المجموع : 46
خُذوا عَن يَمينِ المُنحَنى أَيُّها الرَكبُ
خُذوا عَن يَمينِ المُنحَنى أَيُّها الرَكبُ / لِنَسأَلَ ذاكَ الحَيَّ ما صَنَعَ السِّربُ
عَسى خَبَرٌ يُحيي حَشاشَةَ وامِقٍ / صَريعِ غَرامٍ ما يَجِفُّ لَهُ غَربُ
بِأَحشائِهِ نارُ اِشتِياقٍ يَشُبُّها / زَفيرُ جَوىً يَأبى لَها النَأيُ أَن تَخبو
أَلا لَيتَ شِعري وَالحَوادِثُ جَمَّةٌ / وَذا الدَّهرُ سَيفٌ لا يُقامُ لَهُ عَضبُ
عَنِ الحَيِّ بِالجَرعاءِ هَل راقَ بَعدَنا / لَهُم ذَلِكَ المَرعى وَمَورِدهُ العَذبُ
وَهَل أَينعَ الوادي الشَمالِيُّ وَاِكتَسَت / عَثاكيل قِنوانٍ حَدائِقُهُ الغلبُ
وَهَل بَعدَنا طابَ المُقامُ لِمَعشَرٍ / بِحَيثُ تَلاقى ساحَةُ الحَيِّ وَالدّربُ
وَهَل عِندَهُم مِن لَوعَةٍ وَصَبابَةٍ / كَما عِندَنا وَالحُبُّ يشقي بِهِ الحِبُّ
وَهَل عَلِمت بِنتُ المَناوِلِ أَنَّني / بِأُخرى سِواها لا أهيمُ وَلا أَصبو
وَبَيضاءَ مِثلَ البَدرِ حُسناً وَشارَةً / يزينُ بِها السِّبُّ المُزَبرَقُ وَالإِتبُ
إِذا ما نِساءُ الحَيِّ رُحنَ فَإِنَّها / لَها النَّظرَةُ الأُولى عَلَيهنَّ وَالعَقبُ
تَحَيَّرَ فيها رائِقُ الحُسنِ فَاِغتَدَت / وَلَيسَ لَها فيهِنَّ شَكلٌ وَلا تِربُ
بَدَت سافِراً مِن ضَربِ دينار وَالصِّبا / يُرَنِّحُها وَالدَّلُّ والتّيهُ وَالعُجبُ
رَأَتني فَأَبدَت عَن أَسيلٍ وَحَجَّبَت / بِذي مِعصَمٍ جَدلٍ يَغصُّ بِهِ القُلبُ
وَقالَت غَريبٌ وَالفتاةُ غَريبَةٌ / وَلا في نِكاحِ الحلِّ ذامٌ وَلا ذَنبُ
فَقُلتُ لَها إِنّي أَلوفٌ وَلي هَوىً / وَما ليَ في بَغدادَ شِعبٌ وَلا سِربُ
فَقالَت وَأَينَ الشِّعبُ وَالسِّربُ وَالهَوى / فَقُلتُ بِحَيثُ الكرُّ وَالطَّعنُ وَالضَّربُ
فَقالَت أَرى البحرَين دارَكَ وَالهَوى / بَنوكَ وَهَذا ما أَرى فَمنِ الشِّعبُ
فَقُلتُ سَلي حيَّي نِزارٍ وَيَعرُبٍ / بِأَعظَمِها خَطباً إِذا اِستَبهَمَ الخَطبُ
وَأَمنعِها جاراً وأَوسعِها حِمىً / وَأَصعَبِها عِزّاً إِذا اِستُرحِلَ الصَعبُ
وَأَنهَرِها طَعناً وَضَرباً وَنائِلاً / إِذا اِغبَرّتِ الآفاقُ وَاِهتَزَّتِ الحَربُ
وأَقتلها لِلملكِ صَعَّرَ خَدَّهُ / قَديمُ اِنتِظام المُلكِ وَالعَسكَر اللَّجبُ
فَقالَت لَعَمري إِنَّها لِرَبيعَةٌ / بَناتُ المَعالي لا كِلابٌ وَلا كَلبُ
وَلَو سُئِلَت يَوماً رَبيعَةُ مَن بِهم / لَها خَضَعت وَاِرتَجَّتِ الشَرقُ وَالغَربُ
وَمَن خَيرُها طُرّاً قَديماً وَسالِفاً / وَأَنجبُها عَقباً إِذا أَخلَفَ العَقبُ
لأَخبرَ أَهلُ العِلمِ أَن رَبيعَةً / رَحىً آلُ إِبراهيمَ في سِرِّها القُطبُ
هُمُ النّاسُ كُلُّ النّاسِ وَالناسُ فَضلَةٌ / إِذا نابَ أَمرٌ أَطَّ مِن حَملِهِ الصُّلبُ
بِهم يُدرَكَ الشَأوُ البَعيدُ وَعِندَهُم / لِمُلتَمِسِ المَعروفِ ذو مَربَعٍ خَصبُ
وَفيهم رِباطُ المَكرُماتِ وِراثَةً / يُورِّثُها المولودَ والِدُه النَدبُ
وَلَولا أَياديهم وَفَضلُ حُلومِهم / لَزُلزلت الأَرضونَ وَاِنقَصَّتِ الشُهبُ
خِفافٌ إِلى داعي الوَغى غَيرَ أَنَّهُم / ثِقالٌ إِذا خَفَّت مَصاعيبُها الهُلبُ
إِذا الجارُ أَمسى نُهبةً عِندَ جارِهِ / فَأَموالهُم لِلجارِ ما بَينَهُم نَهبُ
أَطاعَت لَهُم ما بَينَ مِصرَ إِلى القَنا / إِلى حَيثُ تَلقى دارَها الشِّحرُ وَالنُّقبُ
وَجاشَت نُفوسُ الرومِ حَتّى مُلوكها / إِذا ذَكَرتَ أَملاكَهُم هَزَّها الرُعبُ
تَحِنُّ إِلى بَذلِ النَوالِ أَكُفُّهُم / حَنيناً كَذاتِ السَقبِ فارقَها السَقبُ
فَأَكثَرُ ما تَلقاهُمُ وَلِباسُهُم / حَبيكُ الدِّلاصِ التُبَّعِيّاتِ لا العُصبُ
لَهُم أَبَداً نارانِ نارٌ بِها الصِّلا / تَلذُّ وَنارٌ لا يُفارِقُها العَضبُ
وَأَيّامُهُم يَومانِ يَومٌ لِنائِلٍ / يَقولُ ذَوُوا الحاجاتِ مِن فَيضِهِ حَسبُ
وَيَومٌ تَقولُ الخَيلُ وَالبيضُ وَالقَنا / بِهِ وَالعِدى قَطنا فَلا كانَتِ الحَربُ
وَإِن ضُنَّ بِالعِدّانِ كانَ قِراهُمُ / سَديفُ المَتالي لا عَتودٌ وَلا وَطبُ
أُولَئِكَ قَومي حينَ أَدعو وَأُسرَتي / وَيُنجِبُني مِنهُم شَمارِخَةٌ غُلبُ
وَما أَنا فيهم بِالمَهِينِ وَإِنَّني / إِذا عُدَّ فَضلٌ فيهمُ الرَجلُ الضَربُ
لِيَ البَيتُ فيهم وَالسَماحَةُ وَالحِجا / وَذو الصَّبرِ حينَ الباسِ وَالمِقوَلُ الذَّربُ
وَإِنَّ اِنفرادي عَنهُمُ وَتَغَرُّبي / تَرامى بِيَ الأَمواجُ وَالحَزنُ وَالسُهبُ
بِغَيرِ اِختيارٍ كانَ مِنّي وَلا قِلىً / وَإِنّهُمُ لَلعَينُ وَالأَنفُ وَالقَلبُ
وَلَكِنَّها الأَيّامُ تُبعِدُ تارَةً / وَتُدني وَلا بعدٌ يَدومُ وَلا قُربُ
وَإِنّي حَفِيٌّ عَنهُمُ وَمُسائِلٌ / بِهِم حيثُ يَثوي السَفرُ أَو ينزلُ الرَّكبُ
وَكَم قائِلٍ لِي عدِّ عَنهُم فَإِنَّهُ / مَعَ الأَلَمِ المَضّاضِ قَد يُقطَعُ الإِربُ
فَقُلتُ رُوَيداً قَد صَدَقتَ وَذَلِكُم / إِذا لَم يَكُن فيهِ لِحامِلِهِ طِبُّ
إِذا لَم أُداوِ العُضوَ إِلّا بِقطعِهِ / فَلا قَصَبٌ يَبقى لَعَمري وَلا قُصبُ
وَإِنّي بِقَومي لَلضَّنينُ وَإِنَّني / عَلى بُعدِ داري وَالتَنائي بِهم حَدبُ
وَلي فيهمُ سَيفٌ إِذا ما اِنتضَيتُهُ / عَلى الدَّهرِ أَضحى وَهوَ مِن خِيفَةٍ كَلبُ
عَلى أَن حَدَّ السَّيفِ قَد رُبَّما نَبا / وَفُلَّ وَهَذا لا يُفَلُّ وَلا يَنبو
همامٌ عَلَت هِمّاتُهُ فَكَأَنَّما / يُحاوِلُ أَمراً دونَهُ السَّبعَةُ الشُّهبُ
عَلا كُلَّ باعٍ باعُهُ وَتَواضَعَت / لِعِزَّتِهِ وَاِنقادَت العُجمُ وَالعُربُ
سَليلُ عُلاً مِن دوحَةٍ طابَ فرعُها / وَطالَت ذُرى أَغصانِها وَزَكى التُربُ
يَبيتُ مُناويهِ يُساوِرُ هَمَّهُ / وَيُقضى عليهِ قَبلَ يُقضى لَهُ نَحبُ
سَما لِلعُلا مِن قَبلِ تَبقيلِ وَجهِهِ / فَأَدرَكَها وَالمأثراتُ لَهُ صَحبُ
هُوَ البَدرُ لَكِن لَيسَ يَستُرُ نُورَهُ / حِجابٌ وَنورُ البَدرِ يَستُرُهُ الحجبُ
هُوَ اللَّيثُ لَكِن غابُهُ البيضُ وَالقَنا / هُوَ النَّصلُ لَكِن كُلُّ مَتنٍ لَهُ قَربُ
هُوَ المَوتُ لَكِن لَيسَ يَقتُلُ غِيلَةً / هُوَ البَحرُ إِلّا أَنَّ مَورِدَهُ عَذبُ
وَما غالبتهُ مُنذُ كانَ كَتيبَةٌ / لِتظهِرَهُ إِلّا وَكانَ لَهُ الغَلبُ
وَما هابَتِ الأَملاك بكراً مِن العُلا / لِعِزَّتِها إِلّا وَكانَ لَهُ الخَطبُ
أَتاني مِنَ الأَنباءِ عَنهُ غَرائِبٌ / فَلَذَّت بِها الأَسماعِ وَاِستَبشَرَ القَلبُ
بِعطفٍ عَلى وُدِّ العَشيرَةِ صادِقٍ / وَرَفضِ عِداها لا محالٌ وَلا كذبُ
وَتَجميرِها مِن كُلِّ أَوبٍ حميَّةً / عَلَيها فَزالَ الخَوفُ وَاِلتَأَمَ الشَّعبُ
أَبا ماجِدٍ اِنظُر إِلى ذي قَرابَةٍ / بِعَينِ رِضاً يُغضي لَها الخائِنُ الخِبُّ
فَإِنَّ الوَدادَ المَحضَ ما لا يَشوبُهُ اِخ / تِلابٌ وَبَعضُ القَومِ شِيمَتُهُ الخلبُ
وَغِظ بِاِصطِناعي مَعشَراً إِن دَعوتهُم / لِنائِبَةٍ أَبُّوا وَإِن أَمِنوا نَبّوا
خَطاطيفُ في حَملِ الأَباطيلِ بَل هُمُ / أَخَفُّ وَفي الجُلّى كَأَنَّهُمُ الخُشبُ
لِيَ الطَّولُ وَالفَضلُ المُبينُ عَلَيهمُ / وَهَل يَستَوي عالي الشَناخيبِ وَالهُضبُ
وَأُقسِمُ لَولا وُدُّكَ المَحضُ لَم تَخُض / إِلى بَلَدِ البَحرينِ بِي بُزَّلٌ صُهبُ
وَقَد كانَ لِي في الأَرضِ مَنأَىً وَمَرحَلٌ / وَما ضرُّ أَهلِ الفَضلِ مِن أَنَّهُم غَربُ
وَثانِيَةً أَنّي أَغارُ عَلَيكُمُ / إِذا ما جَزيلُ النَّظمِ سارَت بِهِ الكُتبُ
وَجاءَ مَديحي في سِواكُم فَيا لَها / حُوَيجِيَّةٌ يَأبى لَها الماجِدُ النَدبُ
هُناكَ يَقولُ الناسُ لَو أَنَّ قَومَهُ / كِرامٌ لَكانَت زِندهُم عَنهُ لا تَكبو
فَإِنَّ اِمتِداحي غَيرَكُم كَهِجائكُم / وَذَلِكَ مِنّي إِن تَحرَّيتَهُ عَتبُ
وَعِنديَ ممّا يَنسِجُ الفِكرُ وَالحِجا / سَرابيلُ تَبقى ما تَرادَفَت الحِقبُ
أَضِنُّ بِها عَن غَيرِكُم وَأَصونُها / وَلَو بُعِثَ الطائيُّ ذُو الجودِ أَو كَعبُ
فَصُن حُرَّ وَجهي عَن سُؤالٍ فَإِنَّهُ / عَلَيَّ وَلَو عاشَ اِبنُ زائِدَةٍ صَعبُ
وَرُدَّ كَثيراً مِن يَسيرٍ تَقُت بِهِ / فِراخاً قَد اِستَولى عَلى ربعِها الجَدبُ
فَبَحرُكَ لِلوُرّادِ ذُو مُتَغَطمِطٍ / وَرَبعُكَ لِلوُفّادِ ذُو سَعَةٍ رَحبُ
أبى الدَهرُ أَن يَلقاكَ إِلّا مُحارِباً
أبى الدَهرُ أَن يَلقاكَ إِلّا مُحارِباً / فَجَرِّد لَهُ سَيفاً مِن العَزمِ قاضِبا
وَلا تَلقَهُ مُستَعتِباً مِن ظُلامَةٍ / فَما الدَهرُ سَمّاعاً لِمَن جاءَ عاتِبا
وَجانِب بَنيهِ ما اِستَطَعتَ فَإِنَّهُم / عَقارِبُ لَيلٍ لا تزالُ ضَوارِبا
وَإِن كُنتَ ذا جَهلٍ بِهم فَاِغدُ أَو فَرُخ / عَلَيَّ أُخبِّركَ الأُمورَ العَجائِبا
بَلَوتُهُمُ دَهراً طَويلاً وَغَرَّني / تَلألُؤ آلٍ يُرجِعُ الطَّرفَ كاذِبا
وَجَرَّبتهُم حَتّى إِذا ما عَرَفتُهُم / عَرَفتُ رَزايا جَمَّةً وَمَصائِبا
وَصاحَبتُ أَقواماً أَلا لَيتَ أَنَّني / تَبَدَّلتُ زِنجاً مِنهُمُ وَصَقالِبا
ظَنَنتُهُمُ ظِلّاً ظَليلاً وَجنَّةً / فَكانُوا سَموماً يَومَ صَيفٍ وَحاصِبا
بُليتُ بِهِم كَالوَردِ يلقى معاطِساً / أَحَقُّ بِأَن يَلقى أَكُفّاً خَواضِبا
سَعوا في دَمي بِالجُهدِ حَتّى كَأَنَّني / مِنَ الرُومِ قَد أعلمتُ جَيشاً مُحارِبا
وَلَم يَكفِهُم قَيدٌ ثَقيلٌ وَخَشبَةٌ / بِرِجليَ في دَهماءَ تُنسي المَصائِبا
وَأَشياءُ لَو عَدَّدتُها طالَ شرحُها / وَلَم أُحصِها في مُحكَمِ النَّظمِ حاسِبا
جَزى اللَّهُ خَيراً كُلَّ ثاوٍ رَأَيتُهُ / بِبَغدادَ لا يَنفَكُّ بِالدَربِ سارِبا
فَلَم أَلقَ مِنهُم يَومَ نَحسٍ وَلَم أَبِت / أُحاذِرُ مِنهُم جانِياً أَو مُواثِبا
وَأَعقَبَ سوءاً شامِتاً سُرَّ قَلبُهُ / بِضَيمي وَأَضحى عاثِرَ الجدِّ خائِبا
فَهَل سَرَّهُ إِلّا اِختلاقُ نَميمَةٍ / وَما زَالَ سَهماً لِلنَّميمَةِ صائِبا
فَلا تَحسَبُ الأَعداءُ أَنّي لِما جَرى / تَضعضَعتُ أَو أَعطَيتُ حبلي مُشاغِبا
فَقَبلي قَضى النُعمانُ في السِّجنِ نَحبَهُ / وَغُودِرَ مَسلوباً وَقَد كانَ سالِبا
وَعاشَ اِبنُ ذي الجدَّينِ في الغُلِّ بُرهَةً / لَياليَ يَدعو قَومَهُ وَالعَصائِبا
فَجلّت بُنو ذُهلِ بن شَيبانَ هَمَّهُ / بِمَلمومَةٍ تُزجي العِتاقُ الشَوازِبا
أَفاؤوا بِها أَنفالَ كِسرى وَلَم تَزَل / تُفِيءُ السَّبايا خَيلُهُم وَالحَرائِبا
وَلَو غَيرُ قَومي رامَ ظُلمي لَقَلَّصت / خُصاهُ وَأَضحى قاصِرَ الخَطوِ لاغِبا
لعايَنَ دوني عُصبَةً عَبدَلِيَّةً / تَسامى فُرادى لِلعُلا وَمُقانِبا
أَبوها أَبي إِن أَدعُها وَجُدودُها / جدُودي إِذا عَدَّ الرِّجالُ المناسِبا
وَمِن آلِ إِبراهيمَ كُلّ مُذَبِّبٍ / عَنِ المَجدِ يَحتَلُّ الذُرى وَالغَوارِبا
أَلا لَيتَهُ مِن غَيرِهم فَأَردُّهُ / بِهم فَيَروحُ الدَهرُ خَزيانَ ناكِبا
فَيا راكِباً تَطوي بِهِ البِيدَ جَسرَةٌ / وَتَغتالُ غيطانَ الفَلا وَالأَخاشِبا
إِذا أَنتَ أَلقَيتَ العِصيَّ مُخَيِّماً / بِالاِحسا وَجاوَرتَ المُلوكَ الأَطايِبا
فيمِّم لِجَرعاءِ الشَّمالِ فَإِنَّ لِي / بِها خِلَّةً أَشتاقُها وَمَلاعِبا
وَقِف وَقفَةً بِالدَّربِ غَربِيَّ بابِها / فَثَمَّ تلاقي أُسرَتي وَالأَقارِبا
فَتَلقى مُلوكاً كَالأَهِلَّةِ لَم تَزَل / تَهشُّ إِلى الجُلّى وَتَأبى المَعايِبا
وَإِن تَأتِ قَصرَ القُرمُطِيِّ تَجِد بِهِ / جَماجِمَ قَومي وَالقُرومَ المَصاعِبا
ذَوي المُلكِ وَالتيجانِ وَالمَنصِبِ الَّذي / سَما فَعلا فَخراً فَجازَ الكَواكِبا
فَقُل لَهُمُ بَعدَ السَلامِ مَقالَةً / تَعمُّ بِها عَنّي شَباباً وَشائِبا
أَلا يا لَقَومي وَالفَتى حينَ يَرتَمي / بِهِ الدَهرُ يَدعو قَومَهُ لا الأَجانِبا
كَفى حزناً أَنّي بِبَغدادَ مُفرَدٌ / عِنِ الأَهلِ أَلقى كُلَّ يَومٍ عَجائِبا
وَيَشتاقُكُم قَلبي فَأَذكُرُ دونَكُم / مَهامِهَ لا أَشتاقُها وَسَباسِبا
فَيسهلُ عِندي خَوضُها فَيعزُّ لي / تَذَكُّرُ حالاتٍ أَشَبنَ الذَوائِبا
وَلا عارَ في ضَيمِ المُلوكِ عَلى الفَتى / وَما زَالَ حُكمُ السَيفِ في الأَرضِ غالِبا
بَلى إِنَّ ضَيمَ الأَقرَبينَ وَجَدتُهُ / أَشَدَّ عَلى الأَحشاءِ حرّاً وَلاهِبا
أَلا إِنَّهُ الداءُ العَياءُ وَإِنَّهُ الش / شجا في التَراقي وَالمُزيلُ المَراتِبا
وَلَولا بَناتُ العامِرِيَّةِ لَم أَكُن / لِأَلوي إِلى دارِ المَذَلَّةِ جانِبا
لَقَد كانَ لِي بِالأَهلِ أَهلٌ وَبِالغِنى / فِناءٌ وَأَلقى بِالمُصاحِبِ صاحِبا
وَلَكِنَّني أَخشى عَلَيهنَّ أَن يَرى / بِهِنَّ عَدوٌّ مالَهُ كانَ طالِبا
مُقاساة ضُرٍّ أَو مُعاناة غُربَةٍ / تُريهنَّ أَنوارِ الصَّباحِ غَياهِبا
وَآنفُ أَن يُصبِحنَ في غَيرِ مَعشَري / فَأُصبِحُ قَد رَدّوا عَلَيَّ النَصائِبا
فَيُصبِحنَ قَد أُنكِحنَ إِمّا مُدَرَّعاً / لَئيماً يَرى الإِحسانَ لِلفَقرِ جالِبا
وَإِمّا اِبنَ ضِلٍّ تائِهٍ في ضَلالَةٍ / مِنَ الغيِّ تَدعوهُ الطَواغيتُ راهِبا
كَما نُكِحَت بِنتُ المُهَلهلِ إِذ غَدا / مِنَ الضَّيمِ في سَعدِ العَشيرَةِ هارِبا
بِأَيسَرِ مَهرٍ عِندَ أَلأَمِ خاطِبٍ / وَوالِدُها غَيظاً يَعضُّ الرَواجِبا
وَلَو أَصبَحَت في دارِ بَكرٍ وَتَغلِبٍ / لَما رامَ أَن يَأتي لَها النَّذلُ خاطِبا
فَيا اِبنَ أَبي رِفقاً بِهنَّ وَكُن أَباً / مُديباً عَلى إِكرامِهِنَّ مُواظِبا
وَصِل وَاِحتَمِل وَاِخفِض جَناحَكَ رَحمَةً / لَهُنَّ وَلا تَقطِب عَلَيهنَّ حاجِبا
وَحاذِر عَلَيهنَّ الجَفاءَ فَإِنَّني / أَرى المَوتَ أَن يَمشينَ شُعثاً سَواغِبا
فَإِن سَلِمَت نَفسي لَهُنَّ هَنيئَةً / مِنَ الدَهرِ جاوَرنَ النُّجومَ الثَواقِبا
وَعادَ إِليَّ الدَهرُ بَعدَ غَرامِهِ / يعفِّرُ خَدَّيهِ عَلى الأَرضِ تائِبا
كَما جاءَ قَبلي مُستَكيناً إِلى أَبي / وَقَد همَّ أَن يَلوي عَلَيهِ المَخالِبا
وَلِلّهِ فينا عادَةٌ مُستَمِرَّةٌ / يُجلّلُنا النُّعمى وَيُعطي الرَغائِبا
فَشُكراً لَهُ مِن مُنعِمٍ مُتَفَضَّلٍ / عَلَينا وَحَمداً ينفذُ الدَهر واصِبا
دَعِ الكاعِبَ الحَسناءَ تَهوي رِكابُها
دَعِ الكاعِبَ الحَسناءَ تَهوي رِكابُها / وَتُبنى لَها في حَيثُ شاءَت قبابها
وَلا تَسأَلَن عَن عيسِها أَينَ يمَّمت / فسيّانِ عِندي نأيُها وَاِقتِرابُها
فَقد كَرِهت جَهلاً مَشيبي وَإِنَّني / أَرى ضَلَّةً أَن يَزدَهيني شَبابُها
وَما شِبتُ مِن عَدِّ السِّنين وَإِنَّما / أَشابَ قَذالي مَيلُها وَاِنقِلابُها
وَتأَويلُ أَحداثٍ إِذا ما حَسبتُها / أَتَتني بِأَشيا قَلَّ عَنّي حِسابُها
ثَنى عِطفَهُ عَنّي القَريبُ لِأَجلِها / وَأَضحَت بَناتُ العَمِّ عُوجاً رِقابُها
عَلى أَنَّني في كلِّ أَمرٍ هُمامُها / وَبَدرُ دُجاها لَو وَعَت وَشِهابُها
وَإِنّي لِأَذكى القَومِ لَو تَعلَمونه / نِصاباً وَإِن كانَت كَريماً نِصابُها
وَأَبعَدُها في باحَةِ المَجدِ غايَةً / وَقاباً إِذا ما اِمتَدَّ لِلمَجدِ قابُها
وَأَفضَحُها يَومَ الخِصامِ مَقالَةً / إِذا فصحاءُ القَومِ أَكدى خِطابُها
وَعَوراءَ مَرَّت بي فَلَم أَكتَرِث بِها / وَقَد كَان لَولا الحِلمُ عِندي جَوابُها
فَيا راكِباً وَجناءَ تَستَغرِقُ البَرى / وَيَطوي الفَيافي خَطوُها وَاِنجِذابُها
أَقم صَدرَها قَصداً إِلى الخَطِّ وَاِحتَقِب / رِسالَةَ وُدٍّ أَنتَ عِندي كِتابُها
فَحينَ تَرى الحصنَ المُعَلّى مُقابِلاً / وَيَبدو مِنَ الدَربِ الشَمالِيِّ بابُها
فلِج بِسلامٍ آمِناً تَلقَ بَلدَةً / مُقَدَّسَةَ الأَكنافِ رَحباً جَنابُها
بِها كُلُّ قرمٍ مِن رَبيعَةَ يَنتَمي / إِلى ذِروَةٍ تَعلو الرَواسي هِضابُها
لكيزِيَّةٌ أَنسابُها عامِريَّةٌ / يَلوذُ المُناوي ضَيمُها وَاِعتصابُها
إِذا ثَوَّبَ الداعي بِها يالَ عامِرٍ / أَتَت مِثلَ أُسدِ الغابِ غُلبٌ رِقابُها
مُقَدِّمُها مِن صُلبِ عَوفِ بنِ عامِرٍ / إِلى المَوتِ فِتيانٌ شَديدٌ غِلابُها
مِنَ الحارثيِّينَ الألى في أَكُفِّهِم / بِحارُ النَدى مَسجورَة لا ثغابُها
وِمن مالِكٍ بِنتِ الفَخارِ بنِ عامِرٍ / فَوارِسُ أَرواحُ الأَعادي نِهابُها
وَكُلُّ هُمامٍ دَيسَميٍّ إِذا سَطا / عَلى الخَيلِ يَوماً قيلَ وافى عَذابُها
وَمِن نَسلِ عَبدٍ فِتيَةٌ أَيُّ فِتيَةٍ / يُجِلُّ المُعادي بَأسها فَيهابُها
وَإِن صاحَ داعي حَيِّها في مُحارِبٍ / أَتَت تَتَلَظّى للمَنايا حِرابُها
وَإِن قالَ إِيهاً يالَ شَيبانَ أَرقَلَت / إِلى المَوتِ عَدواً شيبُها وَشَبابُها
حَمَت دارَها بِالسَّيفِ ضَرباً فَلَم يَرُم / حِماها وَجَلّى القَومَ عَنها ضِرابُها
وَلَم تُعطِ مَن ناوى عُلاها مَقادَةً / وَذا دَأبُ قَيسٍ مُنذُ كانَت وَدابُها
سَلِ الخائِن الجَدَّينِ مَعروفَ هَل رَأى / بِها خَوراً وَالحَربُ تَهفو عِقابُها
أَتى مِن بِلادِ السِّيبِ يُزجي كَتائِباً / تَضيقُ بِها مِن كُلِّ أَرضٍ رِحابُها
فَلاقى طِعاناً أَنكَرَتهُ حُماتُهُ / فَآبت عَلَيها ذُلُّها وَاِكتِئابُها
وَضَرباً دِراكاً رامَ بِالسِّلمِ بَعدَهُ / صَهاميمُ حَربٍ لَم تُذلَّل صِعابُها
فَقُل لَهمُ مِن بَعدِ أَوفى تَحيَّةٍ / لَهُم مِن ضَميري صَفوُها وَلِبابُها
أَلا لَيتَ شِعري هَل أَتاكُم عَلى النَّوى / تَصافي نِزارٍ بَينَها وَاِصطِحابُها
فَقَد دُفنت تِلكَ الحقودُ وَأُطفِئَت / لَواقِحُ غلٍّ في الصُّدورِ اِلتهابُها
وَأَضحَت بِحَمدِ اللَّهِ لا السِرُّ بَينَها / مُذاعاً ولا تَدأى لِسودٍ ذِئابُها
وَلا الخائِنُ الخِبُّ المُماذِقُ عِندَها / مُطاعاً فَيُخشى صَدعُها وَاِنشِعابُها
وَجَلّى عَنِ البَحرَينِ يَومَ اِبنِ أَحمَدٍ / صَواعِقَ شَرٍّ قَد تَدَلّى سَحابُها
وَقَد زَحَفت بِالقَومِ زَحفاً فَزُلزِلَت / وَماجَت بِمَن فيها وَحانَ اِنقِلابُها
وَذاك بِسامي هِمَّةٍ عَبدليَّةٍ / أَنافَ عَلى هادي الثُرَيّا وِثابُها
فَمن عيصِ إِبراهيمَ تُنمي فُروعُها / وَمِن بَحرِ عَبدِ اللَّهِ يَجري عبابُها
مُلوكُ نِزارٍ قَبلَ عادٍ وَتُبَّعٍ / وَكَعبَتُها اللّاتي إِلَيها مَثابُها
وَمِمّا شَجاني يا لَقَومي فَعبرَتي / لَدى كُلِّ حينٍ لا يَجِفُّ اِنسِكابُها
تَضاغنُ أَملاكٍ أَبوها إِذا اِعتَزَت / أَبي وَنِصابي حينَ أُعزى نِصابُها
أَبى أَن يلُمّ الدَّهرُ فيما يَلمُّهُ / عَصاً بَينَها أَو أَن يُرجّي اِعتِتابُها
أَطاعَت مَقالاتِ الأَعادي وَغَرَّها / تَمَلُّقُها في لَفظِها وَاِختِلابُها
فَأَنحَت عَلى أَرحامِها بِشِفارِها / وَأَوهَنَ عَظمَ الأَقرَبينَ اِصطِلابُها
وَلَو قَبِلَت نُصحي وَأَصغَت لِدَعوَتي / وَأَنجَحُ فاشي دَعوَةٍ مُستَجابُها
لَداوَيتُ كَلْماها وَأَبرَأتُ داءَها / فَلَم يَتَحَلَّم بَعدَ صَحٍّ إِهابُها
وَقُدتُ إِلى اللَّيثِ السَبَندى وَلَم أَنَم / عَلى الغَمرِ حَتّى يَصحَب الغيلَ لامُها
وَلَكِن لِأَمرٍ أَخَّروني وَقَدَّموا / زَعانِفَ لا يَنهى العَدوَّ اِحتِسابُها
تُصيبُ وَما تَدري وَتُخطي وَما دَرَت / وَتَغدو وَفي حَبلِ العَدُوِّ اِحتِطابُها
فَيا صَفقَةَ الخسرانِ فيما تَبَدَّلُوا / وَهَل يَتَساوى تِبرُها وَتُرابُها
وَهَل قِيستِ الخَيلُ العِرابُ بعانَةٍ / كُدادِيَّةٍ لا يلحقُ الضَبَّ جابُها
لِذا طَمعَت فينا البَلايا وَأَصبَحت / تَهِرُّ عَلَينا كَالشُّراتِ كِلابُها
وَشالَت لَنا أَذنابُها مُقذَحِرَّةً / وَعَهدي بِها تَسطو عَلَيها ذِئابُها
أَلا يا لَقَومي مِن رَبيعَةَ فَتكَةً / تُغادِرُ نَوكى القومِ صُفراً وِطابُها
فَما عَزَّ إِلّا فاتِكٌ ذُو عَزيمَةٍ / جَريءٌ عَلى النّزلا يصرِّفُ نابُها
فَأَقتَلُ داءٍ في الشِّرارِ اِصطِفاؤُهُ / وَأَشفى دَواءٍ لَعنُها وَاِجتِبابُها
مَنالُ العُلى بِالمُرهفاتِ القَواضِبِ
مَنالُ العُلى بِالمُرهفاتِ القَواضِبِ / وَسُمرِ العَوالي وَالعِتاقِ الشَوازِبِ
وَطَعنٍ إِذا ما النَّقعُ ثارَ وَأَقبَلَت / بَنو الحَربِ أَمثالَ الجِمالِ المَصاعِبِ
وَضَربٍ يُزِلُّ الهامَ عَن كُلِّ ماجِدٍ / عَلى الهَولِ مِقدامٍ كَريمِ المناسِبِ
وَليسَ يَنالُ المَجدَ مَن كانَ هَمُّهُ / طروقَ الأَغاني وَاِعتِناق الحَبائِبِ
وَلا بَلَغَ العَلياءَ إِلّا اِبنُ حُرَّةٍ / قَليلُ اِفتِكارٍ في وقوعِ العَواقِبِ
جَريءٌ عَلى الأَعداءِ مُرٌّ مذاقُهُ / بَعيدُ المَدى جَمُّ النَّدى وَالمَواهِبِ
حَليفُ سُرىً جَوّابُ أَرضٍ تَجاوَزَت / بِهِ العيسُ أَجوازَ القِفارِ السَباسِبِ
وَخاضَت بِهِ الخَيلُ النَّجيعَ وَحُطِّمَت / عَواليهِ قَسراً في صُدورِ الكَتائِبِ
تَعَلَّمَ مِن فِعلِ الأَميرِ مُحمَّدٍ / فَأَصبَحَ مَلكاً في أَجلِّ المَراتِبِ
فَتىً لَم تَزَل في كُلِّ يَومٍ جِيادُهُ / يُقسِّمنَ أَموالَ العَدُوِّ المُحارِبِ
يشنُّ بِها الغاراتِ أَروعُ ماجِدٌ / سَريعٌ إِلى الجُلّى بَعيدُ المَطالِبِ
شُجاعٌ إِذا ما أَصبَحَ الحَيُّ لَم يَكُن / صُبوحُهُم إِلّا رواقَ المَضارِبِ
أَزاحَ الأَعادي عَن حِماها وَحازَهُ / فَأَضحَت لَهُ آسادُها كَالثَّعالِبِ
فَلَم يَبقَ أَرضٌ لَم تَجُزها جيادُهُ / وَقَد حطَّمَت أَركانَها بِالمَناكِبِ
فَسائِل بِهِ في الحَربِ أَبناءَ مالِكٍ / وَما حاضِرٌ في عِلمِهِ مثلُ غائِبِ
غَداةَ تَوَلّوا هارِبينَ وَأَسلَمُوا / عَلى الرَّغمِ مِنهُم كُلَّ بَيضاءَ كاعِبِ
أَتاهُم بِجَيشٍ يَملأُ الأُفقَ مالهُ / سِوى مَن يُراعي مِن شَبابٍ وَشائِبِ
فَلمّا رأَوهُ أَنَّهُ هُوَ لَم يَكُن / سِلاحُهُمُ إِلّا غُبارَ السَّلاهِبِ
وَهَل مَنَعَت مِنهُ غَزيَّةُ دارَها / بِأَسمَرَ عسّالٍ وَأَبيضَ قاضِبِ
غَداةَ أَتاهُم في سَماءٍ عَجاجَةٍ / أَسِنَّتُه مِن تَحتِها كَالكَواكِبِ
وَقَد جاءَهُم مِنهُ النَّذيرُ لِيَأخُذُوا / مِنَ البِرِّ عَن جَوزِ الطَّريقِ بِجانِبِ
فَلَم يَقبَلوا قَولَ النَّصيحِ وَأَعرَضوا / وَظنّوا ظُنوناً يا لَها مِن كَواذِبِ
فَصبَّحهُم شَعواءَ سَدَّت عَلَيهمُ / رحابَ الفَيافي شَرقِها وَالمَغارِبِ
فَما لَبِثوا إِلّا فواقاً وَأَجفَلوا / كَإِجفالِ شاءٍ مِن ذئابٍ سَواغِبِ
وَخَلّوا عَن الأَموالِ صُفراً وَأَسلَموا / عذابَ الثَنايا ضاحِكاتِ الترائِبِ
وَطارَ اِبنُ مَذكورٍ يَشِلُّ قِلاصَهُ / وَيُنذِرُ مِن غاراتِهِ كُلَّ صاحِبِ
وَلَم يرعَ ما قَد كانَ مِن خُلفِ دَهمَشٍ / وَقالَ الوَفا في مِثلِها غَيرُ واجِبِ
وَلمّا أَتَت أهلُ الشَّآمِ يَقودُها / إِلَيهِ الرَّدى قَودَ الجَنيبِ لِراكِبِ
سَعيدٌ وَمَسعودٌ وَرَهطُ حَديثه / يَسيرونَ جُردَ الخَيلِ بَينَ النَجائِبِ
وَقَد حَسَدوا أَهلَ الحِجازِ وأَقبَلُوا / مِنَ الشامِ في أَهليهمُ وَالعَصائِبِ
أَتاهُم يَجوبُ البيدَ بِالخَيلِ وَالقَنا / فَتىً عَبدَلِيٌّ في الوَغى غَيرُ هائِبِ
ضَروبٌ لِهاماتِ الكُماةِ مُعَوَّدٌ / بِمَنعِ التَوالي وَاِبتِذالِ الرَغائِبِ
فَلَم يُنجِهِم إِلّا الفرارُ وَجيرَةٌ / أَتَت مِنهُ ما فيها مَعابٌ لِعائِبِ
وَقَد زَعَموا في زَعمِهم أَنَّ خَيلَهُم / تَدوسُ قُرى البَحَرينِ مِن كُلِّ جانِبِ
وَهَيهاتَ ما قَد حاوَلُوهُ وَدونَهُ / سُيوفُ اِبنِ فَضلٍ ذي العُلى وَالمَناقِبِ
وَفِتيانُ صِدقٍ مِن عَقيلٍ أَعَزَّةٌ / ثِقالٌ عَلى الأَعدا كِرامُ المناسِبِ
بِهِ بَلَغوا آمالَهُم وَمُناهُمُ / وَحَلّوا مِنَ العَلياءِ أَعلى المَراتِبِ
هُوَ السَّيّدُ الضِّرغامُ وَالأَسَدُ الَّذي / بَنى مَجدَهُ فَوقَ النُّجومِ الثَوَاقِبِ
لَهُ خَضَعَت غُلبُ الرِّقابِ وَأَصبَحت / بِه الأَرضُ تَزهو بَعدَ تِلكَ الغَياهِبِ
تَرى عِندَهُ رُسلَ المُلوكِ مُقيمَةً / ذَهابُ رَسولٍ عِندَ آخرِ آيبِ
مَخافَةَ سَطواتٍ لَهُ يَعرِفُونَها / تُقيمُ عَلى الأَعداءِ صَوتَ النَوادِبِ
مُورِّثُهُ مِن عَهدِ عادٍ وَجُرهمٍ / وُهَيبُ بنُ أَفصى وَالقُرونِ الذَواهِبِ
وَمالَ أَميرُ المُؤمِنينَ بِوُدِّهِ / إِلَيهِ وَسَمّاهُ زَعيمَ الأَعارِبِ
حَمى البرَّ مِن حَدِّ العِراقِ فَحازَهُ / إِلى الشّامِ وَاِستَولى عَلى حَدِّ ناعِبِ
فَعَزَّ لِسامي عِزِّهِ كُلُّ خائِفٍ / مَرُوعٍ وَأَغنى جُودُهُ كُلَّ طالِبِ
فَلا عَدمَت يَوماً رَبيعَةُ مِثلَهُ / لِتَشييدِ عِزٍّ أَو لِبَذلِ مَواهِبِ
وَلا بَرِحَت أَيّامُهُ في سَعادَةٍ / وَلا زالَ مَحروسَ الحِمى وَالجَوانِبِ
أَتَدري اللَّيالي أَيَّ خَصمٍ تُشاغِبُه
أَتَدري اللَّيالي أَيَّ خَصمٍ تُشاغِبُه / وَأَيَّ همامٍ بِالرَزايا تُواثبُهْ
تَجاهَلَ هَذا الدَهرُ بي فَتَكَتَّبت / عَلَيَّ بِأَنواعِ البَلايا كَتائبُهْ
وَظَنَّ مُحالاً أَن أَدينَ لِحُكمِهِ / لِتَبكِ عَلى عَقلِ المُعنّى نَوادِبُهْ
وَإِنّي وَإِن أَبدى اِصعِراراً بِخَدِّهِ / وَأَوجَفَ بِي وَاِزوَرَّ لِلبُغضِ جانِبُهْ
لأُغضي عَلى بَغضائِهِ وَاِزوِرارِهِ / وَأَعجَبُ مِن حُرٍّ كَريمٍ يُعاتِبُهْ
وَأَستَقبلُ الخَطبَ الجَليلَ بِثاقِبٍ / مِن العَزمِ يَعلو لاهِبَ النارِ لاهبُهْ
وَرَأيٍ مَتى جَرَّدتُهُ وَاِنتَضَيتُهُ / وَجَدتُ حُساماً لَم تُفلَّل مَضارِبُهْ
وَلَستُ بِيَهفوفٍ يَرى رَأي عِرسِهِ / مَتى أَركَبتهُ مَركباً فَهوَ راكِبُهْ
يَظلُّ إِذا ما نابَهُ الأَمرُ مُحجَزاً / يُخاطِبُها في شَأنِهِ وَتُخاطِبُهْ
وَلا قائِلٍ لِلدَّهرِ رِفقاً وَقَد طَمَت / أَواذِيُّهُ شَرّاً وَجاشَت غَوارِبُهْ
وَسيّانَ عِندي عَذبُهُ وَأَجاجُهُ / وَحاضِرُهُ فِيما يَشاءُ وَغائِبُهْ
وَما الدَّهرُ خَصمٌ أَتَّقيهِ فَشَأنُهُ / حَربي فَلا عَزَّ اِمرؤٌ لا يُحارِبُهْ
سَلوا صَرفَهُ هَل راعَني أَو تَزَعزَعت / مَناكِبُ عَزمي حينَ مادَت مَناكِبُهْ
فَكَم غارَةٍ قَد شَنَّها بَعدَ غارَةٍ / عَلَيَّ وَفَرَّت مِن قِراعي مَقانِبُهْ
وَإِنَّ جَليلَ الخَطبِ عِندي لَهَيِّنٌ / إِذا لَزِمت دارَ اِبن عَمّي عَقارِبُهْ
وَكَم قائِلٍ ماذا المقامُ وَإِنَّما / مَقامُ الفَتى المُستَهلِك المالَ عائِبُهْ
أَلَستَ تَرى أَنّ المُقِلَّ يَمُجُّهُ / أَخو الرَّحمِ القُربى وَتَبدو معايِبُه
إِذا المَرءُ لَم يَملُك مِنَ المالِ ثَروَةً / رَمَتهُ عِداهُ وَاِجتَوتهُ أَقارِبُهْ
وَمَن يَجعَلِ العَجزَ المَطِيَّةَ لَم يَزَل / يَمُرُّ عَلَيهِ الدَهرُ وَالفَقرُ صاحِبُهْ
فَقُم وَاِركَبِ الأَهوالَ جِدّاً فَطالَما / أَفادَ الغِنى بِالمَركَبِ الصَّعبِ راكِبُهْ
وَلا تَقعُدَن لِلشامِتينَ فَكُلُّهُم / يُذَعلِبُ أَو تَأتيكَ جَهراً نَيادِبُهْ
فَأَنت الفَتى حَزماً وَعَزماً وَلَم تَضِق / بِمِثلِكَ في كُلِّ النَواحي مَذاهِبُهْ
فَما يَقطَعُ الصّمصامُ إِلّا إِذا اِنتَحى / عَن الغِمدِ لَو كانَت حِداداً مَضارِبُهْ
وَما دامَ لَيثُ الغابِ في الغابِ كامِناً / فَإِنَّ حَراماً أَن تُدَمّى مَخالِبُهْ
كَذا البَدرُ لَولا سَيرُهُ وَاِنتِقالُهُ / عَن النَقص لاِستَعلَت عَلَيهِ كَواكِبُهْ
وَأَنتَ مِنَ الفرعِ الَّذي فَخَرَت بِهِ / نِزارٌ وَسارَت في مَعَدٍّ مَناقِبُهْ
سَما بِكَ بَيتٌ عَبدَليٌّ أحلَّهُ / ديار الأَعادي سُمرُهُ وَقواضِبُهْ
وَعالي مَحَلٍّ مِن رَبيعَةَ أَشرَفَت / عُلُوّاً عَلى كُلِّ البَرايا مَراتِبُهْ
فَشَمِّر وَسِر شَرقاً وَغَرباً فَقَلَّما / أَفادَ الغِنى مَن لَم تُشَمِّر رَكائِبُهْ
فَقُلتُ لَهُ لا تَعجَلَن رُبَّ سَاعَةٍ / تُزيلُ عَن الأَيّامِ ما أَنا عاتِبُهْ
فَفي عُقرِ داري مِن مُلوكِ بَني أَبي / هُمامٌ إِلى الخَيراتِ تَجري مَآرِبُهْ
إِذا لَم أَنُط مُستَعصِماً بِرجائِهِ / رَجائي وَتَروي تُربَ أَرضي سَحائِبُهْ
فَأَيُّ مَليكٍ أَرتَضى وَتَؤمُّهُ / رِكابي وَأَمشي نَحوَهُ وَأُخاطِبُهْ
وَمَن ذا الَّذي أَرضى عَطاياهُ أَو أَرى / يُزاحِمُني في سُدَّةِ البابِ حاجِبُهْ
وَمَن مِثلُ مَسعودِ الأَميرِ إِذا غَدا / يَغُصُّ بِفَضلِ الرّيقِ وَالماءِ شارِبُهْ
سَلِ الخَيلَ عَنهُ وَالمَنايا كَأَنَّما / يُناهِبُها أَرواحَها وَتُناهِبُهْ
أَخُو الطَعنَةِ النَجلاءِ وَالنَقعُ ساطِعٌ / وَوَقعُ المَذاكي يَملَأُ الطَرفَ حاصِبُهْ
وَضَرَّابُ هامِ الدَارِعينَ إِذا اِستَوَت / أسودُ الشَرى في مَوجِهِ وَثَعالِبُهْ
وَمَنّاعُ أَعقابِ اللَّيالي إِذا اِغتَدَت / تَعاطى وَواراها مِنَ النَقعِ ثائِبُهْ
وَسَلّابُ أَرواحِ الكُماةِ لَدى الوَغى / وَلَكِن مُرجِّيهِ لَدى السِّلمِ سالِبُهْ
وَحَمّالُ ما لا يَستَطيعُ تَثَبُّتاً / بِهِ حَضَنٌ إِلّا وَمادَت شَناخِبُهْ
سَليلُ عُلاً ما زالَ يُخشى وَيُرتَجى / فَتُخشى مَوَاضيهِ وَتُرجى مَواهِبُهْ
وَتَرّاكُ ما لَو أَنَّ قَيسَ بنَ عاصِمٍ / أُصيبَ بِبَعضٍ مِنهُ أَورَت حُباحِبُهْ
كَثيرُ سُهادِ العَينِ لا في مَكيدَةٍ / يُكابِدُ عُقبى شَرِّها مَن يُصاحِبُهْ
جَريٌّ إِذا لَم يَبقَ لِلطِّرفِ مَسلَكٌ / وَصَمَّ حَصى الجَبّارِ لِلخَوفِ جالِبُهْ
إِذا صالَ قالُوا هَل لَهُ مِن مُصاوِلٍ / وَإِن قالَ قالوا هَل همامٌ يُخاطِبُهْ
أَبو ماجِدٍ تِربُ العُلى وَربيبُها / أَبوهُ الَّذي تهدي السَّرايا مَقانِبُهْ
وَتَلقى عَلِيّاً جَدَّهُ خَيرَ مَن حَدَت / إِلَيهِ المَطايا وَاِلتَقتها رَغائِبُهْ
مُهينُ العِدى أَيّامَ تَعدو حُمولُها / وَفي العقبِ مِنها خَيلهُ وَنَجائِبُهْ
وَإِن يَفتَخِر بِالفَضلِ فَضلُ بنُ عَبدَلٍ / فَيا بِأَبي أَعراقُهُ وَمَناسِبُهْ
همامٌ حَمى البَحرَينِ سَبعاً وَمِثلَها / سِنينَ وَسارَت في الفَيافي مَواكِبُهْ
وَلم يَرعَ مِن ثاجٍ إِلى الرَملِ مُصرِمٌ / عَلى عَهدِهِ إِلّا اِستُبيحَت حَلائِبُهْ
زَمانَ يَقولُ العامِريُّ لِمَن غَدا / يُحَدِّثُهُ عَنهُ وَذو الحُمقِ غالِبُهْ
مَتى يَلتقي مَن نارَبَردَ مَحَلُّهُ / وَآخرُ سَودِيٌّ بَعيدٌ مَذاهِبُهْ
فَلَم يَستَتِمَّ القَولَ حَتّى إِذا بِهِ / يُسايِرُهُ وَالدَهرُ جَمٌّ عَجائِبُهْ
فَقالَ لَهُ الآن اِلتَقَينا فَأَرعَدَت / فَرائِصُهُ وَالجَهلُ مُرٌّ عَواقِبُهْ
وَمَن تلكُمُ آباؤُهُ وَجدودُهُ / فَمَن ذا يُسامي فَخرَهُ أَو يُقارِبُهْ
أَأَسكُت عَن مَولى الوَرى أَم أُعاتِبُه
أَأَسكُت عَن مَولى الوَرى أَم أُعاتِبُه / وَأُهمِلُ وَعدِي عِندَهُ أَم أُطالِبُهْ
أَراني بِأَدنى مَطلَبٍ هُنتُ عِندَهُ / وَقَد غَرَّقَت مَن لَيسَ مِثلي مَواهِبُهْ
أَترضى أَبا شُكرٍ بِسُحبِ غَمامَةٍ / لِمِثلي وَأَنتَ البَحرُ جاشَت غَوارِبُهْ
أَلِلمدحِ أَم لِلبَيتِ أَم لِسوالِفٍ / عَلَت أَم لِوُدٍّ لَم يحُل عَنهُ صاحِبُهْ
لِمَن تَذخَرُ المصرِيَّ يا اِبنَ مُحمَّدٍ / وَكُلُّ جَوادٍ أَنتَ بِالسَّيفِ كاسِبُهْ
أَتَخشى هُجومَ الفَقرِ أَم تَطلُبُ الرِّضا / بِهِ مِن عَدُوٍّ أَنتَ إِن شِئتَ غالبُهْ
فَلا تَبخَلَن عَنّي بِما أَنا أَهلُهُ / فَكُلُّ نَفيسٍ أَنتَ لا بُدَّ واهِبُهْ
فَأجمَلُ ثَوبَيكَ الَّذي أَنا لابِسٌ / وَخَيرُ جَواديكَ الَّذي أَنا راكبُهْ
وَلا تُرخِصِ الغالي وَقِف عِندَ قَدرِهِ / وَقَوِّمهُ بِالأَوفى فَما اِغتَرَّ جالِبُهْ
لعَمرُكَ ما مالُ الفَتى غَيرُ ما اِقتَنَت / ذوو وُدِّهِ أَو وَفدُهُ أَو أَقارِبُهْ
أَتَحرِمُني ما أَنتَ مُعطيهِ كاشِحاً / عَدُوّاً طوالَ الدَّهرِ تَسري عَقارِبُهْ
وَلَو كُنتَ ذا بخلٍ عَذرتُ وَلَم أَفه / بِحَرفٍ وَأَخفَيتُ الَّذي أَنا عاتِبُهْ
وَلَم أُبدِ مِن نَفسي هلوعاً وَلَم أَقُم / مَقاماً مَضى عُمري وَإِنّي لَهائِبُهْ
وَلَكِنَّكَ البَحرُ الَّذي كُلَّما طَما / صَفا وَحَلَت لِلوارِدينَ مَشارِبُهْ
فَيا اِبنَ المُلوكِ الصِّيدِ وَالذّروَةِ الَّتي / لَها كاهِلُ المَجدِ المُعَلّى وَغارِبُهْ
أُعيذُكَ أَن تَرضى بِنَقصٍ لِماجِدٍ / طَويلِ عِمادِ البَيتِ مَحض ضَرائِبُهْ
جُدودُكَ أَربابُ المَعالي جُدودُه / وَقاضِبُكَ المُهدي لَكَ العِزَّ قاضِبُهْ
تَروحُ وَتَغدو بِالثَّناءِ عَلَيكمُ / بِكُلِّ بِلادٍ خَيلُهُ وَنَجائِبُهْ
فَكَم سارَ لي في مَدحِكُم مِن غَريبَةٍ / تَروقُ وَأَغلى الشِعرِ مَهراً غَرائِبُهْ
بِلا مِنَّةٍ أَسدَيتُموها وَلا يَدٍ / إِليَّ وقَولُ المَرءِ أَسواهُ كاذِبُهْ
بَلى إِنَّني قاسَيتُ فيكُم مَصائِباً / تَهُدُّ القُوى إِذ أَدرَكَ الثَأرَ طالِبُهْ
وَلَولا هَواكُم ما شَقيتُ وَلا غَدا / يَصُكُّ بِرِجلي القَيدَ مَن لا أُشاغِبُهْ
وَلا اِجتاحَتِ الأَعداءُ مالي وَلا اِنبَرى / يُطاوِلُني مَن لَيسَ تُحصى مَعائِبُهْ
وَلا نَبَحَت شَخصي كلابُ اِبنِ ماجِدٍ / غِلاباً ولا بالَت عَلَيَّ ثَعالِبُهْ
وَكانَ اِبن عَمّي دُنيَةً وَمَناسِبي / إِذا نَصَّتِ الأَنسابُ يَوماً مَناسِبُهْ
فَلا تَرضَ لي غَيراً واِعلَم أَنّني / غَيورٌ وَما ضاقَت بِمِثلي مَذاهِبُهْ
فَأَنتَ الَّذي لَم يَبقَ إِلّاهُ سَيِّدٌ / نُناجيهِ في حاجاتِنا وَنُخاطِبُهْ
وَغَيرُكَ قَد عِفتُ الوُقوفَ بِبابِهِ / عَلانِيَةً فَليَرشمِ البابَ حاجِبُهْ
وَقُلتُ لِعيسي نَكّبي كُلَّ مَورِدٍ / مِنَ الأَجنِ يَزوي الوَجهَ وَالأَنفَ شارِبُهْ
فَإِن يُنسَ لي في العُمرِ لَم يَبقَ مَأكَلٌ / وَلا مَشرَبٌ إِلّا وَعِندي أَطايِبُهْ
لَقَد كُنتُ أَرجو مِنكَ يَوماً أَعُدُّهُ / لِمَولىً أُباهِيهِ وَخَصمٍ أُحارِبُهْ
وَإِنَّكَ للَملكُ الَّذي تَسلُبُ العِدى / قَناهُ وَلَكِن جُودُهُ الغَمرُ سالِبُهْ
وَإِنّي بِمَدحي عَن سِواكَ لَراغِبٌ / وَلَو باكَرتني كُلَّ يَومٍ رَغائِبُهْ
فَإِن تَجفُني فَالبَحرُ عِندي كَثيرَةٌ / مَراكِبُهُ وَالبَرُّ عِندي رَكائِبُهْ
وَلا تُنكرَن عتبي عَلَيكَ فَإِنَّهُ / جَميلٌ وَشَرُّ النّاسِ مَن لا تُعاتِبُهْ
أُعاتِبُ مَن أَهوى عَلى قَدرِ وُدِّهِ / وَلا وُدَّ عِندي لِلَّذي لا أُعاتِبُهْ
وَأَكرَمُ أَبناءِ المُلوكِ سجِيَّةً / كَريمٌ مَتى عاتَبتَهُ لانَ جانِبُهْ
بَقيتَ وَأُعطيتَ السَّعادَةَ ما شَدا / حَمامٌ وَما لاحَت بِلَيلٍ كَواكِبُهْ
إِلى كَم مُناجاةُ الهُمومِ العَوازِبِ
إِلى كَم مُناجاةُ الهُمومِ العَوازِبِ / وَحَتّى مَ تَأميلُ الظُّنونِ الكَواذِبِ
أَما حانَ لِلعَضبِ اليَمانيِّ أَن يُرى / بِيُمناكَ كالمِخراقِ في كَفِّ لاعِبِ
لَعلَّكَ خِلتَ الذُّلَّ حَتماً أَوِ العُلى / حَراماً وَأَنَّ الشَرَّ ضَربَة لازِبِ
فَقُم قومَ ناعي مَن يُقيمُ بِمَنزِلٍ / يُضامُ بِهِ وَالأَرضُ شَتّى المَذاهِبِ
وَلا عاشَ مَن يُغضي عَلى الضَّيمِ جفنهُ / وَفي قائِمِ الهِندِيِّ فَضلٌ لِضارِبِ
وَرُح واِغدُ في كَيدِ العَدُوِّ وَلا تَنَم / عَلى ضَمَدٍ فَالعُمرُ كسوَةُ سالِبِ
أَتَظمى لَدَيكَ المشرفِيَّةُ وَالقَنا / وَفي قُلَلِ الباغينَ وِردٌ لِشارِبِ
فَشَمِّر وَأَورِدها فَقد زادَ ظمؤُها / عَلى العَشرِ أَورِدها بِعَزمٍ مُؤارِبِ
وَلا تُورِدَنها وِردَ سَعدٍ وَعُلَّها / إِذا نَهَلَت عَلَّ الهِجانِ الحَلايِبِ
فَإِنَّ بِها تَرقى الدِّماءُ كَما بِها / تُراقُ وَفيها عالياتُ المَراتِبِ
وَمَن لَم يروِّ السَّيفَ يَظمَ وَمَن يَهُن / يُهَن وَمحاريبُ العُلى لِلمُحارِبِ
وَمَن لِم تَخَوَّفهُ العِدى في بِلادِها / تُخِفه وَعُقبى الذُلِّ شَرُّ العَواقِبِ
أَرى الناسَ مُذ كانوا عَبيداً لِغاشِم / وَخَصماً لِمَغلوبٍ وَجُنداً لِغالِبِ
وَما بَلَغَ العَلياءَ إِلّا اِبنُ حُرَّةٍ / قَليلُ اِفتكارٍ في أُمورِ العَواقِبِ
وَما العِزُّ إِلّا في صِها كُلِّ سابِحٍ / وَما المالُ إِلّا في شَبا كُلِّ قاضِبِ
وَمَن لَم يَعضَّ الدَّهرَ مِن قَبلِ عَضِّهِ / بِنابيهِ أَضحى مُضغَةً لِلنَوائِبِ
وَلا تَتَوهَّم أَنّ إِكرامَكَ العِدى / سَخاءٌ وَأَنَّ العِزَّ ضَيمُ الأَقارِبِ
لعَمرُكَ ما عَزَّ اِمرُؤٌ ذَلَّ قَومُهُ / وَلا جادَ مَن أَعطى عَطِيَّةَ راهِبِ
خَليليَّ عَن دارِ الهَوانِ فَقَوِّضا / خيامي وَزُمّا لِارتِحالٍ نَجائِبي
وَلا تَذكُرا عِندي لَعَلَّ وَلا عَسى / فَما بِعَسى يُقضى نَجاحٌ لِطالِبِ
وَلَيسَ عَسى أَو رُبَّما أَو لَعَلَّما / وَيا طالَما إِلّا قُيودَ المَعاطِبِ
لَحى اللَّهُ نَوّاماً عَلى الهَمِّ وَالبَرى / قِصاراهُ وَالدُّنيا عَلى فَوتِ ذاهِبِ
عَجِبتُ لِقَومٍ أَصبَحوا وَعُيونهُم / تُخازِرُلي مِن تَحتِ تِلكَ الحَواجِبِ
إِذا ما بَدا شَخصي لَهُم خِلتَ عاصِفاً / مِنَ الرِّيحِ قَد ثارَت عَلَيهم بِحاصِبِ
يَسُرُّهُمُ أَنّي اِختُرِمتُ وَغالَني / حِمامي وَقامَت بِالمَآلي نَوادِبي
وَما ليَ ذَنبٌ غَيرُ أمٍّ نجيبَةٍ / حَصانٍ أَتَت مِن مُحصَناتِ النَجائِبِ
وَآباءِ صِدقٍ حينَ أُعزى وَهِمَّةٍ / عَلَت بِي عَلى هامِ النُجومِ الثَواقِبِ
وَبُغضي لأَربابِ الخَنا وَمَودَّتي / لِكُلِّ أَبيِّ الضَّيمِ محضِ الضَرائِبِ
وَما مِنهُمُ إِلّا مَهينٌ رَمت بِهِ / أُبُوَّةُ سُوءٍ مِن إِماءٍ جَلائِبِ
أَخو مُومِسٍ أَو صنوُها أَو حَليلُها / فَقَد حُفَّ بِالسَّوآتِ مِن كُلِّ جانِبِ
شَغوبٌ عَلى الأَدنى وَلَو صَكَّ أَنفَهُ / عَدُوٌّ بِسَيفٍ أَو عَصاً لَم يُشاغِبِ
وَما زالَ نَتنَ الخِيمِ وَالأَصلِ مُولَعاً / بِبَغضاءِ أَربابِ العُلى وَالمَناقِبِ
عَلى رِسلِكُم وَاِمشُوا رُوَيداً فَتيهُكُم / عَلى عَبدَلِيٍّ مِن عَجيبِ العَجائِبِ
وَخَلّوا مُضِلّاتِ الأَمانيِّ عَنكُمُ / مَتى نَفَّرَ البازي صَريرُ الجَنادِبِ
وَلا تَحسَبوا ذا التيهَ فيكُم فَضيلَةً / فَما هُوَ إِلّا صَرُّ عَينٍ وَحاجِبِ
فَرُصّوا وَصُرّوا أَعيُناً أَو فَبَلِّقُوا / فَما نَفخُ حُفّاثٍ لِصلٍّ بِكارِبِ
وَمَن أَنتُمُ حَتّى أُساءَ بِبُغضِكُم / وَإِعراضِكُم يا شَرَّ ماشٍ وَراكِبِ
إِذا عُدَّتِ الأَنذالُ يَوماً بِمَجلِسٍ / عُدِدتُم وَما حُرٌّ لِنذلٍ بِصاحِبِ
فَلَو كُنتُمُ طَيراً لَكُنتُم مِن الصَّدى / صَدى البُومِ أَو غِربانَهُنَّ النَواعِبِ
رَضيتُ مَن اِختَرتُم لكُم غَيرَ غابِطٍ / رِضا زاهِدٍ في وُدِّكُم غَيرِ راغِبِ
وَكُنتُ إِذا ما أَحمَقٌ زَمَّ أَنفَهُ / شَمَختُ بِأَنفي عَنهُ وَاِزوَرَّ جانِبي
وَإِنّي لإِحسانِ المُلوكِ لَعائِفٌ / فَكَيفَ بِنَزرِ القدرِ نَزرِ المَكاسِبِ
أَرى هِمَّتي لا تَقتَضيني سِوى العُلى / وَلَيسَ العُلى دونَ النُّجومِ الثَواقِبِ
أَأَبقى كَذا لا يَتَّقيني مُشاغِبي / وَلا لِعَظيمٍ يَرتَجيني مُصاحِبي
وَهَذا هُوَ الذَنبُ الَّذي ما وَراءَهُ / لَدَيهم وَلَكِن لَستُ عَنهُ بِتائِبِ
أُداري مُداراةَ الأَسيرِ مَعاشِراً / مُداراتُهُم مِن مُوجِعاتِ المَصائِبِ
عَنِ الرُّشدِ أَهدى مِن سَطيحٍ وَكُلُّهُم / إِلى الغيِّ أَعدى مِن سُلَيكِ المَقانِبِ
وَأُنكِحُ أَبكارَ المَعاني أَراذِلاً / أَحَقّ بِخَصيٍ مِن يَسارِ الكَواعِبِ
وَأَكسو ثِيابَ الحَمدِ مَن حَقُّ جِسمِهِ / مَلابِسُ حُمّى أَفكَلٍ بَعدَ صالِبِ
وَإِنّي لَخَيرٌ مِنهُ نَفساً وَوالِداً / وَعِيصاً إِذا عُدَّت كِرامُ المَناسِبِ
وَأُكرِمُ أَقواماً لَو اِنّي مَدَحتهُم / بِما فيهمُ لَم أُبقِ عَيباً لِعائِبِ
لِكَفِّ أَذاهُم لا اِجتِلاباً لِخَيرِهم / وَكَيفَ يُدِرُّ الحولَ إِبساسُ حالِبِ
فَيا عِرَراً لا يفثأُ المَدحُ شَرَّهُم / وَقَد يَفثأُ الراقونَ سُمَّ العَقارِبِ
مَتى جَرَّ نَفعاً مَدحُكُم أَو كَفى أَذىً / وَكَم نَفَعَ السارينَ حَدوُ الرَكائِبِ
فَيا ضَيعَةَ المَدحِ الَّذي سارَ فيكُمُ / عَلى أَلسُنِ الرَواينِ سَيرَ الكَواكِبِ
أَلا لَيتَني مِن قَبلَهِ كُنتُ مُفحَماً / وَلَم يَجرِ مِن لَفظي بِهِ خَطُّ كاتِبِ
فَقَد كانَ مِنّي مِثلَ ما قالَ فَلتَةً / وَما اِعتَضتُ مِنهُ غَيرَ عَضِّ الرَواجِبِ
لَئِن كُنتُ لا كُنتُم قَذىً في عُيونكُم / فَإِنّي شِفاءٌ لِلعيونِ الضَوارِبِ
وَإِن كانَ ما نِلتُم عَظيماً لَدَيكُم / فَقَد يَعظُمُ العصفورُ في عَينِ خائِبِ
أَغرَّكُمُ دَهرٌ خَسيسٌ أَحَلَّكُم / مَراتِبَ ما كانَت لَكُم مِن مَراتِبِ
تَظُنّونَها أَهرامَ مِصرَ وَإِنَّها / لَأَوهى بِناءً مِن بيوتِ العَناكِبِ
أَلَيسَ الحَجا آجِرُّها وَبَلاطُهُ / قَذى الماءِ مَطبوخاً بِنارِ الحُباحِبِ
رُوَيداً بَني المُستَفرِماتِ فَغائِبٌ / وَعَدتُكُمُ إِنجازَهُ غَيرُ غائِبِ
فَوا أَسَفاً إِن مِتُّ لَم أوطِ أَرضَكُم / كَتائِبَ خَيلٍ تَهتَدي بِكَتائِبِ
تُريكُم نُجومَ اللَّيلِ ظُهراً إِذا بَدَت / تُكَدِّسُ في لَيلٍ مِنَ النَقعِ ضارِبِ
بِكُلِّ فَتىً أَمضى مِنَ السَّيفِ عَزمُهُ / إِذا اِعتَرَكَت وَالسَّيفُ عَضبُ المَضارِبِ
فَلَستُ اِبنَ أُمِّ المَجدِ إِن لَم تَزركُمُ / مسوَّمَةٌ بَينَ القَنا وَالقَواضِبِ
بِطَعنٍ يُنسّي الكَلبَ مَنكُم هَريرَهُ / وَيَترُكهُ يَضغو ضُغاءَ الثَعالِبِ
وَضَربٍ يَقولُ الأَحمَقُ البَلعُ عِندَهُ / أَلا لَيتَني بِالدّوِّ بَعضُ الأَرانِبِ
قَضى اللَّهُ ما تَستَوجِبونُ فَساقَهُ / إِلَيكُم فَما أَبغي لَكُم غَيرَ واجِبِ
أَشَرياً عَلى الأَدنى وَأَرياً عَلى العِدى / وَذُلّاً لذي صِدقٍ وَعِزّاً لِكاذِبِ
تَعِستُم وَأَدّى اللَّهُ ما في رِقابِكُم / أَما لِإِلَهٍ فيكُم مِن مُراقِبِ
تَجمَّعَ لي عَبدٌ زَنيمٌ وَفاجِرٌ / أَثيمٌ وَأَبّارٌ عَظيمُ النَيارِبِ
وَأَنساهُمُ ما يُعقِبُ الغَيُّ أَهلَهُ / شَقاهُم فَلَمّا يَنظُرُوا في العَواقِبِ
فأَولى لَهُم أَولى أَما إِنَّ خَيرَهُم / نِجاراً وَنَفساً مَن نُمِي لِلمُعائِبِ
وَلَم أَرَ آذى لِاِمرِئٍ مِن جِوارِهم / وَلا سِيَّما حُرٍّ كَريمِ المَناصِبِ
وَدِدتُ وَقَد جاوَرتُهُم أَنَّ مَنزِلي / بِحَيثُ ثَوَت غُبسُ الذِئابِ السَواغِبِ
فَإِنَّ الذِّئابَ الطُّلسَ أَندى أَنامِلاً / وَأَكفى وَأَوفى ذِمَّةً لِلمُصاحِبِ
فَما زالَ ناديهم عَجاجاً وَما لَهُم / رَجاجاً وَواديهُم أُجاجَ المَشارِبِ
أَراهُ الهَوى ما لَم يَكُن في حِسابِهِ
أَراهُ الهَوى ما لَم يَكُن في حِسابِهِ / فَأَقلَقَهُ عَن صَبرِهِ وَاِحتِسابِهِ
وَلا تُؤلِماهُ بِالمَلامِ فَإِنَّهُ / يُثيرُ جَواهُ وَاِترُكاهُ لِما بِهِ
أُعيذُكما مِن وَجدِهِ وَغَرامِهِ / وَلوعاتِهِ يَومَ النَوى واِكتِئابِهِ
فَهل لَكُما أَن تَذهَبا لا شُفِيتُما / لِشأنِكُما أَو تُقصِرا عَن عِتابِهِ
تُريدانِ مِنهُ سَلوَةً وَتَناسِياً / وَصَبراً لَقَد بالغتُما في عَذابِهِ
وَأَنّى لَهُ الصَبرُ الَّذي تَطلُبانِهِ / وَقد ضاعَ يَومَ الحَشرِ مِفتاحُ بابِهِ
سَلا عَنهُ غِزلانُ القُرَيَّةِ أَيُّها / غَدا بِبقايا لُبِّهِ في نهابِهِ
وَقولا لَهُ يا أَحسَنَ السِربِ إِنَّهُ / غَريبٌ فَهل مِن رِقَّةٍ لِاِغتِرابِهِ
وَعَلَّ نَوالاً مِنهُ يَحمي حشاشَةً / يُزَكّي بِهِ عَن حُسنِهِ وَشَبابِهِ
فَإِنَّ زَكاةَ الحُسنِ تَقبيلُ ثَغرِهِ / وَرَشفُ ثَناياهُ وَبَردِ رُضابِهِ
حَلالاً لِأَبناءِ السَبيلِ مُخَصَّصٌ / لَهُم دونَ مَن قَد نَصَّهُ في كِتابِهِ
رَعى اللَّهُ أَيّامَ الشَّبابِ فَإِنَّها / هيَ العُمرُ يا طُولَ الأَسى بِاِستِلابِهِ
وَجادَ ديارَ الحَيِّ مِن أَيمَنِ الحَسا / مُرِبٌّ يُواري الهُضبَ داني رَبابِهِ
كَجودِ اِبنِ مَسعود الفَتى الواهِبِ اللُّها / وَمُخجِلِ مُنهَلِّ الحَيا في اِنسِكابِهِ
همام مِن الوَسميِّ أَغزَرُ ديمَةً / إِذا لَجَّ في تَهتانِهِ وَاِنصِبابِهِ
وَأَمضى مِن الصِّمصامِ عَزماً إِذا غَدا / يَمُجُّ دَماً مِن صَدرِهِ وَذُبابِهِ
وَأَضبطُ جَأَشاً يَومَ يُثني حِفاظَها / بَنو الحَربِ مُبدي لبدِهِ عِندَ بابِهِ
وَأَحلَمُ مِن قَيسٍ إِذا الحِلمُ لَم يُشِن / عُلاهُ وَلَم يُغرِ العِدا بِجنابِهِ
وَأَبلغُ مِن قسٍّ وَسَحبانِ وائِلٍ / إِذا الشَّرُّ أَبدى كَالِحاً جُلَّ نابِهِ
طَويلُ المطا عِندَ النِزالِ كَأَنَّما / دَمُ الفارِسِ المَرهوب أَحلى شَرابِهِ
إِذا مَلكٌ راحَ الحطامَ اِكتِسابُهُ / فَإِنَّ العُلا وَالمَجدَ حَبلُ اِكتِسابِهِ
بَصيرٌ بِمَعنى كُلِّ أَمرٍ كَأَنَّما / تُريهِ خَطاهُ عَينهُ مِن صَوابِهِ
ضروبٌ لِهاماتِ الكُماةِ إِذا اِستَوَت / مِنَ الرُّعبِ آسادُ الشَرى مِن كِلابِهِ
يَهُزُّ حُساماً صارِماً لَو رَمى بِهِ / شَماريخَ رَضوى لاِنزَوى عَن هِضابِهِ
تَضِجُّ حَماليقُ العِدا مِن طعانِهِ / وَتَبكي دَماً هاماتها مِن ضِرابِهِ
إِلى الصِّيدِ مِن نَسلِ العُيونيِّ يَنتَمي / وَأَيُّ نِصابٍ في الوَرى كَنِصابِهِ
إِذا ذُكرَت آباؤُهُ يَومَ مَفخَرٍ / تَضاءا لِمَن يَبغي العُلا بِاِنتِسابِهِ
لَعَمري لَقَد أَحيا مَكارِمَ قَومِهِ / فَحَسبُ معدٍّ سَعيُهُ وَكَفى بِهِ
تَقَبَّلَ فَضلاً ذا العُلا وَمُحَمَّداً / فَما لَهُما مِن بَعدِهِ مِن مُشابِهِ
رَأَيتُ لَهُ فيما رَأيتُ خَلائِفاً / أَلَذَّ وَأَحلى مِن زلالِ ثغابِهِ
فَتىً مالُهُ لِلمُعتَفينَ وَجاهُهُ / لِمُستَضعَفٍ لا يرعَوي لِخطابِهِ
نَماهُ إِلى العَلياءِ فَضلٌ وَعَبدَلٌ / وَلو أَدركاهُ اليَومَ لاِفتَخَرا بِهِ
وَخَيرُ عَقيلٍ كُلِّها حينَ يَنتَمي / خُؤولَتُه بِالصِدقِ لا بِكذابِهِ
وَلا خالَ إِلّا دونَ مَن كانَ جَدُّهُ / سِنانٌ مَحَلُّ الضَيفِ رَحبُ جَنابِهِ
أَقولُ لِعيسى وَالرِّياشِيُّ مُعرِضٌ / وَتِلكَ الرَوابي عُوَّمٌ في سَرابِهِ
إِذا حسَنٌ بَلَّغتِنِيهِ فَأَبشري / بِمَرعىً يَفوقُ المسكَ رَيّا تُرابِهِ
نَظمتُ لَهُ مَدحي وَما جِئتُ طالِباً / نَداهُ وَلا مُستَمطِراً مِن سَحابِهِ
وَلَكِن هَزّتني لِذاكَ اِرتِياحَةٌ / وَعُجتُ لِمَحمودِ الثَنا مُستَطابِهِ
عَلى أَنَّهُ البَحرُ الَّذي لا مَذاقُهُ / أُجاجٌ وَلا يَجري القَذا مِن عُبابِهِ
لِأَنَّ عُبابي دَفقَةٌ مِن عُبابِهِ / وَهَضبَةُ عِزّي تَلعَةٌ مِن هِضابِهِ
وَآباؤُهُ الغُرُّ الكِرامُ أُبُوَّتي / وَآسادُ غابي مِن رَآبيلِ غابِهِ
وَلَيسَ يَليقُ المَدحُ إِلّا بِسَيِّدٍ / مُهينٍ لِغالي مالِهِ مِن طِلابِهِ
إِذا قالَ فيهِ مادِحٌ قالَ سامِعٌ / صَدَقتَ وَلَم يَصدُق فَتىً بِاِغتِيابِهِ
كَمِثلِ اِبنِ مَسعودٍ وَهَيهاتَ مِثلُهُ / إِلى حَيثُ يَدعو الخَلقَ داعي حِسابِهِ
فَحازَ الَّذي يَرجو جَميلَ ثَوابِهِ / وَيَخشى مَدى الدُنيا أَليمَ عِقابِهِ
فَلا زالَتِ الأَعداءُ قَتلى سُيوفِهِ / وَأَقلامِهِ في أَرضِها وَحِرابِهِ
وَعَزَّ بهِ الدّينُ الحَنيفُ وَحَلَّلَت / مَحارِمُ دارِ الشِركِ حُمرُ قِبابِهِ
وَلا بَرِحَت عَينُ الإِلَهِ تَحُوطُهُ / وَتَحفَظُهُ في مُكثِهِ وَذَهابِهِ
أُعيذُكَ أَن تَسمو إِلَيكَ الحَوادِثُ
أُعيذُكَ أَن تَسمو إِلَيكَ الحَوادِثُ / وَأَن تَتَغشّاكَ الخُطوبُ الكَوارِثُ
سَليلَ العُلى لا زِلتَ في ظِلِّ نِعمَةٍ / لَكَ المَجدُ ثانٍ وَالسَلامَةُ ثالِثُ
وَجُزتَ المَدى في خَفضِ عَيشٍ وَعِزَّةٍ / يَدينُ لَها سامٍ وَحامٍ وَيافِثُ
وَلا زالَتِ الأَقدارُ تَجري مُطيعَةً / لِأَمرِكَ حَتّى يَبعَثَ الخَلقَ باعِثُ
وَسالَمَتِ الأَيّامُ نادِيَكَ الَّذي / بِهِ كُلَّ مَجدٍ مُجمَعِ الأَمرِ لابِثُ
لَعَمري لَقَد أَشبَهتَ فَضلاً وَسُؤدَداً / أَباكَ عَلِيّاً حينَ تَبدو النَكائِثُ
وَأُقسِمُ ما ماتَت سَجاياهُ في العُلى / وَأَنتَ لَها يا اِبنَ المَيامينِ وارِثُ
لَكَ الكَرَمُ الغَمرُ الَّذي يُحدِثُ الغِنى / وَغَيرُكَ يلوي في النَّدى وَيُماغِثُ
عَفَفتَ وَجانَبتَ الأَذى غَيرَ عاجِزٍ / وَقَد مَلَأَت كُلَّ البِلادِ الهَثاهِثُ
فَتىً نَبَوِيُّ الطَبعِ لا تَستَخِفُّهُ ال / مَثاني إِذا ما حُرِّكَت وَالمَثالِثُ
إِذا الخَمرُ أَفنى عَيثُها مالَ باخِلٍ / فَإِنَّ نَداهُ الغَمرَ في المالِ عائِثُ
وَإِن عَبَثَت أَيدي اللَيالي بِسَيِّدٍ / فَإِنَّ يَدَيهِ بِاللَيالي عَوابِثُ
جَرى وَجَرَت أَهلُ العُلى فَأَتى المَدى / جُموحاً وَأَقعى كَلبهُم وَهو لاهِثُ
فَقُل لِمُبارِيهِ رُوَيدَكَ فَاِتّئد / مَتى صَحِبَت شُهبَ البُزاةِ الأَباغِثُ
مَتى يَجرِ خَلفَ الأَعوَجِيِّ اِبنُ كَودَنٍ / فَيا قُربَ ما تَحثو عَلَيهِ الكَثاكِثُ
فَلو أَنَّ قُسّاً في الفَصاحَةِ رامَهُ / لَأَكدى وَلاِنهارَت عَلَيهِ المَباحِثُ
يُقِرُّ لَهُ في الجودِ كَعبٌ وَحاتِمٌ / وَفي الحِلمِ وَالإِقدامِ قَيسٌ وَحارِثُ
إِذا لاثَ يَوماً حَبوَةً فَكَأَنَّهُ / عَلى الطودِ مِن أَعلى أَبانينَ لائِثِ
لَهُ العَطَنُ الرَّحبُ الَّذي لَم تَزَل بِهِ / رِكابُ الأماني وَالرِياض الأَثائِثُ
يُنادي إِلَيهِ الراغِبينَ سَماحُهُ / وَأَخلاقُهُ الغُرُّ الحِسانُ الدَمائِثُ
إِذا ما دَعاهُ الرّاغِبونَ لِحاجَةٍ / فَلا الصَوتُ مَحجوبٌ وَلا الجودُ رائِثُ
هُوَ الغَيثُ لَكن طَلُّهُ وَرَذاذهُ / يَغصُّ بِهِ قُريانُهُ وَالمدالِثُ
كَريمُ الثَنا لا العِرضُ مِنهُ رَدِيَّةٌ / تُصابُ وَلا زِندُ النَدى مِنهُ غالِثُ
هُمامٌ مَتى تَقصِدهُ تَقصِد مُيَمّماً / جَواداً عَلى عِلّاتِهِ لا يُمالِثُ
جَزى اللَّهُ تاجَ الدّينِ خَيراً فَإِنَّهُ / بِهِ تُدفَعُ الجُلّى وَتُكفى الهَنابِثُ
فِدىً لأَبي زَيدٍ رِجالٌ قُلوبُهُم / عَنِ الخَيرِ غُلفٌ وَالحبالُ رَثائِثُ
لَهُم أَلسُنٌ سُمجٌ وَأَيدٍ لَئِيمَةٌ / وَأَندِيَةٌ زُعرٌ وَمالٌ جُثاجِثُ
وَإِنَّ العُروقَ الطَّيّباتِ فُروعُها / نَوامٍ وَلا تَنمو العُروقُ الخَبائِثُ
فَتىً لا يُباري جارَهُ جارُ غَيرِهِ / وَهَل يَستوي عَيمانُ قَومٍ وَآبِثُ
فَتىً لَم تَزَل أَخلاقُهُ وخِلالُهُ / عَلى حَمدِهِ في كُلِّ يَومٍ بَواعِثُ
فَقُل لِلَّذي آلى يَميناً لَقَد رَأى / لَهُ ثانياً كَفِّر فَإِنَّكَ حانِثُ
لِيَهنِكَ عِيدٌ أَنتَ أَحلى شَمائِلاً / وَأَحسَنُ مِنهُ إِن تَنَكَّرَ حادِثُ
وَعِشتُ حَميداً أَلفَ عيدٍ مُجَدَّدٍ / تَلوثُ بِعَلياكَ الرِّجالُ الملاوِثُ
فَدُونَكَها يا اِبنَ النَّبيِّ غَريبَةً / تُخَبِّرُ أَنَّ العائِبيها هَلابِثُ
جَمَعتُ بِها سِحرَ الكَلامِ الَّذي اِختَفى / قَديماً فَلَم يَنفُث بِهِ قَبلُ نافِثُ
أَرَتها المَآقي ما تُكِنُّ الجَوانِحُ
أَرَتها المَآقي ما تُكِنُّ الجَوانِحُ / فَبُح فالمُعَنّى بِالصَّبابَةِ بائِحُ
وَخُذ حَظَّكَ الأَوفى مِن اللَهوِ وَالصِّبا / وَغصنُكَ رَيّانٌ وَطَرفُكَ جامِحُ
وَبادِر إِلى اللَّذّاتِ مِن قَبلِ حِليَةٍ / تَصُدُّ لَها عَنكَ العُيونُ اللَوامِحُ
أَلَم تَرَ أَنَّ المُهرَ زَينٌ عُرامُهُ / وَيَسمُجُ مِنهُ ذاكُمُ وَهوَ قارِحُ
فَكَم تَستُرُ الشَوقَ الَّذي خامَرَ الحَشا / وَدَمعُ المَآقي لِلمُحِبِّينَ فاضِحُ
فَيا عَرَصاتِ الدارِ مِن حَيثُ تَلتَقي / شَقائِقُ أَجزاعِ اللِّوى وَالأَباطِحُ
سَقاكُنَّ مِن نَوءِ السِّماكَينِ عارِضٌ / مِنَ المُزنِ مَحلولُ النِطاقَينِ دالحٌ
مُلِثٌّ يَظَلُّ الجَأبُ في عُنفُوانِهِ / عَلى النَّشزِ وَهوَ السَّحسَحُ المُتَمايِحُ
كَمُستَرعِفٍ أَحذى وَدَنَّحَ بَعدَما / غَدا طَلقاً وَاِستَبدَهَتهُ المَطاوِحُ
وَتُمسي الرِّعانُ القُودُ فيهِ كَأَنَّها / يَعاليلُ في آذيِّ بَحرٍ طَوافِحُ
لِتَروي مَغانيكَ الَّتي لَم تَزَل بِها / عَلَينا مِن النَعماءِ غادٍ وَرائِحُ
وَقائِلَةٍ شِبهَ المَلامِ وَراعَها / بَياضُ مَشيبٍ جَلَّلتهُ المَسائِحُ
أَبَعدَ اِشتِعالِ الرَّأسِ شَيباً تَعَرُّضٌ / لِوَصلِ الحِسانِ البيضِ أَم أَنتَ مازِحُ
فَقُلتُ أَلَيسَ الصُبحُ أَحسَنَ مَنظَراً / وَأَبهى مِن الظَلماءِ وَاللَيلُ جانِحُ
فَمالَت لِهَزلِ القَولِ ثُمَّ تَضاحَكَت / وَقالَت لِهَذا فَلتَنُحكَ النَوائِحُ
إِذا كانَ شَيبُ الرَأسِ مِمّا يَزينُهُ / فَيا حُسنَ ثَغرٍ سَوَّدَتهُ القَوادِحُ
وَما شِبتُ مِن سِنٍّ مَضَت بَل أَشابَني / صُروفُ اللَيالي وَالخُطوبُ الفَوادِحُ
لِعِشرينَ لاحَ الشَّيبُ فِيَّ وَأَوجَفَت / عَلَيَّ خُيولُ المُرزِئاتِ الضَوابِحُ
وَلاقَيتُ في أَبناءِ عَمّي وَمعشري / ذآليلَ لا يَرقى إِلَيها المُجالِحُ
وَكَم صاحِبٍ وارَيتُ في الكَشحِ وُدَّهُ / تَبَيَّنَ لي مِنهُ عَدُوٌّ مُكاشِحُ
جَزى اللَّهُ إِخوانَ اللَّيالي مَلامَةً / وَحاسَبَها حُسبانَ مَن لا يُسامِحُ
وَعاقبَ دَهراً كُلَّما قُلتُ يَرعَوِي / نَزى وَرمَتني مِنهُ رُوقٌ نَواطِحُ
خَليلَيَّ ما آضَ اِعتِزامي وَلا نضا / غَرامي وَلا ضاقَت عَلَيَّ المَنادِحُ
وَلا فَلَّ صَبري ما لَقيتُ وَإِنَّني / لَأَلوي عَلى اللّأواءِ جَلدٌ مُكافِحُ
وَلَكِنَّ إِنفاقي عَلى الصَبرِ ما بَقي / مِنَ العُمرِ خُسرانٌ بِهِ الغبنُ لائِحُ
فَقوما ففي عُرضِ البَسيطَةِ مُنتَأىً / ومُتَّدَعٌ عَن مَوضِعِ الذُلِّ نازِحُ
فَللحُرِّ عَن دارِ الهَوانِ مَراغِمٌ / وَذو سَفهٍ إِن شُجَّ بِالدارِ آنِحُ
وَما كُلُّ دارٍ شِمتُها دارُ شِقوَةٍ / يباكِرُ مَن فيها الأَذى وَيُراوِحُ
وَفي تَعَبِ الأَعضاءِ لِلقلبِ راحَةٌ / وَلا تَصلُحُ الأَعضاءُ وَالقَلبُ رازِحُ
فَإِن غاضَ في أَرضي الوَفاءُ وَقُطِّعَت / أَواصِرُ ذي القُربى وَعزَّ المُناصِحُ
فَفي شاطِئِ الزَوراءِ نُصحٌ يَمُدُّهُ / وَفاءٌ تَهاداهُ العُقودُ الصَحائِحُ
وَعَدلٌ تَساوى فيهِ سامٌ وَيافِثٌ / يَقومُ بِهِ نُورٌ مِنَ الحَقِّ واضِحُ
إِمامُ هُدىً بَطحاءُ مَكَّةَ مَولِدٌ / لآبائِهِ الشُمِّ الذُرى لا البَطائِحُ
فَتىً حَلَّ مِن عَليا لُؤَيِّ بن غالِبٍ / مَحلّاً بِهِ لا يَعلَقُ الطَرف لامِحُ
مِنَ النَفَرِ الغُرِّ الأُلى عُرِفَت لَهُم / خِفافُ المَذاكي وَالحُلومُ الرَواجِحُ
هُمُ الناسُ لا مُستَنبِطُ الخَيرِ خاسِرٌ / لَدَيهِم وَلا مُستَنبِطُ الشَرِّ رابِحُ
بِتَقديمهِم جاءَ الكِتابُ وَلَم يَكُن / يِجيءُ بِما لا تَقتَضيهِ المَصالِحُ
وَحَسبُكَ عِلمُ اللَّهِ فيهم فَإِنَّهُ / دَليلٌ على ما يَدَّعي الخَصمُ واضِحُ
أَبوهم بِهِ اِستَسقَت قُرَيشٌ فَجادَها / حَياً فَهَفَت بِالسَيلِ مِنهُ الأباطِحُ
وَيَومَ حُنَينٍ أَسلَمَتهُ وَأَمعَنَت / فِراراً عَنِ المُختارِ وَالمَوتُ كالِحُ
فَطاعَنَ بِالخَطّيِّ إِذ لا مُطاعِنٌ / وَكافحَ بِالهِندِيِّ إِذ لا مُكافِحُ
وَمَن يَكُنِ العَبّاسُ أَصلاً لِفَرعِهِ / فَما فَرعُهُ غشٌّ وَلا الظِلُّ ماصِحُ
لَنا فيهِ شِركٌ يا رَبيعَةُ وافِرٌ / بِضَحيانِنا نَسمُو بِهِ وَنُناضِحُ
وَما عامِرُ الضَحيانُ حينَ تَعُدُّهُ / رَبيعَةُ إِلّا كَبشُها إِذ تُناطِحُ
يَقولونَ لي هَلّا اِمتَدَحتَ مَعاشِراً / لَهُم أَوجُهٌ غُرٌّ وَأَيدٍ مَوائِحُ
فَقُلتُ وَقَد فاضَت مِنَ العَينِ عَبرَتي / ذَروني فَلي طَرفٌ عَنِ الناسِ طامِحُ
فَلولا أَميرُ المُؤمِنينَ وَذِكرُهُ / لَما قَطَعَت بي البِيدَ هُوجٌ مَشانِحُ
وَلا خُضتُ أَمواجَ البِحارِ كَأَنَّها / جِبالٌ تَرامى بِي جَنوبٌ وَبارِحُ
هُوَ البَحرُ وَالنّاسُ الَّذينَ تَرونَهُم / سَواقٍ طَمَت مِن فَيضِهِ وَهوَ طافِحُ
يَجودُ ذوو الإِفضالِ مِن فَيضِ جُودِهِ / فَيَعلو لَهُم شَأنٌ وَيَكثُرُ مادِحُ
أَأَترُكُ مَدَّ النِّيلِ فاضَ وَأَبتَغي / فَراشاً تُعَفّي ماءَهُنَّ البَوارِحُ
وَإِنَّ اِمرءاً شَطُّ الفُراتِ تِجاهَهُ / وَيَطلُبُ أَمواهَ الرَكايا لَقامِحُ
وَإِنّيَ إِن أَسدَيتُ مَدحاً لِغَيرِهِ / جَديرٌ بِأَن تَنسَدَّ عَنّي المَناجِحُ
هُوَ الناصِرُ بنُ المُستَضيء وَقِدحُهُ ال / مُعَلّى وَما في عُودِهِ الصُلبِ قادِحُ
سَمِيُّ النَبيِّ المُصطَفى وَاِبنُ عَمِّهِ / وَأَكرَمُ مَن ضَمَّت مِنىً وَالأَباطِحُ
مُحَيّاهُ صُبحٌ لِلهُدى وَبَنانُهُ / بِحارٌ غِزارٌ للِنّدى لا ضَخاضخُ
إِذا الشَتوَةُ الشَهباءُ هَبَّت رياحُها / بِلَيلٍ وَلَذَّت بِالأَكُفِّ الوَحاوِحُ
وَأَلقَت عَقامٌ بَركَها وَتَتابَعَت / حُسوماً عَلى المالِ السِّنونُ الجَوائِحُ
وَأَضحى بِها المَجدوحُ قوتاً وَأَصبَحَت / سَواءً عَلى الضَيفِ القِرى والقَوارِحُ
وَلَم يَبقَ يَلقَ الطارِقينَ بِوَجهِهِ / مِنَ الضُرِّ إِلّا مُقدَحرٌّ مُكاوِحُ
فَثَمَّ لِمُمتاحي النَّدى بِفنائِهِ / مَراحٌ إِلى آمالِهِم وَمَسارِحُ
صَفوحٌ عَن الجاني فَإِن لَجَّ لَم يَكُن / بِأَسرَعَ مِمّا تَعتَليهِ الصَفائِحُ
إِمامَتهُ الحَقُّ اليَقينُ وَغَيرُها / إِذا ما اِستُبينَت تُرَّهاتٌ صَحاصِحُ
خَليفَةُ صِدقٍ مِن سُلالَةِ مَعشَرٍ / نَجا بِهِمُ نوحٌ وَهودٌ وَصالِحُ
تُرى زُمَرُ الأَملاكِ وَسطَ بُيوتِهِم / تُحيّيهمُ حيناً وَحيناً تُصافِحُ
وَمَهبِطُ وَحيِ اللَهِ فيهم وَرُسلُهُ / غَوادٍ عَلَيهم ما بَقوا وَرَوائِحُ
إِلَيكَ رَمت بي عَزمَةٌ لَم أَجد لَها / سِواكَ وَهَمٌّ لَم تَسَعهُ الجَوانِحُ
وَمَن كُنتَ يا اِبنَ المُستَضِيءِ مآلَهُ / رَجاهُ وَحاشاهُ مُحِبٌّ وَكاشِحُ
فَعِش وَاِبقَ لِلإِسلامِ ما ذَرَّ شارِقٌ / وَما سَجَعَت بِالبانِ وُرقٌ صَوادِحُ
غَداً نَغتَدي لِلبَينِ أَو نَتَروَّحُ
غَداً نَغتَدي لِلبَينِ أَو نَتَروَّحُ / وَعِندَ النَوى يَبدُو الغَرامُ المُبرِّحُ
غَداً تُقفِرُ الأَطلالُ مِمَّن نَوَدُّهُ / وَيُمسي غُرابُ البَينِ فيها وَيُصبِحُ
غَداً تَذهَبُ الأَظعانُ يُمنى وَيَسرَةً / وَيَحدو تَواليها نَجاحٌ وَمُنجِحُ
فَيا باكياً قَبلَ النَوى خَشيَةَ النَوى / رُوَيداً بِعَينٍ جَفنُها سَوفَ يَقرَحُ
وَلا تَعجَلَن وَاِستَبقِ دَمعَكَ إِنَّني / رَأَيتُ السَّحابَ الجَونَ بِالقَطرِ يَنزَحُ
إِذا كُنتَ تَبكي وَالأَحِبَّةِ لَم يَرِد / ببَينهمُ إِلّا حَديثٌ مُطوَّحُ
فَكَيفَ إِذا ما أَصبَحَت عَينُ مالِكٍ / وَحَبلُ الغَضا مِن دونِهم وَالمَسيَّحُ
فَكُفَّ شُؤونَ الدَمعِ حَتّى تَحُثُّها / غَداً ثُمَّ تَهمي كَيفَ شاءَت وَتَسفَحُ
خَليليَّ هُبّا مِن كَرى النَّومِ وَاِنظُرا / مَخائِلَ هَذا البَرقِ مِن حَيثُ يَلمَحُ
لَقَد كِدتُ مِمّا كادَ أَن يَستَفِزَّني / أَبوحُ بِسِرّي في الهَوى وَأُصرِّحُ
ذَكَرتُ بِهِ ثَغرَ الحَبيبِ وَحُسنَهُ / إِذا ما تَجَلّى ضاحِكاً وَهوَ يَمرَحُ
وَيا حَبّذا ذاكَ الجَبينُ الَّذي غَدا / يَلوحُ عَلَيهِ الزَعفَرانُ المُذَرَّحُ
فَكَم لَيلَةٍ قَد كادَ يَخطِفُ ناظِري / وَنَحنُ بِميدانِ الدُعابَةِ نَمرَحُ
إِلى مَ اِنتِظاري أَنجُمَ النَحسِ وَالسَعدِ
إِلى مَ اِنتِظاري أَنجُمَ النَحسِ وَالسَعدِ / وَحَتّامَ صَمتي لا أُعيدُ وَلا أُبدي
لَقَد مَلَّ جَنبي مَضجَعي مِن إِقامَتي / وَمَلَّ حُسامي مِن مُجاوَرَةِ الغِمدِ
وَلَجَّ نَجيبي في الحَنينِ تَشَوُّقاً / إِلى الرَحلِ وَالأَنساعِ وَالبِيدِ وَالوَخدِ
وَأَقبلَ بِالتِصهالِ مُهري يَقولُ لِي / أَأَبقى كَذا لا في طِرادٍ وَلا طَردِ
لَقد طالَ إِغضائي جُفوني عَلى القَذى / وَطالَ اِمتِرائي الدُرَّ مِن بُحُرٍ جُدِّ
عذولَيَّ جُوزا بي فَلَيسَ عَلَيكُما / غَوايَ الَّذي أَغوى وَلا لَكُما رُشدي
أَجِدَّكُما لا أَبرَحُ الدَهرَ تابِعاً / وَعِندي مِن العَزمِ الهُمامِيِّ ما عِندي
أَمِثليَ مَن يُعطي مَقاليدَ أَمرِهِ / وَيَرضى بِأَن يُجدى عَلَيهِ وَلا يُجدي
إِذا لَم تَلِدني حاصِنٌ وائِليَّةٌ / مُقابَلَةُ الآباءِ مُنجِبَةُ الوُلدِ
خُؤولَتُها لِلحَوفَزانِ وَتَنتَمي / إِلى المَلِكِ الوَهّابِ مَسلَمَةَ الجَعدِ
يَظُنُّ نُحولي ذو السَّفاهَةِ وَالغَبا / غَراماً بِهِندٍ وَاِشتِياقاً إِلى دَعدِ
وَلَم يَدرِ أَنّي ماجِدٌ شَفَّ جِسمهُ / لِقاءُ هُمومٍ خَيلُها أَبَداً تُردي
قَليلُ الكَرى ماضٍ عَلى الهَولِ مُقدِمٌ / عَلى اللَّيلِ وَالبَيداءِ وَالحَرِّ وَالبَردِ
عَدِمتُ فُؤاداً لا يَبيتُ وَهمُّهُ / كِرامُ المَساعي وَاِرتِقاءٌ إِلى المَجدِ
لعَمري ما دَعدٌ بِهَمّي وَإِن دَنَت / وَلا لِي بِهِندٍ مِن غَرامٍ وَلا وَجدِ
وَلَكِنَّ وَجدي بِالعُلا وَصَبابتي / لعارِفَةٍ أسدي وَمَكرُمَةٍ أجدي
إِلى كَم تَقاضاني العُلا ما وَعَدتُها / وَغَيرُ رِضاً إِنجازُكَ الوَعدَ بِالوَعدِ
وَكَم أَندُبُ المَوتى وَأَستَرشِحُ الصَّفا / وَأَستَنهِضُ الزَمنى وَأَعتانُ بِالرُمدِ
وَأَمنَحُ سَعيي وَالمَوَدَّةَ مَعشَراً / أَحَقُّ بِمَقتٍ مِن سُواعٍ وَمن ودِّ
إِلى اللَّهِ أَشكو عَثرَةً لَو تُدُورِكَت / بِتَمزيقِ جِلدي ما أَسِفتُ عَلى جِلدي
مَديحي رِجالاً بَعضهُم أَتَّقي بِهِ / أَذاهُ وَبَعضاً لِلمُراعاةِ وَالوُدِّ
فَلا الوُدُّ كافي ذا وَلا ذا كَفى الأَذى / وَلا نَظَروا في بابِ ذَمٍّ وَلا حَمدِ
فَكَيفَ بِهِم لَو جِئتُهُم مُتَشَكّياً / خَصاصَةَ أَيّامي وَسمتُهُمُ رِفدي
فَكُنتُ وَإِهدائي المَديحَ إِلَيهِمُ / كَغابِطِ أَذنابِ المُهَلَّبَةِ العُقدِ
وَقائِلَةٍ هَوِّن عَلَيكَ فَإِنَّها / متاعٌ قَليلٌ وَالسَلامَةُ في الزُهدِ
فَإِن عَلَتِ الرُوسَ الذُنابى لِسَكرَةٍ / مِنَ الدَهرِ فَاِصبِر فَهوَ سُكرٌ إِلى حَدِّ
فَقَد تَملِكُ الأُنثى وَقَد يلثمُ الحَصى / وَيُتَّبَعُ الأَغوى وَيُسجَد لِلقِردِ
وَيَعلو عَلى البَحرِ الغُثاءُ وَيَلتَقي / عَلى الدُرِّ أَمواجٌ تَزيدُ عَلى العَدِّ
وَكَم سَيِّدٍ أَمسى يُكَفِّرُ طاعَةً / لِأَسوَدَ لا يُرجى لِشُكمٍ وَلا شُكدِ
وَلا بُدَّ هَذا الدَهر مِن صَحوِ ساعَةٍ / يَبينُ لَنا فيها الضَلالُ مِن القَصدِ
فَقُلتُ لَها عَنّي إِلَيكِ فَقَلَّما / يَعيشُ الفَتى حَتّى يُوَسَّدَ في اللَحدِ
أَبى اللَّهُ لي وَالسُؤدَدانِ بِأَن أُرى / بِأَرضٍ بِها تَعدو الكِلابُ عَلى الأُسدِ
أَلَم تَعلَمي أَنَّ العُتوَّ نَباهَةٌ / وَأَنَّ الرِّضا بِالذُلِّ مِن شِيمَةِ الوَغدِ
وَأَنَّ مُداراةَ العَدُوِّ مَهانَةٌ / إِذا لَم يَكُن مِن سَكرَةِ المَوتِ مِن بُدِّ
أَأَرضى بِما يُرضي الدَّنِيَّ وَصارِمي / حُسامٌ وَعَزمي عَزمُ ذِي لِبدَةٍ وَردِ
سَأَمضي عَلى الأَيّامِ عَزمَ اِبنَ حُرَّةٍ / يُفَدّى بِآباءِ الرِّجالِ وَلا يُفدي
فَإِن أُدرِكِ الأَمرَ الَّذي أَنا طالِبٌ / فَيا جَدَّ مُستَجدٍ وَيا سَعدَ مُستَعدِ
وَإِن أُختَرم مِن دونِ ما أَنا آمِلٌ / فَيا خَيبَةَ الراجي وَيا ضَيعَةَ الوَفدِ
وَإِنّيَ مِن قَومٍ يَبينُ بِطِفلِهم / لِذي الحَدسِ عُنوانُ السِّيادَةِ في المَهدِ
فَإِن لَم يَكُن لي ناصِرٌ مِن بَني أَبي / فَحَزمي وَعَزمي يُغنِياني عَنِ الحَشدِ
وَإِن يُدرِكِ العَليا هُمامٌ بِقَومِهِ / فَنَفسي تُناجيني بِإِدراكِها وَحدي
وَإِنّي لَبَدرٌ ريعَ بِالنَقصِ فَاِستَوى / كَمالاً وَبَحرٌ يُعقِبُ الجَزرَ بِالمَدِّ
إِذا رَجَّفَت دارَ العَدُوِّ مَخافَتي / فَلا تَسأَلاني عَن سَعيدٍ وَلا سَعدِ
فَآهٍ لِقَومي يَومَ أُصبِحُ ثاوِياً / عَلى ماجِدٍ يُحيي مَكارِمَهُم بَعدي
وَإِنّيَ في قَومي كَعَمرِو بنِ عامِرٍ / لَياليَ يُعصى في قَبائِلِهِ الأَزدِ
أَراهُم أَماراتِ الخَرابِ وَما بَدا / مِنَ الجُرَذِ العَيّاثِ في صَخرِها الصَّلدِ
فَلَم يَرعووا مَع ما لَقوا فَتَمَزَّقوا / أَيادي سَبا في الغَورِ مِنها وَفي النَجدِ
وَكَم جُرَذٍ في أَرضِنا تَقلَعُ الصَّفا / وَتقذفُ بِالشُمِّ الرِعانِ عَلى الصَمدِ
خَليليَّ ما دارُ المَذَلَّةِ فَاِعلَما / بِداري وَلا مِن ماءِ أَعدادِها وِردي
وَلا لِيَ في أَن أَصحَبَ النَذلَ حاجَةٌ / لِصِحَّةِ عِلمي أَنَّهُ جَرِبٌ يُعدي
أَيَذهَبُ عُمري ضَلَّةً في مَعاشِرٍ / مَشائِيمَ لا تُهدى لِخَيرٍ وَلا تَهدي
سُهادُهُمُ فيما يَسوءُ صَديقَهُم / وَأَنوَمُ عَن غَمِّ العَدُوِّ مِنَ الفَهدِ
إِذا وَعَدوا الأَعداءَ خَيراً وَفَوا بِهِ / وَفاءَ طَعامِ الهِندِ بِالنّذرِ لِلّبدِ
وَشَرُّهُمُ حَقُّ الصَديقِ فَإِن هَذَوا / بِخَيرٍ لَهُ فَليَنتَظِر فَتحَةَ السَدِّ
سَتَعلَمُ هِندٌ أَنَّني خَيرُ قَومِها / وَأَنّي الفَتى المَرجُوُّ لِلحَلِّ وَالعَقدِ
وَأَنّي إِذا ما جَلَّ خَطبٌ وَرَدتُهُ / بِعَزمَةِ ذي جِدٍّ وَإِقدامِ ذي جَدِّ
وَأَنَّ أَيادي القَومِ أَبسَطُها يَدي / وَإِنَّ زِنادَ الحَيِّ أَثقَبُها زَندي
وَأَنّي مَتى يُدعى إِلى البَأسِ وَالنَدى / فَأَحضَرُها نَصري وَأَجزَلُها وردي
وَأَنَّ كِرامَ القَومِ لا نُهُزَ العِدى / لَيُوجِعُها عَتبي وَيُؤلِمُها فَقدي
تَجافَ عَنِ العُتبى فَما الذَنبُ واحِدُ
تَجافَ عَنِ العُتبى فَما الذَنبُ واحِدُ / وهَبِ لِصُروفِ الدَهرِ ما أَنتَ واجِدُ
إِذا خانَكَ الأَدنى الَّذي أَنتَ حِزبُهُ / فَلا عَجَباً إِن أَسلَمَتكَ الأَباعِدُ
وَلا تَشكُ أَحداثَ اللَيالي إِلى اِمرئٍ / فَذا الناسُ إِمّا حاسِدٌ أَو مُعانِدُ
وَعَدِّ عَنِ الماءِ الَّذي لَيسَ وِردُهُ / بِصافٍ فَما تَعمى عَلَيكَ المَوارِدُ
وَكَم مَنهَلٍ طامي النَواحي وَرَدتُهُ / عَلى ظَمأٍ وَاِنصَعتُ وَالريقُ جامِدُ
فَلا تَحسَبنَ كُلَّ المِياهِ شَريعَةً / يُبَلَّ الصَدى مِنها وَتوكى المَزاوِدُ
فَكَم ماتَ في البَحرِ المُحيطِ أَخو ظَماً / بِغُلَّتِهِ وَالمَوجُ جارٍ وَراكِدُ
وَإِن وَطَنٌ ساءَتكَ أَخلاقُ أَهلِهِ / فَدَعهُ فَما يُغضي عَلى النَقصِ ماجِدُ
فَما هَجَرٌ أَمٌّ غَذَتكَ لِبانُها / وَلا الخَطُّ إِذ فارَقتَها لَكَ والِدُ
وَقَد رُبَّما يَجزي عَلى الصَدِّ وَالقِلى / أَبٌ وَأَخٌ وَالمَرءُ مِمَّن يُساعِدُ
فَبُتَّ حِبالَ الوَصلِ مِمَّن تَوَدُّهُ / إِذا لَم يَرِد كُلَّ الَّذي أَنتَ وارِدُ
وَقُل لِلَّيالي كَيفَ ما شِئتِ فَاِصنَعي / فَإِنَّ عَلى الأَقدارِ تَأتي المكائِدُ
وَلا تَرهَب الخَطبَ الجَليلَ لِهَولِهِ / فَطعمُ المَنايا كَيفَ ما ذُقتَ واحِدُ
نَدِمتُ عَلى مَدحي رِجالاً وَسَرَّني / بِأَن ضَمَّنَتني قَبلَ ذاكَ المَلاحِدُ
وَحُقَّ لِمِثلي أَن يَموتَ نَدامَةً / إِذا أُنشِدَت في الناسِ تِلكَ القَصائِدِ
أَلا لَيتَ شِعري هَل أُجالِسُ فتيَةً / نَماها إِلى العَلياءِ قَيسٌ وَخالِدُ
وَهَل تَصحَبَنّي مِن شُرَيكٍ عِصابَةٌ / لَها طارِفٌ في كُلِّ مَجدٍ وَتالِدُ
عَراعِرُ لَم تَحلل ديارَ اِبنِ مُنذِرٍ / فَتُلقى إِلى الأَعداءِ مِنها المَقالِدُ
مَصاليتُ مَضّاؤونَ قِدماً إِلى الوَغى / بِعَزمٍ وَخَيلاها طَريدٌ وَطارِدُ
هُمُ الناسُ لا يَدري الخَنا أَينَ دارُهُم / وَلا عَرَفَت جيرانُهُم ما الشَدائِدُ
تُفَرِّقُ أَيدي الجُودِ ما في بُيوتِهِم / وَتَجمَعُ فيها السائِراتُ الشَوارِدُ
عَطاؤُهُمُ الراجي أُلوفٌ وَغَيرُهُم / إِذا جادَ فَالإِعطاءُ مِنهُ مَواعِدُ
مَناجيبُ لا حيلانُ يُعزى إِلَيهمُ / وَلا عُدَّ فيهم ذُو كِتابٍ مُعانِدُ
أُولَئِكَ إِخواني وَرَهطي وَأُسرَتي / وَقَومي إِذا ما اِستَنهَضَتني الحَقائِدُ
فَإِن ساءَني مِنهُم عَلى القُربِ مَعشَرٌ / وَأَصبَحَ مِن تِلقائِهِم ما أُكابِدُ
فَقَد باعَتِ الأَسباطُ قَبلي أَخاهُمُ / بِبَخسٍ وَكُلٌّ مِنهُمُ فيهِ زاهِدُ
وَقَد يُخطِئُ الرَّأيَ السَديدَ ذَوو النُهى / مِراراً وَتَنبو الباتِراتُ البَوارِدُ
فَيا ذا العُلى كَم ذا التَجَنّي عَلى القِلى / وَفي العَزمِ حادٍ لِلمَطايا وَقائِدُ
فَقُم نَحصدِ الأَعمارَ أَو نَبلُغ المُنى / بِجِدٍّ فِللأَعمارِ لا بُدَّ حاصِدُ
فَلَيسَ بِصَعّادٍ إِلى المَجدِ عاجِزٌ / نَؤُومٌ تُناديهِ العُلى وَهوَ راقِدُ
وَفي السَعيِ عُذرٌ لِلفَتى لَو تَعَذَّرَت / عَلَيهِ المَساعي أَو جَفَتهُ المَقاصِدُ
خَليليّ كَم أَطوي اللَّيالي وَعَزمَتي / تنَوِّلُني الجَوزاءَ وَالجَدُّ قاعِدُ
وَكَم ذا أُناجي هِمَّةً دونَ هَمّها / نُجومُ الثُرَيّا وَالسُهى وَالفَراقِدُ
وَيُقعِدُني عَمّا أُحاوِلُ نَكبةٌ / جَرَت وَزَمانٌ عاثِرُ الجَدِّ فاسِدُ
وَإِخوانُ سُوءٍ إِن أَلَمَّت مُلِمَّةٌ / بِسوءٍ فَهُم أُسّاسُها وَالقَواعِدُ
يُسِرّونَ لي ما لا أُسِرُّ فَكُلُّهُم / عَلى ذاكَ شَيطانٌ مِنَ الجِنِّ مارِدُ
لَقَد بَذَلُوا المَجهودَ فيما يَسوءُني / وَقَد كُنتُ أَرمي دونَهُم وَأُجالِدُ
فَيا لَيتَ أَنّي حالَ بَيني وَبَينَهُم / جُذامٌ وَخَولانُ بنُ عَمرٍو وَغامِدُ
وَصَفَّدَ أَدنانا إِلى الغَدرِ كاشِحٌ / كَفورٌ بِوحدانِيَّةِ اللَّهِ جاحِدُ
وَأَعجَبُ ما لاقَيتُ أَنَّ بَني أَبي / حُسامٌ لِمَن يَبغي جِلادي وَساعِدُ
عَزيزُهُمُ إِن لُذتُ يَوماً بِظِلِّهِ / رَأَيتُ سَموماً وَهوَ لِلخَصمِ بارِدُ
وَسائِرُهُم إِمّا ضَعيفٌ فَضَعفُهُ / لَهُ عاذِرٌ أَو مُبغِضٌ لي مُجاهِدُ
هُمُ أَلحَموني النائِباتِ وَأُولِعَت / بِلَحمي أُسودٌ مِنهُمُ وَأَساوِدُ
وَهُم تَرَكوا عَمداً جَنابي وَمَربَعي / مِنَ الجَدبِ لا يَرجو بِهِ الخِصبَ رائِدُ
وَهُم شَمَّتُوا بي حاسِديَّ وَذَلِكُم / منَ الأَمرِ ما لا تَرتَضيهِ الأَماجِدُ
وَما لِيَ ذَنبٌ غَير دُرٍّ نَظَمتُهُ / وَأَسناهُ تِيجانٌ لَهُم وَقلائِدُ
وَإِنّي عَلى أَحسابِهِم وَعُلاهُمُ / غَيورٌ وَعَن بَحبوحَةِ المَجدِ ذائِدُ
وَأَحمي عَلَيهم أَن تُدَبِّرَ أَمرَهُم / زَعانِفُ أَهداها عَنِ الرُشدِ حائِدُ
وَلَو قَبِلُوا مِن ذَلِكَ الذَنبِ تَوبَةً / لآلَيتُ أَلفاً أَنَّني لا أُعاوِدُ
فَسُبحانَ رَبّي كَيفَ صارُوا فَإِنَّما / قُلوبُهُمُ لي وَالأَكُفُّ جَلامِدُ
فَلا يَصفَح القَلبُ الَّذي أَنا آمِدٌ / وَلا يَسمَحِ الكَفُّ الَّذي أَنا حامِدُ
أَيا فَضلُ قَد طالَ اِنتِظاري وَلَم يَقُم / شِتاءً وَقَيظاً عِندَ مِثلِكَ وافِدُ
وَقَد زالَتِ الأَعذارُ لا الغَوصُ بائِرٌ / وَلا البَحرُ مَمنوعٌ وَلا الدَخلُ فاسِدُ
وَلا أَنتَ مَحجورُ التَصَرُّفِ في النَدى / عَلَيكَ رَقيبٌ في نَوالِكَ راصِدُ
وَلا في بَني فَضلٍ بَخيلٌ وَإِنَّهُم / إِذا اِغبَرَّتِ الآفاقُ غُرٌّ أَماجِدُ
فَمِن أَينَ يَأتي اللَومُ يا اِبنَ مُحمَّدٍ / وَمَجدُكَ في بَيتِ العُيونيِّ زائِدُ
أَتَرضى بِأَن تَغدُو تَسامى رَكائِبي / حُمولاتُها كِيرانُها وَالمَقاوِدُ
لِحَقِّ مَديحي أَم لِحَقّ مَوَدَّتي / لَكُم أَم لأَنَّ البَيتَ وَالجَدَّ واحِدُ
فَلا تَقطَعَن ما بَينَنا مِن مَوَدَّةٍ / وَقُربى وَخَلِّ الشِعرَ فَالشِعرُ كاسِدُ
وَلا تَنسَيَن ما نالَني في هَواكُمُ / وَقَد ظَفِرَ الساعي وَقَلَّ المُساعِدُ
يَقومُ بِهِ حَيّاً نِزارٍ وَيَعرُبٍ / شُهودٌ وَفي الدَعوى يَمينٌ وَشاهِدُ
لَقَد كُنتُ أَرجو في جَنابِكَ حالَةً / يَموتُ لَها غَيظاً غَيُورٌ وَحاسِدُ
فَهاتِ فَقُل لي ما أَقولُ لِأُسرَتي / فَكُلٌّ عَنِ الأَحوالِ لا بُدَّ ناشِدُ
وَكُلُّهُمُ سامٍ إِليَّ بِطَرفِهِ / يَظُنُّ بِأَنَّ الزارِعَ الخَيرَ حاصِدُ
وَما فَضلُ مَن لا يُرتَجى لِمُلِمَّةٍ / تُلِمُّ وَلا تُبغى لَدَيهِ الفَوائِدُ
فَذو المَجدِ كَالدِينارِ وَالشِعرُ جَوهَرٌ / يحكُّ بِهِ وَالناظِمُ الشِعرَ ناقِدُ
وَلا خَيرَ في مُستَحسَنِ النَقشِ مُطبَقٌ / إِذا حُكَّ نَفَّتهُ الأَكُفُّ النَواقِدُ
فَلا تَتَّكِل يا فَضلُ في الفَضلِ وَالنَدى / عَلى سالِفٍ أَسداهُ جَدٌّ وَوالِدُ
فَلا حَمدَ إِلّا بِالَّذي يَفعَلُ الفَتى / وَلَو كَثُرَت في أَوَّليهِ المَحامِدُ
فَكُن عِندَ ظَنّي فيكَ لا ظَنّ عاذِلٍ / نَهانِيَ عَن قَصديكَ فَالمالُ نافِدُ
فَقَد تَصِلُ الأَرحامُ في عُقرِ دارِكُم / وَتَرتاحُ لِلجودِ الإِماءُ الوَلائِدُ
وَغَيرُ خَفِيٍّ نَيلُ مَن تَعرِفونَهُ / وَهَل لِضياءِ الشَمسِ في الأَرضِ جاحِدُ
فَعِش وَاِبقَ وَاِسلَم واِنجُ مِن كُلِّ غَمَّةٍ / جَنابُكَ مَحروسٌ وَمُلكُكَ خالِدُ
إِلامَ أُرَجّي ضُرَّ عَيشٍ مُنَكَّدا
إِلامَ أُرَجّي ضُرَّ عَيشٍ مُنَكَّدا / وَأُغضي عَلى الأَقذاءِ جَفناً مُسَهَّدا
وَكَم أَعِدُ النَفسَ المُنى ثُمَّ كُلَّما / أَتى مَوعِدٌ بِالخُلفِ جَدَّدتُ مَوعِدا
إِذا قُلتُ يَأتي في غَدٍ ما يَسُرُّني / وَجاءَ غَدٌ قالَ اِتَّئِد وَاِنتَظِر غَدا
فَهَلّا اِنقَضَت تَبّاً لَها مِن مَواعِدٍ / كَمِثلِ نُعاسِ الكَلبِ ما زالَ سَرمَدا
عَدمتُ الفَتى لا يُنكِرُ الضَّيمَ وَالرَّدى / عَلى خَطأٍ يَغتالهُ أَو تَعَمَّدا
وَلا عاشَ مَن يَرضى الدَنايا أَهَل رَأى / جَباناً عَلى مَرِّ اللَيالي مُخَلَّدا
وَهَل ماتَ مِن خَوضِ الرَّدى قَبلَ يَومِهِ / فَتىً لِوَطيسِ الحَربِ ما زالَ مُفئَدا
وَهَل سادَ راضٍ مَرتَعَ الذُلِّ مَرتَعاً / وَهَل فازَ راضٍ مَورِدَ الذُلِّ مَورِدا
وَهَل عَزَّ بِالأَعداءِ مِن قَبلِ تُبَّعٍ / مَليكٌ تَمَطّى المُلكَ كَهلاً وَأَمرَدا
وَهَل طابَ عَيشٌ بِالمُداراةِ أَو صَفا / لَوَ اِنّ المُداري راحَ بِالخُلدِ وَاِغتَدى
فَحَتّى مَ أُبدي لِلموالي تَجَنُّباً / وَصَدّاً وَأُبدي لِلأعادي تَوَدُّدا
وَشَرُّ بِلادِ اللَهِ أَرضٌ تَرى بِها / كُلَيباً مَسُوداً وَاِبنُ آوى مُسَوَّدا
وَأَشقى بَني الدُنيا كَريمٌ يَسوسُهُ / لَئيمٌ إِذا ما نالَ شبعاً تَمَرَّدا
فَيا ذا العُلى وَالمَجدِ وَالمَنصِبِ الَّذي / سَما فَعَلا حَتّى على النَّجمِ أَتأَدا
أُعيذُكَ أَن تَرضى المقامَ بِبَلدَةٍ / تَراها وَما تَحوي لِأَعدائِها سُدى
يَجِلُّ بِها مَن كانَ ذا عُنجُهِيَّةٍ / خَفيفاً عَلى الأَعداءِ خَلفاً مُلَهَّدا
أَخو عَزمَةٍ كَالماءِ بَرداً وَهِمَّةٍ / هَوَت فَاِحتَوَت مِن هامَةِ الحوتِ مَقعَدا
تَرى بابَهُ لا يُهتَدى غَيرَ أَنَّهُ / تَرى بَينَ أُذنَيهِ طَريقاً مُعَبَّدا
فَقُم وَاِلتَمِس داراً سِواها فَإِنَّما / أَخو العَزمِ مَن قَد رامَ أَمراً تَجَرَّدا
فَكاسٌ إِذا أُسقي بِها اليَومَ مُكرَهاً / أَخوكَ سَتُسقى مِن فُضالَتِها غَدا
وَحِلمٌ يُدَنّي الضَيمَ مِنكَ سَفاهَةٌ / وَجَهلٌ تَرُدُّ الضَيمَ شِرَّتهُ هُدى
وَلا خَيرَ في هِلباجَةٍ كُلَّما أَتى / إلَيهِ الأَذى أَبدى خُضوعاً وَأَسجَدا
وَمالَ إِلى بَردِ الظِلالِ وَراقَهُ / مَقالُ إِماءِ الحَيِّ لا غالَكَ الرَدى
وَلَكِنَّ ذا عَزمٍ إِذا هَمَّ لَم يُبَل / أَوَسَّدَ ذا الطَعن الثَرى أَم تَوَسَّدا
كَثيرَ سُهادِ العَينِ لا في مَكيدَةٍ / يُهينُ بِها الأدنين مَثنىً وَمَوحدا
فَكَم أَتَحَسّى الضَيمَ مُرّاً وَأَمتَري / عَقابيلَ خِلفٍ قَد أَزى وَتَجَدَّدا
وَكَم يَعتَريني بِالأَذى كُلُّ مُقرِفٍ / إِذا سُئِلَ الحُسنى أَغَدَّ وَعَربَدا
فَئيدٌ كَعِلّوصِ الأَباءِ لَدى الوَغى / وَإِمّا مَشى بَينَ البَغايا تَقيّدا
تَراهُ عَلى أَعدائِهِ ماءَ مُزنَةٍ / وَفي رَهطِهِ الأَدنى حُساماً مُجَرَّدا
فَلا تَقعُدَن مُحبَنظِئاً خَوفَ مِيتَةٍ / سَتَأتي فَما تَلقى جَواداً مُخَلَّدا
وَلا تَكُ مِئلافاً لِدارِ مَذَلَّةٍ / وَلَو فاضَ واديها لُجَيناً وَعَسجَدا
وَسِر في طِلابِ المَجدِ جِدّاً فَإِنَّني / رَأَيتُ المَعالي لا يُواتينَ قعدُدا
فَلو لَم يُفارِق غِمدَهُ السَيفُ في الوَغى / لَما راحَ يُدعى المَشرَفيَّ المُهنَّدا
وَلَولا اِنتقالُ البَدرِ عَن بُرجِهِ الَّذي / بِهِ النَقصُ لَم يُدرِك كَمالاً وَأَسعدا
وَلَو نامَ سَيفٌ بِالحُصيبِ وَلَم يَلِج / عَلى الهَولِ لَم يُدعَ المَليكَ المَمَجَّدا
وَلَم يَنشَعِ الأحبوشَ كَأساً مَريرَةً / وَيَجمَع في غُمدانَ شَملاً مُبَدَّدا
وَحَسبُكَ أَن تَلقى المَنايا وَقَد رَجَت / حِباكَ المَوالي وَاِتَّقَت بَأسَكَ العِدى
خَليليّ مِن حَيّي نِزارٍ رُعِيتما / وَجُوزيتُما الحُسنى وَجاوَزتُما المَدى
أَلا فَاِطلُبا غَيري نَديماً فَرُبَّما / تَشامَختُ قَولاً سِيمَ خَسفاً فَأَبلَدا
فَلي عَن ديارِ الهونِ مَنأىً وَمَرحَلٌ / إِذا النِّكسُ ظنَّ العَجزَ عَقلاً فَأَفرَدا
وَعِندي عَلى الأَحداثِ رَأيٌ وَعَزمَةٌ / وَعيسٌ يُبارينَ النَعامَ المُطَرَّدا
وَخَيرُ جِوارٍ مِن عَدوٍّ مُكاشِحٍ / جِوارُكَ ضِبعاناً وَسيداً وَخُفدُدا
وَلَيسَ مَناخُ السوءِ حَتماً مُقَدَّراً / عَلَيَّ لِأَن أَضحى مَقَرّاً وَمَولِدا
فَكَم فارقَ الأَوطانَ مِن ذي ضَراعَةٍ / فَأَصبَحَ في كُلِّ النَواحي مُحَسَّدا
وَكَم واتَنَ الأَوطانَ مِن ذي جَلادَةٍ / فَأَضحى بِها مِن غَيرِ سُقمٍ مُسَخَّدا
فَإِن أَرتحِل عَن دارِ قَومي لِنبوَةٍ / وَيُصبِحُ رَبعي فيهمُ قَد تَأَبَّدا
فَقَد رَحَلَ المُختارُ عَن خَيرِ مَنزِلٍ / إِلى يَثرِبٍ تَسري بِهِ العِيسُ مُصعَدا
وَجاوَرَ في أَبناءِ قَيلَةَ إِذ رَأى / سَبيل القِلى وَالبُغضِ مِن قَومِهِ بَدا
كَذا شِيمُ الحُرِّ الكَريمِ إِذا نَبا / بِهِ وَطَنٌ زَمَّ المَطايا وَأَحفَدا
أَأَقنَعُ بِالحظِّ الخَسيسِ وَلَم أَكُن / كَهاماً وَلا رَثَّ المَساعي مُزَنَّدا
وَلا بَلتعانيّاً إِذا سيمَ خِطَّةً / تَمَطّى وَناجى عِرسَهُ وَتَلدَّدا
وَأَلقى المَنايا لَم تُسامَ بِأرجُلي / نَجائِبُ لَم يَحمِلنَ إِلّا مُنجَّدا
سَأُمضي عَلى الأَيّامِ عَزمَ اِبنِ حُرَّةٍ / يَرى العودَ فيما تَكرَهُ النَفسُ أَحمَدا
فَإِمّا حَياةً لا تُذَمُّ حَميدَةً / يُحَدِّثُ عَنها مَن أَغارَ وَأَنجَدا
أَنالُ المُنى فيها وَإِمّا مَنِيَّةً / تُريحُ فُؤاداً أَحَّ مِن غُلَّةَ الصَدى
وَأَهجُرُ داراً لَو يَحِلُّ اِبنُ قاهِثٍ / بِها راحَ مَسحوتاً مِنَ المالِ مُجحِدا
يُدَبِّرُها أَوباشُ قَومٍ تَنَكَّبُوا / عَنِ الرُشدِ حَتّى خِلتُ ذا الغَيَّ أَرشَدا
إِذا رَضِيَ الأَعداءُ مِنهُم مَهانَةً / بِأَخذِ الجِزى عَدُّوهُ نَصراً مُؤَيَّدا
أَقاموا الأَغاني بِالمَغاني وَضَيَّعُوا / كِرامَ المَساعي وَالثَناءَ المُخَلَّدا
فَلَو أُحسِنُ التَصفيقَ وَالرَقصَ فيهِمُ / وَرَفعَ المَثاني وَالغِناءَ المُهَوَّدا
لَعِشتُ عَزيزاً فيهمُ وَلما اِجتَرا / يَمُدُّ إِليَّ الضَّيمَ باعاً وَلا يَدا
وَلا راحَ شُربُ المُقرِفينَ ذَوي الخَنا / بِها نَهَلاً عَبّاً وَشُربي مُصَرَّدا
وَلَو أَنَّني كُنتُ اِتَّخَذتُ رَذِيَّةً / أُوَيطِفَ رَغّاءً لَدى الشَدِّ أَكبَدا
وَصاحَبتُ مِن أَدنى البَوادي مُكَشَّماً / ضَعيفَ الأَيادي قاصِرَ الجاهِ مُسنَدا
لَكانَت سَنِيّاتُ الجَوائِزِ تَرتَمي / إِلى حَيثُ أَهوى بادِياتٍ وَعُوَّدا
وَلَكِنَّني لَم أَرضَ ذاكَ صِيانَةً / لِعِرضِيَ أَن أُعطي المُعادينَ مِقوَدا
وَأَكبَرتُ نَفسي أَن أُجالِسَ قينَةً / وَدُفّاً وَمِزماراً وَعُوداً وَأَعبُدا
وَأَن أَجعَلَ الأَنذالَ حِزباً وَشيعَةً / وَلَو جارَ فِيَّ الدَهرُ ما شاءَ وَاِعتَدى
فَلَستُ بِبِدعٍ في الكِرامِ وَهَذِهِ / سَبيلُ ذَوي الإَفضالِ وَالبَأسِ وَالنَدى
أَتاني كِتابٌ مِنكَ عَظَّمتُ قَدرَهُ
أَتاني كِتابٌ مِنكَ عَظَّمتُ قَدرَهُ / كَما عَظَّمَت قَدرَ المَسيحِ التَلامِذُ
وَعَلَّقتُهُ في الصَدرِ مِنّي كَرامَةً / كَما عُلِّقَت صَدرَ الوَليدِ التَعاوِذُ
ذَريني فَضَرباً بِالمَهَنَّدَةِ البُترِ
ذَريني فَضَرباً بِالمَهَنَّدَةِ البُترِ / وَلا لَومَ مِثلي يا أُمَيمُ عَلى وَترِ
فَقَد كُنتُ آبى الضَيمَ إِذ لَيسَ ناصرٌ / سِوى عَزمَتي وَالعيسِ وَالمَهمَهِ القَفرِ
فَكَيفَ أُقِرُّ اليَومَ ضَيماً وَناصِري / عَديدُ الحَصى ما بَينَ بُصرى إِلى مِصرِ
إِذا ما دَعَوتُ اِبنَي نِزارٍ أَجابَني / كَتائِبُ أَنكى في العِدى من يَدِ الدَهرِ
تَداعى إِلى صَوتِ المُنادي تَداعياً / كَدَفّاعِ مَوجٍ جاءَ في المَدِّ لِلجَزرِ
عَلى كُلِّ ذَيّالٍ وَجَرداءَ شطبَةٍ / تَجيء كَسَيلٍ يَلطِمُ الطَلحَ بِالسِدرِ
نِتاجُ عُمَيرٍ وَالضُّبَيبِ وَكامِلٍ / وَذاتِ نُسوعٍ وَالنَعامَةِ وَالخَطرِ
سَوابِحُ لا تَغدو الرِياحُ غُدُوَّها / لِطَعنٍ وَلا تَسري النُجومُ كَما تَسري
وَرِثنَ عَنِ الشَيخَينِ بَكرٍ وَتَغلِبٍ / وَعَن عَبدِ قَيسٍ ذي العُلى وَعَن النمرِ
وَقَيسٍ أَبي الشُمِّ الطِوالِ وَبَعدَهُ / تَميمٍ وَأَكرِم والِداً بِأَبي عَمرِو
وَعَن سَيِّدَي آباءِ كُلِّ قَبيلَةٍ / وَأَشرَفِها نَسلاً خُزَيمَةَ وَالنَضرِ
وَما الخَيلُ إِلّا نِحلَةٌ مِن إِلَهنا / لَنا لا لِزَيدٍ مِن سِوانا وَلا عَمرِو
لَنا أُخرِجَت إِذ أُخرِجَت لا لِغافِقٍ / وَلا بارِقٍ أَو لا مُرادٍ وَلا قَسرِ
وَطِئنا بِها جَمعَ العَماليقِ وَطأَةً / أَرَتها نُجومَ القَذفِ تَجري مَعَ الظُهرِ
وَلَولا تَلاقينا بِها حَيّ جُرهُمٍ / لآبَت بِأَيدٍ لا تَشُقُّ وَلا تَفري
بِنَفسي وَما لي مِن نِزارٍ عِصابَةً / حِسانُ وُجوهٍ طَيِّبُو عُقَدِ الأُزرِ
جَلَوا بِصِفاحِ البيضِ هَمّي وَبَرَّدُوا / حَرارَةَ غَيظي بِالمُثقَّفَةِ السُمرِ
لَياليَ قادُوا الخَيلَ قَوداً أَصارَها / وَما الخَواطي كَاليَعاسيبِ في الضُمرِ
بِرَأيٍ سَديدِ الرَأيِ أَلوى مُعَوَّد / بِجَرِّ الخَميسِ الضَخمِ وَالعَسكَرِ المَجرِ
هُمامٌ تَعَدّى الأَربَعينَ فَجازَها / بِعَشرِ سِنينٍ أَو قَريبٍ مِن العَشرِ
فَأَصبَحَ لا شَيخاً يُخافُ اِنبِهارُهُ / وَلا حَدَثاً تِلعابَةً غائِبَ الفِكرِ
أَخو عَزمَةٍ كَالنارِ وَقداً وَهِمَّةٍ / تَرى النَجمَ أَدنى مِن ذِراعٍ وَمِن شِبرِ
بَدَت في مُحيّاهُ أَماراتُ مَجدِهِ / صَبيّاً وَيَبدو العِتقُ في صَفحَةِ المُهرِ
سَما لِلعُلى طِفلاً وَبَرَّزَ يافِعاً / وَسُمّي وَلَمّا يَثَّغِر أَوحَدَ العَصرِ
وَلَفَّ السَرايا بِالسَرايا وَقادَها / لِعَشرٍ وَرَدَّ الدُهمَ مِنهُنَّ كالشُقرِ
فَلِلّهِ بَكرٌ ما شَظى حَدُّ نابِهِ / وَفاقَ قُروماً بِالشَقاشِقِ وَالخَطرِ
جَرى وَجَرى الساعونَ شَأواً إِلى العُلى / فَفاتَ بِأَدنى خَطوهِ مُلهَب الحُضرِ
سَليلُ المُلوكِ الصِّيدِ وَالسادَةِ الأُلى / بَنَوا مَجدَهُم فَوقَ السِماكينِ وَالنَسرِ
إِلى ذروَةِ البَيتِ العُيونِيِّ يَنتَمي / وَهَل يَنتَمي الدِينارُ إِلّا إِلى التِبرِ
وَأَخوالُهُ أَدنى عُقَيلٍ إِلى العُلى / بُيُوتاً وَأَقصاها مِنَ اللُؤمِ وَالغَدرِ
ذَوُو المُحكَماتِ السُردِ وَالبيضِ وَالقَنا / وَأَهلُ الجِيادِ الشُقرِ وَالنِّعَمِ الحُمرِ
وَإِنَّ عَلِيّاً للَّذي بِفَخارِهِ / يُطالُ وَيُستَعلى عَلى كُلِّ ذِي فَخرِ
أَعَزُّ الوَرى جاراً وَأَوسَعُها حِمىً / وَأَشبَهُها بِاللَيثِ وَالبَحرِ وَالبَدرِ
مَتى تَدعُهُ تَدعُ اِمرَءاً غَيرَ زُمَّلٍ / وَلا وَكِلٍ في النائِباتِ وَلا غَمرِ
وَلا رافِعٍ بِالخَطبِ رَأساً وَإِنَّهُ / لَتُرفَعُ مِن جَرّائِهِ طُرَرُ الأُزرِ
لَهُ هَيبَةٌ مِلءُ الصُدورِ فَلو رَنا / إِلى المَوتِ مُزوَرّاً لَماتَ مِنَ الذُعرِ
وَلو قالَ لِلأَفلاكِ في سَيرِها قِفي / لَباتَت رُكوداً لا تَدورُ وَلا تَجري
فَتىً لَو لِلَيثِ الغابِ بَأسٌ كَبَأسِهِ / لَأَغناهُ عَن نابٍ حَديدٍ وَعَن ظُفرِ
وَلَو أَنَّ لِلعَضبِ اليَمانيِّ جَوهَراً / كَعَزمَتِهِ لَم يَنبُ عَن قُلَلِ الصَخرِ
وَلَو أَنَّ لِلأَنواءِ جُوداً كَجُودِهِ / لَما اِنتقَلَ الإِرباعُ يَوماً إِلى العِشرِ
عَلا في النَّدى أَوساً وَفي الزُهدِ وَالتُقى / أُوَيساً وَفي الحِلمِ اِبنَ قَيسٍ أَبا بَحرِ
وَأَبغَضُ شَيءٍ عِندَهُ لا وَإِنَّهُ / لِيَهوى نَعم لَو أَنَّ فيها ثَوى العُمرِ
يَريشُ وَيَبري عِزَّةً وَسَماحَةً / وَلا خَير فيمَن لا يَريشُ وَلا يَبري
أَبى غَيرَ عِزَّ النَفسِ وَالعَدلِ وَالتُقى / وَرَأبِ الثَأى وَالحِلمِ وَالنائِلِ الغَمرِ
وَلَمّا تَولّى المُلكَ باءَ مُشَمِّراً / بِأَعبائِهِ مِن غَيرِ لَهثٍ وَلا بُهرِ
وَعَفَّ فَلم يَمدُد إِلى مُسلِمٍ يَداً / بِسُوءٍ وَلا باتَت لَهُ عَقرَبٌ تَسري
وَلا باتَ جُنحَ اللَيلِ يَشكُوهُ شابِحٌ / إِلى اللَّهِ مَقتورٌ عَليهِ وَلا مُثرِ
فَيا أَيُّها الساعي لِيُدرِكَ مَجدَهُ / رُوَيدَكَ فَاِنظُر مَن عَلى إِثرِهِ تَجري
فَلَيسَ بِعارٍ أَن شَآكَ مُطَهَّمٌ / أَغَرُّ جَموحٌ لا يُنَهنَهُ بِالزَجرِ
فَما ضاقَ عَنهُ الوُسعُ غَيرُ مُطالِبٍ / بِهِ المَرءُ في أَكنافِ بَرٍّ وَلا بَحرِ
فَدَع عَنكَ ما أَعيَا المُلوكَ طِلابُهُ / وَقِف عَنهُ وَاِطلُب ما تُطيقُ مِن الأَمرِ
وَخَلِّ أَثيراتِ المَعالي لِسَيِّدٍ / هُمامٍ كَنَصلِ الهُندُوانِيِّ ذي الأَثرِ
فَلا مَلِكٌ إِلّا عَلِيُّ بنُ ماجِدٍ / جَميلُ المُحَيّا وَالإِنابَةِ وَالذِكرِ
إِلَيكَ أَبا المَنصورِ عَقدُ جَواهِرٍ / قَلَمَّسُها صَدري وَغَوّاصُها فِكري
نَفِستُ بِها عَمَّن سِواكَ وَسُقتُها / إِلَيكَ لِعِلمي أَنَّها أَنفَسُ الذُخرِ
وَعَدَّيتُها عَن رِقِّ لُؤمٍ مُوَكَّرٍ / قَليلِ اِكتِراثٍ بِالمَحامِدِ وَالأَجرِ
يَروحُ وَيَغدُو مِثلَ غَيمٍ تَرى لَهُ / صَواعِقَ يَحرقنَ البِلادَ بِلا قَطرِ
تَصَدَّرَ مِن شُؤمِ الزَمانِ وَإِنَّهُ / لَأَخفى مِن البُعصوصِ في نَقرَةِ الظَهرِ
فَصارَ مَعَ الجُهّالِ صَدراً وَإِنَّهُ / لَمِن خُبُثِ الأَعجازِ عِندَ ذَوي الخُبرِ
مَضى زَمَنٌ وَالهُرطُمانُ طَعامُهُ / وَبيّوتُ ما يَبتاعُ بِالطِّينِ وِالسِّدرِ
تُشَرَّفُ نَعلي عَن قيامٍ بِبابِهِ / وَتُكرَمُ عَن مَشيٍ بِساحاتِهِ الغُبرِ
وَلَولاكَ بِالأَحساءِ لَم تُحدَ نَحوها / قَلوصِي وَلَم يَصهل بِجَرعائِها مُهري
فَما أَنا مِمَّن يَجهَلُ الناسُ فَضلَهُ / فَيَرضى بِحَظٍّ واشِلٍ بِالعُلى مُزرِ
وَإِنّي لَصَوّانٌ لِمَدحي وَإِن نَبا / بِيَ الدَهرُ وَاِجتاحَت نَوائِبُهُ وَفرِي
وَلَكِنَّكَ المَلكُ الَّذي مِن سَمائِهِ / نُجومي الَّتي تُصمي وَمِن شَمسِهِ بَدري
وَمِن لَحمِهِ لَحمي وَمِن دَمِهِ دَمي / وَمِن عَظمِهِ عَظمي وَمِن شَعرِهِ شَعري
وَآباؤُكَ الغُرُّ الكِرامُ أُبُوَّتي / وَبَحرُكَ مِن تَيّارِ آذِيِّهِ بَحري
فَداكَ مِنَ الأَسواءِ كُلُّ مُعَلهَجٍ / مِنَ القَومِ لَم يَعبَأ بِعُرفٍ وَلا نُكرِ
وَجُزتَ المَدى في خَفضِ عَيشٍ وَدَولَةٍ / مُؤَيَّدَةٍ بِالأَمنِ وَالأَمرِ وَالنَصرِ
تَحوطُ نِزاراً حَيثُ كانَت وَلا خَلا / جَنابُكَ مِن شُكرٍ وَبابُكَ مِن ذِكرِ
وَعاشَ اِمرُؤٌ ناواكَ ما عاشَ خائِفاً / يَروحُ وَيَغدو بِالمَذَلَّةِ وَالصُغرِ
رِماحُ الأَعادي عَن حِماكَ قِصارُ
رِماحُ الأَعادي عَن حِماكَ قِصارُ / وَفي حَدِّها عَمّا تَرومُ عِثارُ
وَكُلُّ اِمرِئٍ لَيسَت لَهُ مِنكَ ذِمَّةٌ / يُضامُ عَلى رَغمٍ لَهُ وَيُضارُ
وَما عَزَّ مَن أَمسى سِواكَ مَعاذُهُ / وَلَو عَصَمَتهُ يَعرُبٌ وَنِزارُ
فَمَن مُبلِغٍ عَنّي عُقيلاً وَقَومَها / وَإِن بَعُدَت دارٌ وَشَطَّ مَزارُ
رُوَيداً بَني كَعبٍ أَفيقُوا وَراجِعُوا / حُلومَكُمُ مِن قَبلِ تُضرَمُ نارُ
وَقَبلَ تَغَشّى الخافِقينِ لَهالِهاً / لَها بِحُدودِ المُرهَفاتِ شَرارُ
فَتُبدي عَوانُ الحَربِ عَن حَدِّ نابِها / فَيَعلُو بِها غارٌ وَيَهبِطُ غارُ
فَيَشَقى بِها قَومُ الضَلالِ وَرُبَّما / تَغَطرَسَ قَومٌ في الضَلالِ فَبارُوا
فَإِيّاكُمُ وَاللَيثَ لا يَبعَثَنَّهُ / عَلَيكُم ثُؤاجٌ مِنكمُ وَيُعارُ
فَمَن هَيَّجَ الضِرغامَ ثارَ بِحَتفِهِ / إِلَيهِ وَلَم يَمنَعهُ مِنهُ فَرارُ
وَأُقسِمُ إِن نَبَّهتُمُ الحَربَ ساعَةً / وَضَمَّكُمُ نَحوَ الأَميرِ مَغارُ
لَتَصطبِحَن كَأساً عَلَيكُم مَريرَةً / يَطولُ لَكُم سُكرٌ بِها وَخُمارُ
بِها شَرِبَت مِن قَبلُ عَوفُ بنُ عامِرٍ / غَداةَ دَعَتها نَزفَةٌ وَنِفارٌ
بِكَفِّ أَبيهِ لا بِكَفِّ أَبيكُمُ / فَراحَت وَفيها ذِلَّةٌ وَصَغارُ
أَغَرَّكُمُ بُقيا الأَميرِ عَلَيكُمُ / وَصَفحٌ وَحِلمٌ عنكُمُ وَوَقارُ
وَلَولا مُراعاةُ العُهودِ لَأَصبَحَت / مَنازِلُ أَقوامٍ وَهُنَّ قِفارُ
وَلَكِنَّ حِفظَ العَهدِ مِنهُ سَجِيَّةٌ / إِلَيهِ بِها دونَ المُلوكِ يُشارُ
فَخَلّوا العَمى وَالغَيَّ وَالطيخَ وَاِركَبُوا / طَريقاً عَلَيها لِلرَّشادِ مَنارُ
وَلا تَبعَثُوهُ بِالنَكالِ عَلَيكُمُ / فَآجالُ مَن عادى عُلاهُ قِصارُ
لَئِن صَبَّحَتكُم يَومَ نَحسٍ جِيادُهُ / رِعالاً وَرَيعانُ العَجاجِ مُثارُ
لَتَدرُنَّ أَن البَغيَ لِلمَرءِ مَصرَعٌ / وَأَنَّ الَّذي يَجني الأَميرُ جُبارُ
وَأَنَّ أَبا الجَرّاحِ فيكُم وَقومَهُ / كَما كانَ في حَيَّي ثَمودَ قُذارُ
غَداةَ تَعاطى السَيفَ وَاِنصاعَ عاقِراً / فَحَلَّ بِهِ مِمّا جَناهُ بَوارُ
وَأَنَّ سَبيلَ الظالِمينَ سَبيلُكُم / وَلِلدَّهرِ كاسٌ بِالحُتوفِ تُدارُ
فَلا تَحسبُوا سَيفَ الأَميرِ الَّذي بِهِ / عَزَزتُم وَطُلتُم فُلَّ مِنهُ غِرارُ
وَلا أَنَّكُم إِن رُمتُمُ بَعدَ حَربِهِ / مَطاراً يُنَجّى مِن يَدَيهِ مُطارُ
فَما الرَأيُ إِلّا أَن تَذِلّوا لِحُكمِهِ / فَلَيسَ عَلَيكُم في المَذَلَّةِ عارُ
وَتُمسُوا كَما كُنتُم جَميعاً رِعاءَهُ / عَسى أَن تَنالُوا نُصفَةً وَتُجارُوا
فَمَن مِثلُهُ يَرمي عِداكُم وَيَتَّقي / أَذاكُم وَيَحمي دُونَكُم وَيَغارُ
وَيُرعيكُمُ المَرعى وَلَو أَنَّ دُونَهُ / عَثيرُ دِماءٍ بِالسُيوفِ تُمارُ
وَيُعطيكُمُ الجُردَ الجِيادَ تَحُفُّها ال / موالي وَكُومٌ لا تُذَمُّ عِشارُ
وَيَعفو عَن الجاني وَلَو شاءَ هُلكَهُ / لَما عَصَمَتهُ من قَناهُ ظَفارُ
فَعِش في عَظيمِ المُلكِ ما لاحَ كَوكَبٌ / وَأَظلَمَ لَيلٌ أَو أَضاءَ نَهارُ
وَمِن حَولِكَ الغُرُّ الكِرامُ ذَوُو النُهى / بَنوكَ الأَلى طالُوا عُلىً فَأَنارُوا
فَما مِنهُمُ إِلّا فَتى السِنِّ ماجِدٌ / لَهُ حِلمُ كَهلٍ لا أَراهُ يُطارُ
وَكُلُّهُمُ آسادُ غِيلٍ إِذا دُعِي / نَزالِ وَأَمّا في النَدى فَبِحارُ
عَلَيكُم سَلامٌ كُلَّ يَومٍ وَلَيلَةٍ / يَروحُ وَيَغدو ما أَقامَ يَعارُ
سَلامُ فَتىً يَرضى رِضاكُم وَلا يَرى / سِوى مَدحِكُم مُذ شُدَّ مَنهُ إِزارُ
تُقَرِّبُهُ رَحمٌ عَطوفٌ إِليكُمُ / وَأَرحامُ قَومٍ إِذ تُعَدَّ ظِئارُ
لَئِن حالَ ما بَيني وَبَينَكَ حائِلٌ
لَئِن حالَ ما بَيني وَبَينَكَ حائِلٌ / مِنَ البَرِّ أَو لُجٌّ مِن البَحرِ زاخِرُ
فَإِنّيَ وَالمُحيي بِكَ البَأسَ وَالنَدى / بِذِكرِكَ في الأَحياءِ سارٍ وَسامِرُ
فَما كُلُّ مَن تَنأى بِهِ الدارُ غائِبٌ / وَلا كُلُّ مَن تَدنو بِهِ الدارُ حاضِرُ
دَعِ الدارَ بِالبَحرَينِ تَعفو رُبوعُها
دَعِ الدارَ بِالبَحرَينِ تَعفو رُبوعُها / وَسُقها وَلَو لَم يَبقَ إِلّا نُسوعُها
وَخَلِّ أَحاديثَ المَطامِعِ وَالمُنى / أَلا إِنَّما أَشقى الرِجالِ طَمُوعُها
وَلا تَحسِدَن فيها رِجالاً بِشبعِها / فَخَيرٌ لَها مِن ذَلِكَ الشِبعِ جُوعُها
فَلا بُدَّ لِلمُنحي عَلى الزادِ وَحدَهُ / إِذا ما اِمتَلا مِن هَوعَةٍ سَيصُوعُها
وَإِن دَولَةٌ وَلَّت قَفاها فَوَلِّها / قَفاكَ فَأَعيى كُلّ شَيءٍ رُجوعُها
وَلا تَتعَبَن في نُصحِ مَن غابَ رُشدُهُ / وَهَوِّن فَخَفّاضُ المَباني رَفُوعُها
لَعَلَّ ذُرىً تَهوي فَتَعلُوا أَسافِلٌ / لِذاكَ فَرَفّاعُ البَرايا وَضُوعُها
وَبِع بِالقِلى دارَ المَهانَةِ وَالأَذى / فَما الرابِحُ المَغبوطُ إِلّا بَيُوعُها
وَلا تَتَّكِل عَجزاً وَلُؤماً وَذِلَّةً / عَلى قَولِهِم بَغيُ الرِجالِ صَرُوعها
مَتى صُرِعَ الباغي فَعاشَ قَتيلُهُ / بَلى طالَما أَردى النُفوسَ هَلُوعُها
وَحَسبُكَ مِن لَومِ الرَذايا فَإِنَّها / تُقِلُّ وَتَقمى أَن يُرَجّى سُطوعُها
فَقَد غَرَّها شُعٌّ يُسَدّيهِ جَهلُها / وَهَل عَن ضِعافِ المُولِ يُغني شُعُوعُها
إِذا نَفَرَت عَن قَريَةٍ طَيرُ سَعدِها / فَما يُرتَجى إِلّا بِبَخسٍ وقُوعُها
تُهَدِّدُ بِالرَمضاءِ قَوماً أَصُولُها / نَشَت في لَظىً مُذ أَنبتَت وَفُرُوعُها
وَتَطلُبُ إِجفالَ القَناطِرِ بِالنَوى / وَوَقعُ بِغالٍ فَوقَها لا يَضُوعُها
وَتَكسُو سَرابيلَ المَديحِ مَعاشِراً / تَنابِلَةً أَبواعُها لا تَبُوعُها
عَدِمتُ رِجالاً لا لِضَيمٍ إِباؤُها / إِذا غَضِبَت أَو لا لِحَقٍّ نُجوعُها
مَتى لَم تَرُعها بِتَّ مِنها مُرَوَّعاً / وَتَأمَنُ مِن مَكروهِها إِذ تَروعُها
أَلا يا لقَومي الأَكرَمينَ مَتى أَرى / بِنا الخَيلَ تَهوي مُطبِقاتٍ صُروعُها
عَلَيهنَّ مِنّا فِتيَةٌ عَبدَلِيَّةٌ / جَرِيٌّ مُزَجّاها جَوادٌ مَنُوعُها
مُقَدَّمَةٌ أَسلافُها في ظَعائِنٍ / حِسانِ المَجالي طَيبّاتٍ رُدُوعُها
وَقَد جَعَلت نَخلَين خَلفَاً وَيَمَّمَت / قُرى الشامِ أَو أَرضَ العِراقِ نجُوعُها
فَخَيرٌ لَعَمرِي مِن بَساتينِ مُرغَمٍ / عَلى ذي المَجاري طَلحُ نَجدٍ وَشُوعُها
وَمِن ماءِ نَهرِ الجَوهَرِيَّةِ لَو صَفَا / ذُبابَةُ حَسيٍ لا يُرَجّى نُبُوعُها
وَمِن مَروَزِيٍّ بِالقَطيفِ وَلالِسٍ / عَباءٌ بوَادي طَيّئٍ وَنُطُوعُها
وَمِن لَحمِ صافٍ في أَوَال وَكَنعَدٍ / ضِبابٌ وَجُرذانٌ كَثيرٌ خُدُوعُها
أَما سَهمُنا في بَحرها المِلحُ ماؤُهُ / وَفي نَخلِها العُمِّ الطَوادي جُذُوعُها
وَلَيسَ لَنا في الدُرِّ إِلّا مَحارُهُ / وَلا في عُذُوقِ النَخلِ إِلّا قُمُوعُها
فَبُعداً لِدارٍ خَيرُها لِعَدُوِّها / وَقَومٍ بِأَسوا كُلِّ حَظٍّ قَنُوعُها
فَعَزماً فَقَد طالَت مُداراتُنا العِدى / وَطالَ بِسُوءِ الغَيثِ فِينا ولُوعُها
فَإِنَّ لَنا مِن مَورِدِ الذُلِّ مَنزَعاً / إِلى غَيرِهِ وَالأَرضُ جَمٌّ صُقُوعُها
فَلا دارَ إِلّا حَيثُ يُهتَضَمُ العِدَى / وَلا عِزَّ إِلّا حَيثُ يَبدُو خضُوعُها
سَتَعلَمُ لَكِن حَيثُ لا العِلمُ نافِعٌ / ذَوُو الجَهلِ مَن ضَرّارُها وَنفوعُها
إِذا أَقبَلَت شُعثُ النَواصي تَضُمُّها / عَلَيهِم مَساعيرُ الوَغى وَتَصُوعُها
أَلَسنا حُماةَ الحَيِّ وَالخَيلُ تَدَّعي / إِذا فَرَّ خَوفاً مِن لَظاها شَكُوعُها
بِنا يُمنَعُ الثَغرُ المَخُوِفُ وَعِندَنا / رياضُ النَدى يَزدادُ حُسناً وَشوعُها
نعُدُّ إِذا نَحنُ اِنتَمَينا أُبُوَّةً / تُوازِنُ هاماتِ الرِجالِ شُسُوعُها
وَما زالَ فينا لا يُدافعُ ذاكُمُ / رَبيعُ مَعَدٍّ كُلِّها وَرُبُوعُها
إِذا هَضبَةٌ لِلعِزِّ طالَت فِراعُها / فَلا تَلقَنا إِلّا وَمِنّا فُرُوعُها
تَلُوذُ بِنا عَليا مَعَدٍّ إِذا جَنَت / فَيَأمَنُ جانِيها وَيهدى مَرُوعُها
بِنا يَأكُلُ الصَعوُ البُزَاةَ وَيَتَّقي / شَذا الأَخطَلِيّاتِ الحَرامَى خمُوعُها
عَفاءٌ عَلى البَحرَينِ لَو قيلَ أَينَعَت / زَنابيرُ واديها وَجادَت زُرُوعُها
فَهَل ذاكَ إَلّا لِلعَدُوِّ وَعُصبَةٍ / سَيَشقى بِها مَتبوعُها وَتَبُوعُها
لَقَد صَدَّعُوا عَمداً عَصاها فَلا اِلتَقَت / وَلا اِلتَأَمَت إِلّا عَلَيهم صُدُوعُها
لَعَمرُكَ ما عَيني بِعَينٍ إِذا اِلتَقَى / هُجوعُ مَعاوِينِ العِدى وَهجوعُها
فَإِن رَضِيَت قَومي بِنَقصِي فَلي غِنىً / بِنَفسي وَجَلّابُ المَنايا دَفُوعُها
مَتَى لَم أَضِق ذَرعاً بِأَرضٍ فَإِنَّني / لَدى الهَمِّ جَوّابُ المَوامي ذَرُوعُها
يُشَيِّعُني قَلبٌ إِلى العِزِّ تائِقٌ / وَنَفسٌ إِلى العَليا شَديدٌ نُزُوعُها
أُشَرِّفُها مِن أَن يَكُونَ إِباؤُها / لِواجِبِ حَقٍّ أَو لِضَيمٍ خُنوعُها
وَما أَنا في السَرّاءِ يَوماً فَرُوحُها / وَلا أَنا في الضَرّاءِ يَوماً جَزُوعُها
سأُنزِلُها المَلحُودَ أَو رَأسَ هَضبَةٍ / مِنَ العِزِّ يُعيي كُلَّ راقٍ طُلوعُها
وَما طَلَبي العَلياءَ إِرثُ كَلالَةٍ / فَيَقصُرُ خَطوي دُونَها فَأَسُوعُها
عَلَيَّ لَها سَعيُ الكِرامِ فَإِن أَمُت / فَوَهّابُها سَلّابُها وَنَزُوعُها
غَرامٌ أَثارَتهُ الحَمامُ السَواجِعُ
غَرامٌ أَثارَتهُ الحَمامُ السَواجِعُ / ونارُ جَوىً أَذكَت لَظاها المَدامِعُ
وَقَلبٌ إِذا ما قُلتُ يُعقِبُ راحَةً / أَبَت حُرَقٌ تَأتي بِهِنَّ الفَجائِعُ
أَفي كُلِّ يَومٍ للحَوادِثِ عَدوَةٌ / لَها في سُوَيدَا حَبَّةِ القَلبِ صادِعُ
فَلو أَنَّ هَذا الدَهرَ لا دَرَّ دَرُّهُ / يُسالِمُ أَربابَ العُلى وَيُوادِعُ
وَلَكِنَّهُ يَختارُ كُلَّ مُهَذَّبٍ / لَهُ الفَضلُ فينا وَاللُهى وَالدَسائِعُ
أَبَعدَ اِبنِ إِبراهِيمَ يا دَهرُ يُبتَغى / إِلَيكَ خُلودٌ أَو تُرَجّى صَنائِعُ
تَعِستَ لَقَد عَلَّمتَنا بَعدَهُ البُكا / وَعَرَّفتَنا بِالثُكلِ ما الحُزنُ صانِعُ
فَتىً كانَ بَرّاً بِالعَشيرَةِ راحِماً / رَؤُوفاً بِها لا تَزدَهيهِ المَطامِعُ
وَلَم تَلقهُ في مَحفَلٍ مِن نَدِيِّهِ / يُشاري عَلى ما ساءَها وَيُبايِعُ
وَلَو شاءَ جازى بِالعُقوبَةِ قُدرَةً / وَلَكِن لَهُ مِن خَشيَةِ اللَهِ رادِعُ
يَصُدُّ عَن العَوراءِ حَتّى كَأَنَّما / بِهِ صَمَمٌ عَمّا يَقولُ المُقاذِعُ
كَريمُ الثَنا تَأبى الدَنِيَّةَ نَفسُهُ / هُمامٌ لِأَبوابِ الحَوادِثِ قارِعُ
لَهُ حِكَمٌ مَأثورَةٌ حينَ تَلتَقي / بِآرائِها عِندَ المُلوكِ المَجامِعُ
يَقولُ فَلا يُخطي إِذا ما تَأَخَّرَت / عَنِ القَولِ ساداتُ الرِجالِ المَصاقِعُ
جَميلُ السَجايا كُلَّما اِزدادَ رِفعَةً / تَواضَعَ حَتّى قيلَ ماذا التَواضُعُ
سَواءٌ عَلَيهِ في القَضِيَّةِ مَن دَنَت / بِهِ الرَحِمُ القُربى وَمَن هُوَ شاسِعُ
نَشا مُذ نَشا لَم يَدرِ ما الجَهلُ وَالخَنا / وَسادَ بَني أَيّامِهِ وَهوَ يافِعُ
وَلا عَرَفَ العَوراءَ يَوماً وَلا اِنتَحى / إِلى خطَّةٍ يَبغي بِها مَن يُقاذِعُ
إِذا قيلَ مَن أَوفى مَعَدٍّ بِذِمَّةٍ / أَشارَت إِلَيهِ بِالبَنانِ الأَصابِعُ
لَقَد فُجعَت غُنمٌ وَبَكرٌ وَطُوطِئَت / لِمَهلِكِهِ أَكتادُها وَالقَبائِعُ
كَما فُجِعَت مِن قَبلِهِ بِجِدُودِهِ / بَنُو جُشَمٍ وَالمَجدُ لِلمَجدِ تابِعُ
فَصَبراً بَنِي مَستُور فَالدَهرُ هَكَذا / وَكُلٌّ عَلَيهِ لِلمَنايا طَلائِعُ
فَفيكُم بِحَمدِ اللَهِ حِصنٌ وَمَعقِلٌ / وَنُورٌ مُبينٌ يَملَأُ الأُفقَ ساطِعُ
فَمَن كانَ عَبدُ اللَهِ مِنهُ خَليفَةً / فَما ماتَ إِلّا شَخصُهُ لا الطبائِعُ
فَتىً لَم يَزَل مُذ كانَ قَبلَ اِحتِلامِهِ / يُدافِعُ عَنكُم جاهِداً وَيُصانِعُ
فَما عاشَ فَالبَيتُ الرَفيعُ عِمادُهُ / يَطولُ عَلى الأَيّامِ وَالرَبعُ واسِعُ
وُقِيتَ الرَدى وَالسُوءَ يا با مُحمَّدٍ / وَحَلَّت بِمَن يَهوَى رَداكَ القَوارِعُ
تَعَزَّ فَكُلٌّ سَالِكٌ لِسَبيلِهِ / وَكُلُّ اِمرِئٍ مِن خَشيَةِ المَوتِ جازِعُ
وَنَحنُ سَواءٌ في المُصابِ وَإِن نَأَت / بِنا الدارُ فَالأَرحامُ مِنّا جَوامِعُ
وَلا شَكَّ مِنّا في التَأَسّي وَإِنَّما / نُعَزِّيكَ إِذ جاءَت بِذاكَ الشَرائِعُ