوَ النَّصلُ لَكِن كُلُّ مَتنٍ لَهُ قَربُ
هُوَ المَوتُ لَكِن لَيسَ يَقتُلُ غِيلَةً / هُوَ البَحرُ إِلّا أَنَّ مَورِدَهُ عَذبُ
وَما غالبتهُ مُنذُ كانَ كَتيبَةٌ / لِتظهِرَهُ إِلّا وَكانَ لَهُ الغَلبُ
وَما هابَتِ الأَملاك بكراً مِن العُلا / لِعِزَّتِها إِلّا وَكانَ لَهُ الخَطبُ
أَتاني مِنَ الأَنباءِ عَنهُ غَرائِبٌ / فَلَذَّت بِها الأَسماعِ وَاِستَبشَرَ القَلبُ
بِعطفٍ عَلى وُدِّ العَشيرَةِ صادِقٍ / وَرَفضِ عِداها لا محالٌ وَلا كذبُ
وَتَجميرِها مِن كُلِّ أَوبٍ حميَّةً / عَلَيها فَزالَ الخَوفُ وَاِلتَأَمَ الشَّعبُ
أَبا ماجِدٍ اِنظُر إِلى ذي قَرابَةٍ / بِعَينِ رِضاً يُغضي لَها الخائِنُ الخِبُّ
فَإِنَّ الوَدادَ المَحضَ ما لا يَشوبُهُ اِخ / تِلابٌ وَبَعضُ القَومِ شِيمَتُهُ الخلبُ
وَغِظ بِاِصطِناعي مَعشَراً إِن دَعوتهُم / لِنائِبَةٍ أَبُّوا وَإِن أَمِنوا نَبّوا
خَطاطيفُ في حَملِ الأَباطيلِ بَل هُمُ / أَخَفُّ وَفي الجُلّى كَأَنَّهُمُ الخُشبُ
لِيَ الطَّولُ وَالفَضلُ المُبينُ عَلَيهمُ / وَهَل يَستَوي عالي الشَناخيبِ وَالهُضبُ
وَأُقسِمُ لَولا وُدُّكَ المَحضُ لَم تَخُض / إِلى بَلَدِ البَحرينِ بِي بُزَّلٌ صُهبُ
وَقَد كانَ لِي في الأَرضِ مَنأَىً وَمَرحَلٌ / وَما ضرُّ أَهلِ الفَضلِ مِن أَنَّهُم غَربُ
وَثانِيَةً أَنّي أَغارُ عَلَيكُمُ / إِذا ما جَزيلُ النَّظمِ سارَت بِهِ الكُتبُ
وَجاءَ مَديحي في سِواكُم فَيا لَها / حُوَيجِيَّةٌ يَأبى لَها الماجِدُ النَدبُ
هُناكَ يَقولُ الناسُ لَو أَنَّ قَومَهُ / كِرامٌ لَكانَت زِندهُم عَنهُ لا تَكبو
فَإِنَّ اِمتِداحي غَيرَكُم كَهِجائكُم / وَذَلِكَ مِنّي إِن تَحرَّيتَهُ عَتبُ
وَعِنديَ ممّا يَنسِجُ الفِكرُ وَالحِجا / سَرابيلُ تَبقى ما تَرادَفَت الحِقبُ
أَضِنُّ بِها عَن غَيرِكُم وَأَصونُها / وَلَو بُعِثَ الطائيُّ ذُو الجودِ أَو كَعبُ
فَصُن حُرَّ وَجهي عَن سُؤالٍ فَإِنَّهُ / عَلَيَّ وَلَو عاشَ اِبنُ زائِدَةٍ صَعبُ
وَرُدَّ كَثيراً مِن يَسيرٍ تَقُت بِهِ / فِراخاً قَد اِستَولى عَلى ربعِها الجَدبُ
فَبَحرُكَ لِلوُرّادِ ذُو مُتَغَطمِطٍ / وَرَبعُكَ لِلوُفّادِ ذُو سَعَةٍ رَحبُ
أبى الدَهرُ أَن يَلقاكَ إِلّا مُحارِباً
أبى الدَهرُ أَن يَلقاكَ إِلّا مُحارِباً / فَجَرِّد لَهُ سَيفاً مِن العَزمِ قاضِبا
وَلا تَلقَهُ مُستَعتِباً مِن ظُلامَةٍ / فَما الدَهرُ سَمّاعاً لِمَن جاءَ عاتِبا
وَجانِب بَنيهِ ما اِستَطَعتَ فَإِنَّهُم / عَقارِبُ لَيلٍ لا تزالُ ضَوارِبا
وَإِن كُنتَ ذا جَهلٍ بِهم فَاِغدُ أَو فَرُخ / عَلَيَّ أُخبِّركَ الأُمورَ العَجائِبا
بَلَوتُهُمُ دَهراً طَويلاً وَغَرَّني / تَلألُؤ آلٍ يُرجِعُ الطَّرفَ كاذِبا
وَجَرَّبتهُم حَتّى إِذا ما عَرَفتُهُم / عَرَفتُ رَزايا جَمَّةً وَمَصائِبا
وَصاحَبتُ أَقواماً أَلا لَيتَ أَنَّني / تَبَدَّلتُ زِنجاً مِنهُمُ وَصَقالِبا
ظَنَنتُهُمُ ظِلّاً ظَليلاً وَجنَّةً / فَكانُوا سَموماً يَومَ صَيفٍ وَحاصِبا
بُليتُ بِهِم كَالوَردِ يلقى معاطِساً / أَحَقُّ بِأَن يَلقى أَكُفّاً خَواضِبا
سَعوا في دَمي بِالجُهدِ حَتّى كَأَنَّني / مِنَ الرُومِ قَد أعلمتُ جَيشاً مُحارِبا
وَلَم يَكفِهُم قَيدٌ ثَقيلٌ وَخَشبَةٌ / بِرِجليَ في دَهماءَ تُنسي المَصائِبا
وَأَشياءُ لَو عَدَّدتُها طالَ شرحُها / وَلَم أُحصِها في مُحكَمِ النَّظمِ حاسِبا
جَزى اللَّهُ خَيراً كُلَّ ثاوٍ رَأَيتُهُ / بِبَغدادَ لا يَنفَكُّ بِالدَربِ سارِبا
فَلَم أَلقَ مِنهُم يَومَ نَحسٍ وَلَم أَبِت / أُحاذِرُ مِنهُم جانِياً أَو مُواثِبا
وَأَعقَبَ سوءاً شامِتاً سُرَّ قَلبُهُ / بِضَيمي وَأَضحى عاثِرَ الجدِّ خائِبا
فَهَل سَرَّهُ إِلّا اِختلاقُ نَميمَةٍ / وَما زَالَ سَهماً لِلنَّميمَةِ صائِبا
فَلا تَحسَبُ الأَعداءُ أَنّي لِما جَرى / تَضعضَعتُ أَو أَعطَيتُ حبلي مُشاغِبا
فَقَبلي قَضى النُعمانُ في السِّجنِ نَحبَهُ / وَغُودِرَ مَسلوباً وَقَد كانَ سالِبا
وَعاشَ اِبنُ ذي الجدَّينِ في الغُلِّ بُرهَةً / لَياليَ يَدعو قَومَهُ وَالعَصائِبا
فَجلّت بُنو ذُهلِ بن شَيبانَ هَمَّهُ / بِمَلمومَةٍ تُزجي العِتاقُ الشَوازِبا
أَفاؤوا بِها أَنفالَ كِسرى وَلَم تَزَل / تُفِيءُ السَّبايا خَيلُهُم وَالحَرائِبا
وَلَو غَيرُ قَومي رامَ ظُلمي لَقَلَّصت / خُصاهُ وَأَضحى قاصِرَ الخَطوِ لاغِبا
لعايَنَ دوني عُصبَةً عَبدَلِيَّةً / تَسامى فُرادى لِلعُلا وَمُقانِبا
أَبوها أَبي إِن أَدعُها وَجُدودُها / جدُودي إِذا عَدَّ الرِّجالُ المناسِبا
وَمِن آلِ إِبراهيمَ كُلّ مُذَبِّبٍ / عَنِ المَجدِ يَحتَلُّ الذُرى وَالغَوارِبا
أَلا لَيتَهُ مِن غَيرِهم فَأَردُّهُ / بِهم فَيَروحُ الدَهرُ خَزيانَ ناكِبا
فَيا راكِباً تَطوي بِهِ البِيدَ جَسرَةٌ / وَتَغتالُ غيطانَ الفَلا وَالأَخاشِبا
إِذا أَنتَ أَلقَيتَ العِصيَّ مُخَيِّماً / بِالاِحسا وَجاوَرتَ المُلوكَ الأَطايِبا
فيمِّم لِجَرعاءِ الشَّمالِ فَإِنَّ لِي / بِها خِلَّةً أَشتاقُها وَمَلاعِبا
وَقِف وَقفَةً بِالدَّربِ غَربِيَّ بابِها / فَثَمَّ تلاقي أُسرَتي وَالأَقارِبا
فَتَلقى مُلوكاً كَالأَهِلَّةِ لَم تَزَل / تَهشُّ إِلى الجُلّى وَتَأبى المَعايِبا
وَإِن تَأتِ قَصرَ القُرمُطِيِّ تَجِد بِهِ / جَماجِمَ قَومي وَالقُرومَ المَصاعِبا
ذَوي المُلكِ وَالتيجانِ وَالمَنصِبِ الَّذي / سَما فَعلا فَخراً فَجازَ الكَواكِبا
فَقُل لَهُمُ بَعدَ السَلامِ مَقالَةً / تَعمُّ بِها عَنّي شَباباً وَشائِبا
أَلا يا لَقَومي وَالفَتى حينَ يَرتَمي / بِهِ الدَهرُ يَدعو قَومَهُ لا الأَجانِبا
كَفى حزناً أَنّي بِبَغدادَ مُفرَدٌ / عِنِ الأَهلِ أَلقى كُلَّ يَومٍ عَجائِبا
وَيَشتاقُكُم قَلبي فَأَذكُرُ دونَكُم / مَهامِهَ لا أَشتاقُها وَسَباسِبا
فَيسهلُ عِندي خَوضُها فَيعزُّ لي / تَذَكُّرُ حالاتٍ أَشَبنَ الذَوائِبا
وَلا عارَ في ضَيمِ المُلوكِ عَلى الفَتى / وَما زَالَ حُكمُ السَيفِ في الأَرضِ غالِبا
بَلى إِنَّ ضَيمَ الأَقرَبينَ وَجَدتُهُ / أَشَدَّ عَلى الأَحشاءِ حرّاً وَلاهِبا
أَلا إِنَّهُ الداءُ العَياءُ وَإِنَّهُ الش / شجا في التَراقي وَالمُزيلُ المَراتِبا
وَلَولا بَناتُ العامِرِيَّةِ لَم أَكُن / لِأَلوي إِلى دارِ المَذَلَّةِ جانِبا
لَقَد كانَ لِي بِالأَهلِ أَهلٌ وَبِالغِنى / فِناءٌ وَأَلقى بِالمُصاحِبِ صاحِبا
وَلَكِنَّني أَخشى عَلَيهنَّ أَن يَرى / بِهِنَّ عَدوٌّ مالَهُ كانَ طالِبا
مُقاساة ضُرٍّ أَو مُعاناة غُربَةٍ / تُريهنَّ أَنوارِ الصَّباحِ غَياهِبا
وَآنفُ أَن يُصبِحنَ في غَيرِ مَعشَري / فَأُصبِحُ قَد رَدّوا عَلَيَّ النَصائِبا
فَيُصبِحنَ قَد أُنكِحنَ إِمّا مُدَرَّعاً / لَئيماً يَرى الإِحسانَ لِلفَقرِ جالِبا
وَإِمّا اِبنَ ضِلٍّ تائِهٍ في ضَلالَةٍ / مِنَ الغيِّ تَدعوهُ الطَواغيتُ راهِبا
كَما نُكِحَت بِنتُ المُهَلهلِ إِذ غَدا / مِنَ الضَّيمِ في سَعدِ العَشيرَةِ هارِبا
بِأَيسَرِ مَهرٍ عِندَ أَلأَمِ خاطِبٍ / وَوالِدُها غَيظاً يَعضُّ الرَواجِبا
وَلَو أَصبَحَت في دارِ بَكرٍ وَتَغلِبٍ / لَما رامَ أَن يَأتي لَها النَّذلُ خاطِبا
فَيا اِبنَ أَبي رِفقاً بِهنَّ وَكُن أَباً / مُديباً عَلى إِكرامِهِنَّ مُواظِبا
وَصِل وَاِحتَمِل وَاِخفِض جَناحَكَ رَحمَةً / لَهُنَّ وَلا تَقطِب عَلَيهنَّ حاجِبا
وَحاذِر عَلَيهنَّ الجَفاءَ فَإِنَّني / أَرى المَوتَ أَن يَمشينَ شُعثاً سَواغِبا
فَإِن سَلِمَت نَفسي لَهُنَّ هَنيئَةً / مِنَ الدَهرِ جاوَرنَ النُّجومَ الثَواقِبا
وَعادَ إِليَّ الدَهرُ بَعدَ غَرامِهِ / يعفِّرُ خَدَّيهِ عَلى الأَرضِ تائِبا
كَما جاءَ قَبلي مُستَكيناً إِلى أَبي / وَقَد همَّ أَن يَلوي عَلَيهِ المَخالِبا
وَلِلّهِ فينا عادَةٌ مُستَمِرَّةٌ / يُجلّلُنا النُّعمى وَيُعطي الرَغائِبا
فَشُكراً لَهُ مِن مُنعِمٍ مُتَفَضَّلٍ / عَلَينا وَحَمداً ينفذُ الدَهر واصِبا
دَعِ الكاعِبَ الحَسناءَ تَهوي رِكابُها
دَعِ الكاعِبَ الحَسناءَ تَهوي رِكابُها / وَتُبنى لَها في حَيثُ شاءَت قبابها
وَلا تَسأَلَن عَن عيسِها أَينَ يمَّمت / فسيّانِ عِندي نأيُها وَاِقتِرابُها
فَقد كَرِهت جَهلاً مَشيبي وَإِنَّني / أَرى ضَلَّةً أَن يَزدَهيني شَبابُها
وَما شِبتُ مِن عَدِّ السِّنين وَإِنَّما / أَشابَ قَذالي مَيلُها وَاِنقِلابُها
وَتأَويلُ أَحداثٍ إِذا ما حَسبتُها / أَتَتني بِأَشيا قَلَّ عَنّي حِسابُها
ثَنى عِطفَهُ عَنّي القَريبُ لِأَجلِها / وَأَضحَت بَناتُ العَمِّ عُوجاً رِقابُها
عَلى أَنَّني في كلِّ أَمرٍ هُمامُها / وَبَدرُ دُجاها لَو وَعَت وَشِهابُها
وَإِنّي لِأَذكى القَومِ لَو تَعلَمونه / نِصاباً وَإِن كانَت كَريماً نِصابُها
وَأَبعَدُها في باحَةِ المَجدِ غايَةً / وَقاباً إِذا ما اِمتَدَّ لِلمَجدِ قابُها
وَأَفضَحُها يَومَ الخِصامِ مَقالَةً / إِذا فصحاءُ القَومِ أَكدى خِطابُها
وَعَوراءَ مَرَّت بي فَلَم أَكتَرِث بِها / وَقَد كَان لَولا الحِلمُ عِندي جَوابُها
فَيا راكِباً وَجناءَ تَستَغرِقُ البَرى / وَيَطوي الفَيافي خَطوُها وَاِنجِذابُها
أَقم صَدرَها قَصداً إِلى الخَطِّ وَاِحتَقِب / رِسالَةَ وُدٍّ أَنتَ عِندي كِتابُها
فَحينَ تَرى الحصنَ المُعَلّى مُقابِلاً / وَيَبدو مِنَ الدَربِ الشَمالِيِّ بابُها
فلِج بِسلامٍ آمِناً تَلقَ بَلدَةً / مُقَدَّسَةَ الأَكنافِ رَحباً جَنابُها
بِها كُلُّ قرمٍ مِن رَبيعَةَ يَنتَمي / إِلى ذِروَةٍ تَعلو الرَواسي هِضابُها
لكيزِيَّةٌ أَنسابُها عامِريَّةٌ / يَلوذُ المُناوي ضَيمُها وَاِعتصابُها
إِذا ثَوَّبَ الداعي بِها يالَ عامِرٍ / أَتَت مِثلَ أُسدِ الغابِ غُلبٌ رِقابُها
مُقَدِّمُها مِن صُلبِ عَوفِ بنِ عامِرٍ / إِلى المَوتِ فِتيانٌ شَديدٌ غِلابُها
مِنَ الحارثيِّينَ الألى في أَكُفِّهِم / بِحارُ النَدى مَسجورَة لا ثغابُها
وِمن مالِكٍ بِنتِ الفَخارِ بنِ عامِرٍ / فَوارِسُ أَرواحُ الأَعادي نِهابُها
وَكُلُّ هُمامٍ دَيسَميٍّ إِذا سَطا / عَلى الخَيلِ يَوماً قيلَ وافى عَذابُها
وَمِن نَسلِ عَبدٍ فِتيَةٌ أَيُّ فِتيَةٍ / يُجِلُّ المُعادي بَأسها فَيهابُها
وَإِن صاحَ داعي حَيِّها في مُحارِبٍ / أَتَت تَتَلَظّى للمَنايا حِرابُها
وَإِن قالَ إِيهاً يالَ شَيبانَ أَرقَلَت / إِلى المَوتِ عَدواً شيبُها وَشَبابُها
حَمَت دارَها بِالسَّيفِ ضَرباً فَلَم يَرُم / حِماها وَجَلّى القَومَ عَنها ضِرابُها
وَلَم تُعطِ مَن ناوى عُلاها مَقادَةً / وَذا دَأبُ قَيسٍ مُنذُ كانَت وَدابُها
سَلِ الخائِن الجَدَّينِ مَعروفَ هَل رَأى / بِها خَوراً وَالحَربُ تَهفو عِقابُها
أَتى مِن بِلادِ السِّيبِ يُزجي كَتائِباً / تَضيقُ بِها مِن كُلِّ أَرضٍ رِحابُها
فَلاقى طِعاناً أَنكَرَتهُ حُماتُهُ / فَآبت عَلَيها ذُلُّها وَاِكتِئابُها
وَضَرباً دِراكاً رامَ بِالسِّلمِ بَعدَهُ / صَهاميمُ حَربٍ لَم تُذلَّل صِعابُها
فَقُل لَهمُ مِن بَعدِ أَوفى تَحيَّةٍ / لَهُم مِن ضَميري صَفوُها وَلِبابُها
أَلا لَيتَ شِعري هَل أَتاكُم عَلى النَّوى / تَصافي نِزارٍ بَينَها وَاِصطِحابُها
فَقَد دُفنت تِلكَ الحقودُ وَأُطفِئَت / لَواقِحُ غلٍّ في الصُّدورِ اِلتهابُها
وَأَضحَت بِحَمدِ اللَّهِ لا السِرُّ بَينَها / مُذاعاً ولا تَدأى لِسودٍ ذِئابُها
وَلا الخائِنُ الخِبُّ المُماذِقُ عِندَها / مُطاعاً فَيُخشى صَدعُها وَاِنشِعابُها
وَجَلّى عَنِ البَحرَينِ يَومَ اِبنِ أَحمَدٍ / صَواعِقَ شَرٍّ قَد تَدَلّى سَحابُها
وَقَد زَحَفت بِالقَومِ زَحفاً فَزُلزِلَت / وَماجَت بِمَن فيها وَحانَ اِنقِلابُها
وَذاك بِسامي هِمَّةٍ عَبدليَّةٍ / أَنافَ عَلى هادي الثُرَيّا وِثابُها
فَمن عيصِ إِبراهيمَ تُنمي فُروعُها / وَمِن بَحرِ عَبدِ اللَّهِ يَجري عبابُها
مُلوكُ نِزارٍ قَبلَ عادٍ وَتُبَّعٍ / وَكَعبَتُها اللّاتي إِلَيها مَثابُها
وَمِمّا شَجاني يا لَقَومي فَعبرَتي / لَدى كُلِّ حينٍ لا يَجِفُّ اِنسِكابُها
تَضاغنُ أَملاكٍ أَبوها إِذا اِعتَزَت / أَبي وَنِصابي حينَ أُعزى نِصابُها
أَبى أَن يلُمّ الدَّهرُ فيما يَلمُّهُ / عَصاً بَينَها أَو أَن يُرجّي اِعتِتابُها
أَطاعَت مَقالاتِ الأَعادي وَغَرَّها / تَمَلُّقُها في لَفظِها وَاِختِلابُها
فَأَنحَت عَلى أَرحامِها بِشِفارِها / وَأَوهَنَ عَظمَ الأَقرَبينَ اِصطِلابُها
وَلَو قَبِلَت نُصحي وَأَصغَت لِدَعوَتي / وَأَنجَحُ فاشي دَعوَةٍ مُستَجابُها
لَداوَيتُ كَلْماها وَأَبرَأتُ داءَها / فَلَم يَتَحَلَّم بَعدَ صَحٍّ إِهابُها
وَقُدتُ إِلى اللَّيثِ السَبَندى وَلَم أَنَم / عَلى الغَمرِ حَتّى يَصحَب الغيلَ لامُها
وَلَكِن لِأَمرٍ أَخَّروني وَقَدَّموا / زَعانِفَ لا يَنهى العَدوَّ اِحتِسابُها
تُصيبُ وَما تَدري وَتُخطي وَما دَرَت / وَتَغدو وَفي حَبلِ العَدُوِّ اِحتِطابُها
فَيا صَفقَةَ الخسرانِ فيما تَبَدَّلُوا / وَهَل يَتَساوى تِبرُها وَتُرابُها
وَهَل قِيستِ الخَيلُ العِرابُ بعانَةٍ / كُدادِيَّةٍ لا يلحقُ الضَبَّ جابُها
لِذا طَمعَت فينا البَلايا وَأَصبَحت / تَهِرُّ عَلَينا كَالشُّراتِ كِلابُها
وَشالَت لَنا أَذنابُها مُقذَحِرَّةً / وَعَهدي بِها تَسطو عَلَيها ذِئابُها
أَلا يا لَقَومي مِن رَبيعَةَ فَتكَةً / تُغادِرُ نَوكى القومِ صُفراً وِطابُها
فَما عَزَّ إِلّا فاتِكٌ ذُو عَزيمَةٍ / جَريءٌ عَلى النّزلا يصرِّفُ نابُها
فَأَقتَلُ داءٍ في الشِّرارِ اِصطِفاؤُهُ / وَأَشفى دَواءٍ لَعنُها وَاِجتِبابُها
مَنالُ العُلى بِالمُرهفاتِ القَواضِبِ
مَنالُ العُلى بِالمُرهفاتِ القَواضِبِ / وَسُمرِ العَوالي وَالعِتاقِ الشَوازِبِ
وَطَعنٍ إِذا ما النَّقعُ ثارَ وَأَقبَلَت / بَنو الحَربِ أَمثالَ الجِمالِ المَصاعِبِ
وَضَربٍ يُزِلُّ الهامَ عَن كُلِّ ماجِدٍ / عَلى الهَولِ مِقدامٍ كَريمِ المناسِبِ
وَليسَ يَنالُ المَجدَ مَن كانَ هَمُّهُ / طروقَ الأَغاني وَاِعتِناق الحَبائِبِ
وَلا بَلَغَ العَلياءَ إِلّا اِبنُ حُرَّةٍ / قَليلُ اِفتِكارٍ في وقوعِ العَواقِبِ
جَريءٌ عَلى الأَعداءِ مُرٌّ مذاقُهُ / بَعيدُ المَدى جَمُّ النَّدى وَالمَواهِبِ
حَليفُ سُرىً جَوّابُ أَرضٍ تَجاوَزَت / بِهِ العيسُ أَجوازَ القِفارِ السَباسِبِ
وَخاضَت بِهِ الخَيلُ النَّجيعَ وَحُطِّمَت / عَواليهِ قَسراً في صُدورِ الكَتائِبِ
تَعَلَّمَ مِن فِعلِ الأَميرِ مُحمَّدٍ / فَأَصبَحَ مَلكاً في أَجلِّ المَراتِبِ
فَتىً لَم تَزَل في كُلِّ يَومٍ جِيادُهُ / يُقسِّمنَ أَموالَ العَدُوِّ المُحارِبِ
يشنُّ بِها الغاراتِ أَروعُ ماجِدٌ / سَريعٌ إِلى الجُلّى بَعيدُ المَطالِبِ
شُجاعٌ إِذا ما أَصبَحَ الحَيُّ لَم يَكُن / صُبوحُهُم إِلّا رواقَ المَضارِبِ
أَزاحَ الأَعادي عَن حِماها وَحازَهُ / فَأَضحَت لَهُ آسادُها كَالثَّعالِبِ
فَلَم يَبقَ أَرضٌ لَم تَجُزها جيادُهُ / وَقَد حطَّمَت أَركانَها بِالمَناكِبِ
فَسائِل بِهِ في الحَربِ أَبناءَ مالِكٍ / وَما حاضِرٌ في عِلمِهِ مثلُ غائِبِ
غَداةَ تَوَلّوا هارِبينَ وَأَسلَمُوا / عَلى الرَّغمِ مِنهُم كُلَّ بَيضاءَ كاعِبِ
أَتاهُم بِجَيشٍ يَملأُ الأُفقَ مالهُ / سِوى مَن يُراعي مِن شَبابٍ وَشائِبِ
فَلمّا رأَوهُ أَنَّهُ هُوَ لَم يَكُن / سِلاحُهُمُ إِلّا غُبارَ السَّلاهِبِ
وَهَل مَنَعَت مِنهُ غَزيَّةُ دارَها / بِأَسمَرَ عسّالٍ وَأَبيضَ قاضِبِ
غَداةَ أَتاهُم في سَماءٍ عَجاجَةٍ / أَسِنَّتُه مِن تَحتِها كَالكَواكِبِ
وَقَد جاءَهُم مِنهُ النَّذيرُ لِيَأخُذُوا / مِنَ البِرِّ عَن جَوزِ الطَّريقِ بِجانِبِ
فَلَم يَقبَلوا قَولَ النَّصيحِ وَأَعرَضوا / وَظنّوا ظُنوناً يا لَها مِن كَواذِبِ
فَصبَّحهُم شَعواءَ سَدَّت عَلَيهمُ / رحابَ الفَيافي شَرقِها وَالمَغارِبِ
فَما لَبِثوا إِلّا فواقاً وَأَجفَلوا / كَإِجفالِ شاءٍ مِن ذئابٍ سَواغِبِ
وَخَلّوا عَن الأَموالِ صُفراً وَأَسلَموا / عذابَ الثَنايا ضاحِكاتِ الترائِبِ
وَطارَ اِبنُ مَذكورٍ يَشِلُّ قِلاصَهُ / وَيُنذِرُ مِن غاراتِهِ كُلَّ صاحِبِ
وَلَم يرعَ ما قَد كانَ مِن خُلفِ دَهمَشٍ / وَقالَ الوَفا في مِثلِها غَيرُ واجِبِ
وَلمّا أَتَت أهلُ الشَّآمِ يَقودُها / إِلَيهِ الرَّدى قَودَ الجَنيبِ لِراكِبِ
سَعيدٌ وَمَسعودٌ وَرَهطُ حَديثه / يَسيرونَ جُردَ الخَيلِ بَينَ النَجائِبِ
وَقَد حَسَدوا أَهلَ الحِجازِ وأَقبَلُوا / مِنَ الشامِ في أَهليهمُ وَالعَصائِبِ
أَتاهُم يَجوبُ البيدَ بِالخَيلِ وَالقَنا / فَتىً عَبدَلِيٌّ في الوَغى غَيرُ هائِبِ
ضَروبٌ لِهاماتِ الكُماةِ مُعَوَّدٌ / بِمَنعِ التَوالي وَاِبتِذالِ الرَغائِبِ
فَلَم يُنجِهِم إِلّا الفرارُ وَجيرَةٌ / أَتَت مِنهُ ما فيها مَعابٌ لِعائِبِ
وَقَد زَعَموا في زَعمِهم أَنَّ خَيلَهُم / تَدوسُ قُرى البَحَرينِ مِن كُلِّ جانِبِ
وَهَيهاتَ ما قَد حاوَلُوهُ وَدونَهُ / سُيوفُ اِبنِ فَضلٍ ذي العُلى وَالمَناقِبِ
وَفِتيانُ صِدقٍ مِن عَقيلٍ أَعَزَّةٌ / ثِقالٌ عَلى الأَعدا كِرامُ المناسِبِ
بِهِ بَلَغوا آمالَهُم وَمُناهُمُ / وَحَلّوا مِنَ العَلياءِ أَعلى المَراتِبِ
هُوَ السَّيّدُ الضِّرغامُ وَالأَسَدُ الَّذي / بَنى مَجدَهُ فَوقَ النُّجومِ الثَوَاقِبِ
لَهُ خَضَعَت غُلبُ الرِّقابِ وَأَصبَحت / بِه الأَرضُ تَزهو بَعدَ تِلكَ الغَياهِبِ
تَرى عِندَهُ رُسلَ المُلوكِ مُقيمَةً / ذَهابُ رَسولٍ عِندَ آخرِ آيبِ
مَخافَةَ سَطواتٍ لَهُ يَعرِفُونَها / تُقيمُ عَلى الأَعداءِ صَوتَ النَوادِبِ
مُورِّثُهُ مِن عَهدِ عادٍ وَجُرهمٍ / وُهَيبُ بنُ أَفصى وَالقُرونِ الذَواهِبِ
وَمالَ أَميرُ المُؤمِنينَ بِوُدِّهِ / إِلَيهِ وَسَمّاهُ زَعيمَ الأَعارِبِ
حَمى البرَّ مِن حَدِّ العِراقِ فَحازَهُ / إِلى الشّامِ وَاِستَولى عَلى حَدِّ ناعِبِ
فَعَزَّ لِسامي عِزِّهِ كُلُّ خائِفٍ / مَرُوعٍ وَأَغنى جُودُهُ كُلَّ طالِبِ
فَلا عَدمَت يَوماً رَبيعَةُ مِثلَهُ / لِتَشييدِ عِزٍّ أَو لِبَذلِ مَواهِبِ
وَلا بَرِحَت أَيّامُهُ في سَعادَةٍ / وَلا زالَ مَحروسَ الحِمى وَالجَوانِبِ
أَتَدري اللَّيالي أَيَّ خَصمٍ تُشاغِبُه
أَتَدري اللَّيالي أَيَّ خَصمٍ تُشاغِبُه / وَأَيَّ همامٍ بِالرَزايا تُواثبُهْ
تَجاهَلَ هَذا الدَهرُ بي فَتَكَتَّبت / عَلَيَّ بِأَنواعِ البَلايا كَتائبُهْ
وَظَنَّ مُحالاً أَن أَدينَ لِحُكمِهِ / لِتَبكِ عَلى عَقلِ المُعنّى نَوادِبُهْ
وَإِنّي وَإِن أَبدى اِصعِراراً بِخَدِّهِ / وَأَوجَفَ بِي وَاِزوَرَّ لِلبُغضِ جانِبُهْ
لأُغضي عَلى بَغضائِهِ وَاِزوِرارِهِ / وَأَعجَبُ مِن حُرٍّ كَريمٍ يُعاتِبُهْ
وَأَستَقبلُ الخَطبَ الجَليلَ بِثاقِبٍ / مِن العَزمِ يَعلو لاهِبَ النارِ لاهبُهْ
وَرَأيٍ مَتى جَرَّدتُهُ وَاِنتَضَيتُهُ / وَجَدتُ حُساماً لَم تُفلَّل مَضارِبُهْ
وَلَستُ بِيَهفوفٍ يَرى رَأي عِرسِهِ / مَتى أَركَبتهُ مَركباً فَهوَ راكِبُهْ
يَظلُّ إِذا ما نابَهُ الأَمرُ مُحجَزاً / يُخاطِبُها في شَأنِهِ وَتُخاطِبُهْ
وَلا قائِلٍ لِلدَّهرِ رِفقاً وَقَد طَمَت / أَواذِيُّهُ شَرّاً وَجاشَت غَوارِبُهْ
وَسيّانَ عِندي عَذبُهُ وَأَجاجُهُ / وَحاضِرُهُ فِيما يَشاءُ وَغائِبُهْ
وَما الدَّهرُ خَصمٌ أَتَّقيهِ فَشَأنُهُ / حَربي فَلا عَزَّ اِمرؤٌ لا يُحارِبُهْ
سَلوا صَرفَهُ هَل راعَني أَو تَزَعزَعت / مَناكِبُ عَزمي حينَ مادَت مَناكِبُهْ
فَكَم غارَةٍ قَد شَنَّها بَعدَ غارَةٍ / عَلَيَّ وَفَرَّت مِن قِراعي مَقانِبُهْ
وَإِنَّ جَليلَ الخَطبِ عِندي لَهَيِّنٌ / إِذا لَزِمت دارَ اِبن عَمّي عَقارِبُهْ
وَكَم قائِلٍ ماذا المقامُ وَإِنَّما / مَقامُ الفَتى المُستَهلِك المالَ عائِبُهْ
أَلَستَ تَرى أَنّ المُقِلَّ يَمُجُّهُ / أَخو الرَّحمِ القُربى وَتَبدو معايِبُه
إِذا المَرءُ لَم يَملُك مِنَ المالِ ثَروَةً / رَمَتهُ عِداهُ وَاِجتَوتهُ أَقارِبُهْ
وَمَن يَجعَلِ العَجزَ المَطِيَّةَ لَم يَزَل / يَمُرُّ عَلَيهِ الدَهرُ وَالفَقرُ صاحِبُهْ
فَقُم وَاِركَبِ الأَهوالَ جِدّاً فَطالَما / أَفادَ الغِنى بِالمَركَبِ الصَّعبِ راكِبُهْ
وَلا تَقعُدَن لِلشامِتينَ فَكُلُّهُم / يُذَعلِبُ أَو تَأتيكَ جَهراً نَيادِبُهْ
فَأَنت الفَتى حَزماً وَعَزماً وَلَم تَضِق / بِمِثلِكَ في كُلِّ النَواحي مَذاهِبُهْ
فَما يَقطَعُ الصّمصامُ إِلّا إِذا اِنتَحى / عَن الغِمدِ لَو كانَت حِداداً مَضارِبُهْ
وَما دامَ لَيثُ الغابِ في الغابِ كامِناً / فَإِنَّ حَراماً أَن تُدَمّى مَخالِبُهْ
كَذا البَدرُ لَولا سَيرُهُ وَاِنتِقالُهُ / عَن النَقص لاِستَعلَت عَلَيهِ كَواكِبُهْ
وَأَنتَ مِنَ الفرعِ الَّذي فَخَرَت بِهِ / نِزارٌ وَسارَت في مَعَدٍّ مَناقِبُهْ
سَما بِكَ بَيتٌ عَبدَليٌّ أحلَّهُ / ديار الأَعادي سُمرُهُ وَقواضِبُهْ
وَعالي مَحَلٍّ مِن رَبيعَةَ أَشرَفَت / عُلُوّاً عَلى كُلِّ البَرايا مَراتِبُهْ
فَشَمِّر وَسِر شَرقاً وَغَرباً فَقَلَّما / أَفادَ الغِنى مَن لَم تُشَمِّر رَكائِبُهْ
فَقُلتُ لَهُ لا تَعجَلَن رُبَّ سَاعَةٍ / تُزيلُ عَن الأَيّامِ ما أَنا عاتِبُهْ
فَفي عُقرِ داري مِن مُلوكِ بَني أَبي / هُمامٌ إِلى الخَيراتِ تَجري مَآرِبُهْ
إِذا لَم أَنُط مُستَعصِماً بِرجائِهِ / رَجائي وَتَروي تُربَ أَرضي سَحائِبُهْ
فَأَيُّ مَليكٍ أَرتَضى وَتَؤمُّهُ / رِكابي وَأَمشي نَحوَهُ وَأُخاطِبُهْ
وَمَن ذا الَّذي أَرضى عَطاياهُ أَو أَرى / يُزاحِمُني في سُدَّةِ البابِ حاجِبُهْ
وَمَن مِثلُ مَسعودِ الأَميرِ إِذا غَدا / يَغُصُّ بِفَضلِ الرّيقِ وَالماءِ شارِبُهْ
سَلِ الخَيلَ عَنهُ وَالمَنايا كَأَنَّما / يُناهِبُها أَرواحَها وَتُناهِبُهْ
أَخُو الطَعنَةِ النَجلاءِ وَالنَقعُ ساطِعٌ / وَوَقعُ المَذاكي يَملَأُ الطَرفَ حاصِبُهْ
وَضَرَّابُ هامِ الدَارِعينَ إِذا اِستَوَت / أسودُ الشَرى في مَوجِهِ وَثَعالِبُهْ
وَمَنّاعُ أَعقابِ اللَّيالي إِذا اِغتَدَت / تَعاطى وَواراها مِنَ النَقعِ ثائِبُهْ
وَسَلّابُ أَرواحِ الكُماةِ لَدى الوَغى / وَلَكِن مُرجِّيهِ لَدى السِّلمِ سالِبُهْ
وَحَمّالُ ما لا يَستَطيعُ تَثَبُّتاً / بِهِ حَضَنٌ إِلّا وَمادَت شَناخِبُهْ
سَليلُ عُلاً ما زالَ يُخشى وَيُرتَجى / فَتُخشى مَوَاضيهِ وَتُرجى مَواهِبُهْ
وَتَرّاكُ ما لَو أَنَّ قَيسَ بنَ عاصِمٍ / أُصيبَ بِبَعضٍ مِنهُ أَورَت حُباحِبُهْ
كَثيرُ سُهادِ العَينِ لا في مَكيدَةٍ / يُكابِدُ عُقبى شَرِّها مَن يُصاحِبُهْ
جَريٌّ إِذا لَم يَبقَ لِلطِّرفِ مَسلَكٌ / وَصَمَّ حَصى الجَبّارِ لِلخَوفِ جالِبُهْ
إِذا صالَ قالُوا هَل لَهُ مِن مُصاوِلٍ / وَإِن قالَ قالوا هَل همامٌ يُخاطِبُهْ
أَبو ماجِدٍ تِربُ العُلى وَربيبُها / أَبوهُ الَّذي تهدي السَّرايا مَقانِبُهْ
وَتَلقى عَلِيّاً جَدَّهُ خَيرَ مَن حَدَت / إِلَيهِ المَطايا وَاِلتَقتها رَغائِبُهْ
مُهينُ العِدى أَيّامَ تَعدو حُمولُها / وَفي العقبِ مِنها خَيلهُ وَنَجائِبُهْ
وَإِن يَفتَخِر بِالفَضلِ فَضلُ بنُ عَبدَلٍ / فَيا بِأَبي أَعراقُهُ وَمَناسِبُهْ
همامٌ حَمى البَحرَينِ سَبعاً وَمِثلَها / سِنينَ وَسارَت في الفَيافي مَواكِبُهْ
وَلم يَرعَ مِن ثاجٍ إِلى الرَملِ مُصرِمٌ / عَلى عَهدِهِ إِلّا اِستُبيحَت حَلائِبُهْ
زَمانَ يَقولُ العامِريُّ لِمَن غَدا / يُحَدِّثُهُ عَنهُ وَذو الحُمقِ غالِبُهْ
مَتى يَلتقي مَن نارَبَردَ مَحَلُّهُ / وَآخرُ سَودِيٌّ بَعيدٌ مَذاهِبُهْ
فَلَم يَستَتِمَّ القَولَ حَتّى إِذا بِهِ / يُسايِرُهُ وَالدَهرُ جَمٌّ عَجائِبُهْ
فَقالَ لَهُ الآن اِلتَقَينا فَأَرعَدَت / فَرائِصُهُ وَالجَهلُ مُرٌّ عَواقِبُهْ
وَمَن تلكُمُ آباؤُهُ وَجدودُهُ / فَمَن ذا يُسامي فَخرَهُ أَو يُقارِبُهْ
أَأَسكُت عَن مَولى الوَرى أَم أُعاتِبُه
أَأَسكُت عَن مَولى الوَرى أَم أُعاتِبُه / وَأُهمِلُ وَعدِي عِندَهُ أَم أُطالِبُهْ
أَراني بِأَدنى مَطلَبٍ هُنتُ عِندَهُ / وَقَد غَرَّقَت مَن لَيسَ مِثلي مَواهِبُهْ
أَترضى أَبا شُكرٍ بِسُحبِ غَمامَةٍ / لِمِثلي وَأَنتَ البَحرُ جاشَت غَوارِبُهْ
أَلِلمدحِ أَم لِلبَيتِ أَم لِسوالِفٍ / عَلَت أَم لِوُدٍّ لَم يحُل عَنهُ صاحِبُهْ
لِمَن تَذخَرُ المصرِيَّ يا اِبنَ مُحمَّدٍ / وَكُلُّ جَوادٍ أَنتَ بِالسَّيفِ كاسِبُهْ
أَتَخشى هُجومَ الفَقرِ أَم تَطلُبُ الرِّضا / بِهِ مِن عَدُوٍّ أَنتَ إِن شِئتَ غالبُهْ
فَلا تَبخَلَن عَنّي بِما أَنا أَهلُهُ / فَكُلُّ نَفيسٍ أَنتَ لا بُدَّ واهِبُهْ
فَأجمَلُ ثَوبَيكَ الَّذي أَنا لابِسٌ / وَخَيرُ جَواديكَ الَّذي أَنا راكبُهْ
وَلا تُرخِصِ الغالي وَقِف عِندَ قَدرِهِ / وَقَوِّمهُ بِالأَوفى فَما اِغتَرَّ جالِبُهْ
لعَمرُكَ ما مالُ الفَتى غَيرُ ما اِقتَنَت / ذوو وُدِّهِ أَو وَفدُهُ أَو أَقارِبُهْ
أَتَحرِمُني ما أَنتَ مُعطيهِ كاشِحاً / عَدُوّاً طوالَ الدَّهرِ تَسري عَقارِبُهْ
وَلَو كُنتَ ذا بخلٍ عَذرتُ وَلَم أَفه / بِحَرفٍ وَأَخفَيتُ الَّذي أَنا عاتِبُهْ
وَلَم أُبدِ مِن نَفسي هلوعاً وَلَم أَقُم / مَقاماً مَضى عُمري وَإِنّي لَهائِبُهْ
وَلَكِنَّكَ البَحرُ الَّذي كُلَّما طَما / صَفا وَحَلَت لِلوارِدينَ مَشارِبُهْ
فَيا اِبنَ المُلوكِ الصِّيدِ وَالذّروَةِ الَّتي / لَها كاهِلُ المَجدِ المُعَلّى وَغارِبُهْ
أُعيذُكَ أَن تَرضى بِنَقصٍ لِماجِدٍ / طَويلِ عِمادِ البَيتِ مَحض ضَرائِبُهْ
جُدودُكَ أَربابُ المَعالي جُدودُه / وَقاضِبُكَ المُهدي لَكَ العِزَّ قاضِبُهْ
تَروحُ وَتَغدو بِالثَّناءِ عَلَيكمُ / بِكُلِّ بِلادٍ خَيلُهُ وَنَجائِبُهْ
فَكَم سارَ لي في مَدحِكُم مِن غَريبَةٍ / تَروقُ وَأَغلى الشِعرِ مَهراً غَرائِبُهْ
بِلا مِنَّةٍ أَسدَيتُموها وَلا يَدٍ / إِليَّ وقَولُ المَرءِ أَسواهُ كاذِبُهْ
بَلى إِنَّني قاسَيتُ فيكُم مَصائِباً / تَهُدُّ القُوى إِذ أَدرَكَ الثَأرَ طالِبُهْ
وَلَولا هَواكُم ما شَقيتُ وَلا غَدا / يَصُكُّ بِرِجلي القَيدَ مَن لا أُشاغِبُهْ
وَلا اِجتاحَتِ الأَعداءُ مالي وَلا اِنبَرى / يُطاوِلُني مَن لَيسَ تُحصى مَعائِبُهْ
وَلا نَبَحَت شَخصي كلابُ اِبنِ ماجِدٍ / غِلاباً ولا بالَت عَلَيَّ ثَعالِبُهْ
وَكانَ اِبن عَمّي دُنيَةً وَمَناسِبي / إِذا نَصَّتِ الأَنسابُ يَوماً مَناسِبُهْ
فَلا تَرضَ لي غَيراً واِعلَم أَنّني / غَيورٌ وَما ضاقَت بِمِثلي مَذاهِبُهْ
فَأَنتَ الَّذي لَم يَبقَ إِلّاهُ سَيِّدٌ / نُناجيهِ في حاجاتِنا وَنُخاطِبُهْ
وَغَيرُكَ قَد عِفتُ الوُقوفَ بِبابِهِ / عَلانِيَةً فَليَرشمِ البابَ حاجِبُهْ
وَقُلتُ لِعيسي نَكّبي كُلَّ مَورِدٍ / مِنَ الأَجنِ يَزوي الوَجهَ وَالأَنفَ شارِبُهْ
فَإِن يُنسَ لي في العُمرِ لَم يَبقَ مَأكَلٌ / وَلا مَشرَبٌ إِلّا وَعِندي أَطايِبُهْ
لَقَد كُنتُ أَرجو مِنكَ يَوماً أَعُدُّهُ / لِمَولىً أُباهِيهِ وَخَصمٍ أُحارِبُهْ
وَإِنَّكَ للَملكُ الَّذي تَسلُبُ العِدى / قَناهُ وَلَكِن جُودُهُ الغَمرُ سالِبُهْ
وَإِنّي بِمَدحي عَن سِواكَ لَراغِبٌ / وَلَو باكَرتني كُلَّ يَومٍ رَغائِبُهْ
فَإِن تَجفُني فَالبَحرُ عِندي كَثيرَةٌ / مَراكِبُهُ وَالبَرُّ عِندي رَكائِبُهْ
وَلا تُنكرَن عتبي عَلَيكَ فَإِنَّهُ / جَميلٌ وَشَرُّ النّاسِ مَن لا تُعاتِبُهْ
أُعاتِبُ مَن أَهوى عَلى قَدرِ وُدِّهِ / وَلا وُدَّ عِندي لِلَّذي لا أُعاتِبُهْ
وَأَكرَمُ أَبناءِ المُلوكِ سجِيَّةً / كَريمٌ مَتى عاتَبتَهُ لانَ جانِبُهْ
بَقيتَ وَأُعطيتَ السَّعادَةَ ما شَدا / حَمامٌ وَما لاحَت بِلَيلٍ كَواكِبُهْ
إِلى كَم مُناجاةُ الهُمومِ العَوازِبِ
إِلى كَم مُناجاةُ الهُمومِ العَوازِبِ / وَحَتّى مَ تَأميلُ الظُّنونِ الكَواذِبِ
أَما حانَ لِلعَضبِ اليَمانيِّ أَن يُرى / بِيُمناكَ كالمِخراقِ في كَفِّ لاعِبِ
لَعلَّكَ خِلتَ الذُّلَّ حَتماً أَوِ العُلى / حَراماً وَأَنَّ الشَرَّ ضَربَة لازِبِ
فَقُم قومَ ناعي مَن يُقيمُ بِمَنزِلٍ / يُضامُ بِهِ وَالأَرضُ شَتّى المَذاهِبِ
وَلا عاشَ مَن يُغضي عَلى الضَّيمِ جفنهُ / وَفي قائِمِ الهِندِيِّ فَضلٌ لِضارِبِ
وَرُح واِغدُ في كَيدِ العَدُوِّ وَلا تَنَم / عَلى ضَمَدٍ فَالعُمرُ كسوَةُ سالِبِ
أَتَظمى لَدَيكَ المشرفِيَّةُ وَالقَنا / وَفي قُلَلِ الباغينَ وِردٌ لِشارِبِ
فَشَمِّر وَأَورِدها فَقد زادَ ظمؤُها / عَلى العَشرِ أَورِدها بِعَزمٍ مُؤارِبِ
وَلا تُورِدَنها وِردَ سَعدٍ وَعُلَّها / إِذا نَهَلَت عَلَّ الهِجانِ الحَلايِبِ
فَإِنَّ بِها تَرقى الدِّماءُ كَما بِها / تُراقُ وَفيها عالياتُ المَراتِبِ
وَمَن لَم يروِّ السَّيفَ يَظمَ وَمَن يَهُن / يُهَن وَمحاريبُ العُلى لِلمُحارِبِ
وَمَن لِم تَخَوَّفهُ العِدى في بِلادِها / تُخِفه وَعُقبى الذُلِّ شَرُّ العَواقِبِ
أَرى الناسَ مُذ كانوا عَبيداً لِغاشِم / وَخَصماً لِمَغلوبٍ وَجُنداً لِغالِبِ
وَما بَلَغَ العَلياءَ إِلّا اِبنُ حُرَّةٍ / قَليلُ اِفتكارٍ في أُمورِ العَواقِبِ
وَما العِزُّ إِلّا في صِها كُلِّ سابِحٍ / وَما المالُ إِلّا في شَبا كُلِّ قاضِبِ
وَمَن لَم يَعضَّ الدَّهرَ مِن قَبلِ عَضِّهِ / بِنابيهِ أَضحى مُضغَةً لِلنَوائِبِ
وَلا تَتَوهَّم أَنّ إِكرامَكَ العِدى / سَخاءٌ وَأَنَّ العِزَّ ضَيمُ الأَقارِبِ
لعَمرُكَ ما عَزَّ اِمرُؤٌ ذَلَّ قَومُهُ / وَلا جادَ مَن أَعطى عَطِيَّةَ راهِبِ
خَليليَّ عَن دارِ الهَوانِ فَقَوِّضا / خيامي وَزُمّا لِارتِحالٍ نَجائِبي
وَلا تَذكُرا عِندي لَعَلَّ وَلا عَسى / فَما بِعَسى يُقضى نَجاحٌ لِطالِبِ
وَلَيسَ عَسى أَو رُبَّما أَو لَعَلَّما / وَيا طالَما إِلّا قُيودَ المَعاطِبِ
لَحى اللَّهُ نَوّاماً عَلى الهَمِّ وَالبَرى / قِصاراهُ وَالدُّنيا عَلى فَوتِ ذاهِبِ
عَجِبتُ لِقَومٍ أَصبَحوا وَعُيونهُم / تُخازِرُلي مِن تَحتِ تِلكَ الحَواجِبِ
إِذا ما بَدا شَخصي لَهُم خِلتَ عاصِفاً / مِنَ الرِّيحِ قَد ثارَت عَلَيهم بِحاصِبِ
يَسُرُّهُمُ أَنّي اِختُرِمتُ وَغالَني / حِمامي وَقامَت بِالمَآلي نَوادِبي
وَما ليَ ذَنبٌ غَيرُ أمٍّ نجيبَةٍ / حَصانٍ أَتَت مِن مُحصَناتِ النَجائِبِ
وَآباءِ صِدقٍ حينَ أُعزى وَهِمَّةٍ / عَلَت بِي عَلى هامِ النُجومِ الثَواقِبِ
وَبُغضي لأَربابِ الخَنا وَمَودَّتي / لِكُلِّ أَبيِّ الضَّيمِ محضِ الضَرائِبِ
وَما مِنهُمُ إِلّا مَهينٌ رَمت بِهِ / أُبُوَّةُ سُوءٍ مِن إِماءٍ جَلائِبِ
أَخو مُومِسٍ أَو صنوُها أَو حَليلُها / فَقَد حُفَّ بِالسَّوآتِ مِن كُلِّ جانِبِ
شَغوبٌ عَلى الأَدنى وَلَو صَكَّ أَنفَهُ / عَدُوٌّ بِسَيفٍ أَو عَصاً لَم يُشاغِبِ
وَما زالَ نَتنَ الخِيمِ وَالأَصلِ مُولَعاً / بِبَغضاءِ أَربابِ العُلى وَالمَناقِبِ
عَلى رِسلِكُم وَاِمشُوا رُوَيداً فَتيهُكُم / عَلى عَبدَلِيٍّ مِن عَجيبِ العَجائِبِ
وَخَلّوا مُضِلّاتِ الأَمانيِّ عَنكُمُ / مَتى نَفَّرَ البازي صَريرُ الجَنادِبِ
وَلا تَحسَبوا ذا التيهَ فيكُم فَضيلَةً / فَما هُوَ إِلّا صَرُّ عَينٍ وَحاجِبِ
فَرُصّوا وَصُرّوا أَعيُناً أَو فَبَلِّقُوا / فَما نَفخُ حُفّاثٍ لِصلٍّ بِكارِبِ
وَمَن أَنتُمُ حَتّى أُساءَ بِبُغضِكُم / وَإِعراضِكُم يا شَرَّ ماشٍ وَراكِبِ
إِذا عُدَّتِ الأَنذالُ يَوماً بِمَجلِسٍ / عُدِدتُم وَما حُرٌّ لِنذلٍ بِصاحِبِ
فَلَو كُنتُمُ طَيراً لَكُنتُم مِن الصَّدى / صَدى البُومِ أَو غِربانَهُنَّ النَواعِبِ
رَضيتُ مَن اِختَرتُم لكُم غَيرَ غابِطٍ / رِضا زاهِدٍ في وُدِّكُم غَيرِ راغِبِ
وَكُنتُ إِذا ما أَحمَقٌ زَمَّ أَنفَهُ / شَمَختُ بِأَنفي عَنهُ وَاِزوَرَّ جانِبي
وَإِنّي لإِحسانِ المُلوكِ لَعائِفٌ / فَكَيفَ بِنَزرِ القدرِ نَزرِ المَكاسِبِ
أَرى هِمَّتي لا تَقتَضيني سِوى العُلى / وَلَيسَ العُلى دونَ النُّجومِ الثَواقِبِ
أَأَبقى كَذا لا يَتَّقيني مُشاغِبي / وَلا لِعَظيمٍ يَرتَجيني مُصاحِبي
وَهَذا هُوَ الذَنبُ الَّذي ما وَراءَهُ / لَدَيهم وَلَكِن لَستُ عَنهُ بِتائِبِ
أُداري مُداراةَ الأَسيرِ مَعاشِراً / مُداراتُهُم مِن مُوجِعاتِ المَصائِبِ
عَنِ الرُّشدِ أَهدى مِن سَطيحٍ وَكُلُّهُم / إِلى الغيِّ أَعدى مِن سُلَيكِ المَقانِبِ
وَأُنكِحُ أَبكارَ المَعاني أَراذِلاً / أَحَقّ بِخَصيٍ مِن يَسارِ الكَواعِبِ
وَأَكسو ثِيابَ الحَمدِ مَن حَقُّ جِسمِهِ / مَلابِسُ حُمّى أَفكَلٍ بَعدَ صالِبِ
وَإِنّي لَخَيرٌ مِنهُ نَفساً وَوالِداً / وَعِيصاً إِذا عُدَّت كِرامُ المَناسِبِ
وَأُكرِمُ أَقواماً لَو اِنّي مَدَحتهُم / بِما فيهمُ لَم أُبقِ عَيباً لِعائِبِ
لِكَفِّ أَذاهُم لا اِجتِلاباً لِخَيرِهم / وَكَيفَ يُدِرُّ الحولَ إِبساسُ حالِبِ
فَيا عِرَراً لا يفثأُ المَدحُ شَرَّهُم / وَقَد يَفثأُ الراقونَ سُمَّ العَقارِبِ
مَتى جَرَّ نَفعاً مَدحُكُم أَو كَفى أَذىً / وَكَم نَفَعَ السارينَ حَدوُ الرَكائِبِ
فَيا ضَيعَةَ المَدحِ الَّذي سارَ فيكُمُ / عَلى أَلسُنِ الرَواينِ سَيرَ الكَواكِبِ
أَلا لَيتَني مِن قَبلَهِ كُنتُ مُفحَماً / وَلَم يَجرِ مِن لَفظي بِهِ خَطُّ كاتِبِ
فَقَد كانَ مِنّي مِثلَ ما قالَ فَلتَةً / وَما اِعتَضتُ مِنهُ غَيرَ عَضِّ الرَواجِبِ
لَئِن كُنتُ لا كُنتُم قَذىً في عُيونكُم / فَإِنّي شِفاءٌ لِلعيونِ الضَوارِبِ
وَإِن كانَ ما نِلتُم عَظيماً لَدَيكُم / فَقَد يَعظُمُ العصفورُ في عَينِ خائِبِ
أَغرَّكُمُ دَهرٌ خَسيسٌ أَحَلَّكُم / مَراتِبَ ما كانَت لَكُم مِن مَراتِبِ
تَظُنّونَها أَهرامَ مِصرَ وَإِنَّها / لَأَوهى بِناءً مِن بيوتِ العَناكِبِ
أَلَيسَ الحَجا آجِرُّها وَبَلاطُهُ / قَذى الماءِ مَطبوخاً بِنارِ الحُباحِبِ
رُوَيداً بَني المُستَفرِماتِ فَغائِبٌ / وَعَدتُكُمُ إِنجازَهُ غَيرُ غائِبِ
فَوا أَسَفاً إِن مِتُّ لَم أوطِ أَرضَكُم / كَتائِبَ خَيلٍ تَهتَدي بِكَتائِبِ
تُريكُم نُجومَ اللَّيلِ ظُهراً إِذا بَدَت / تُكَدِّسُ في لَيلٍ مِنَ النَقعِ ضارِبِ
بِكُلِّ فَتىً أَمضى مِنَ السَّيفِ عَزمُهُ / إِذا اِعتَرَكَت وَالسَّيفُ عَضبُ المَضارِبِ
فَلَستُ اِبنَ أُمِّ المَجدِ إِن لَم تَزركُمُ / مسوَّمَةٌ بَينَ القَنا وَالقَواضِبِ
بِطَعنٍ يُنسّي الكَلبَ مَنكُم هَريرَهُ / وَيَترُكهُ يَضغو ضُغاءَ الثَعالِبِ
وَضَربٍ يَقولُ الأَحمَقُ البَلعُ عِندَهُ / أَلا لَيتَني بِالدّوِّ بَعضُ الأَرانِبِ
قَضى اللَّهُ ما تَستَوجِبونُ فَساقَهُ / إِلَيكُم فَما أَبغي لَكُم غَيرَ واجِبِ
أَشَرياً عَلى الأَدنى وَأَرياً عَلى العِدى / وَذُلّاً لذي صِدقٍ وَعِزّاً لِكاذِبِ
تَعِستُم وَأَدّى اللَّهُ ما في رِقابِكُم / أَما لِإِلَهٍ فيكُم مِن مُراقِبِ
تَجمَّعَ لي عَبدٌ زَنيمٌ وَفاجِرٌ / أَثيمٌ وَأَبّارٌ عَظيمُ النَيارِبِ
وَأَنساهُمُ ما يُعقِبُ الغَيُّ أَهلَهُ / شَقاهُم فَلَمّا يَنظُرُوا في العَواقِبِ
فأَولى لَهُم أَولى أَما إِنَّ خَيرَهُم / نِجاراً وَنَفساً مَن نُمِي لِلمُعائِبِ
وَلَم أَرَ آذى لِاِمرِئٍ مِن جِوارِهم / وَلا سِيَّما حُرٍّ كَريمِ المَناصِبِ
وَدِدتُ وَقَد جاوَرتُهُم أَنَّ مَنزِلي / بِحَيثُ ثَوَت غُبسُ الذِئابِ السَواغِبِ
فَإِنَّ الذِّئابَ الطُّلسَ أَندى أَنامِلاً / وَأَكفى وَأَوفى ذِمَّةً لِلمُصاحِبِ
فَما زالَ ناديهم عَجاجاً وَما لَهُم / رَجاجاً وَواديهُم أُجاجَ المَشارِبِ
أَراهُ الهَوى ما لَم يَكُن في حِسابِهِ
أَراهُ الهَوى ما لَم يَكُن في حِسابِهِ / فَأَقلَقَهُ عَن صَبرِهِ وَاِحتِسابِهِ
وَلا تُؤلِماهُ بِالمَلامِ فَإِنَّهُ / يُثيرُ جَواهُ وَاِترُكاهُ لِما بِهِ
أُعيذُكما مِن وَجدِهِ وَغَرامِهِ / وَلوعاتِهِ يَومَ النَوى واِكتِئابِهِ
فَهل لَكُما أَن تَذهَبا لا شُفِيتُما / لِشأنِكُما أَو تُقصِرا عَن عِتابِهِ
تُريدانِ مِنهُ سَلوَةً وَتَناسِياً / وَصَبراً لَقَد بالغتُما في عَذابِهِ
وَأَنّى لَهُ الصَبرُ الَّذي تَطلُبانِهِ / وَقد ضاعَ يَومَ الحَشرِ مِفتاحُ بابِهِ
سَلا عَنهُ غِزلانُ القُرَيَّةِ أَيُّها / غَدا بِبقايا لُبِّهِ في نهابِهِ
وَقولا لَهُ يا أَحسَنَ السِربِ إِنَّهُ / غَريبٌ فَهل مِن رِقَّةٍ لِاِغتِرابِهِ
وَعَلَّ نَوالاً مِنهُ يَحمي حشاشَةً / يُزَكّي بِهِ عَن حُسنِهِ وَشَبابِهِ
فَإِنَّ زَكاةَ الحُسنِ تَقبيلُ ثَغرِهِ / وَرَشفُ ثَناياهُ وَبَردِ رُضابِهِ
حَلالاً لِأَبناءِ السَبيلِ مُخَصَّصٌ / لَهُم دونَ مَن قَد نَصَّهُ في كِتابِهِ
رَعى اللَّهُ أَيّامَ الشَّبابِ فَإِنَّها / هيَ العُمرُ يا طُولَ الأَسى بِاِستِلابِهِ
وَجادَ ديارَ الحَيِّ مِن أَيمَنِ الحَسا / مُرِبٌّ يُواري الهُضبَ داني رَبابِهِ
كَجودِ اِبنِ مَسعود الفَتى الواهِبِ اللُّها / وَمُخجِلِ مُنهَلِّ الحَيا في اِنسِكابِهِ
همام مِن الوَسميِّ أَغزَرُ ديمَةً / إِذا لَجَّ في تَهتانِهِ وَاِنصِبابِهِ
وَأَمضى مِن الصِّمصامِ عَزماً إِذا غَدا / يَمُجُّ دَماً مِن صَدرِهِ وَذُبابِهِ
وَأَضبطُ جَأَشاً يَومَ يُثني حِفاظَها / بَنو الحَربِ مُبدي لبدِهِ عِندَ بابِهِ
وَأَحلَمُ مِن قَيسٍ إِذا الحِلمُ لَم يُشِن / عُلاهُ وَلَم يُغرِ العِدا بِجنابِهِ
وَأَبلغُ مِن قسٍّ وَسَحبانِ وائِلٍ / إِذا الشَّرُّ أَبدى كَالِحاً جُلَّ نابِهِ
طَويلُ المطا عِندَ النِزالِ كَأَنَّما / دَمُ الفارِسِ المَرهوب أَحلى شَرابِهِ
إِذا مَلكٌ راحَ الحطامَ اِكتِسابُهُ / فَإِنَّ العُلا وَالمَجدَ حَبلُ اِكتِسابِهِ
بَصيرٌ بِمَعنى كُلِّ أَمرٍ كَأَنَّما / تُريهِ خَطاهُ عَينهُ مِن صَوابِهِ
ضروبٌ لِهاماتِ الكُماةِ إِذا اِستَوَت / مِنَ الرُّعبِ آسادُ الشَرى مِن كِلابِهِ
يَهُزُّ حُساماً صارِماً لَو رَمى بِهِ / شَماريخَ رَضوى لاِنزَوى عَن هِضابِهِ
تَضِجُّ حَماليقُ العِدا مِن طعانِهِ / وَتَبكي دَماً هاماتها مِن ضِرابِهِ
إِلى الصِّيدِ مِن نَسلِ العُيونيِّ يَنتَمي / وَأَيُّ نِصابٍ في الوَرى كَنِصابِهِ
إِذا ذُكرَت آباؤُهُ يَومَ مَفخَرٍ / تَضاءا لِمَن يَبغي العُلا بِاِنتِسابِهِ
لَعَمري لَقَد أَحيا مَكارِمَ قَومِهِ / فَحَسبُ معدٍّ سَعيُهُ وَكَفى بِهِ
تَقَبَّلَ فَضلاً ذا العُلا وَمُحَمَّداً / فَما لَهُما مِن بَعدِهِ مِن مُشابِهِ
رَأَيتُ لَهُ فيما رَأيتُ خَلائِفاً / أَلَذَّ وَأَحلى مِن زلالِ ثغابِهِ
فَتىً مالُهُ لِلمُعتَفينَ وَجاهُهُ / لِمُستَضعَفٍ لا يرعَوي لِخطابِهِ
نَماهُ إِلى العَلياءِ فَضلٌ وَعَبدَلٌ / وَلو أَدركاهُ اليَومَ لاِفتَخَرا بِهِ
وَخَيرُ عَقيلٍ كُلِّها حينَ يَنتَمي / خُؤولَتُه بِالصِدقِ لا بِكذابِهِ
وَلا خالَ إِلّا دونَ مَن كانَ جَدُّهُ / سِنانٌ مَحَلُّ الضَيفِ رَحبُ جَنابِهِ
أَقولُ لِعيسى وَالرِّياشِيُّ مُعرِضٌ / وَتِلكَ الرَوابي عُوَّمٌ في سَرابِهِ
إِذا حسَنٌ بَلَّغتِنِيهِ فَأَبشري / بِمَرعىً يَفوقُ المسكَ رَيّا تُرابِهِ
نَظمتُ لَهُ مَدحي وَما جِئتُ طالِباً / نَداهُ وَلا مُستَمطِراً مِن سَحابِهِ
وَلَكِن هَزّتني لِذاكَ اِرتِياحَةٌ / وَعُجتُ لِمَحمودِ الثَنا مُستَطابِهِ
عَلى أَنَّهُ البَحرُ الَّذي لا مَذاقُهُ / أُجاجٌ وَلا يَجري القَذا مِن عُبابِهِ
لِأَنَّ عُبابي دَفقَةٌ مِن عُبابِهِ / وَهَضبَةُ عِزّي تَلعَةٌ مِن هِضابِهِ
وَآباؤُهُ الغُرُّ الكِرامُ أُبُوَّتي / وَآسادُ غابي مِن رَآبيلِ غابِهِ
وَلَيسَ يَليقُ المَدحُ إِلّا بِسَيِّدٍ / مُهينٍ لِغالي مالِهِ مِن طِلابِهِ
إِذا قالَ فيهِ مادِحٌ قالَ سامِعٌ / صَدَقتَ وَلَم يَصدُق فَتىً بِاِغتِيابِهِ
كَمِثلِ اِبنِ مَسعودٍ وَهَيهاتَ مِثلُهُ / إِلى حَيثُ يَدعو الخَلقَ داعي حِسابِهِ
فَحازَ الَّذي يَرجو جَميلَ ثَوابِهِ / وَيَخشى مَدى الدُنيا أَليمَ عِقابِهِ
فَلا زالَتِ الأَعداءُ قَتلى سُيوفِهِ / وَأَقلامِهِ في أَرضِها وَحِرابِهِ
وَعَزَّ بهِ الدّينُ الحَنيفُ وَحَلَّلَت / مَحارِمُ دارِ الشِركِ حُمرُ قِبابِهِ
وَلا بَرِحَت عَينُ الإِلَهِ تَحُوطُهُ / وَتَحفَظُهُ في مُكثِهِ وَذَهابِهِ
أُعيذُكَ أَن تَسمو إِلَيكَ الحَوادِثُ
أُعيذُكَ أَن تَسمو إِلَيكَ الحَوادِثُ / وَأَن تَتَغشّاكَ الخُطوبُ الكَوارِثُ
سَليلَ العُلى لا زِلتَ في ظِلِّ نِعمَةٍ / لَكَ المَجدُ ثانٍ وَالسَلامَةُ ثالِثُ
وَجُزتَ المَدى في خَفضِ عَيشٍ وَعِزَّةٍ / يَدينُ لَها سامٍ وَحامٍ وَيافِثُ
وَلا زالَتِ الأَقدارُ تَجري مُطيعَةً / لِأَمرِكَ حَتّى يَبعَثَ الخَلقَ باعِثُ
وَسالَمَتِ الأَيّامُ نادِيَكَ الَّذي / بِهِ كُلَّ مَجدٍ مُجمَعِ الأَمرِ لابِثُ
لَعَمري لَقَد أَشبَهتَ فَضلاً وَسُؤدَداً / أَباكَ عَلِيّاً حينَ تَبدو النَكائِثُ
وَأُقسِمُ ما ماتَت سَجاياهُ في العُلى / وَأَنتَ لَها يا اِبنَ المَيامينِ وارِثُ
لَكَ الكَرَمُ الغَمرُ الَّذي يُحدِثُ الغِنى / وَغَيرُكَ يلوي في النَّدى وَيُماغِثُ
عَفَفتَ وَجانَبتَ الأَذى غَيرَ عاجِزٍ / وَقَد مَلَأَت كُلَّ البِلادِ الهَثاهِثُ
فَتىً نَبَوِيُّ الطَبعِ لا تَستَخِفُّهُ ال / مَثاني إِذا ما حُرِّكَت وَالمَثالِثُ
إِذا الخَمرُ أَفنى عَيثُها مالَ باخِلٍ / فَإِنَّ نَداهُ الغَمرَ في المالِ عائِثُ
وَإِن عَبَثَت أَيدي اللَيالي بِسَيِّدٍ / فَإِنَّ يَدَيهِ بِاللَيالي عَوابِثُ
جَرى وَجَرَت أَهلُ العُلى فَأَتى المَدى / جُموحاً وَأَقعى كَلبهُم وَهو لاهِثُ
فَقُل لِمُبارِيهِ رُوَيدَكَ فَاِتّئد / مَتى صَحِبَت شُهبَ البُزاةِ الأَباغِثُ
مَتى يَجرِ خَلفَ الأَعوَجِيِّ اِبنُ كَودَنٍ / فَيا قُربَ ما تَحثو عَلَيهِ الكَثاكِثُ
فَلو أَنَّ قُسّاً في الفَصاحَةِ رامَهُ / لَأَكدى وَلاِنهارَت عَلَيهِ المَباحِثُ
يُقِرُّ لَهُ في الجودِ كَعبٌ وَحاتِمٌ / وَفي الحِلمِ وَالإِقدامِ قَيسٌ وَحارِثُ
إِذا لاثَ يَوماً حَبوَةً فَكَأَنَّهُ / عَلى الطودِ مِن أَعلى أَبانينَ لائِثِ
لَهُ العَطَنُ الرَّحبُ الَّذي لَم تَزَل بِهِ / رِكابُ الأماني وَالرِياض الأَثائِثُ
يُنادي إِلَيهِ الراغِبينَ سَماحُهُ / وَأَخلاقُهُ الغُرُّ الحِسانُ الدَمائِثُ
إِذا ما دَعاهُ الرّاغِبونَ لِحاجَةٍ / فَلا الصَوتُ مَحجوبٌ وَلا الجودُ رائِثُ
هُوَ الغَيثُ لَكن طَلُّهُ وَرَذاذهُ / يَغصُّ بِهِ قُريانُهُ وَالمدالِثُ
كَريمُ الثَنا لا العِرضُ مِنهُ رَدِيَّةٌ / تُصابُ وَلا زِندُ النَدى مِنهُ غالِثُ
هُمامٌ مَتى تَقصِدهُ تَقصِد مُيَمّماً / جَواداً عَلى عِلّاتِهِ لا يُمالِثُ
جَزى اللَّهُ تاجَ الدّينِ خَيراً فَإِنَّهُ / بِهِ تُدفَعُ الجُلّى وَتُكفى الهَنابِثُ
فِدىً لأَبي زَيدٍ رِجالٌ قُلوبُهُم / عَنِ الخَيرِ غُلفٌ وَالحبالُ رَثائِثُ
لَهُم أَلسُنٌ سُمجٌ وَأَيدٍ لَئِيمَةٌ / وَأَندِيَةٌ زُعرٌ وَمالٌ جُثاجِثُ
وَإِنَّ العُروقَ الطَّيّباتِ فُروعُها / نَوامٍ وَلا تَنمو العُروقُ الخَبائِثُ
فَتىً لا يُباري جارَهُ جارُ غَيرِهِ / وَهَل يَستوي عَيمانُ قَومٍ وَآبِثُ
فَتىً لَم تَزَل أَخلاقُهُ وخِلالُهُ / عَلى حَمدِهِ في كُلِّ يَومٍ بَواعِثُ
فَقُل لِلَّذي آلى يَميناً لَقَد رَأى / لَهُ ثانياً كَفِّر فَإِنَّكَ حانِثُ
لِيَهنِكَ عِيدٌ أَنتَ أَحلى شَمائِلاً / وَأَحسَنُ مِنهُ إِن تَنَكَّرَ حادِثُ
وَعِشتُ حَميداً أَلفَ عيدٍ مُجَدَّدٍ / تَلوثُ بِعَلياكَ الرِّجالُ الملاوِثُ
فَدُونَكَها يا اِبنَ النَّبيِّ غَريبَةً / تُخَبِّرُ أَنَّ العائِبيها هَلابِثُ
جَمَعتُ بِها سِحرَ الكَلامِ الَّذي اِختَفى / قَديماً فَلَم يَنفُث بِهِ قَبلُ نافِثُ
أَرَتها المَآقي ما تُكِنُّ الجَوانِحُ
أَرَتها المَآقي ما تُكِنُّ الجَوانِحُ / فَبُح فالمُعَنّى بِالصَّبابَةِ بائِحُ
وَخُذ حَظَّكَ الأَوفى مِن اللَهوِ وَالصِّبا / وَغصنُكَ رَيّانٌ وَطَرفُكَ جامِحُ
وَبادِر إِلى اللَّذّاتِ مِن قَبلِ حِليَةٍ / تَصُدُّ لَها عَنكَ العُيونُ اللَوامِحُ
أَلَم تَرَ أَنَّ المُهرَ زَينٌ عُرامُهُ / وَيَسمُجُ مِنهُ ذاكُمُ وَهوَ قارِحُ
فَكَم تَستُرُ الشَوقَ الَّذي خامَرَ الحَشا / وَدَمعُ المَآقي لِلمُحِبِّينَ فاضِحُ
فَيا عَرَصاتِ الدارِ مِن حَيثُ تَلتَقي / شَقائِقُ أَجزاعِ اللِّوى وَالأَباطِحُ
سَقاكُنَّ مِن نَوءِ السِّماكَينِ عارِضٌ / مِنَ المُزنِ مَحلولُ النِطاقَينِ دالحٌ
مُلِثٌّ يَظَلُّ الجَأبُ في عُنفُوانِهِ / عَلى النَّشزِ وَهوَ السَّحسَحُ المُتَمايِحُ
كَمُستَرعِفٍ أَحذى وَدَنَّحَ بَعدَما / غَدا طَلقاً وَاِستَبدَهَتهُ المَطاوِحُ
وَتُمسي الرِّعانُ القُودُ فيهِ كَأَنَّها / يَعاليلُ في آذيِّ بَحرٍ طَوافِحُ
لِتَروي مَغانيكَ الَّتي لَم تَزَل بِها / عَلَينا مِن النَعماءِ غادٍ وَرائِحُ
وَقائِلَةٍ شِبهَ المَلامِ وَراعَها / بَياضُ مَشيبٍ جَلَّلتهُ المَسائِحُ
أَبَعدَ اِشتِعالِ الرَّأسِ شَيباً تَعَرُّضٌ / لِوَصلِ الحِسانِ البيضِ أَم أَنتَ مازِحُ
فَقُلتُ أَلَيسَ الصُبحُ أَحسَنَ مَنظَراً / وَأَبهى مِن الظَلماءِ وَاللَيلُ جانِحُ
فَمالَت لِهَزلِ القَولِ ثُمَّ تَضاحَكَت / وَقالَت لِهَذا فَلتَنُحكَ النَوائِحُ
إِذا كانَ شَيبُ الرَأسِ مِمّا يَزينُهُ / فَيا حُسنَ ثَغرٍ سَوَّدَتهُ القَوادِحُ
وَما شِبتُ مِن سِنٍّ مَضَت بَل أَشابَني / صُروفُ اللَيالي وَالخُطوبُ الفَوادِحُ
لِعِشرينَ لاحَ الشَّيبُ فِيَّ وَأَوجَفَت / عَلَيَّ خُيولُ المُرزِئاتِ الضَوابِحُ
وَلاقَيتُ في أَبناءِ عَمّي وَمعشري / ذآليلَ لا يَرقى إِلَيها المُجالِحُ
وَكَم صاحِبٍ وارَيتُ في الكَشحِ وُدَّهُ / تَبَيَّنَ لي مِنهُ عَدُوٌّ مُكاشِحُ
جَزى اللَّهُ إِخوانَ اللَّيالي مَلامَةً / وَحاسَبَها حُسبانَ مَن لا يُسامِحُ
وَعاقبَ دَهراً كُلَّما قُلتُ يَرعَوِي / نَزى وَرمَتني مِنهُ رُوقٌ نَواطِحُ
خَليلَيَّ ما آضَ اِعتِزامي وَلا نضا / غَرامي وَلا ضاقَت عَلَيَّ المَنادِحُ
وَلا فَلَّ صَبري ما لَقيتُ وَإِنَّني / لَأَلوي عَلى اللّأواءِ جَلدٌ مُكافِحُ
وَلَكِنَّ إِنفاقي عَلى الصَبرِ ما بَقي / مِنَ العُمرِ خُسرانٌ بِهِ الغبنُ لائِحُ
فَقوما ففي عُرضِ البَسيطَةِ مُنتَأىً / ومُتَّدَعٌ عَن مَوضِعِ الذُلِّ نازِحُ
فَللحُرِّ عَن دارِ الهَوانِ مَراغِمٌ / وَذو سَفهٍ إِن شُجَّ بِالدارِ آنِحُ
وَما كُلُّ دارٍ شِمتُها دارُ شِقوَةٍ / يباكِرُ مَن فيها الأَذى وَيُراوِحُ
وَفي تَعَبِ الأَعضاءِ لِلقلبِ راحَةٌ / وَلا تَصلُحُ الأَعضاءُ وَالقَلبُ رازِحُ
فَإِن غاضَ في أَرضي الوَفاءُ وَقُطِّعَت / أَواصِرُ ذي القُربى وَعزَّ المُناصِحُ
فَفي شاطِئِ الزَوراءِ نُصحٌ يَمُدُّهُ / وَفاءٌ تَهاداهُ العُقودُ الصَحائِحُ
وَعَدلٌ تَساوى فيهِ سامٌ وَيافِثٌ / يَقومُ بِهِ نُورٌ مِنَ الحَقِّ واضِحُ
إِمامُ هُدىً بَطحاءُ مَكَّةَ مَولِدٌ / لآبائِهِ الشُمِّ الذُرى لا البَطائِحُ
فَتىً حَلَّ مِن عَليا لُؤَيِّ بن غالِبٍ / مَحلّاً بِهِ لا يَعلَقُ الطَرف لامِحُ
مِنَ النَفَرِ الغُرِّ الأُلى عُرِفَت لَهُم / خِفافُ المَذاكي وَالحُلومُ الرَواجِحُ
هُمُ الناسُ لا مُستَنبِطُ الخَيرِ خاسِرٌ / لَدَيهِم وَلا مُستَنبِطُ الشَرِّ رابِحُ
بِتَقديمهِم جاءَ الكِتابُ وَلَم يَكُن / يِجيءُ بِما لا تَقتَضيهِ المَصالِحُ
وَحَسبُكَ عِلمُ اللَّهِ فيهم فَإِنَّهُ / دَليلٌ على ما يَدَّعي الخَصمُ واضِحُ
أَبوهم بِهِ اِستَسقَت قُرَيشٌ فَجادَها / حَياً فَهَفَت بِالسَيلِ مِنهُ الأباطِحُ
وَيَومَ حُنَينٍ أَسلَمَتهُ وَأَمعَنَت / فِراراً عَنِ المُختارِ وَالمَوتُ كالِحُ
فَطاعَنَ بِالخَطّيِّ إِذ لا مُطاعِنٌ / وَكافحَ بِالهِندِيِّ إِذ لا مُكافِحُ
وَمَن يَكُنِ العَبّاسُ أَصلاً لِفَرعِهِ / فَما فَرعُهُ غشٌّ وَلا الظِلُّ ماصِحُ
لَنا فيهِ شِركٌ يا رَبيعَةُ وافِرٌ / بِضَحيانِنا نَسمُو بِهِ وَنُناضِحُ
وَما عامِرُ الضَحيانُ حينَ تَعُدُّهُ / رَبيعَةُ إِلّا كَبشُها إِذ تُناطِحُ
يَقولونَ لي هَلّا اِمتَدَحتَ مَعاشِراً / لَهُم أَوجُهٌ غُرٌّ وَأَيدٍ مَوائِحُ
فَقُلتُ وَقَد فاضَت مِنَ العَينِ عَبرَتي / ذَروني فَلي طَرفٌ عَنِ الناسِ طامِحُ
فَلولا أَميرُ المُؤمِنينَ وَذِكرُهُ / لَما قَطَعَت بي البِيدَ هُوجٌ مَشانِحُ
وَلا خُضتُ أَمواجَ البِحارِ كَأَنَّها / جِبالٌ تَرامى بِي جَنوبٌ وَبارِحُ
هُوَ البَحرُ وَالنّاسُ الَّذينَ تَرونَهُم / سَواقٍ طَمَت مِن فَيضِهِ وَهوَ طافِحُ
يَجودُ ذوو الإِفضالِ مِن فَيضِ جُودِهِ / فَيَعلو لَهُم شَأنٌ وَيَكثُرُ مادِحُ
أَأَترُكُ مَدَّ النِّيلِ فاضَ وَأَبتَغي / فَراشاً تُعَفّي ماءَهُنَّ البَوارِحُ
وَإِنَّ اِمرءاً شَطُّ الفُراتِ تِجاهَهُ / وَيَطلُبُ أَمواهَ الرَكايا لَقامِحُ
وَإِنّيَ إِن أَسدَيتُ مَدحاً لِغَيرِهِ / جَديرٌ بِأَن تَنسَدَّ عَنّي المَناجِحُ
هُوَ الناصِرُ بنُ المُستَضيء وَقِدحُهُ ال / مُعَلّى وَما في عُودِهِ الصُلبِ قادِحُ
سَمِيُّ النَبيِّ المُصطَفى وَاِبنُ عَمِّهِ / وَأَكرَمُ مَن ضَمَّت مِنىً وَالأَباطِحُ
مُحَيّاهُ صُبحٌ لِلهُدى وَبَنانُهُ / بِحارٌ غِزارٌ للِنّدى لا ضَخاضخُ
إِذا الشَتوَةُ الشَهباءُ هَبَّت رياحُها / بِلَيلٍ وَلَذَّت بِالأَكُفِّ الوَحاوِحُ
وَأَلقَت عَقامٌ بَركَها وَتَتابَعَت / حُسوماً عَلى المالِ السِّنونُ الجَوائِحُ
وَأَضحى بِها المَجدوحُ قوتاً وَأَصبَحَت / سَواءً عَلى الضَيفِ القِرى والقَوارِحُ
وَلَم يَبقَ يَلقَ الطارِقينَ بِوَجهِهِ / مِنَ الضُرِّ إِلّا مُقدَحرٌّ مُكاوِحُ
فَثَمَّ لِمُمتاحي النَّدى بِفنائِهِ / مَراحٌ إِلى آمالِهِم وَمَسارِحُ
صَفوحٌ عَن الجاني فَإِن لَجَّ لَم يَكُن / بِأَسرَعَ مِمّا تَعتَليهِ الصَفائِحُ
إِمامَتهُ الحَقُّ اليَقينُ وَغَيرُها / إِذا ما اِستُبينَت تُرَّهاتٌ صَحاصِحُ
خَليفَةُ صِدقٍ مِن سُلالَةِ مَعشَرٍ / نَجا بِهِمُ نوحٌ وَهودٌ وَصالِحُ
تُرى زُمَرُ الأَملاكِ وَسطَ بُيوتِهِم / تُحيّيهمُ حيناً وَحيناً تُصافِحُ
وَمَهبِطُ وَحيِ اللَهِ فيهم وَرُسلُهُ / غَوادٍ عَلَيهم ما بَقوا وَرَوائِحُ
إِلَيكَ رَمت بي عَزمَةٌ لَم أَجد لَها / سِواكَ وَهَمٌّ لَم تَسَعهُ الجَوانِحُ
وَمَن كُنتَ يا اِبنَ المُستَضِيءِ مآلَهُ / رَجاهُ وَحاشاهُ مُحِبٌّ وَكاشِحُ
فَعِش وَاِبقَ لِلإِسلامِ ما ذَرَّ شارِقٌ / وَما سَجَعَت بِالبانِ وُرقٌ صَوادِحُ
غَداً نَغتَدي لِلبَينِ أَو نَتَروَّحُ
غَداً نَغتَدي لِلبَينِ أَو نَتَروَّحُ / وَعِندَ النَوى يَبدُو الغَرامُ المُبرِّحُ
غَداً تُقفِرُ الأَطلالُ مِمَّن نَوَدُّهُ / وَيُمسي غُرابُ البَينِ فيها وَيُصبِحُ
غَداً تَذهَبُ الأَظعانُ يُمنى وَيَسرَةً / وَيَحدو تَواليها نَجاحٌ وَمُنجِحُ
فَيا باكياً قَبلَ النَوى خَشيَةَ النَوى / رُوَيداً بِعَينٍ جَفنُها سَوفَ يَقرَحُ
وَلا تَعجَلَن وَاِستَبقِ دَمعَكَ إِنَّني / رَأَيتُ السَّحابَ الجَونَ بِالقَطرِ يَنزَحُ
إِذا كُنتَ تَبكي وَالأَحِبَّةِ لَم يَرِد / ببَينهمُ إِلّا حَديثٌ مُطوَّحُ
فَكَيفَ إِذا ما أَصبَحَت عَينُ مالِكٍ / وَحَبلُ الغَضا مِن دونِهم وَالمَسيَّحُ
فَكُفَّ شُؤونَ الدَمعِ حَتّى تَحُثُّها / غَداً ثُمَّ تَهمي كَيفَ شاءَت وَتَسفَحُ
خَليليَّ هُبّا مِن كَرى النَّومِ وَاِنظُرا / مَخائِلَ هَذا البَرقِ مِن حَيثُ يَلمَحُ
لَقَد كِدتُ مِمّا كادَ أَن يَستَفِزَّني / أَبوحُ بِسِرّي في الهَوى وَأُصرِّحُ
ذَكَرتُ بِهِ ثَغرَ الحَبيبِ وَحُسنَهُ / إِذا ما تَجَلّى ضاحِكاً وَهوَ يَمرَحُ
وَيا حَبّذا ذاكَ الجَبينُ الَّذي غَدا / يَلوحُ عَلَيهِ الزَعفَرانُ المُذَرَّحُ
فَكَم لَيلَةٍ قَد كادَ يَخطِفُ ناظِري / وَنَحنُ بِميدانِ الدُعابَةِ نَمرَحُ
إِلى مَ اِنتِظاري أَنجُمَ النَحسِ وَالسَعدِ
إِلى مَ اِنتِظاري أَنجُمَ النَحسِ وَالسَعدِ / وَحَتّامَ صَمتي لا أُعيدُ وَلا أُبدي
لَقَد مَلَّ جَنبي مَضجَعي مِن إِقامَتي / وَمَلَّ حُسامي مِن مُجاوَرَةِ الغِمدِ
وَلَجَّ نَجيبي في الحَنينِ تَشَوُّقاً / إِلى الرَحلِ وَالأَنساعِ وَالبِيدِ وَالوَخدِ
وَأَقبلَ بِالتِصهالِ مُهري يَقولُ لِي / أَأَبقى كَذا لا في طِرادٍ وَلا طَردِ
لَقد طالَ إِغضائي جُفوني عَلى القَذى / وَطالَ اِمتِرائي الدُرَّ مِن بُحُرٍ جُدِّ
عذولَيَّ جُوزا بي فَلَيسَ عَلَيكُما / غَوايَ الَّذي أَغوى وَلا لَكُما رُشدي
أَجِدَّكُما لا أَبرَحُ الدَهرَ تابِعاً / وَعِندي مِن العَزمِ الهُمامِيِّ ما عِندي
أَمِثليَ مَن يُعطي مَقاليدَ أَمرِهِ / وَيَرضى بِأَن يُجدى عَلَيهِ وَلا يُجدي
إِذا لَم تَلِدني حاصِنٌ وائِليَّةٌ / مُقابَلَةُ الآباءِ مُنجِبَةُ الوُلدِ
خُؤولَتُها لِلحَوفَزانِ وَتَنتَمي / إِلى المَلِكِ الوَهّابِ مَسلَمَةَ الجَعدِ
يَظُنُّ نُحولي ذو السَّفاهَةِ وَالغَبا / غَراماً بِهِندٍ وَاِشتِياقاً إِلى دَعدِ
وَلَم يَدرِ أَنّي ماجِدٌ شَفَّ جِسمهُ / لِقاءُ هُمومٍ خَيلُها أَبَداً تُردي
قَليلُ الكَرى ماضٍ عَلى الهَولِ مُقدِمٌ / عَلى اللَّيلِ وَالبَيداءِ وَالحَرِّ وَالبَردِ
عَدِمتُ فُؤاداً لا يَبيتُ وَهمُّهُ / كِرامُ المَساعي وَاِرتِقاءٌ إِلى المَجدِ
لعَمري ما دَعدٌ بِهَمّي وَإِن دَنَت / وَلا لِي بِهِندٍ مِن غَرامٍ وَلا وَجدِ
وَلَكِنَّ وَجدي بِالعُلا وَصَبابتي / لعارِفَةٍ أسدي وَمَكرُمَةٍ أجدي
إِلى كَم تَقاضاني العُلا ما وَعَدتُها / وَغَيرُ رِضاً إِنجازُكَ الوَعدَ بِالوَعدِ
وَكَم أَندُبُ المَوتى وَأَستَرشِحُ الصَّفا / وَأَستَنهِضُ الزَمنى وَأَعتانُ بِالرُمدِ
وَأَمنَحُ سَعيي وَالمَوَدَّةَ مَعشَراً / أَحَقُّ بِمَقتٍ مِن سُواعٍ وَمن ودِّ
إِلى اللَّهِ أَشكو عَثرَةً لَو تُدُورِكَت / بِتَمزيقِ جِلدي ما أَسِفتُ عَلى جِلدي
مَديحي رِجالاً بَعضهُم أَتَّقي بِهِ / أَذاهُ وَبَعضاً لِلمُراعاةِ وَالوُدِّ
فَلا الوُدُّ كافي ذا وَلا ذا كَفى الأَذى / وَلا نَظَروا في بابِ ذَمٍّ وَلا حَمدِ
فَكَيفَ بِهِم لَو جِئتُهُم مُتَشَكّياً / خَصاصَةَ أَيّامي وَسمتُهُمُ رِفدي
فَكُنتُ وَإِهدائي المَديحَ إِلَيهِمُ / كَغابِطِ أَذنابِ المُهَلَّبَةِ العُقدِ
وَقائِلَةٍ هَوِّن عَلَيكَ فَإِنَّها / متاعٌ قَليلٌ وَالسَلامَةُ في الزُهدِ
فَإِن عَلَتِ الرُوسَ الذُنابى لِسَكرَةٍ / مِنَ الدَهرِ فَاِصبِر فَهوَ سُكرٌ إِلى حَدِّ
فَقَد تَملِكُ الأُنثى وَقَد يلثمُ الحَصى / وَيُتَّبَعُ الأَغوى وَيُسجَد لِلقِردِ
وَيَعلو عَلى البَحرِ الغُثاءُ وَيَلتَقي / عَلى الدُرِّ أَمواجٌ تَزيدُ عَلى العَدِّ
وَكَم سَيِّدٍ أَمسى يُكَفِّرُ طاعَةً / لِأَسوَدَ لا يُرجى لِشُكمٍ وَلا شُكدِ
وَلا بُدَّ هَذا الدَهر مِن صَحوِ ساعَةٍ / يَبينُ لَنا فيها الضَلالُ مِن القَصدِ
فَقُلتُ لَها عَنّي إِلَيكِ فَقَلَّما / يَعيشُ الفَتى حَتّى يُوَسَّدَ في اللَحدِ
أَبى اللَّهُ لي وَالسُؤدَدانِ بِأَن أُرى / بِأَرضٍ بِها تَعدو الكِلابُ عَلى الأُسدِ
أَلَم تَعلَمي أَنَّ العُتوَّ نَباهَةٌ / وَأَنَّ الرِّضا بِالذُلِّ مِن شِيمَةِ الوَغدِ
وَأَنَّ مُداراةَ العَدُوِّ مَهانَةٌ / إِذا لَم يَكُن مِن سَكرَةِ المَوتِ مِن بُدِّ
أَأَرضى بِما يُرضي الدَّنِيَّ وَصارِمي / حُسامٌ وَعَزمي عَزمُ ذِي لِبدَةٍ وَردِ
سَأَمضي عَلى الأَيّامِ عَزمَ اِبنَ حُرَّةٍ / يُفَدّى بِآباءِ الرِّجالِ وَلا يُفدي
فَإِن أُدرِكِ الأَمرَ الَّذي أَنا طالِبٌ / فَيا جَدَّ مُستَجدٍ وَيا سَعدَ مُستَعدِ
وَإِن أُختَرم مِن دونِ ما أَنا آمِلٌ / فَيا خَيبَةَ الراجي وَيا ضَيعَةَ الوَفدِ
وَإِنّيَ مِن قَومٍ يَبينُ بِطِفلِهم / لِذي الحَدسِ عُنوانُ السِّيادَةِ في المَهدِ
فَإِن لَم يَكُن لي ناصِرٌ مِن بَني أَبي / فَحَزمي وَعَزمي يُغنِياني عَنِ الحَشدِ
وَإِن يُدرِكِ العَليا هُمامٌ بِقَومِهِ / فَنَفسي تُناجيني بِإِدراكِها وَحدي
وَإِنّي لَبَدرٌ ريعَ بِالنَقصِ فَاِستَوى / كَمالاً وَبَحرٌ يُعقِبُ الجَزرَ بِالمَدِّ
إِذا رَجَّفَت دارَ العَدُوِّ مَخافَتي / فَلا تَسأَلاني عَن سَعيدٍ وَلا سَعدِ
فَآهٍ لِقَومي يَومَ أُصبِحُ ثاوِياً / عَلى ماجِدٍ يُحيي مَكارِمَهُم بَعدي
وَإِنّيَ في قَومي كَعَمرِو بنِ عامِرٍ / لَياليَ يُعصى في قَبائِلِهِ الأَزدِ
أَراهُم أَماراتِ الخَرابِ وَما بَدا / مِنَ الجُرَذِ العَيّاثِ في صَخرِها الصَّلدِ
فَلَم يَرعووا مَع ما لَقوا فَتَمَزَّقوا / أَيادي سَبا في الغَورِ مِنها وَفي النَجدِ
وَكَم جُرَذٍ في أَرضِنا تَقلَعُ الصَّفا / وَتقذفُ بِالشُمِّ الرِعانِ عَلى الصَمدِ
خَليليَّ ما دارُ المَذَلَّةِ فَاِعلَما / بِداري وَلا مِن ماءِ أَعدادِها وِردي
وَلا لِيَ في أَن أَصحَبَ النَذلَ حاجَةٌ / لِصِحَّةِ عِلمي أَنَّهُ جَرِبٌ يُعدي
أَيَذهَبُ عُمري ضَلَّةً في مَعاشِرٍ / مَشائِيمَ لا تُهدى لِخَيرٍ وَلا تَهدي
سُهادُهُمُ فيما يَسوءُ صَديقَهُم / وَأَنوَمُ عَن غَمِّ العَدُوِّ مِنَ الفَهدِ
إِذا وَعَدوا الأَعداءَ خَيراً وَفَوا بِهِ / وَفاءَ طَعامِ الهِندِ بِالنّذرِ لِلّبدِ
وَشَرُّهُمُ حَقُّ الصَديقِ فَإِن هَذَوا / بِخَيرٍ لَهُ فَليَنتَظِر فَتحَةَ السَدِّ
سَتَعلَمُ هِندٌ أَنَّني خَيرُ قَومِها / وَأَنّي الفَتى المَرجُوُّ لِلحَلِّ وَالعَقدِ
وَأَنّي إِذا ما جَلَّ خَطبٌ وَرَدتُهُ / بِعَزمَةِ ذي جِدٍّ وَإِقدامِ ذي جَدِّ
وَأَنَّ أَيادي القَومِ أَبسَطُها يَدي / وَإِنَّ زِنادَ الحَيِّ أَثقَبُها زَندي
وَأَنّي مَتى يُدعى إِلى البَأسِ وَالنَدى / فَأَحضَرُها نَصري وَأَجزَلُها وردي
وَأَنَّ كِرامَ القَومِ لا نُهُزَ العِدى / لَيُوجِعُها عَتبي وَيُؤلِمُها فَقدي
تَجافَ عَنِ العُتبى فَما الذَنبُ واحِدُ
تَجافَ عَنِ العُتبى فَما الذَنبُ واحِدُ / وهَبِ لِصُروفِ الدَهرِ ما أَنتَ واجِدُ
إِذا خانَكَ الأَدنى الَّذي أَنتَ حِزبُهُ / فَلا عَجَباً إِن أَسلَمَتكَ الأَباعِدُ
وَلا تَشكُ أَحداثَ اللَيالي إِلى اِمرئٍ / فَذا الناسُ إِمّا حاسِدٌ أَو مُعانِدُ
وَعَدِّ عَنِ الماءِ الَّذي لَيسَ وِردُهُ / بِصافٍ فَما تَعمى عَلَيكَ المَوارِدُ
وَكَم مَنهَلٍ طامي النَواحي وَرَدتُهُ / عَلى ظَمأٍ وَاِنصَعتُ وَالريقُ جامِدُ
فَلا تَحسَبنَ كُلَّ المِياهِ شَريعَةً / يُبَلَّ الصَدى مِنها وَتوكى المَزاوِدُ
فَكَم ماتَ في البَحرِ المُحيطِ أَخو ظَماً / بِغُلَّتِهِ وَالمَوجُ جارٍ وَراكِدُ
وَإِن وَطَنٌ ساءَتكَ أَخلاقُ أَهلِهِ / فَدَعهُ فَما يُغضي عَلى النَقصِ ماجِدُ
فَما هَجَرٌ أَمٌّ غَذَتكَ لِبانُها / وَلا الخَطُّ إِذ فارَقتَها لَكَ والِدُ
وَقَد رُبَّما يَجزي عَلى الصَدِّ وَالقِلى / أَبٌ وَأَخٌ وَالمَرءُ مِمَّن يُساعِدُ
فَبُتَّ حِبالَ الوَصلِ مِمَّن تَوَدُّهُ / إِذا لَم يَرِد كُلَّ الَّذي أَنتَ وارِدُ
وَقُل لِلَّيالي كَيفَ ما شِئتِ فَاِصنَعي / فَإِنَّ عَلى الأَقدارِ تَأتي المكائِدُ
وَلا تَرهَب الخَطبَ الجَليلَ لِهَولِهِ / فَطعمُ المَنايا كَيفَ ما ذُقتَ واحِدُ
نَدِمتُ عَلى مَدحي رِجالاً وَسَرَّني / بِأَن ضَمَّنَتني قَبلَ ذاكَ المَلاحِدُ
وَحُقَّ لِمِثلي أَن يَموتَ نَدامَةً / إِذا أُنشِدَت في الناسِ تِلكَ القَصائِدِ
أَلا لَيتَ شِعري هَل أُجالِسُ فتيَةً / نَماها إِلى العَلياءِ قَيسٌ وَخالِدُ
وَهَل تَصحَبَنّي مِن شُرَيكٍ عِصابَةٌ / لَها طارِفٌ في كُلِّ مَجدٍ وَتالِدُ
عَراعِرُ لَم تَحلل ديارَ اِبنِ مُنذِرٍ / فَتُلقى إِلى الأَعداءِ مِنها المَقالِدُ
مَصاليتُ مَضّاؤونَ قِدماً إِلى الوَغى / بِعَزمٍ وَخَيلاها طَريدٌ وَطارِدُ
هُمُ الناسُ لا يَدري الخَنا أَينَ دارُهُم / وَلا عَرَفَت جيرانُهُم ما الشَدائِدُ
تُفَرِّقُ أَيدي الجُودِ ما في بُيوتِهِم / وَتَجمَعُ فيها السائِراتُ الشَوارِدُ
عَطاؤُهُمُ الراجي أُلوفٌ وَغَيرُهُم / إِذا جادَ فَالإِعطاءُ مِنهُ مَواعِدُ
مَناجيبُ لا حيلانُ يُعزى إِلَيهمُ / وَلا عُدَّ فيهم ذُو كِتابٍ مُعانِدُ
أُولَئِكَ إِخواني وَرَهطي وَأُسرَتي / وَقَومي إِذا ما اِستَنهَضَتني الحَقائِدُ
فَإِن ساءَني مِنهُم عَلى القُربِ مَعشَرٌ / وَأَصبَحَ مِن تِلقائِهِم ما أُكابِدُ
فَقَد باعَتِ الأَسباطُ قَبلي أَخاهُمُ / بِبَخسٍ وَكُلٌّ مِنهُمُ فيهِ زاهِدُ
وَقَد يُخطِئُ الرَّأيَ السَديدَ ذَوو النُهى / مِراراً وَتَنبو الباتِراتُ البَوارِدُ
فَيا ذا العُلى كَم ذا التَجَنّي عَلى القِلى / وَفي العَزمِ حادٍ لِلمَطايا وَقائِدُ
فَقُم نَحصدِ الأَعمارَ أَو نَبلُغ المُنى / بِجِدٍّ فِللأَعمارِ لا بُدَّ حاصِدُ
فَلَيسَ بِصَعّادٍ إِلى المَجدِ عاجِزٌ / نَؤُومٌ تُناديهِ العُلى وَهوَ راقِدُ
وَفي السَعيِ عُذرٌ لِلفَتى لَو تَعَذَّرَت / عَلَيهِ المَساعي أَو جَفَتهُ المَقاصِدُ
خَليليّ كَم أَطوي اللَّيالي وَعَزمَتي / تنَوِّلُني الجَوزاءَ وَالجَدُّ قاعِدُ
وَكَم ذا أُناجي هِمَّةً دونَ هَمّها / نُجومُ الثُرَيّا وَالسُهى وَالفَراقِدُ
وَيُقعِدُني عَمّا أُحاوِلُ نَكبةٌ / جَرَت وَزَمانٌ عاثِرُ الجَدِّ فاسِدُ
وَإِخوانُ سُوءٍ إِن أَلَمَّت مُلِمَّةٌ / بِسوءٍ فَهُم أُسّاسُها وَالقَواعِدُ
يُسِرّونَ لي ما لا أُسِرُّ فَكُلُّهُم / عَلى ذاكَ شَيطانٌ مِنَ الجِنِّ مارِدُ
لَقَد بَذَلُوا المَجهودَ فيما يَسوءُني / وَقَد كُنتُ أَرمي دونَهُم وَأُجالِدُ
فَيا لَيتَ أَنّي حالَ بَيني وَبَينَهُم / جُذامٌ وَخَولانُ بنُ عَمرٍو وَغامِدُ
وَصَفَّدَ أَدنانا إِلى الغَدرِ كاشِحٌ / كَفورٌ بِوحدانِيَّةِ اللَّهِ جاحِدُ
وَأَعجَبُ ما لاقَيتُ أَنَّ بَني أَبي / حُسامٌ لِمَن يَبغي جِلادي وَساعِدُ
عَزيزُهُمُ إِن لُذتُ يَوماً بِظِلِّهِ / رَأَيتُ سَموماً وَهوَ لِلخَصمِ بارِدُ
وَسائِرُهُم إِمّا ضَعيفٌ فَضَعفُهُ / لَهُ عاذِرٌ أَو مُبغِضٌ لي مُجاهِدُ
هُمُ أَلحَموني النائِباتِ وَأُولِعَت / بِلَحمي أُسودٌ مِنهُمُ وَأَساوِدُ
وَهُم تَرَكوا عَمداً جَنابي وَمَربَعي / مِنَ الجَدبِ لا يَرجو بِهِ الخِصبَ رائِدُ
وَهُم شَمَّتُوا بي حاسِديَّ وَذَلِكُم / منَ الأَمرِ ما لا تَرتَضيهِ الأَماجِدُ
وَما لِيَ ذَنبٌ غَير دُرٍّ نَظَمتُهُ / وَأَسناهُ تِيجانٌ لَهُم وَقلائِدُ
وَإِنّي عَلى أَحسابِهِم وَعُلاهُمُ / غَيورٌ وَعَن بَحبوحَةِ المَجدِ ذائِدُ
وَأَحمي عَلَيهم أَن تُدَبِّرَ أَمرَهُم / زَعانِفُ أَهداها عَنِ الرُشدِ حائِدُ
وَلَو قَبِلُوا مِن ذَلِكَ الذَنبِ تَوبَةً / لآلَيتُ أَلفاً أَنَّني لا أُعاوِدُ
فَسُبحانَ رَبّي كَيفَ صارُوا فَإِنَّما / قُلوبُهُمُ لي وَالأَكُفُّ جَلامِدُ
فَلا يَصفَح القَلبُ الَّذي أَنا آمِدٌ / وَلا يَسمَحِ الكَفُّ الَّذي أَنا حامِدُ
أَيا فَضلُ قَد طالَ اِنتِظاري وَلَم يَقُم / شِتاءً وَقَيظاً عِندَ مِثلِكَ وافِدُ
وَقَد زالَتِ الأَعذارُ لا الغَوصُ بائِرٌ / وَلا البَحرُ مَمنوعٌ وَلا الدَخلُ فاسِدُ
وَلا أَنتَ مَحجورُ التَصَرُّفِ في النَدى / عَلَيكَ رَقيبٌ في نَوالِكَ راصِدُ
وَلا في بَني فَضلٍ بَخيلٌ وَإِنَّهُم / إِذا اِغبَرَّتِ الآفاقُ غُرٌّ أَماجِدُ
فَمِن أَينَ يَأتي اللَومُ يا اِبنَ مُحمَّدٍ / وَمَجدُكَ في بَيتِ العُيونيِّ زائِدُ
أَتَرضى بِأَن تَغدُو تَسامى رَكائِبي / حُمولاتُها كِيرانُها وَالمَقاوِدُ
لِحَقِّ مَديحي أَم لِحَقّ مَوَدَّتي / لَكُم أَم لأَنَّ البَيتَ وَالجَدَّ واحِدُ
فَلا تَقطَعَن ما بَينَنا مِن مَوَدَّةٍ / وَقُربى وَخَلِّ الشِعرَ فَالشِعرُ كاسِدُ
وَلا تَنسَيَن ما نالَني في هَواكُمُ / وَقَد ظَفِرَ الساعي وَقَلَّ المُساعِدُ
يَقومُ بِهِ حَيّاً نِزارٍ وَيَعرُبٍ / شُهودٌ وَفي الدَعوى يَمينٌ وَشاهِدُ
لَقَد كُنتُ أَرجو في جَنابِكَ حالَةً / يَموتُ لَها غَيظاً غَيُورٌ وَحاسِدُ
فَهاتِ فَقُل لي ما أَقولُ لِأُسرَتي / فَكُلٌّ عَنِ الأَحوالِ لا بُدَّ ناشِدُ
وَكُلُّهُمُ سامٍ إِليَّ بِطَرفِهِ / يَظُنُّ بِأَنَّ الزارِعَ الخَيرَ حاصِدُ
وَما فَضلُ مَن لا يُرتَجى لِمُلِمَّةٍ / تُلِمُّ وَلا تُبغى لَدَيهِ الفَوائِدُ
فَذو المَجدِ كَالدِينارِ وَالشِعرُ جَوهَرٌ / يحكُّ بِهِ وَالناظِمُ الشِعرَ ناقِدُ
وَلا خَيرَ في مُستَحسَنِ النَقشِ مُطبَقٌ / إِذا حُكَّ نَفَّتهُ الأَكُفُّ النَواقِدُ
فَلا تَتَّكِل يا فَضلُ في الفَضلِ وَالنَدى / عَلى سالِفٍ أَسداهُ جَدٌّ وَوالِدُ
فَلا حَمدَ إِلّا بِالَّذي يَفعَلُ الفَتى / وَلَو كَثُرَت في أَوَّليهِ المَحامِدُ
فَكُن عِندَ ظَنّي فيكَ لا ظَنّ عاذِلٍ / نَهانِيَ عَن قَصديكَ فَالمالُ نافِدُ
فَقَد تَصِلُ الأَرحامُ في عُقرِ دارِكُم / وَتَرتاحُ لِلجودِ الإِماءُ الوَلائِدُ
وَغَيرُ خَفِيٍّ نَيلُ مَن تَعرِفونَهُ / وَهَل لِضياءِ الشَمسِ في الأَرضِ جاحِدُ
فَعِش وَاِبقَ وَاِسلَم واِنجُ مِن كُلِّ غَمَّةٍ / جَنابُكَ مَحروسٌ وَمُلكُكَ خالِدُ
إِلامَ أُرَجّي ضُرَّ عَيشٍ مُنَكَّدا
إِلامَ أُرَجّي ضُرَّ عَيشٍ مُنَكَّدا / وَأُغضي عَلى الأَقذاءِ جَفناً مُسَهَّدا
وَكَم أَعِدُ النَفسَ المُنى ثُمَّ كُلَّما / أَتى مَوعِدٌ بِالخُلفِ جَدَّدتُ مَوعِدا
إِذا قُلتُ يَأتي في غَدٍ ما يَسُرُّني / وَجاءَ غَدٌ قالَ اِتَّئِد وَاِنتَظِر غَدا
فَهَلّا اِنقَضَت تَبّاً لَها مِن مَواعِدٍ / كَمِثلِ نُعاسِ الكَلبِ ما زالَ سَرمَدا
عَدمتُ الفَتى لا يُنكِرُ الضَّيمَ وَالرَّدى / عَلى خَطأٍ يَغتالهُ أَو تَعَمَّدا
وَلا عاشَ مَن يَرضى الدَنايا أَهَل رَأى / جَباناً عَلى مَرِّ اللَيالي مُخَلَّدا
وَهَل ماتَ مِن خَوضِ الرَّدى قَبلَ يَومِهِ / فَتىً لِوَطيسِ الحَربِ ما زالَ مُفئَدا
وَهَل سادَ راضٍ مَرتَعَ الذُلِّ مَرتَعاً / وَهَل فازَ راضٍ مَورِدَ الذُلِّ مَورِدا
وَهَل عَزَّ بِالأَعداءِ مِن قَبلِ تُبَّعٍ / مَليكٌ تَمَطّى المُلكَ كَهلاً وَأَمرَدا
وَهَل طابَ عَيشٌ بِالمُداراةِ أَو صَفا / لَوَ اِنّ المُداري راحَ بِالخُلدِ وَاِغتَدى
فَحَتّى مَ أُبدي لِلموالي تَجَنُّباً / وَصَدّاً وَأُبدي لِلأعادي تَوَدُّدا
وَشَرُّ بِلادِ اللَهِ أَرضٌ تَرى بِها / كُلَيباً مَسُوداً وَاِبنُ آوى مُسَوَّدا
وَأَشقى بَني الدُنيا كَريمٌ يَسوسُهُ / لَئيمٌ إِذا ما نالَ شبعاً تَمَرَّدا
فَيا ذا العُلى وَالمَجدِ وَالمَنصِبِ الَّذي / سَما فَعَلا حَتّى على النَّجمِ أَتأَدا
أُعيذُكَ أَن تَرضى المقامَ بِبَلدَةٍ / تَراها وَما تَحوي لِأَعدائِها سُدى
يَجِلُّ بِها مَن كانَ ذا عُنجُهِيَّةٍ / خَفيفاً عَلى الأَعداءِ خَلفاً مُلَهَّدا
أَخو عَزمَةٍ كَالماءِ بَرداً وَهِمَّةٍ / هَوَت فَاِحتَوَت مِن هامَةِ الحوتِ مَقعَدا
تَرى بابَهُ لا يُهتَدى غَيرَ أَنَّهُ / تَرى بَينَ أُذنَيهِ طَريقاً مُعَبَّدا
فَقُم وَاِلتَمِس داراً سِواها فَإِنَّما / أَخو العَزمِ مَن قَد رامَ أَمراً تَجَرَّدا
فَكاسٌ إِذا أُسقي بِها اليَومَ مُكرَهاً / أَخوكَ سَتُسقى مِن فُضالَتِها غَدا
وَحِلمٌ يُدَنّي الضَيمَ مِنكَ سَفاهَةٌ / وَجَهلٌ تَرُدُّ الضَيمَ شِرَّتهُ هُدى
وَلا خَيرَ في هِلباجَةٍ كُلَّما أَتى / إلَيهِ الأَذى أَبدى خُضوعاً وَأَسجَدا
وَمالَ إِلى بَردِ الظِلالِ وَراقَهُ / مَقالُ إِماءِ الحَيِّ لا غالَكَ الرَدى
وَلَكِنَّ ذا عَزمٍ إِذا هَمَّ لَم يُبَل / أَوَسَّدَ ذا الطَعن الثَرى أَم تَوَسَّدا
كَثيرَ سُهادِ العَينِ لا في مَكيدَةٍ / يُهينُ بِها الأدنين مَثنىً وَمَوحدا
فَكَم أَتَحَسّى الضَيمَ مُرّاً وَأَمتَري / عَقابيلَ خِلفٍ قَد أَزى وَتَجَدَّدا
وَكَم يَعتَريني بِالأَذى كُلُّ مُقرِفٍ / إِذا سُئِلَ الحُسنى أَغَدَّ وَعَربَدا
فَئيدٌ كَعِلّوصِ الأَباءِ لَدى الوَغى / وَإِمّا مَشى بَينَ البَغايا تَقيّدا
تَراهُ عَلى أَعدائِهِ ماءَ مُزنَةٍ / وَفي رَهطِهِ الأَدنى حُساماً مُجَرَّدا
فَلا تَقعُدَن مُحبَنظِئاً خَوفَ مِيتَةٍ / سَتَأتي فَما تَلقى جَواداً مُخَلَّدا
وَلا تَكُ مِئلافاً لِدارِ مَذَلَّةٍ / وَلَو فاضَ واديها لُجَيناً وَعَسجَدا
وَسِر في طِلابِ المَجدِ جِدّاً فَإِنَّني / رَأَيتُ المَعالي لا يُواتينَ قعدُدا
فَلو لَم يُفارِق غِمدَهُ السَيفُ في الوَغى / لَما راحَ يُدعى المَشرَفيَّ المُهنَّدا
وَلَولا اِنتقالُ البَدرِ عَن بُرجِهِ الَّذي / بِهِ النَقصُ لَم يُدرِك كَمالاً وَأَسعدا
وَلَو نامَ سَيفٌ بِالحُصيبِ وَلَم يَلِج / عَلى الهَولِ لَم يُدعَ المَليكَ المَمَجَّدا
وَلَم يَنشَعِ الأحبوشَ كَأساً مَريرَةً / وَيَجمَع في غُمدانَ شَملاً مُبَدَّدا
وَحَسبُكَ أَن تَلقى المَنايا وَقَد رَجَت / حِباكَ المَوالي وَاِتَّقَت بَأسَكَ العِدى
خَليليّ مِن حَيّي نِزارٍ رُعِيتما / وَجُوزيتُما الحُسنى وَجاوَزتُما المَدى
أَلا فَاِطلُبا غَيري نَديماً فَرُبَّما / تَشامَختُ قَولاً سِيمَ خَسفاً فَأَبلَدا
فَلي عَن ديارِ الهونِ مَنأىً وَمَرحَلٌ / إِذا النِّكسُ ظنَّ العَجزَ عَقلاً فَأَفرَدا
وَعِندي عَلى الأَحداثِ رَأيٌ وَعَزمَةٌ / وَعيسٌ يُبارينَ النَعامَ المُطَرَّدا
وَخَيرُ جِوارٍ مِن عَدوٍّ مُكاشِحٍ / جِوارُكَ ضِبعاناً وَسيداً وَخُفدُدا
وَلَيسَ مَناخُ السوءِ حَتماً مُقَدَّراً / عَلَيَّ لِأَن أَضحى مَقَرّاً وَمَولِدا
فَكَم فارقَ الأَوطانَ مِن ذي ضَراعَةٍ / فَأَصبَحَ في كُلِّ النَواحي مُحَسَّدا
وَكَم واتَنَ الأَوطانَ مِن ذي جَلادَةٍ / فَأَضحى بِها مِن غَيرِ سُقمٍ مُسَخَّدا
فَإِن أَرتحِل عَن دارِ قَومي لِنبوَةٍ / وَيُصبِحُ رَبعي فيهمُ قَد تَأَبَّدا
فَقَد رَحَلَ المُختارُ عَن خَيرِ مَنزِلٍ / إِلى يَثرِبٍ تَسري بِهِ العِيسُ مُصعَدا
وَجاوَرَ في أَبناءِ قَيلَةَ إِذ رَأى / سَبيل القِلى وَالبُغضِ مِن قَومِهِ بَدا
كَذا شِيمُ الحُرِّ الكَريمِ إِذا نَبا / بِهِ وَطَنٌ زَمَّ المَطايا وَأَحفَدا
أَأَقنَعُ بِالحظِّ الخَسيسِ وَلَم أَكُن / كَهاماً وَلا رَثَّ المَساعي مُزَنَّدا
وَلا بَلتعانيّاً إِذا سيمَ خِطَّةً / تَمَطّى وَناجى عِرسَهُ وَتَلدَّدا
وَأَلقى المَنايا لَم تُسامَ بِأرجُلي / نَجائِبُ لَم يَحمِلنَ إِلّا مُنجَّدا
سَأُمضي عَلى الأَيّامِ عَزمَ اِبنِ حُرَّةٍ / يَرى العودَ فيما تَكرَهُ النَفسُ أَحمَدا
فَإِمّا حَياةً لا تُذَمُّ حَميدَةً / يُحَدِّثُ عَنها مَن أَغارَ وَأَنجَدا
أَنالُ المُنى فيها وَإِمّا مَنِيَّةً / تُريحُ فُؤاداً أَحَّ مِن غُلَّةَ الصَدى
وَأَهجُرُ داراً لَو يَحِلُّ اِبنُ قاهِثٍ / بِها راحَ مَسحوتاً مِنَ المالِ مُجحِدا
يُدَبِّرُها أَوباشُ قَومٍ تَنَكَّبُوا / عَنِ الرُشدِ حَتّى خِلتُ ذا الغَيَّ أَرشَدا
إِذا رَضِيَ الأَعداءُ مِنهُم مَهانَةً / بِأَخذِ الجِزى عَدُّوهُ نَصراً مُؤَيَّدا
أَقاموا الأَغاني بِالمَغاني وَضَيَّعُوا / كِرامَ المَساعي وَالثَناءَ المُخَلَّدا
فَلَو أُحسِنُ التَصفيقَ وَالرَقصَ فيهِمُ / وَرَفعَ المَثاني وَالغِناءَ المُهَوَّدا
لَعِشتُ عَزيزاً فيهمُ وَلما اِجتَرا / يَمُدُّ إِليَّ الضَّيمَ باعاً وَلا يَدا
وَلا راحَ شُربُ المُقرِفينَ ذَوي الخَنا / بِها نَهَلاً عَبّاً وَشُربي مُصَرَّدا
وَلَو أَنَّني كُنتُ اِتَّخَذتُ رَذِيَّةً / أُوَيطِفَ رَغّاءً لَدى الشَدِّ أَكبَدا
وَصاحَبتُ مِن أَدنى البَوادي مُكَشَّماً / ضَعيفَ الأَيادي قاصِرَ الجاهِ مُسنَدا
لَكانَت سَنِيّاتُ الجَوائِزِ تَرتَمي / إِلى حَيثُ أَهوى بادِياتٍ وَعُوَّدا
وَلَكِنَّني لَم أَرضَ ذاكَ صِيانَةً / لِعِرضِيَ أَن أُعطي المُعادينَ مِقوَدا
وَأَكبَرتُ نَفسي أَن أُجالِسَ قينَةً / وَدُفّاً وَمِزماراً وَعُوداً وَأَعبُدا
وَأَن أَجعَلَ الأَنذالَ حِزباً وَشيعَةً / وَلَو جارَ فِيَّ الدَهرُ ما شاءَ وَاِعتَدى
فَلَستُ بِبِدعٍ في الكِرامِ وَهَذِهِ / سَبيلُ ذَوي الإَفضالِ وَالبَأسِ وَالنَدى
أَتاني كِتابٌ مِنكَ عَظَّمتُ قَدرَهُ
أَتاني كِتابٌ مِنكَ عَظَّمتُ قَدرَهُ / كَما عَظَّمَت قَدرَ المَسيحِ التَلامِذُ
وَعَلَّقتُهُ في الصَدرِ مِنّي كَرامَةً / كَما عُلِّقَت صَدرَ الوَليدِ التَعاوِذُ
ذَريني فَضَرباً بِالمَهَنَّدَةِ البُترِ
ذَريني فَضَرباً بِالمَهَنَّدَةِ البُترِ / وَلا لَومَ مِثلي يا أُمَيمُ عَلى وَترِ
فَقَد كُنتُ آبى الضَيمَ إِذ لَيسَ ناصرٌ / سِوى عَزمَتي وَالعيسِ وَالمَهمَهِ القَفرِ
فَكَيفَ أُقِرُّ اليَومَ ضَيماً وَناصِري / عَديدُ الحَصى ما بَينَ بُصرى إِلى مِصرِ
إِذا ما دَعَوتُ اِبنَي نِزارٍ أَجابَني / كَتائِبُ أَنكى في العِدى من يَدِ الدَهرِ
تَداعى إِلى صَوتِ المُنادي تَداعياً / كَدَفّاعِ مَوجٍ جاءَ في المَدِّ لِلجَزرِ
عَلى كُلِّ ذَيّالٍ وَجَرداءَ شطبَةٍ / تَجيء كَسَيلٍ يَلطِمُ الطَلحَ بِالسِدرِ
نِتاجُ عُمَيرٍ وَالضُّبَيبِ وَكامِلٍ / وَذاتِ نُسوعٍ وَالنَعامَةِ وَالخَطرِ
سَوابِحُ لا تَغدو الرِياحُ غُدُوَّها / لِطَعنٍ وَلا تَسري النُجومُ كَما تَسري
وَرِثنَ عَنِ الشَيخَينِ بَكرٍ وَتَغلِبٍ / وَعَن عَبدِ قَيسٍ ذي العُلى وَعَن النمرِ
وَقَيسٍ أَبي الشُمِّ الطِوالِ وَبَعدَهُ / تَميمٍ وَأَكرِم والِداً بِأَبي عَمرِو
وَعَن سَيِّدَي آباءِ كُلِّ قَبيلَةٍ / وَأَشرَفِها نَسلاً خُزَيمَةَ وَالنَضرِ
وَما الخَيلُ إِلّا نِحلَةٌ مِن إِلَهنا / لَنا لا لِزَيدٍ مِن سِوانا وَلا عَمرِو
لَنا أُخرِجَت إِذ أُخرِجَت لا لِغافِقٍ / وَلا بارِقٍ أَو لا مُرادٍ وَلا قَسرِ
وَطِئنا بِها جَمعَ العَماليقِ وَطأَةً / أَرَتها نُجومَ القَذفِ تَجري مَعَ الظُهرِ
وَلَولا تَلاقينا بِها حَيّ جُرهُمٍ / لآبَت بِأَيدٍ لا تَشُقُّ وَلا تَفري
بِنَفسي وَما لي مِن نِزارٍ عِصابَةً / حِسانُ وُجوهٍ طَيِّبُو عُقَدِ الأُزرِ
جَلَوا بِصِفاحِ البيضِ هَمّي وَبَرَّدُوا / حَرارَةَ غَيظي بِالمُثقَّفَةِ السُمرِ
لَياليَ قادُوا الخَيلَ قَوداً أَصارَها / وَما الخَواطي كَاليَعاسيبِ في الضُمرِ
بِرَأيٍ سَديدِ الرَأيِ أَلوى مُعَوَّد / بِجَرِّ الخَميسِ الضَخمِ وَالعَسكَرِ المَجرِ
هُمامٌ تَعَدّى الأَربَعينَ فَجازَها / بِعَشرِ سِنينٍ أَو قَريبٍ مِن العَشرِ
فَأَصبَحَ لا شَيخاً يُخافُ اِنبِهارُهُ / وَلا حَدَثاً تِلعابَةً غائِبَ الفِكرِ
أَخو عَزمَةٍ كَالنارِ وَقداً وَهِمَّةٍ / تَرى النَجمَ أَدنى مِن ذِراعٍ وَمِن شِبرِ
بَدَت في مُحيّاهُ أَماراتُ مَجدِهِ / صَبيّاً وَيَبدو العِتقُ في صَفحَةِ المُهرِ
سَما لِلعُلى طِفلاً وَبَرَّزَ يافِعاً / وَسُمّي وَلَمّا يَثَّغِر أَوحَدَ العَصرِ
وَلَفَّ السَرايا بِالسَرايا وَقادَها / لِعَشرٍ وَرَدَّ الدُهمَ مِنهُنَّ كالشُقرِ
فَلِلّهِ بَكرٌ ما شَظى حَدُّ نابِهِ / وَفاقَ قُروماً بِالشَقاشِقِ وَالخَطرِ
جَرى وَجَرى الساعونَ شَأواً إِلى العُلى / فَفاتَ بِأَدنى خَطوهِ مُلهَب الحُضرِ
سَليلُ المُلوكِ الصِّيدِ وَالسادَةِ الأُلى / بَنَوا مَجدَهُم فَوقَ السِماكينِ وَالنَسرِ
إِلى ذروَةِ البَيتِ العُيونِيِّ يَنتَمي / وَهَل يَنتَمي الدِينارُ إِلّا إِلى التِبرِ
وَأَخوالُهُ أَدنى عُقَيلٍ إِلى العُلى / بُيُوتاً وَأَقصاها مِنَ اللُؤمِ وَالغَدرِ
ذَوُو المُحكَماتِ السُردِ وَالبيضِ وَالقَنا / وَأَهلُ الجِيادِ الشُقرِ وَالنِّعَمِ الحُمرِ
وَإِنَّ عَلِيّاً للَّذي بِفَخارِهِ / يُطالُ وَيُستَعلى عَلى كُلِّ ذِي فَخرِ
أَعَزُّ الوَرى جاراً وَأَوسَعُها حِمىً / وَأَشبَهُها بِاللَيثِ وَالبَحرِ وَالبَدرِ
مَتى تَدعُهُ تَدعُ اِمرَءاً غَيرَ زُمَّلٍ / وَلا وَكِلٍ في النائِباتِ وَلا غَمرِ
وَلا رافِعٍ بِالخَطبِ رَأساً وَإِنَّهُ / لَتُرفَعُ مِن جَرّائِهِ طُرَرُ الأُزرِ
لَهُ هَيبَةٌ مِلءُ الصُدورِ فَلو رَنا / إِلى المَوتِ مُزوَرّاً لَماتَ مِنَ الذُعرِ
وَلو قالَ لِلأَفلاكِ في سَيرِها قِفي / لَباتَت رُكوداً لا تَدورُ وَلا تَجري
فَتىً لَو لِلَيثِ الغابِ بَأسٌ كَبَأسِهِ / لَأَغناهُ عَن نابٍ حَديدٍ وَعَن ظُفرِ
وَلَو أَنَّ لِلعَضبِ اليَمانيِّ جَوهَراً / كَعَزمَتِهِ لَم يَنبُ عَن قُلَلِ الصَخرِ
وَلَو أَنَّ لِلأَنواءِ جُوداً كَجُودِهِ / لَما اِنتقَلَ الإِرباعُ يَوماً إِلى العِشرِ
عَلا في النَّدى أَوساً وَفي الزُهدِ وَالتُقى / أُوَيساً وَفي الحِلمِ اِبنَ قَيسٍ أَبا بَحرِ
وَأَبغَضُ شَيءٍ عِندَهُ لا وَإِنَّهُ / لِيَهوى نَعم لَو أَنَّ فيها ثَوى العُمرِ
يَريشُ وَيَبري عِزَّةً وَسَماحَةً / وَلا خَير فيمَن لا يَريشُ وَلا يَبري
أَبى غَيرَ عِزَّ النَفسِ وَالعَدلِ وَالتُقى / وَرَأبِ الثَأى وَالحِلمِ وَالنائِلِ الغَمرِ
وَلَمّا تَولّى المُلكَ باءَ مُشَمِّراً / بِأَعبائِهِ مِن غَيرِ لَهثٍ وَلا بُهرِ
وَعَفَّ فَلم يَمدُد إِلى مُسلِمٍ يَداً / بِسُوءٍ وَلا باتَت لَهُ عَقرَبٌ تَسري
وَلا باتَ جُنحَ اللَيلِ يَشكُوهُ شابِحٌ / إِلى اللَّهِ مَقتورٌ عَليهِ وَلا مُثرِ
فَيا أَيُّها الساعي لِيُدرِكَ مَجدَهُ / رُوَيدَكَ فَاِنظُر مَن عَلى إِثرِهِ تَجري
فَلَيسَ بِعارٍ أَن شَآكَ مُطَهَّمٌ / أَغَرُّ جَموحٌ لا يُنَهنَهُ بِالزَجرِ
فَما ضاقَ عَنهُ الوُسعُ غَيرُ مُطالِبٍ / بِهِ المَرءُ في أَكنافِ بَرٍّ وَلا بَحرِ
فَدَع عَنكَ ما أَعيَا المُلوكَ طِلابُهُ / وَقِف عَنهُ وَاِطلُب ما تُطيقُ مِن الأَمرِ
وَخَلِّ أَثيراتِ المَعالي لِسَيِّدٍ / هُمامٍ كَنَصلِ الهُندُوانِيِّ ذي الأَثرِ
فَلا مَلِكٌ إِلّا عَلِيُّ بنُ ماجِدٍ / جَميلُ المُحَيّا وَالإِنابَةِ وَالذِكرِ
إِلَيكَ أَبا المَنصورِ عَقدُ جَواهِرٍ / قَلَمَّسُها صَدري وَغَوّاصُها فِكري
نَفِستُ بِها عَمَّن سِواكَ وَسُقتُها / إِلَيكَ لِعِلمي أَنَّها أَنفَسُ الذُخرِ
وَعَدَّيتُها عَن رِقِّ لُؤمٍ مُوَكَّرٍ / قَليلِ اِكتِراثٍ بِالمَحامِدِ وَالأَجرِ
يَروحُ وَيَغدُو مِثلَ غَيمٍ تَرى لَهُ / صَواعِقَ يَحرقنَ البِلادَ بِلا قَطرِ
تَصَدَّرَ مِن شُؤمِ الزَمانِ وَإِنَّهُ / لَأَخفى مِن البُعصوصِ في نَقرَةِ الظَهرِ
فَصارَ مَعَ الجُهّالِ صَدراً وَإِنَّهُ / لَمِن خُبُثِ الأَعجازِ عِندَ ذَوي الخُبرِ
مَضى زَمَنٌ وَالهُرطُمانُ طَعامُهُ / وَبيّوتُ ما يَبتاعُ بِالطِّينِ وِالسِّدرِ
تُشَرَّفُ نَعلي عَن قيامٍ بِبابِهِ / وَتُكرَمُ عَن مَشيٍ بِساحاتِهِ الغُبرِ
وَلَولاكَ بِالأَحساءِ لَم تُحدَ نَحوها / قَلوصِي وَلَم يَصهل بِجَرعائِها مُهري
فَما أَنا مِمَّن يَجهَلُ الناسُ فَضلَهُ / فَيَرضى بِحَظٍّ واشِلٍ بِالعُلى مُزرِ
وَإِنّي لَصَوّانٌ لِمَدحي وَإِن نَبا / بِيَ الدَهرُ وَاِجتاحَت نَوائِبُهُ وَفرِي
وَلَكِنَّكَ المَلكُ الَّذي مِن سَمائِهِ / نُجومي الَّتي تُصمي وَمِن شَمسِهِ بَدري
وَمِن لَحمِهِ لَحمي وَمِن دَمِهِ دَمي / وَمِن عَظمِهِ عَظمي وَمِن شَعرِهِ شَعري
وَآباؤُكَ الغُرُّ الكِرامُ أُبُوَّتي / وَبَحرُكَ مِن تَيّارِ آذِيِّهِ بَحري
فَداكَ مِنَ الأَسواءِ كُلُّ مُعَلهَجٍ / مِنَ القَومِ لَم يَعبَأ بِعُرفٍ وَلا نُكرِ
وَجُزتَ المَدى في خَفضِ عَيشٍ وَدَولَةٍ / مُؤَيَّدَةٍ بِالأَمنِ وَالأَمرِ وَالنَصرِ
تَحوطُ نِزاراً حَيثُ كانَت وَلا خَلا / جَنابُكَ مِن شُكرٍ وَبابُكَ مِن ذِكرِ
وَعاشَ اِمرُؤٌ ناواكَ ما عاشَ خائِفاً / يَروحُ وَيَغدو بِالمَذَلَّةِ وَالصُغرِ
رِماحُ الأَعادي عَن حِماكَ قِصارُ
رِماحُ الأَعادي عَن حِماكَ قِصارُ / وَفي حَدِّها عَمّا تَرومُ عِثارُ
وَكُلُّ اِمرِئٍ لَيسَت لَهُ مِنكَ ذِمَّةٌ / يُضامُ عَلى رَغمٍ لَهُ وَيُضارُ
وَما عَزَّ مَن أَمسى سِواكَ مَعاذُهُ / وَلَو عَصَمَتهُ يَعرُبٌ وَنِزارُ
فَمَن مُبلِغٍ عَنّي عُقيلاً وَقَومَها / وَإِن بَعُدَت دارٌ وَشَطَّ مَزارُ
رُوَيداً بَني كَعبٍ أَفيقُوا وَراجِعُوا / حُلومَكُمُ مِن قَبلِ تُضرَمُ نارُ
وَقَبلَ تَغَشّى الخافِقينِ لَهالِهاً / لَها بِحُدودِ المُرهَفاتِ شَرارُ
فَتُبدي عَوانُ الحَربِ عَن حَدِّ نابِها / فَيَعلُو بِها غارٌ وَيَهبِطُ غارُ
فَيَشَقى بِها قَومُ الضَلالِ وَرُبَّما / تَغَطرَسَ قَومٌ في الضَلالِ فَبارُوا
فَإِيّاكُمُ وَاللَيثَ لا يَبعَثَنَّهُ / عَلَيكُم ثُؤاجٌ مِنكمُ وَيُعارُ
فَمَن هَيَّجَ الضِرغامَ ثارَ بِحَتفِهِ / إِلَيهِ وَلَم يَمنَعهُ مِنهُ فَرارُ
وَأُقسِمُ إِن نَبَّهتُمُ الحَربَ ساعَةً / وَضَمَّكُمُ نَحوَ الأَميرِ مَغارُ
لَتَصطبِحَن كَأساً عَلَيكُم مَريرَةً / يَطولُ لَكُم سُكرٌ بِها وَخُمارُ
بِها شَرِبَت مِن قَبلُ عَوفُ بنُ عامِرٍ / غَداةَ دَعَتها نَزفَةٌ وَنِفارٌ
بِكَفِّ أَبيهِ لا بِكَفِّ أَبيكُمُ / فَراحَت وَفيها ذِلَّةٌ وَصَغارُ
أَغَرَّكُمُ بُقيا الأَميرِ عَلَيكُمُ / وَصَفحٌ وَحِلمٌ عنكُمُ وَوَقارُ
وَلَولا مُراعاةُ العُهودِ لَأَصبَحَت / مَنازِلُ أَقوامٍ وَهُنَّ قِفارُ
وَلَكِنَّ حِفظَ العَهدِ مِنهُ سَجِيَّةٌ / إِلَيهِ بِها دونَ المُلوكِ يُشارُ
فَخَلّوا العَمى وَالغَيَّ وَالطيخَ وَاِركَبُوا / طَريقاً عَلَيها لِلرَّشادِ مَنارُ
وَلا تَبعَثُوهُ بِالنَكالِ عَلَيكُمُ / فَآجالُ مَن عادى عُلاهُ قِصارُ
لَئِن صَبَّحَتكُم يَومَ نَحسٍ جِيادُهُ / رِعالاً وَرَيعانُ العَجاجِ مُثارُ
لَتَدرُنَّ أَن البَغيَ لِلمَرءِ مَصرَعٌ / وَأَنَّ الَّذي يَجني الأَميرُ جُبارُ
وَأَنَّ أَبا الجَرّاحِ فيكُم وَقومَهُ / كَما كانَ في حَيَّي ثَمودَ قُذارُ
غَداةَ تَعاطى السَيفَ وَاِنصاعَ عاقِراً / فَحَلَّ بِهِ مِمّا جَناهُ بَوارُ
وَأَنَّ سَبيلَ الظالِمينَ سَبيلُكُم / وَلِلدَّهرِ كاسٌ بِالحُتوفِ تُدارُ
فَلا تَحسبُوا سَيفَ الأَميرِ الَّذي بِهِ / عَزَزتُم وَطُلتُم فُلَّ مِنهُ غِرارُ
وَلا أَنَّكُم إِن رُمتُمُ بَعدَ حَربِهِ / مَطاراً يُنَجّى مِن يَدَيهِ مُطارُ
فَما الرَأيُ إِلّا أَن تَذِلّوا لِحُكمِهِ / فَلَيسَ عَلَيكُم في المَذَلَّةِ عارُ
وَتُمسُوا كَما كُنتُم جَميعاً رِعاءَهُ / عَسى أَن تَنالُوا نُصفَةً وَتُجارُوا
فَمَن مِثلُهُ يَرمي عِداكُم وَيَتَّقي / أَذاكُم وَيَحمي دُونَكُم وَيَغارُ
وَيُرعيكُمُ المَرعى وَلَو أَنَّ دُونَهُ / عَثيرُ دِماءٍ بِالسُيوفِ تُمارُ
وَيُعطيكُمُ الجُردَ الجِيادَ تَحُفُّها ال / موالي وَكُومٌ لا تُذَمُّ عِشارُ
وَيَعفو عَن الجاني وَلَو شاءَ هُلكَهُ / لَما عَصَمَتهُ من قَناهُ ظَفارُ
فَعِش في عَظيمِ المُلكِ ما لاحَ كَوكَبٌ / وَأَظلَمَ لَيلٌ أَو أَضاءَ نَهارُ
وَمِن حَولِكَ الغُرُّ الكِرامُ ذَوُو النُهى / بَنوكَ الأَلى طالُوا عُلىً فَأَنارُوا
فَما مِنهُمُ إِلّا فَتى السِنِّ ماجِدٌ / لَهُ حِلمُ كَهلٍ لا أَراهُ يُطارُ
وَكُلُّهُمُ آسادُ غِيلٍ إِذا دُعِي / نَزالِ وَأَمّا في النَدى فَبِحارُ
عَلَيكُم سَلامٌ كُلَّ يَومٍ وَلَيلَةٍ / يَروحُ وَيَغدو ما أَقامَ يَعارُ
سَلامُ فَتىً يَرضى رِضاكُم وَلا يَرى / سِوى مَدحِكُم مُذ شُدَّ مَنهُ إِزارُ
تُقَرِّبُهُ رَحمٌ عَطوفٌ إِليكُمُ / وَأَرحامُ قَومٍ إِذ تُعَدَّ ظِئارُ
لَئِن حالَ ما بَيني وَبَينَكَ حائِلٌ
لَئِن حالَ ما بَيني وَبَينَكَ حائِلٌ / مِنَ البَرِّ أَو لُجٌّ مِن البَحرِ زاخِرُ
فَإِنّيَ وَالمُحيي بِكَ البَأسَ وَالنَدى / بِذِكرِكَ في الأَحياءِ سارٍ وَسامِرُ
فَما كُلُّ مَن تَنأى بِهِ الدارُ غائِبٌ / وَلا كُلُّ مَن تَدنو بِهِ الدارُ حاضِرُ
دَعِ الدارَ بِالبَحرَينِ تَعفو رُبوعُها
دَعِ الدارَ بِالبَحرَينِ تَعفو رُبوعُها / وَسُقها وَلَو لَم يَبقَ إِلّا نُسوعُها
وَخَلِّ أَحاديثَ المَطامِعِ وَالمُنى / أَلا إِنَّما أَشقى الرِجالِ طَمُوعُها
وَلا تَحسِدَن فيها رِجالاً بِشبعِها / فَخَيرٌ لَها مِن ذَلِكَ الشِبعِ جُوعُها
فَلا بُدَّ لِلمُنحي عَلى الزادِ وَحدَهُ / إِذا ما اِمتَلا مِن هَوعَةٍ سَيصُوعُها
وَإِن دَولَةٌ وَلَّت قَفاها فَوَلِّها / قَفاكَ فَأَعيى كُلّ شَيءٍ رُجوعُها
وَلا تَتعَبَن في نُصحِ مَن غابَ رُشدُهُ / وَهَوِّن فَخَفّاضُ المَباني رَفُوعُها
لَعَلَّ ذُرىً تَهوي فَتَعلُوا أَسافِلٌ / لِذاكَ فَرَفّاعُ البَرايا وَضُوعُها
وَبِع بِالقِلى دارَ المَهانَةِ وَالأَذى / فَما الرابِحُ المَغبوطُ إِلّا بَيُوعُها
وَلا تَتَّكِل عَجزاً وَلُؤماً وَذِلَّةً / عَلى قَولِهِم بَغيُ الرِجالِ صَرُوعها
مَتى صُرِعَ الباغي فَعاشَ قَتيلُهُ / بَلى طالَما أَردى النُفوسَ هَلُوعُها
وَحَسبُكَ مِن لَومِ الرَذايا فَإِنَّها / تُقِلُّ وَتَقمى أَن يُرَجّى سُطوعُها
فَقَد غَرَّها شُعٌّ يُسَدّيهِ جَهلُها / وَهَل عَن ضِعافِ المُولِ يُغني شُعُوعُها
إِذا نَفَرَت عَن قَريَةٍ طَيرُ سَعدِها / فَما يُرتَجى إِلّا بِبَخسٍ وقُوعُها
تُهَدِّدُ بِالرَمضاءِ قَوماً أَصُولُها / نَشَت في لَظىً مُذ أَنبتَت وَفُرُوعُها
وَتَطلُبُ إِجفالَ القَناطِرِ بِالنَوى / وَوَقعُ بِغالٍ فَوقَها لا يَضُوعُها
وَتَكسُو سَرابيلَ المَديحِ مَعاشِراً / تَنابِلَةً أَبواعُها لا تَبُوعُها
عَدِمتُ رِجالاً لا لِضَيمٍ إِباؤُها / إِذا غَضِبَت أَو لا لِحَقٍّ نُجوعُها
مَتى لَم تَرُعها بِتَّ مِنها مُرَوَّعاً / وَتَأمَنُ مِن مَكروهِها إِذ تَروعُها
أَلا يا لقَومي الأَكرَمينَ مَتى أَرى / بِنا الخَيلَ تَهوي مُطبِقاتٍ صُروعُها
عَلَيهنَّ مِنّا فِتيَةٌ عَبدَلِيَّةٌ / جَرِيٌّ مُزَجّاها جَوادٌ مَنُوعُها
مُقَدَّمَةٌ أَسلافُها في ظَعائِنٍ / حِسانِ المَجالي طَيبّاتٍ رُدُوعُها
وَقَد جَعَلت نَخلَين خَلفَاً وَيَمَّمَت / قُرى الشامِ أَو أَرضَ العِراقِ نجُوعُها
فَخَيرٌ لَعَمرِي مِن بَساتينِ مُرغَمٍ / عَلى ذي المَجاري طَلحُ نَجدٍ وَشُوعُها
وَمِن ماءِ نَهرِ الجَوهَرِيَّةِ لَو صَفَا / ذُبابَةُ حَسيٍ لا يُرَجّى نُبُوعُها
وَمِن مَروَزِيٍّ بِالقَطيفِ وَلالِسٍ / عَباءٌ بوَادي طَيّئٍ وَنُطُوعُها
وَمِن لَحمِ صافٍ في أَوَال وَكَنعَدٍ / ضِبابٌ وَجُرذانٌ كَثيرٌ خُدُوعُها
أَما سَهمُنا في بَحرها المِلحُ ماؤُهُ / وَفي نَخلِها العُمِّ الطَوادي جُذُوعُها
وَلَيسَ لَنا في الدُرِّ إِلّا مَحارُهُ / وَلا في عُذُوقِ النَخلِ إِلّا قُمُوعُها
فَبُعداً لِدارٍ خَيرُها لِعَدُوِّها / وَقَومٍ بِأَسوا كُلِّ حَظٍّ قَنُوعُها
فَعَزماً فَقَد طالَت مُداراتُنا العِدى / وَطالَ بِسُوءِ الغَيثِ فِينا ولُوعُها
فَإِنَّ لَنا مِن مَورِدِ الذُلِّ مَنزَعاً / إِلى غَيرِهِ وَالأَرضُ جَمٌّ صُقُوعُها
فَلا دارَ إِلّا حَيثُ يُهتَضَمُ العِدَى / وَلا عِزَّ إِلّا حَيثُ يَبدُو خضُوعُها
سَتَعلَمُ لَكِن حَيثُ لا العِلمُ نافِعٌ / ذَوُو الجَهلِ مَن ضَرّارُها وَنفوعُها
إِذا أَقبَلَت شُعثُ النَواصي تَضُمُّها / عَلَيهِم مَساعيرُ الوَغى وَتَصُوعُها
أَلَسنا حُماةَ الحَيِّ وَالخَيلُ تَدَّعي / إِذا فَرَّ خَوفاً مِن لَظاها شَكُوعُها
بِنا يُمنَعُ الثَغرُ المَخُوِفُ وَعِندَنا / رياضُ النَدى يَزدادُ حُسناً وَشوعُها
نعُدُّ إِذا نَحنُ اِنتَمَينا أُبُوَّةً / تُوازِنُ هاماتِ الرِجالِ شُسُوعُها
وَما زالَ فينا لا يُدافعُ ذاكُمُ / رَبيعُ مَعَدٍّ كُلِّها وَرُبُوعُها
إِذا هَضبَةٌ لِلعِزِّ طالَت فِراعُها / فَلا تَلقَنا إِلّا وَمِنّا فُرُوعُها
تَلُوذُ بِنا عَليا مَعَدٍّ إِذا جَنَت / فَيَأمَنُ جانِيها وَيهدى مَرُوعُها
بِنا يَأكُلُ الصَعوُ البُزَاةَ وَيَتَّقي / شَذا الأَخطَلِيّاتِ الحَرامَى خمُوعُها
عَفاءٌ عَلى البَحرَينِ لَو قيلَ أَينَعَت / زَنابيرُ واديها وَجادَت زُرُوعُها
فَهَل ذاكَ إَلّا لِلعَدُوِّ وَعُصبَةٍ / سَيَشقى بِها مَتبوعُها وَتَبُوعُها
لَقَد صَدَّعُوا عَمداً عَصاها فَلا اِلتَقَت / وَلا اِلتَأَمَت إِلّا عَلَيهم صُدُوعُها
لَعَمرُكَ ما عَيني بِعَينٍ إِذا اِلتَقَى / هُجوعُ مَعاوِينِ العِدى وَهجوعُها
فَإِن رَضِيَت قَومي بِنَقصِي فَلي غِنىً / بِنَفسي وَجَلّابُ المَنايا دَفُوعُها
مَتَى لَم أَضِق ذَرعاً بِأَرضٍ فَإِنَّني / لَدى الهَمِّ جَوّابُ المَوامي ذَرُوعُها
يُشَيِّعُني قَلبٌ إِلى العِزِّ تائِقٌ / وَنَفسٌ إِلى العَليا شَديدٌ نُزُوعُها
أُشَرِّفُها مِن أَن يَكُونَ إِباؤُها / لِواجِبِ حَقٍّ أَو لِضَيمٍ خُنوعُها
وَما أَنا في السَرّاءِ يَوماً فَرُوحُها / وَلا أَنا في الضَرّاءِ يَوماً جَزُوعُها
سأُنزِلُها المَلحُودَ أَو رَأسَ هَضبَةٍ / مِنَ العِزِّ يُعيي كُلَّ راقٍ طُلوعُها
وَما طَلَبي العَلياءَ إِرثُ كَلالَةٍ / فَيَقصُرُ خَطوي دُونَها فَأَسُوعُها
عَلَيَّ لَها سَعيُ الكِرامِ فَإِن أَمُت / فَوَهّابُها سَلّابُها وَنَزُوعُها
غَرامٌ أَثارَتهُ الحَمامُ السَواجِعُ
غَرامٌ أَثارَتهُ الحَمامُ السَواجِعُ / ونارُ جَوىً أَذكَت لَظاها المَدامِعُ
وَقَلبٌ إِذا ما قُلتُ يُعقِبُ راحَةً / أَبَت حُرَقٌ تَأتي بِهِنَّ الفَجائِعُ
أَفي كُلِّ يَومٍ للحَوادِثِ عَدوَةٌ / لَها في سُوَيدَا حَبَّةِ القَلبِ صادِعُ
فَلو أَنَّ هَذا الدَهرَ لا دَرَّ دَرُّهُ / يُسالِمُ أَربابَ العُلى وَيُوادِعُ
وَلَكِنَّهُ يَختارُ كُلَّ مُهَذَّبٍ / لَهُ الفَضلُ فينا وَاللُهى وَالدَسائِعُ
أَبَعدَ اِبنِ إِبراهِيمَ يا دَهرُ يُبتَغى / إِلَيكَ خُلودٌ أَو تُرَجّى صَنائِعُ
تَعِستَ لَقَد عَلَّمتَنا بَعدَهُ البُكا / وَعَرَّفتَنا بِالثُكلِ ما الحُزنُ صانِعُ
فَتىً كانَ بَرّاً بِالعَشيرَةِ راحِماً / رَؤُوفاً بِها لا تَزدَهيهِ المَطامِعُ
وَلَم تَلقهُ في مَحفَلٍ مِن نَدِيِّهِ / يُشاري عَلى ما ساءَها وَيُبايِعُ
وَلَو شاءَ جازى بِالعُقوبَةِ قُدرَةً / وَلَكِن لَهُ مِن خَشيَةِ اللَهِ رادِعُ
يَصُدُّ عَن العَوراءِ حَتّى كَأَنَّما / بِهِ صَمَمٌ عَمّا يَقولُ المُقاذِعُ
كَريمُ الثَنا تَأبى الدَنِيَّةَ نَفسُهُ / هُمامٌ لِأَبوابِ الحَوادِثِ قارِعُ
لَهُ حِكَمٌ مَأثورَةٌ حينَ تَلتَقي / بِآرائِها عِندَ المُلوكِ المَجامِعُ
يَقولُ فَلا يُخطي إِذا ما تَأَخَّرَت / عَنِ القَولِ ساداتُ الرِجالِ المَصاقِعُ
جَميلُ السَجايا كُلَّما اِزدادَ رِفعَةً / تَواضَعَ حَتّى قيلَ ماذا التَواضُعُ
سَواءٌ عَلَيهِ في القَضِيَّةِ مَن دَنَت / بِهِ الرَحِمُ القُربى وَمَن هُوَ شاسِعُ
نَشا مُذ نَشا لَم يَدرِ ما الجَهلُ وَالخَنا / وَسادَ بَني أَيّامِهِ وَهوَ يافِعُ
وَلا عَرَفَ العَوراءَ يَوماً وَلا اِنتَحى / إِلى خطَّةٍ يَبغي بِها مَن يُقاذِعُ
إِذا قيلَ مَن أَوفى مَعَدٍّ بِذِمَّةٍ / أَشارَت إِلَيهِ بِالبَنانِ الأَصابِعُ
لَقَد فُجعَت غُنمٌ وَبَكرٌ وَطُوطِئَت / لِمَهلِكِهِ أَكتادُها وَالقَبائِعُ
كَما فُجِعَت مِن قَبلِهِ بِجِدُودِهِ / بَنُو جُشَمٍ وَالمَجدُ لِلمَجدِ تابِعُ
فَصَبراً بَنِي مَستُور فَالدَهرُ هَكَذا / وَكُلٌّ عَلَيهِ لِلمَنايا طَلائِعُ
فَفيكُم بِحَمدِ اللَهِ حِصنٌ وَمَعقِلٌ / وَنُورٌ مُبينٌ يَملَأُ الأُفقَ ساطِعُ
فَمَن كانَ عَبدُ اللَهِ مِنهُ خَليفَةً / فَما ماتَ إِلّا شَخصُهُ لا الطبائِعُ
فَتىً لَم يَزَل مُذ كانَ قَبلَ اِحتِلامِهِ / يُدافِعُ عَنكُم جاهِداً وَيُصانِعُ
فَما عاشَ فَالبَيتُ الرَفيعُ عِمادُهُ / يَطولُ عَلى الأَيّامِ وَالرَبعُ واسِعُ
وُقِيتَ الرَدى وَالسُوءَ يا با مُحمَّدٍ / وَحَلَّت بِمَن يَهوَى رَداكَ القَوارِعُ
تَعَزَّ فَكُلٌّ سَالِكٌ لِسَبيلِهِ / وَكُلُّ اِمرِئٍ مِن خَشيَةِ المَوتِ جازِعُ
وَنَحنُ سَواءٌ في المُصابِ وَإِن نَأَت / بِنا الدارُ فَالأَرحامُ مِنّا جَوامِعُ
وَلا شَكَّ مِنّا في التَأَسّي وَإِنَّما / نُعَزِّيكَ إِذ جاءَت بِذاكَ الشَرائِعُ

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025