المجموع : 3
أَيُّها الوَسمِيُّ زُر نَبتَ الرُبا
أَيُّها الوَسمِيُّ زُر نَبتَ الرُبا / وَاِسبِقِ الفَجرَ إِلى رَوضِ الزَهَر
حَيِّهِ وَاِنثُر عَلى أَكمامِهِ / مِن نِطافِ الماءِ أَشباهَ الدُرَر
أَيُّها الزَهرُ أَفِق مِن سِنَةٍ / وَاِصطَبِح مِن خَمرَةٍ لَم تُعتَصَر
مِن رَحيقٍ أُمُّهُ غادِيَةٌ / ساقَها تَحتَ الدُجى رَوحُ السَحَر
وَاِنفَحِ الرَوضَ بِنَشرٍ طَيِّبٍ / عَلَّهُ يوقِظُ سُكّانَ الشَجَر
إِنَّ بي شَوقاً إِلى ذي غُنَّةٍ / يُؤنِسُ النَفسَ وَقَد نامَ السَمَر
إيهِ يا طَيرُ أَلا مِن مُسعِدٍ / إِنَّني قَد شَفَّني طولُ السَهَر
قُم وَصَفِّق وَاِستَحِر وَاِسجَع وَنُح / وَاِروِ عَن إِسحاقَ مَأثورَ الخَبَر
ظَهَرَ الفَجرُ وَقَد عَوَّدتَني / أَن تُغَنّيني إِذا الفَجرُ ظَهَر
غَنِّني كَم لَكَ عِندي مِن يَدٍ / سَرَّتِ الأَشجانَ عَنّي وَالفِكَر
اِخرِقِ السَمعَ سِوى مِن نَبَإٍ / خَرَقَ السَمعَ فَأَدمى فَوَقَر
كُلَّ يَومٍ نَبأَةٌ تَطرُقُنا / بِعَجيبٍ مِن أَعاجيبِ العِبَر
أُمَمٌ تَفنى وَأَركانٌ تَهي / وَعُروشٌ تَتَهاوى وَسُرُر
وَجُيوشٌ بِجُيوشٍ تَلتَقي / كَسُيولٍ دَفَقَت في مُنحَدَر
وَرِجالٌ تَتَبارى لِلرَدى / لا تُبالي غابَ عَنها أَم حَضَر
مَن رَآها في وَغاها خالَها / صِبيَةً خَفَّت إِلى لِعبِ الأُكَر
وَحُروبٌ طاحِناتٌ كُلَّما / أُطفِئَت شَبَّ لَظاها وَاِستَعَر
ضَجَّتِ الأَفلاكُ مِن أَهوالِها / وَاِستَعاذَ الشَمسُ مِنها وَالقَمَر
في الثَرى في الجَوِّ في شُمِّ الذُرا / في عُبابِ البَحرِ في مَجرى النَهَر
أَسرَفَت في الخَلقِ حَتّى أَوشَكوا / أَن يَبيدوا قَبلَ ميعادِ البَشَر
فَاِصمِدوا ثُمَّ اِحمَدوا اللَهَ عَلى / نِعمَةِ الأَمنِ وَطيبِ المُستَقَرّ
نِعمَةُ الأَمنِ وَما أَدراكَ ما / نِعمَةُ الأَمنِ إِذا الخَطبُ اِكفَهَرّ
وَاِشكُروا سُلطانَ مِصرٍ وَاِشكُروا / صاحِبَ الدَولَةِ مَحمودَ الأَثَر
نَحنُ في عَيشٍ تَمَنّى دونَهُ / أُمَمٌ في الغَربِ أَشقاها القَدَر
تَتَمَنّى هَجعَةً في غِبطَةٍ / لَم تُساوِرها اللَيالي بِالكَدَر
إِنَّ في الأَزهَرِ قَوماً نالَهُم / مِن لَظى نيرانِها بَعضُ الشَرَر
أَصبَحوا لا قَدَّرَ اللَهُ لَنا / في عَناءٍ وَشَقاءٍ وَضَجَر
نُزَلاءٌ بَينَنا إِن يُرهَقوا / أَو يُضاموا إِنَّها إِحدى الكُبَر
فَأَعينوهُم فَهُم إِخوانُكُم / مَسَّهُم ضُرٌّ وَنابَتهُم غِيَر
أَقرِضوا اللَهَ يُضاعِف أَجرَكُم / إِنَّ خَيرَ الأَجرِ أَجرٌ مُدَّخَر
أَيُّها الطِفلُ لَكَ البُشرى فَقَد
أَيُّها الطِفلُ لَكَ البُشرى فَقَد / قَدَّرَ اللَهُ لَنا أَن نُنشَرا
قَدَّرَ اللَهُ حَياةً حُرَّةً / وَأَبى سُبحانَهُ أَن تُقبَرا
لا تَخَف جوعاً وَلا عُرياً وَلا / تَبكِ عَيناكَ إِذا خَطبٌ عَرا
لَكَ عِندَ البِرِّ في مَلجَئِهِ / حَيثُ تَأوي خاطِرٌ لَن يُكسَرا
حَيثُ تَلقى فيهِ حَدباً وَتَرى / بَينَ أَترابِكَ عَيشاً أَنضَرا
لا تُسِئ ظَنّاً بِمُثرينا فَقَد / تابَ عَن آثامِهِ وَاِستَغفَرا
كانَ بِالأَمسِ وَأَقصى هَمِّهِ / إِن أَتى عارِفَةً أَن يَظهَرا
فَغَدا اليَومَ يُواسي شَعبَهُ / وَهوَ لا يَرغَبُ في أَن يُشكَرا
نَبَّهَت عاطِفَةَ البِرِّ بِهِ / مِحنَةٌ عَمَّت وَمِقدارٌ جَرى
جَمَعَتنا في صَعيدٍ واحِدٍ / وَأَرادَتنا عَلى أَن نُقهَرا
فَتَعاهَدنا عَلى دَفعِ الأَذى / بِرُكوبِ الحَزمِ حَتّى نَظفَرا
وَتَواصَينا بِصَبرٍ بَينَنا / فَغَدَونا قُوَّةً لا تُزدَرى
أَنَشَرَت في مِصرَ شَعباً صالِحاً / كانَ قَبلَ اليَومِ مُنفَكَّ العُرا
كَم مُحِبٍّ هائِمٍ في حُبِّها / ذادَ عَن أَجفانِهِ سَرحَ الكَرى
وَشَبابٍ وَكُهولٍ أَقسَموا / أَن يَشيدوا مَجدَها فَوقَ الذُرا
يا رِجالَ الجِدِّ هَذا وَقتُهُ / آنَ أَن يَعمَلَ كُلٌّ ما يَرى
مَلجَأً أَو مَصرِفاً أَو مَصنَعاً / أَو نِقاباتٍ لِزُرّاعِ القُرى
أَنا لا أَعذِرُ مِنكُم مَن وَنى / وَهوَ ذو مَقدِرَةٍ أَو قَصَّرا
فَاِبدَؤوا بِالمَلجَإِ الحُرِّ الَّذي / جِئتُ لِلأَيدي لَهُ مُستَمطِرا
وَاِكفُلوا الأَيتامَ فيهِ وَاِعلَموا / أَنَّ كُلَّ الصَيدِ في جَوفِ الفَرا
أَيُّها المُثري أَلا تَكفُلُ مَن / باتَ مَحروماً يَتيماً مُعسِرا
أَنتَ ما يُدريكَ لَو أَنبَتَّهُ / رُبَّما أَطلَعتَ بَدراً نَيِّرا
رُبَّما أَطلَعتَ سَعداً آخَراً / يُحكِمُ القَولَ وَيَرقى المِنبَرا
رُبَّما أَطلَعتَ مِنهُ عَبدَهُ / مَن حَمى الدينَ وَزانَ الأَزهَرا
رُبَّما أَطلَعتَ مِنهُ شاعِراً / مِثلَ شَوقي نابِهاً بَينَ الوَرى
رُبَّما أَطلَعتَ مِنهُ فارِساً / يَدخُلُ الغيلَ عَلى أُسدِ الشَرى
كَم طَوى البُؤسُ نُفوساً لَو رَعَت / مَنبِتاً خِصباً لَكانَت جَوهَرا
كَم قَضى العُدمُ عَلى مَوهِبَةٍ / فَتَوارَت تَحتَ أَطباقِ الثَرى
كُلُّ مَن أَحيا يَتيماً ضائِعاً / حَسبُهُ مِن رَبِّهِ أَن يُؤجَرا
إِنَّما تُحمَدُ عُقبى أَمرِهِ / مَن لِأُخراهُ بِدُنياهُ اِشتَرى
عَلَّمونا الصَبرَ يُطفي ما اِستَعَر
عَلَّمونا الصَبرَ يُطفي ما اِستَعَر / إِنَّما الأَجرُ لِمَفجوعٍ صَبَر
صَدمَةٌ في الغَربِ أَمسى وَقعُها / في رُبوعِ الشَرقِ مَشئومَ الأَثَر
زَلزَلَت في أَرضِ مِصرٍ أَنفُساً / لَم يُزَلزِلها قَرارُ المُؤتَمَر
ما اِصطِدامُ النَجمِ بِالنَجمِ عَلى / ساكِني الأَرضِ بِأَدهى وَأَمَر
قَطَفَ المَوتُ بَواكيرَ النُهى / فَجَنى أَجمَلَ طاقاتِ الزَهَر
وَعَدا المَوتُ عَلى أَقمارِنا / فَتَهاوَوا قَمَراً بِعدَ قَمَر
في سَبيلِ النيلِ وَالعِلمِ وَفي / ذِمَّةِ اللَهِ قَضى الإِثنا عَشَر
أَي بُدورَ الشَرقِ ماذا نابَكُم / في مَسارِ الغَربِ مِن صَرفِ الغِيَر
نَبَأٌ قَطَّعَ أَوصالَ المُنى / وَأَصَمَّ السَمعَ مِنّا وَالبَصَر
كَم بِمِصرٍ زَفرَةٌ مِن حَرِّها / كُنِسَ الأَعفَرُ وَالطَيرُ وَكَر
كَم أَبٍ أَسوانَ دامٍ قَلبُهُ / مُستَطيرِ اللُبِّ مَفقورِ الظَهَر
ساهِمَ الوَجهِ لِما حَلَّ بِهِ / سادِرَ النَظرَةِ مِن وَقعِ الخَبَر
كَم بِها والِدَةٍ والِهَةٍ / عَضَّها الثُكلُ بِنابٍ فَعَقَر
ذاتِ نَوحٍ تَحتَ أَذيالِ الدُجى / عَلَّمَ الأَشجانَ سُكّانَ الشَجَر
تَسأَلُ الأَطيارَ عَن مُؤنِسِها / كُلَّما صَفَّقَ طَيرٌ وَاِصطَحَر
تَسأَلُ الأَنجُمَ عَن واحِدِها / كُلَّما غُوِّرَ نَجمٌ أَو ظَهَر
تَهَبُ العُمرَ لِمَن يُنبِئُها / أَنَّهُ أَفلَتَ مِن كَفِّ القَدَر
وَيحَ مِصرٍ كُلَّ يَومٍ حادِثٌ / وَبَلاءٌ ما لَها مِنهُ مَفَر
هانَ ما تَلقاهُ إِلّا خَطبُها / في تُرابٍ مِن بَنيها مُدَّخَر
قَد ظَلَمتُم مَجدَهُم في نَقلِهِم / إِنَّما نَقلَتُهُم إِحدى الكُبَر
فَسَواءٌ في تُرابِ الشَرقِ أَم / في تَرابِ الغَربِ كانَ المُستَقَر
أَأَبَيتُم أَن نَرى يَوماً لَنا / في رُبوعِ العِلمِ شِبراً فَنُسَر
أَضَنِنتُم أَن تُقيموا بَينهُم / شاهِداً مِنّا لِكُتّابِ السِيَر
وَمَزاراً كُلَّما يَمَّمَهُ / ناشِئٌ حَيّا ثَراهُ وَاِدَّكَر
وَدَليلاً لِاِبنِ مِصرٍ كُلَّما / قامَ في الغَربِ بِمِصرٍ فَاِفتَخَر
كَم مَسَلّاتٍ لَنا في أَرضِهِم / صَوَّرَت مُعجِزَةً بَينَ الصُوَر
قُمنَ رَمزاً لِعُصورٍ قَد خَلَت / أَشرَقَ العِلمُ عَلَيها وَاِزدَهَر
فَاِجعَلوا أَمواتَنا اليَومَ بِها / خَيرَ رَمزٍ لِرَجاءٍ مُنتَظَر
أُمَّةُ الطِليانِ خَفَّفتِ الأَسى / بِصَنيعٍ مِن أَياديكِ الغُرَر
جَمَعَت كَفّاكِ عِقداً زاهِياً / مِن بَنينا فَوقَ واديكِ اِنتَثَر
وَمَشى في مَوكِبِ الدَفنِ لَهُم / مِن بَنيكُم كُلُّ مِسماحٍ أَغَر
وَسَعى كُلُّ اِمرِئٍ مُفضِلٍ / بادِيَ الأَحزانِ مَخفوضَ النَظَر
وَبَكَت أَفلاذُكُم أَفلاذَنا / بِدُموعٍ رَوَّضَت تِلكَ الحُفَر
وَصَنَعتُم صَنَعَ اللَهُ لَكُم / فَوقَ ما يَصنَعُهُ الخِلُّ الأَبَر
قَد بَكَينا لَكُمُ مِن رَحمَةِ / يَومَ مِسّينا فَأَرخَصنا الدُرَر
فَحَفِظتُم وَشَكَرتُم صُنعَنا / وَبَنو الرومانِ أَولى مَن شَكَر
أَي شَبابَ النيلِ لا تَقعُد بِكُم / عَن خَطيرِ المَجدِ أَخطارُ السَفَر
إِنَّ مَن يَعشَقُ أَسبابَ العُلا / يَطرَحُ الإِحجامَ عَنهُ وَالحَذَر
فَاِطلُبوا العِلمَ وَلَو جَشَّمَكُم / فَوقَ ما تَحمِلُ أَطواقُ البَشَر
نَحنُ في عَهدِ جِهادٍ قائِمٍ / بَينَ مَوتٍ وَحَياةٍ لَم تَقِر