المجموع : 174
لا تبكِ مَيْتاً ولا تَفرحْ بمولودِ
لا تبكِ مَيْتاً ولا تَفرحْ بمولودِ / فالميْتُ للدُّودِ والمولودُ للدُّودِ
وكُلُّ ما فوقَ وجْهِ الأرْضِ تنظرُهُ / يُطوَى على عَدَمٍ في ثوبِ موجودِ
بئسَ الحياةُ حياةٌ لا رَجاء لها / ما بينَ تصويبِ أنفاسٍ وتصعيدِ
لا تستقرُّ بها عينٌ على سنَةٍ / الأعلى خوف نومٍ غيرِ محدُود
ما أجهَلَ المرْءَ في الدُّنيا وأغفَلَهُ / ولا نُحاشي سُليمانَ بنَ دَاودِ
يرى ويعلمُ ما فيها على ثقةٍ / منهُ ويغترُّ منها بالمواعيدِ
كلٌّ يفارِقها صَفْرَ اليدَينِ بلا / زادٍ فما الفرقُ بينَ البخلِ والجُودِ
يَضَنُّ بالمالِ محموداً يُثابُ بهِ / طَوعاً ويُعطيهِ كرْهاً غيرَ محمودِ
هانَ المَعادُ فما نفسٌ به شُغِلَتْ / عن رَبَّة العُودِ أو عن رَنَّةِ العُودِ
يا أعيُنَ الغِيدِ تَسْبينا لواحِظُها / قِفِي انظُري كيفَ تُمسي أعيُنُ الغيِدِ
يبدوُ الهِلاَلُ ويأتي العِيدُ في أنَقٍ / ماذا الهِلاَلُ وماذا بَهجةُ العيدِ
يومٌ لغيركَ ترجوهُ وليسَ لهُ / كُلٌّ ليومٍ غَدَاةَ البينِ مشهودِ
قد صغَّرَ الدَّهرُ عندي كلَّ ذي خَطرٍ / حتى استوى كلُّ مرحومٍ ومحسودِ
إذا فُجِعتُ بمفقودٍ صَبَرتُ لهُ / إني سأتركُ مفجوعاً بمفقودِ
يا من لهُ منهُ أهلٌ لا جَزِعْتَ على / أهلٍ وهل لكَ رُكنٌ غيرُ مهدُودِ
لسْنا نُعزّيكَ إجلالاً وتَكْرِمةً / فأنتَ أدرى ببُرهانٍ وتقليدِ
لكل داءٍ دواءٌ يُستطبُ بهِ / وليس للحُزنِ إلا صَبرُ مجهودِ
والصَّبرُ كالصَّدرِ رُحباً عندَ صاحبهِ / فإنَّ صبركَ مثلُ البِيد في البيِدِ
لله أيَّةُ عينٍ غيرُ باكيةٍ / تُرى وأيُّ فُؤادٍ غيرُ مفؤودِ
إن كانَ لا بدَّ ممَّا قد بُليتَ بهِ / هانَ البِلى بينَ موعودٍ ومنقودِ
حاشاكَ من خُطَّةٍ للقوم باطلةٍ / منها الأسى لِفَواتٍ غيرِ مردودِ
فالحِلمُ في القلبِ مثلُ السُورِ في بَلَدٍ / والعِلمُ في العقلِ مثلُ الطوقِ في الجِيدِ
أنت الخليلُ وفي الأطلال بردُ لظىً
أنت الخليلُ وفي الأطلال بردُ لظىً / أطلالِ عكَّا ورَفضُ الرُعْبِ والحَذَرِ
كن بالغاً أوجَ سعدٍ ما بهِ ضررٌ / أو غالباً لم يزَل في أوَّل الظفرِ
الزهرُ تَبسِمُ نُوراً عن أقاحيها
الزهرُ تَبسِمُ نُوراً عن أقاحيها / إذا بكى من سحابِ الفَجْرِ باكيها
نورُ الأقاحي الذي ما بالحياءِ بهِ / من صِحَّةٍ وصَفاءٍ عَزَّ مُنشيها
تلكَ الرُبوعُ لليلى أينَ مَربَعُها / عن قصدِهِ وسُيوفُ العُرْبِ تَحْميها
أدماءُ تَجْني على الأكباد مُصليةً / تَبارَكَ اللهُ ما أحلَى تَجَنّيها
ليْلَى ولي شَوقُ قيسٍ في محبّتها / فشِعرهُ فجُنونٌ شابَهُ فيها
خالٌ لها عَمَّهُ وَرْدٌ بَدا حَرَماً / في وَجنةٍ حُمِيَتْ عمَّن يُدانيها
للهِ مُقلَتُها السوداءُ صائدةً / قُلوبَ عُشّاقها والقُرطُ راعيها
يقول قومي رُويداً قد سَقِمتَ هوىً / فقُلتُ مَهْلاً شفائي من نواحيها
لعلَّ صافي نسيمٍ من خَمائلها / أتَى يَهُبُّ على رُوحي فيشفيها
وبي رِقاقُ ليالٍ في النقاءِ وَفَت / بِيضُ اللّقاءِ فما أهَنى لياليها
في جَنَّةٍ حُوْرُها تزهو بنا وبها / لو كان يصفو خُلودٌ في روابيها
يَهُزُّني ذِكرُها وجداً فأَعْلَمُهُ / جُرحاً ورُوحي تراهُ من مجَانيها
أسأتُ كتمَ الهوى والصَبُّ كيف لهُ / سِترٌ وأدمُعُهُ قد هلَّ واشيها
ليسَ الهوى بخفيٍّ عندَ رادِعِهِ / فكيفَ ناشرُهُ يَطْويِهِ تمويها
استودعُ اللهَ صبراً ما أُمارِسُهُ / ومُهجةً عن حِسانٍ لَسْتُ أَحميها
طاب الهوى والضنى واللَومُ لي فدَمِي / أُسَرُّ في بذلِهِ في حيِّ أَهليها
لَبَّيكَ يا لحظَها الجاني على كَبِدٍ / سالتْ أسىً في الهَوَى لولا تأَسِّيها
إنْ تعفُ طوعاً فإنّ العفوَ لي أرَبٌ / أو لا فرَيحانُ رُوحي في تَفانيها
ليتَ الصِبا عاد لي بعد المَشيبِ على / شرطِ الوفا وهْوَ مِن تجلّيها
بِكرٌ محجَّبةٌ لا تنجلي لحياً / حتى من النَجمِ حتّى ما يُلاقيها
راقَ الدَّلالُ لها والذُلُّ لي أبَداً / ولم يَرُقْ كأْسُ وردي من تدانيها
دمعي ومَبِسمُها الدُّرُّ الثمينُ صدىً / لمُهجتي فبصَبرِ القلبِ أُرْويها
لمّا رأت جِدَّ وَجْدي في محبَّتها / قامت بسيماءِ هَزْلٍ عينُها تِيها
ظنَّ الجَهُولُ الهَوَى سَهْلاً لوالجِهِ / مَهْلاً فقد تاهَ جهلاً أو عَمِي تِيها
يَهيجُهُ غزلُ عينٍ جاءَ حائكُهُ / يَحُوكُ بُرْدَ الضنَى حَلْياً لهاويها
إنَّ العُيونَ التي بانت لَطائفُها / لها خَفاءُ معانٍ ليسَ نَدريها
طلاسمٌ سحرُها المرموزُ طالعةٌ / أَشكالُهُ في سُطورٍ حارَ قاريها
لواحظٌ لُحْنَ في زِيِّ الحِدادِ لِكَي / يُبرِزنَ حُزناً على قَتْلَى رواميها
الناهباتُ البواكي المبكياتُ فقد / كَفّت عقولُ البرايا عن معانيها
لولا سَوادٌ لها ما أبيضَّ فَوْدِيَ عن / شَيبي ولا احمرَّ دمعي من تهاديهَا
عزيزةُ الحُسن من أحكام دولتِهِ / أنْ يجنيَ الذُلَّ دهراً من يُواليها
كلُّ الجراحاتِ مُشفيها الدواءُ سِوَى / جِراحِها أينَ حلَّت فَهيَ مُشفيها
إلى العُيونِ التي في طرفها حَوَرٌ / عَهدُ الرِعايةِ رِقّاً من مُحبيّها
ويلاهُ من زَيْغها داءً نطيبُ بهِ / فلا شُفينا بِعتقٍ من دياجيها
رُوحي وعيني فِدَى عينٍ مُطهَّرةٍ / ومُهجةٍ للّتي بالنَّفسِ أفديها
فَهْيَ الجميلةُ لكن بين عاشقها / والصبرِ جورٌ قبيحٌ من تجافيها
ضاعَ الزمانُ وطالَ الوجدُ وا أَسفي / ولم يقصِّرْ سباقي في تصابيها
أشابَني عَتْبُها قُرباً فأزهَدَها / وعَيَّرتْني بشيءٍ جاءَ من فِيها
للشَيْبِ أنفعُ طِبٍ في الفتى نَبَأً / بما يوافي وترهيباً وتنبيها
رأسٌ يُصفِّدُهُ نامي الصِبا عَبَثاً / بأَدهمِ الشَعْرةِ النَدّابِ ناميها
عيشٌ قصيرٌ طويل الرُّعبِ أعدَلُهُ / ما يَقصُرُ النفسَ قُرباً نحوَ باريها
برقُ المُنى خُلَّبٌ إلا أقلَّ حِبَىً / تَقِرُّ عَينٌ بهِ رَصدْاً يُسلّيها
والناس من يشتهي ما المطلُ حاصلُهُ / ومن تفيهِ عِدَاتٌ نام داعيها
أعوذ بالله من علمٍ بلا عملٍ / ومن تَدارُكِ نفسٍ كَلَّ راعيها
لَوَّامةٌ أوقفتني لا أُطاوعُها / ولا يُحبِّبُ ضُعفِي أنْ أُعاصيها
حَلَت لها النّارُ دُونَ العارِ في دُوَلٍ / من حاسديها بأَرضٍ سالَ واديها
ذَرْني وما بيَ هل لَومٌ عليَّ بها / وقد مُلئِتُ ومَلَّتْ من أعاديها
رِماحَكم يا كرامَ الحيِّ لا تَقِفوا / ولا تَرُعْكُم بِلىً جَدَّت دواهيها
كُلُّ البلايا من الدُنيا مَتَى نَزَلَتْ / بنا فنِيرانُ إبراهيمَ تُفنيها
نارٌ ونُورٌ متى قال النِّزالُ لهُ / والجُودُ هاتِ يداً لم يُلقَ ثانيها
بَنَى من العِزِّ بيتاً دُونَ أعمدةٍ / سِوَى قَناةٍ لهُ عَزّتْ مبانيها
اللوذعيُّ العزيزُ الباسلُ المَلِكُ ال / غازي المَلا بِيَدٍ حَسْبي أياديها
للسيفِ والرُمحِ والأقلامِ قد وُلِدَتْ / راحاتُهُ ولِسُؤَّالٍ تفاجيها
غازٍ مَهيبٌ حسيبٌ ماجدٌ نَجِبٌ / صافي الصِفاتِ نفيسُ النفسِ زاكيها
أقوالُهُ خُطَبٌ أفعالُهُ شُهُبٌ / آراؤهُ قُضُبٌ باللهِ حاميها
أحيى المحامدَ مُفداةً مُسلِّمةً / أليسَ أموالُهُ تَفنى وتُبقيها
وَردَّ ما مرَّ من عَدلِ الصَحابةِ لا / يلهو بزَهرٍ ولا خمرٍ يُعاطيها
جَرَّارُ خيلٍ يَحِلُّ البأسُ جانِبَها / والفتحُ والحتفُ عَدلاً بين أيديها
سَلْ قومَ عكاءَ حِينَ اربَدَّ مشرِقُها / والشأمَ والتُركَ لمَّا اسودَّ ناديها
عبدُ الخليلِ لعبد اللهِ صارَ بها / إسما وشبهَ اسمهِ راحت أساميها
داسَ البلادَ بإذن اللهِ يكسِرها / وتَكسِرُ السيفَ نَزْعاً من نَواصيها
ماجت سراياهُ أبطالاً بسَطْوتها / تُبقي وفيّاً وتُبلي مَن يُعاديها
أحبِبْ بأصيَدَ تحكي الدَّهرَ همَّتُهُ / لكن متى نابَ شرٌّ مَن يحاكيها
بعيدُ قدْرٍ عن الأمثالِ ليسَ لهُ / شبهٌ فما مَدحُهُ ما جاءَ تَشبيها
هوَ الذي حجُّ آلِ البيتِ جاءَ بهِ / بعدَ الذَّهابِ جَلِيِّ الطُرْقِ جاليها
ضلَّ السُعوديُّ وَهَّابُ السوادِ فما / أهداهُ إلاَّ ببرْقِ البيض واليها
رَسولُ حَقٍّ نِزالُ الحربِ سُنَّتهُ / وفَرْضُهُ الجِدُّ بالجَدْوى يُواليها
رامَ الحجازَ وسُودَ الزّنجِ ثمَّ رَمَى / فيها القِتالَ وأمَّ الرُومَ يَرْميها
اللهُ أكبرُ هذا حالُ مَنْ جَلَسَ ال / أَيَّامَ فوقَ سُروجِ الخيلِ يُدميها
والحمدُ للهِ لم تَقصُرْ بواكرُهُ / في ما يقوُمُ ولم تُحصرْ مساعيها
غَلاَّبُ نادٍ وأجنادٍ يُعاهِدُهُ / نصرٌ قريبٌ على لُطفٍ يماشيها
أحصى المُنى والثَّنا والحَزْمَ والكَرَمَ ال / أسنى وآياتِ عدلٍ لَستُ أُحصيها
لا أعقَبَ الويلُ مِصراً وَهْوَ تارِكُها / همّاً فجُودُ يَديهِ جاءَ يُغنيها
بحرٌ وبدرٌ وليثٌ لا يُرَدُّ لهُ / أَمرٌ وصَمْصامةٌ سبحانَ باريها
أبو الفُتوحاتِ أُمُّ الحربِ طاهيها / سُلطانُ ساحاتِ بَرِّ العُرْبِ واقيها
لهُ البلادُ بأشخاصِ العبادِ بما / أبقَى التِلادُ بما حاطت أقاصيها
محمَّديٌّ عليٌّ شأْنُهُ كُسِرَتْ / طوارقُ الرَوع باسمٍ منهُ يأتيها
يا يومَ عُثمانَ لم يَقفُلْ بباكرِهِ / إلاَّ حفايا ظُعونٍ وَهْوَ حاديها
زَلَّت به قَدَمٌ جاءَت بهِ مَرَحاً / فرَدّها عن يدٍ والنَّصرُ تاليها
لسيفِ سُلطانِ مصرٍ هَيبةٌ لقِيَ ال / بلادَ حيٌّ بها يا سَيفَ غازيها
فاقَ الثَّنا أنَّكَ الدُّنيا وقاهِرُها / سعداً وحاكمُها حقاً وقاضيها
يا فاتحَ المنصِبِ الطاري نَدَىً وردىً / على الصَدَى والعِدَى يُخلِي طواريها
أتيتُ نحوَك أُحْيي الليلَ عن عَجَلٍ / وأقتُلُ الخيلَ جوَّاباً أُزَجّيها
واللهُ يشهَدُ كم ليلٍ سَهِرتُ بكم / أجلو رقيمةَ دُرٍ رُدَّ جاليها
لم يأتها قَبْلُ إلاّ شاكرٌ عَجَباً / وجئتُ بعدُ فأهدتني قوافيها
أبقَت صُداعاً برأسٍ راحَ يسلُبُهُ / وحبَّذا سَلبُ أدواءٍ تُداويها
لم ألقَ كُفْواً لها مِمَّنْ رَفَعتُ يدي / قبلاً إليه فلم أهتمَّ تنزيها
ظلَّ البديعُ لها عَبداً يُلِمُّ بها / وكلُّ خَطبٍ سليمٌ عِندَ راقيها
فانعَمْ بها وهْيَ فَلْتَنْعَمْ بمُكرِمها / جُوداً ومُعظِمِها جاهاً ومُعُليها
راقَتْ كأدنَى مَعانيكَ الحِسانِ فما / آياتُ حقٍ كشَطْرٍ من مَبانيها
لكَ الهناءُ بما أوتِيتَ مُعتذِرا
لكَ الهناءُ بما أوتِيتَ مُعتذِرا / قد قَلَّ مبلغُ ما تُعطَى وإنْ كَثُرا
إذا هَنِئْتَ بأمرٍ عزَّ جانبُهُ / فإنهُ بكَ أهنَى فَهْوَ قد ظَفِرا
للهِ شمسُ جَمالٍ أدرَكَتْ قمراً / والشمسُ لا ينبغي أن تُدرِكَ القمَرا
أحلَّها الأسَدُ الميمونُ طالعهُ / بُرجاً لهُ فاكتَسَتْ من سَعدِهِ حِبَرا
يا قاسمَ اللِّمَمِ الشعثاءِ يومَ وَغىً / وقاسِمَ النِّعَمِ البيضاءِ يومَ قِرَى
أنتَ الكريمُ الذي طالتْ مواهبُهُ / على العُفاةِ ولكن وَعدُهُ قَصُرا
القائلُ القولَ مثلَ الفِعلِ عن ثِقةٍ / والفاعلُ الفعلَ مثلَ القولِ قد يَسُرا
ذَلَّتْ لديكَ صِعابُ الأمرِ صاغرةً / فما اُعتِذارُكَ أن لا تركَبَ الخَطَرا
قد علَّمَتنَا الليالي الصَبرَ من قِدَمٍ / وجِئتَنا فكَفيْتَ الصابرَ الضَجَرا
رُكنٌ إليهِ التَجَى الراجي فكان لَهُ / حِصْناً ولم يَضَعِ الباني بهِ حَجَرا
ألزَمتَ نفسَكَ نفعَ النَّاسِ مجتهداً / حتى تُوُهِّمْتَ أن لا تَعرِفَ الضَررَا
تَقضي الحوائِجَ مسروراً كصاحبها / كُلٌّ يُسَرُّ بما يهواهُ كيفَ جَرَى
ما خابَ منك و لا فيكَ الرَّجاءُ فقد / نلت الأماني ونِلنا عندَكَ الوَطَرا
إذا دعا لكَ داعينا فذاكَ لهُ / يدعو فلا فضلَ للداعي إذا اعتَبَرا
طَيفٌ بلُبنانَ من مِصرٍ إليَّ سَرَى
طَيفٌ بلُبنانَ من مِصرٍ إليَّ سَرَى / حتى إذا أنِسَت عيني به نَفرا
وَلّى يَشُقُّ أديمَ الليلِ معُتسفاً / فما عَرَفتُ لهُ عيناً ولا أثَرا
يا مُرسِلَ الطَّيفِ لو علَّمْتهُ كَرَماً / أُنْسَ اللقاءِ كما علَّمتَني السَهَرا
وكيفَ يأنَسُ ضَيفٌ حيثُ ليسَ لهُ / إلاّ سَخينةَ دمعٍ في الظَلامِ قِرَى
ما أنصَفَتْنا الليالي الغادراتُ بنا / دَجَتْ علينا ولم تترُكْ لنا القَمَرا
داءٌ نُعالجُهُ بالصبرِ وَهْوَ لنا / داءٌ وكم عِلَلٍ قد أَبرأت أُخَرا
غاب الحبيبُ فغابَ الأُنسُ عن فِئةٍ / خَيالهُ في سُويداواتِها حَضَرا
إن كانَ قد عَزَمَ الأسفارَ مُغترباً / فإنَّ أشواقَنا لا تَعرِفُ السَّفَرا
غال النَّوى عهدَ من تجلو لطائِفُهُ / سِحرَ البيانِ ويجلو وَجهُهُ السَحَرا
عَرَفتُ فيهِ قُصوري واعتَرَفتُ بهِ / فما أُبرِّئُ نفسي منهُ مُعتذِرا
يا أيُّها الحَسَنُ الميمونُ طالعُهُ / أحسَنتَ حتى ملأتَ السَمْعَ والبَصَرا
ما زلتَ تجلو علينا كُلَّ قافيةٍ / قد شبَّبَتْ بمعاني حُسنها الشُعَرا
يَهُزُّكَ الشِّعرُ إنشاداً فنحنُ بهِ / نَغُوصُ في البحر حتى نجتني الدُّرَرا
هذِهْ رسالةُ مشتاقٍ تذكِّرُكم / عهداً قديماً عساهُ قبلها ذُكِرا
ظمآنُ يحلو إذا اشتَدَّ الظَّماءُ لهُ / ماءٌ ولكنَّ في إفراطِهِ خَطَرا
طيفٌ إليَّ سرى عن غيرِ ميعادِ
طيفٌ إليَّ سرى عن غيرِ ميعادِ / يَشُقُّ لُبنانَ من أكنافِ بَغدادِ
تحمَّلَتْهُ ركابُ الشوقِ طائرةً / بهِ فسارَ بلا ماءٍ ولا زادِ
طيفُ الذي تملأُ الأقطارَ شُهرتُهُ / كأنَّما كلُّ ديوانٍ لهُ نادِ
إن تُحرَمِ العينُ مرآهُ فقد رُزِقَتْ / حديثَهُ الأُذْنُ مرفوعاً بإسنادِ
رَبُّ القوافي التي نهتزُّ من عَجَبٍ / لها فتهتزُّ عُجْباً عِندَ إنشادِ
من كلِّ حاضرةِ الألطافِ باديةٍ / تَبختَرَتْ بينَ أسبابٍ وأوتادِ
العالمُ العاملُ الميمونُ طائرُهُ / قُطبُ العراقَينِ في جمعٍ وإفرادِ
لهُ الكلامُ فإن نَبسُطْ إليهِ يداً / فقد جَنَينا على ميراثِ أجدادِ
تَهوي إلى الشِّعرِ من جهلٍ مطامعُنا / والشِّعرُ كَنْزٌ منيعٌ تحت أرصادِ
بحرٌ يجئ بدُرٍّ من جوانِبهِ / بعضٌ وبعضٌ بأصدافٍ وأعوادِ
قد عَزَّ عن حكماءِ العصرِ مطلبُهُ / وكانَ أيسَرَ مطلوبٍ على الحادي
شابَ الزمانُ فشابت فيه همَّتُنا / وذُلِّلَت جمرةُ الدنيا بإخمادِ
قد قلَّلَ الجَهلُ قدرَ العلمِ وا أسفَا / فقَلَّ مِقدارُهُ من بينِ أكبادِ
هيهاتِ ذلكَ من عزم الرُّعاةِ فهُم / بينَ الرعيَّةِ أرواحٌ لأجسادِ
والأمرُ إن لم يَقُمْ بالرأسِ مُعتضِداً / لم يَستقِلَّ بأكتافٍ وأعضادِ
يا طالما سَهِرتْ عينٌ على كُتُبٍ / كانَتْ تخافُ عليها عينَ حُسَّادِ
قد ضاعَ ما كَتَبَ الأقوامُ واجتهدوا / وما لِمَنْ قد أضلَّ اللهُ من هادِ
لا يَنجحُ العِلمُ حيثُ المالُ مُنَتَجَعٌ / هيهاتِ ما العِلمُ إلا خُلقُ زُهَّادِ
والمرءُ بالعِلمِ إنسانٌ يَسُودُ بهِ / حيّاً ومَيْتاً فذاكَ الرائحُ الغادي
بِضاعةٌ عندَ أهلِ الفضلِ رائجةٌ / وإنْ رَماها ذوُو بخْسٍ بإكسادِ
مَن كانَ يُرضي كِرامَ الناس في خُلُقٍ / فحبَّذا سخطُ أوباشٍ وأوغادِ
يا رافعاً رايةَ العلمِ التي انتَشَرَتْ / بفضلِهِ فوقَ أغوارٍ وأنجادِ
إليكَ تُزجى مطايا المدح مُثقَلةً / وهل تُقابَلُ أحمالٌ بأطوادِ
هذِهْ رسالةُ داعٍ يستجيرُ لها / من أن تَمُدَّ إليها طَرْفَ نَقَّادِ
ماذا تقومُ رِمالٌ في الكثيبِ لَدَى / مَن لا تقومُ لديهِ صَخْرةُ الوادي
فإنْ أجَبْتَ فما حَقُّ الجَوابِ لها / لكن ليَظَهرَ فَرْقٌ بينَ أضدادِ
المالُ يفرُقُ بينَ الأُمِّ والوَلَدِ
المالُ يفرُقُ بينَ الأُمِّ والوَلَدِ / فذاكَ أدنَى نسيبٍ عندَ كلِّ يدِ
عهدي بهِ خادماً كالعبدِ نَملِكُهُ / فما لعيني تراهُ سَيّدَ البَلَدِ
مالٌ يميلُ إليهِ المَرْءُ من صِغَرٍ / وكُلمَّا شَبَّ شَبَّ الحُبُّ في الكَبدِ
لو يجمَعُ اللهُ ما في الأرض قاطبةً / عندَ امرئٍ لم يَقُلْ حَسْبي فلا تَزِدِ
كلٌّ يروحُ من الدنيا الغَرُورِ كما / أتى بلا عَدَدٍ منها ولا عُدَدِ
لو كانَ يأخُذُ شيئاً قبلَنا أَحَدٌ / لم يبقَ شيءٌ لنا من سالفِ الأمَدِ
غِشاوةٌ في عُيُونِ الناسِ مُحكَمةٌ / تُفني العُيونَ ولا تَفنى إلى الأبدِ
عَلَتْ على كلِّ عالٍ في معَارِجهِ / ما لم يَكُنْ من رِجالِ اللهِ أهلِ غَدِ
إيَّاكَ أَعني حَماك اللهُ من رجُلٍ / نَراهُ في أرضِنا كالرُّوحِ في الجَسَدِ
نِلتَ الكَمالَ إلى ما فوقَ غايتِنا / فلا ينالُكَ منا طَوْرُ مُجتهدِ
القائلُ الحقَّ تحتَ السيفِ مشتهراً / والفاعلُ الخيرَ تحتَ البُغضِ والحَسدِ
خلُقٌ طُبِعتَ عليه لا تَمنَّ به / فلو أردت سبيلاً عنه لم تَجِدِ
من مَغربِ الأرضِ نَجْمٌ زانَ مَشرِقَها / تَفيضُ أنواؤُهُ بالدُّرِّ لا البَرَدِ
مَشَى على كَبِدِ الدُّنيا فما عَرَفَتْ / سيَّارةَ الأرضِ من سَيَّارةِ الجَلَدِ
فردٌ يَقُومُ على ساقٍ بما عَجَزَتْ / عنهُ الجُموعُ ولو قامَتْ على عُمُدِ
لا يُعجَبِ العَدَدُ الوافي بكَثرتِهِ / فرُبَّما غَلَبَتْهُ كَثرةُ المَدَدِ
أهلاً ببدرٍ تجلَّى بعدَ مغرِبِهِ / عَنّا وأشرَقَ بعد الخسفِ والكَمَدِ
حَسِبتُ مَرآهُ حُلْماً بعدَ عوْدتِهِ / فطالما زارَ في حُلمٍ ولم يَعُدِ
القلبُ بينَ الصَحْبِ أعدَلُ شاهِدٍ
القلبُ بينَ الصَحْبِ أعدَلُ شاهِدٍ / يُرضى وإن كانت شَهادةَ واحدِ
وإذا اتَّهمتَ أمينَ قلبِكَ مَرَّةً / وطَلَبتَ مُؤتَمَناً فَلَستَ بواجِدِ
نَظَرُ القُلوبِ إلى القُلوبِ أصحُّ من / لَحظَاتِ عينٍ للوُجوهِ رَواصِدِ
ولَقد يرى في البُعدِ قلبُ محقِّقٍ / ما لا ترَى في القُربِ عينُ مشاهدِ
وإذا بدَتْ للنَّاسِ مَعذِرةُ الفَتَى / أغنَتْهُ عن بَسْطِ اعتذارٍ عامِدِ
يحتالُ في عُذرِ الصديقِ صديقُهُ / أَيَعافُ مِنهُ قَبُولَ عُذرٍ وارِدِ
عَبِثَتْ بنا الأيَّامُ وهيَ بليَّةٌ / عُظمى وأعظمُها شِفاءُ الحاسدِ
وإذا رَجوتَ منَ الزَّمانِ سَلامةً / فهيَ الصَّلاحُ رَجَوتَهُ من فاسدِ
مَنْ عاشَ في الدُّنيا رأى في يَقْظةٍ / ما لا تَرَى في الحُلمِ عينُ الراقِدِ
يَرِدُ الشَّقاءُ منَ النَعيمِ وإنَّما / ليسَ الشَّقاءُ ولا النعيمُ بخالدِ
إنّي على العَهدِ القديمِ فلم تَحُلْ / تلكَ العُهودُ على حُؤُولِ مَعَاهِد
هيهاتِ لا يَبقَى على مُتقَارِبٍ / مَن كان لا يَبقَى على مُتباعِدِ
عهدٌ قديمٌ قد تَداوَلْنا بهِ / حَقَّ الوراثةِ والداً عن والدِ
ولَرُبَّما سَمَحَ الكريمُ بطارفٍ / من مالهِ عَفواً وضَنَّ بتالدِ
ورِسالةٍ أَنِسَ الفُؤاد بوفدها / أُنْسَ المريضِ إلى الطبيب الوافدِ
عَطَفَتْ على قلبي الكليمِ فحَبَّذا / صِلَةٌ تلقَّتْني بأكرمِ عائدِ
جاءَت بِطيبِ تحيَّةٍ أشهى لنا / نحنُ العِطاشَ منَ الزُلالِ الباردِ
تخَتالُ بين دَقائقٍ ورَقائقٍ / وتَميسُ تحتَ قَلائدٍ وفرائدِ
جَلَتِ العِتابَ على قَطيعةِ هاجرٍ / ولَعلَّ في الهِجرانِ بعضَ فوائدِ
لو لم يكُنْ سَبَبٌ لِعَتْبٍ لم يكن / سَبَبٌ لوَفْدِ رسائلٍ وقصائدِ
هذِهْ بِضاعتُنا التي ما مِثلُها / في سوقِ تاجرِها الخَبيرِ بكاسدِ
كَلِماتُ صِدقٍ في البَيانِ تصرَّفَت / من بَعضِ أبنيةِ الضَميرِ الجامدِ
قد جَدَّدتْ عَقْدَ الوَلاءِ وإنَّهُ / يَبقى فيلزَمُ بعدَ مَوتِ العاقدِ
تِلكَ السريرةُ عُمدةٌ مطلوبةٌ / والغيرُ مَعْها فضلةٌ كالزائدِ
فِدَى الجلابيبِ والأطمارِ من وَبَرِ
فِدَى الجلابيبِ والأطمارِ من وَبَرِ / ما تَصنعُ الفُرْس من وَشيٍ ومن حِبَرِ
يَزينُ في العَرَبِ الأثوابَ لابسُها / إنْ زانتِ اللاَّبسَ الأثوابُ في الحَضَرِ
ألَذُّ من نَغمِ الأوتارِ في غُرَفٍ / بيتٌ من الشِّعْر في بيتٍ من الشَّعرِ
وفوقَ نَشْرِ دُخَانِ العُود رائحةً / دُخانُ نار القِرَى تُسقَى دَمَ الجُزُرِ
إذا أردتَ الظِبَا اللآلي عهدتَ لها / نوافجَ المسكِ فاطلُبْها من القِفَرِ
هناك من ظَبَيات الوَحشِ ما شَغَلتْ / فؤَادَهُ ظَبَياتُ الأنسِ والخَفَرِ
من كلِّ خَزْراءِ عينٍ لا تُخَازِرُها / كحلاءَ ليسَ بها للكُحلِ من أثَرِ
إنَّ المليحةَ مَن كانت محاسنُها / من صَنعْةِ اللهِ لا من صَنعْةِ البَشَرِ
ما أنسَ لا أنْسَ يوماً دُمتُ أذكُرُهُ / وَوَقْفةً عن يَمين الحَيِّ من مُضَرِ
بِتْنا على الرَمْلةِ الوَعْساءِ نَحسَبُها / بحراً تمَوَّجَ بالأنعامِ والنَّفَرِ
تَقضِي النَّهارَ بسُمْر الخَطِّ فِتْيَتُهُم / على السُرُوجِ وتَقضيِ اللّيلَ بالسَمَرِ
يبيتُ يَرْوي عن الكنِديِّ راويةٌ / لنا ونَرْوي لهُ عن شيخِنا العُمَري
يا أيُّها المَلأُ استَمْلُوا قَصائِدَهُ / وكُنْ منَ السُّكرِ يا صاحي على حَذَرِ
فيها شِفاءٌ وأُنسٌ يستعينُ بهِ / مَن كانَ منكم مرِيضاً أو على سَفَرِ
راحٌ ورَوْحٌ ورَيحانٌ ورائحةٌ / راحت بريح الصَّافي راحة السَحرِ
يَستَوقِفُ الرَكْبَ عن ماءٍ على ظمَأٍ / إنشادُها فيخُيِلُ الوِرْدَ في الصَدَرِ
قُطبُ العِراقِ الذي في الشَّام شُهرتُهُ / إلى الحِجازِ فأرضِ الفُرْسِ والخَزَرِ
إن كانَ يَبعُدُ وَجهُ الأرضِ عن قمرٍ / فليسَ تَبعُدُ أرضٌ عن سَنَى القمرِ
دَلَّت على فضلِهِ السَّامي رسائلُهُ / لَمَّا أتت فعَرفْنا العُودَ بالثَمَرِ
رَضيتُ منهُ على بُعدِ الدِّيارِ بها / والجُهْدُ يُرضِيكَ بَعدَ العينِ بالأثَرِ
يا طالما زارَني طَيفٌ تَعاهَدني / في النَّومِ حَتَّى لقد ألقاهُ في السَّهَرِ
تَبيتُ في جَنَّةٍ من طِيبِ رُؤيتهِ / عيني وقلبي مِنَ الأشواقِ في سَقَرِ
دُونَ الأحِبَّةِ أجبالٌ وأودِيةٌ / ومِثلُ ذلكَ عِندي دُونَ مُصطَبري
تَخُونُني الرِّيحُ في حَمْلِ السَّلامِ لهم / منّي وتَكتُمُ عنّي صادقَ الخَبَرِ
أستودعُ اللهَ رُوحاً في الهَوَى رَضِيَت / دُونَ النَّوَى بِقضاءِ اللهِ والقَدَرِ
يَشُوقُها كُلَّ يومٍ من أَحِبتها / سَمْعٌ وشَتَّانَ بينَ السمْعِ والنَظَرِ
وَيلاهُ من زَمَنٍ دارتْ دَوائِرُهُ / فما نَبِيتُ بهِ إلاّ على خَطَرِ
يَخلُو منَ الصَّفْوِ دَهراً في تَكَدُّرِهِ / فإنْ صَفا ساعةً لم يَخْلُ من كَدَرِ
لا يَستقِيمُ على عَهدٍ لِذي ثِقَةٍ / ولا يُقيمُ على وَصلٍ لِذي وَطَرِ
إذا اجتمعْنا فإنَّ البينَ غايتُنا / كالقَوسِ تَجمَعُ بينَ السَّهْمِ والوَتَرِ
ما بالُ مُوسَى بلا سَمْعٍ ولا بَصَرِ
ما بالُ مُوسَى بلا سَمْعٍ ولا بَصَرِ / فلا يُجيبُ الذي يَدعُوهُ في السَحَرِ
ما بالُهُ مُعرِضاً عَنّا أمِنْ مَلَلٍ / عَراهُ أم شَغَلتْهُ أُهْبَةُ السَّفَرِ
ما بالُهُ اليومَ مغلولَ اليَدينِ وقد / كانتْ يَداهُ كنَصْلِ الصَّارمِ الذَكَرِ
قد كانَ بالأمسِ مُوسَى في مَجالِسِهِ / يُروي صَدَى السَمْعِ أو يجلو صَدا النظرِ
ويَفصِلُ الأمرَ والألبابُ في دَهَشٍ / ويُفصِحُ القولَ والأفواهُ في حَصَرِ
ويلَتقي الوَفْدَ بالتَّرْحابِ مُبتَسِماً / كأنهم وَفَدُوا بالخَيْلِ والبِدَرِ
يا صاحبي زُرْ ثَرَى موسى الكريمِ وقل / يا أكرمَ التُرْبِ هذا أكرمُ البَشَرِ
أظماكَ حَرُّ دُموعٍ قد سُقِيتَ بها / حتى سَقَتْكَ الغَوادي باردَ المَطَرِ
هل كانَ قَبلَكَ من رَمْسٍ برابيةٍ / أضحَى ضَريحاً فأمسَى مَنزِلَ القمَرِ
أتاكَ تابوتُ مُوسى في مَحافلِهِ / يَسعَى كتابوت عَهْدِ اللهِ فاعتبِرِ
من كانَ يعلُو سُروجَ الخيلِ مُذهَبةً / قد زاركَ اليومَ بالألواحِ والدُسُرِ
وباتَ فيكَ فَريداً مَن مَجالِسُهُ / كانَتْ تَضِيقُ عنِ الأخلاطِ والزُّمَرِ
من كانَ أقرَبَ أهلِ الأرضِ مَنفَعةً / وكانَ أبعدَ أهلِ الأرضِ عن ضَرَرِ
وأوسَعَ الناسِ صَدراً في مَضايِقِهِ / وأجمَلَ الناسِ صبراً ساعةَ الضَجَرِ
القائلُ الحقَّ في سِرٍّ وفي عَلَنٍ / والفاعلُ الخيرَ في صَفوٍ وفي كَدَرِ
والمُستزيدُ بجوُدِ اللهِ خَشْيَتَهُ / فكُلَّما ازدادَ أمناً زادَ في الحَذَرِ
وكُلَّما ازدادَ مالاً زادَ مَكرُمةً / كالدَّوحِ ما ازدادَ غُصناً زادَ في الثَمَرِ
وكُلَّما ازدادَ من مَجْدٍ ومن شَرَفٍ / زادَتْ وَداعتُهُ في القَدْرِ والقَدَرِ
قد خُطَّ في قلبهِ ما كانَ مُنتقِشاً / في كَفِّ مُوسى على لَوْحٍ منَ الحَجَرِ
مَشَى على سَنَنِ الخَيراتِ من صِغَرٍ / حتّى استَمرَّ فكانتْ عادةَ الكِبَرِ
ما ذَمَّ قَطُّ ولا ذُمَّتْ خَلائقُهُ / يوماً فماتَ حميدَ العينِ والأثَرِ
كانتْ لنا عِبرةً آدابُ سيرتِهِ / واليومَ ما زالَ في الدُّنيا من العِبَرِ
رُكنٌ تَهدَّمَ في بيروتَ فاندَفَعَتْ / أهوالُ صَعْقَتِهِ في المُدْنِ والجُزُرِ
لَئِن رَثَيناهُ عن خُبْرٍ بمَوضِعِهِ / فكم رَثاهُ بعيدُ الدَّارِ عن خَبَرِ
هَوَى إلى التُرْبِ من أبراجِ عِزّتِهِ / واعتاضَ بالكَفَنِ البالي عن الحِبَرِ
قد كانَ يَقرِي المَلاَ من مالِهِ فغدا / يَقري هَوامَ البِلَى من جِسمِهِ النَضِرِ
هذا الذي تَعِدُ الأُمُّ البَنينَ بهِ / مُنذُ الوِلادةِ قبلَ الرَهْزِ في السُرُرِ
نعيشُ للموتِ إذ كانتْ وِلادتُنا / للموتِ فالعَيشُ في أيَّامنِا الأُخَرِ
لا يَترُكُ البَينُ عيناً غيرَ باكيةٍ / وليسَ يَترُكُ قلباً غيرَ مُنكسرِ
إذا وَرَدْنا حِياضَ العَيْشِ صافيةً / فأقَصرُ الوَقتِ بينَ الوِرْدِ والصَدَرِ
إنْ قُلتَ وَيحكَ فافعلْ أيُّها الرَجُلُ
إنْ قُلتَ وَيحكَ فافعلْ أيُّها الرَجُلُ / لا يَصدُقُ القَولُ حتَّى يشهَدَ العَمَلُ
تقولُ أسلُو الهَوَى والعينُ داميةٌ / وأترُكُ الشَّوقَ والأنفاسُ تَشتعِلُ
ما زِلتَ تَهوى الطُّلَى حتى أقامَ على / فَودَيكَ من لَونِها ما ليسَ يَرتحلُ
إذا كَساكَ بَياضُ الشَّيبِ رائعةً / تضاحَكَتْ من هَواك الأعيُنُ النُجُلُ
هيهاتِ ليسَ لأيَّامِ الصِّبا عِوَضٌ / حَتَّى يكُونَ لهُ من نفسهِ بَدَلُ
هيَ الحياةُ التي أبقت لنا طَرَفاً / كالدَّارِ يَبقَى لَنا من بَعدِها طَلَلُ
لِكُلِّ كأْسٍ شَرابٌ يُستَحَبُّ لها / وكلُّ عَصرٍ لهُ من أهلهِ دُوَلُ
أليَومَ قامَتْ فتاةُ المُلكِ بارزةً / وقامَ من قبلِها أسلافُها الأُوَلُ
فَرْعُ الأُصولِ التي مَرَّتْ وبَهجتُها / إنَّ الثِّمارَ منَ الأغصانِ تُبتَذلُ
يُستحسَنُ المُلكُ فيها والخُضوعُ لها / وليسَ يَحسُنُ فيها الجُبنُ والبَخَلُ
باهَى الرِّجالُ نِساءَ الدَّهرِ وافتخروا / حَتَّى أتَتْ فأصابَ المُدَّعي الخَجَلُ
إذا صَفا لكَ نُورُ الشَّمْس في فَلَكٍ / فما الذي تَفرُقُ الجَوْزاءُ والحَمَلُ
بَقيَّةٌ من مُلُوكِ الدَّهرِ قد ذُخرَت / وأفضَلُ الشَّيءِ ما يُخبَى فيُعتَزَلُ
في قلبِها خاتَمُ التَقْوَى وفي يَدِها / من خَاتَم المُلكِ ما يَجري بهِ المَثَلُ
تُدبِّرُ الأمرَ في أقطارِ مَملَكةٍ / كأنَّ أطرافها القُصوَى لها حِلَلُ
في كلِّ نَجْدٍ لها غَوْرٌ تُمهِّدُهُ / وكلُّ سَهلٍ بهِ من خَوفِها جَبَلُ
قد أدَّبَتْ كُلَّ نفسٍ في جَوانِبها / حَتَّى تأدَّبَ فيها الصَقْرُ والوَعِلُ
تَلوِي الرِّياحُ مثاني الرَّملِ عاصفةً / حتى تُصِيب أراضِيها فتَعْتَدِلُ
قدِ التَقَى الدِّينُ والدُّنيا بساحَتِها / كما الْتَقَى الكُحْلُ في الأجفانِ والكَحَلُ
في ظِلِّها لِلوَرَى من كلِّ طارقةٍ / أمنٌ وفي قلبِها من رَبِّها وَجَلُ
إذا انثَنَى صَوْلَجانُ المُلكِ في يَدِها / تَحطَّمَتْ منهُ بِيضُ الهِندِ والأسَلُ
تصمِي بأهدافِها الرَّامي ولو رَشَقَتْ / بأسْهُمِ الشُهْبِ عن قَوسِ الهَوَى ثُعَلُ
لها منَ الرأْي جَيشٌ تحتَ رايتِهِ / جيشٌ به تأمُرُ الدُنيا فتَمْتَثِلُ
يَظَلُّ في البحر من إطباقِهِ لُجَجٌ / تعلو وفي البَرِّ من إخفاقِهِ زَجَلُ
إذا سَقَى القومَ كأساً من وقائعهِ / كفاهمُ النَهْلُ أن يُستأنفَ العَلَلُ
افدِي التي لَبِست من مجدِ دَوْلتِها / تاجاً فهانَ عليها الحَلْيُ والحُلَلُ
صانَ القريضَ عن الدَعوَى تفرُّدُها / بين الكرائمِ حتى ليسَ يُنتَحلُ
قد هاجَ إلاَّ عليها الخُلفُ غارقةً / فيهِ المُلوكُ ولم يَلحَقْ بها بَلَلُ
كالشَّمسِ بينَ بُدورٍ لا يُلِمُّ بها / نقصُ البدورِ ولا يغْتالُها الطَفَلُ
قريرةُ العينِ تَرعَى المُلكَ ساهرةً / على العِبادِ فنامَتْ حَوْلها المُقَلُ
لمُشكِلِ الرأيِ في أجفانِها قمرٌ / يَدنُو ولو أنَّه في بُعدِهِ زُحلُ
يا مَنْ دَعاني إلى صَوْغِ الثناءِ لها / من صِيتها قد دَعَتْني قَبْلَكَ الرُسُلُ
لا يَمنَعُ البعدُ جَدواها وشُهرتهَا / إنّ الدَرارِي إلينا ضَوْءها يَصِلُ
قد أشرقَ النُورُ أكنافِ لُبنانِ
قد أشرقَ النُورُ أكنافِ لُبنانِ / إذ حَلَّ فيها العزيزُ الباذخُ الشانِ
هو السعيدُ الذي ألطافُهُ اشتَهَرتْ / كالصُّبحِ مُستغنِياً عن كلِّ بُرهانِ
مُهذَّبٌ فاقَ في خَلْقٍ وفي خُلُقٍ / كأنهُ مَلَكٌ في جِسمِ إنسانِ
لهُ يليقُ بِساطُ الرِّيحِ في سَفَرٍ / لأنَّهُ ليسَ أدنى من سُليمانِ
يَبيتُ كلُّ وزيرٍ تحتَ رايتهِ / طَوعاً ويَصبُو إليهِ كلُّ سُلطانِ
وحيثُما حلَّ حامتْ حولَهُ زُمَرٌ / كالماءِ حامَ عليهِ كلُّ عَطشانِ
يا زائراً ثغرَ بيروتَ الذي ابتَسَمتْ / لكم ثناياهُ عن أزهار بُستانِ
لو تَقدِرُ الأرضُ لمَّا زُرتَها فَرَشَتْ / قُدَّامكَ الطُرْقَ من دُرٍّ ومَرْجانِ
كادت تَذوبُ ثُغورُ البحر من حَسَدِ
كادت تَذوبُ ثُغورُ البحر من حَسَدِ / لِثَغرِ بيرُوتَ أو تنهالُ منْ كَمَدِ
قد زارها من رأى أضعافَ مَنظرِها / ولم تَرَى مِثَلهُ في الناسِ منْ أحَدِ
ذاكَ السَّعيدُ الذي الدنيا بهِ سَعِدَتْ / وليسَ تَنسَى أياديهِ إلى الأبَدِ
وَهْوَ الكريمُ الذي يُدعى كريمَ أبٍ / كريمَ نفسٍ كريمَ اسمٍ كريمَ يَدِ
يَسيرُ والذَهَبُ المنثورُ يَتبَعُهُ / مثلَ السَّماءِ تَرُشُّ الأرضَ بالبَرَدِ
فظَنَّتِ الناسُ أنَّ السُحْبَ قد فَتحَتْ / بِقُدرةِ الله دارَ الضَربِ في الجَلَدِ
أماتَ ذِكرَ الكِرامِ السالِفينَ كما / أحيا مكارمَهُم في سالفِ الأمَدِ
ورَدَّ لَهفةَ عَصرٍ كانَ منزِلُها / في بُهرةِ الصَّدرِ بينَ القلبِ والكَبِدِ
ضاحي الجبينِ شديدُ البأسِ مُقتدِرٌ / في طلعةِ البدرِ ألقَى جبهةَ الأَسَدِ
بدرٌ بلا كَلَفٍ لَيثٌ بلا صَلَفٍ / بَحرٌ بلا زَبَدٍ كَنْزٌ بلا رَصَدِ
عَطاؤهُ من عَطاءِ ا للهِ مُغتَرفٌ / بلا حِسابٍ ولا وَزنٍ ولا عَدَدِ
إذا دنا فاضتِ الخَيراتُ من يَدِهِ / وإن نأى فنَداهُ غيرُ مُبتعِدِ
للمُلكِ في تختِهِ رأسٌ يقومُ بهِ / ومن سَعيدٍ أتاهُ اللهُ بالعَضُدِ
شخصُ الخليفةِ بعدَ اللهِ نَحسبُهُ / وبعدَ ذاكَ سعيدٌ أوَّلُ العُمَدِ
رُكنٌ لدَولةِ هذا المُلكِ يَخِدمُها / بالمالِ والخيلِ والأبطالِ والعَدَدِ
وَهْوَ الوَفيُّ الذي يَرعَى الذِمامَ ولا / ينسَى الصديقَ ولا يَلوي عنِ الرَشَدِ
الواسعُ الحِلمِ لا يَعلُوهُ عن غَضَبٍ / والعادلُ الحُكمِ لا يَعرُوهُ من أوَدِ
والقاطعُ السيفِ لا تُثنَى مضارِبُهُ / وليسَ يَسلمُ منهُ لابسُ الزَرَدِ
يا مَنْ علينا لهُ حَقُّ الثَّناءِ كما / لنا عليهِ حُقوقُ الغَوثِ والمَدَدِ
عارٌ علينا إذا شَرَّفتَ بلدَتنا / ونحنُ كالعُمُدِ الخرساء في البَلَدِ
هذا ثناء غريق في نَداكَ يَرَى / ثَناكَ في الشِّعرِ مثلَ الرُوحِ في الجسَدِ
إذا أردتَ لهُ توجيهَ مَكرُمةٍ / فقُلْ قَبِلتُكَ لي عَبداً ولا تَزِدِ
لا عينَ تَثبُتُ في الدُنيا ولا أثَرُ
لا عينَ تَثبُتُ في الدُنيا ولا أثَرُ / ما دامَ يَطلُعُ فيها الشَمسُ والقَمَرُ
يُبِقي لنا الخُبْرُ فيها بعدَهُ خَبَراً / إلى زَمانٍ فيمضي ذلكَ الخَبَرُ
يا طالمَا طالَ حِرصُ الناسِ في حَذَرٍ / على الحَياةِ فَضاعَ الحِرصُ والحَذَرُ
قد غَرَّهم زُخرفُ الدُنيا وبَهجتُها / نِعمَ الغُصونُ ولكنْ بِئسَما الثَمَرُ
معشوقةٌ في هَواها باتَ كلُّ فتىً / يَهيمُ والشيخُ عنها ليسَ يزدجِرُ
هيهاتِ لا يَنتهي عن جَهلِهِ أبداً / مَن لم يكن قد نَهاهُ الشَيبُ والكِبَرُ
مضى الزَّمانُ على هذا الغُرُورِ فلم / يفطَنْ لهُ بَشَرٌ مذ قامتِ البَشَرُ
ما زالَ يَدفِنُ هذا الحَيُّ مَيِّتَهُ / ويَدفِنُ الذِكرَ معهُ حيثُ يَحتَفِرُ
الناسُ في جِنحِ لَيلٍ يخَبِطونَ بهِ / جهلاً ويا وَيلَهم إذ يَطلُعُ السَحَرُ
لا تَنقضي ساعَةٌ حتى تَقولَ لهم / يا أيُّها القومُ هُبُّوا قد دَنا السَّفَرُ
ماذا نُرَجِّي منَ الدُنيا التي طُبِعَتْ / على الدَّمارِ فلا تُبقي ولا تَذرُ
تُبدِي لنا كلَّ يومٍ في الوَرَى عِبَراً / لكن بلا يَقظةٍ لا تَنفَعُ العِبَرُ
هيهاتِ لا صاحبٌ في الدَهرِ وا أسفَا / يَبقى ولا عاشقٌ يُقضَى لهُ وَطَرُ
قد ماتَ عبد الحميدِ اليومَ منقطعاً / عنا كما شاءَ حكُمُ اللهِ والقَدَرُ
مَضَى الشقيقُ لرُوحي فَهْيَ موحشَةٌ / وبانَ شَطرُ فُؤَادي فَهْوَ منفطِرُ
قد كنتُ انتظرُ البُشرَى برُؤْيتهِ / فجاءَني غيرُ ما قد كنتُ انتظرُ
إن كانَ قد فاتَ شَهدُ الوَصلِ منهُ فقد / رضيتُ بالصَّبرِ لكنْ كيفَ اصطبرُ
أحَبُّ شيءٍ لعيني حينَ أذكُرُهُ / دَمعٌ وأطَيبُ شيءٍ عِندَها السَّهَرُ
هذا الصَّديقَ الذي كانت مَوَدَّتُهُ / كالكَوثَرِ العَذْبِ لا يَغتالُها الكَدَرُ
صافي السريرةِ مَحْضُ الوُدِّ لا مَلَقٌ / في لفظهِ لا ولا في قلبهِ وَضَرُ
عَفُّ الإزارِ حَصيفٌ زاهدٌ وَرِعٌ / لا تزدهيهِ بُدُورُ الأُفقِ والبِدَرُ
يَغَشى المَساجِدَ في الأسحارِ مُعتكِفاً / وقد طَوَتْ لَيلَهُ الأورادُ والسُّوَرُ
هوَ الكريمُ الجوادُ ابنُ الجَوادِ لهُ / بالفَضلِ يَشهَدُ بَدْوُ الأرضِ والحَضَرُ
يبكيهِ نظمُ القَوافي والصَحائفُ وال / أقلامُ والخُطَبُ الغرَّاءُ والسَمَرُ
لا غَرْوَ إنْ أحزَنَ الزَوراءَ مَصرَعُهُ / فخُزُنهُ فوقَ لُبنانٍ لهُ قَدَرُ
وإنْ يكنْ فاتَهُ نهرُ السّلامِ ففي / دارِ السّلامِ لهُ الأنهارُ تَنفجِرُ
مَضَى إلى الله حيّا اللهُ طَلعتَهُ / بالمَكرُماتِ وحيّا تُربَهُ المَطَرُ
لَئِن سَلاهُ فُؤَادي ما بَقِيتُ فقد / رَكِبتُ في الحُبِّ ذَنباً ليسَ يُغتَفرُ
لا أفلحَ البينُ ما أمضَى مَضاربَهُ / كالبرقِ يُخطَفُ من إيماضِهِ البَصَرُ
نَسعَى ونَجمَعُ ما نَجنِي فيَسلُبُهُ / منَّا جُزافاً ويَمضِي وَهْوَ مُفتَقِرُ
إنَّ الحياةَ كظلٍّ مالَ مُنتقِلاً / إلى حَياةٍ بِدارِ الخُلدِ تُنتظَرُ
هي الطريق التي تُفضي إلى خطرٍ / وحَبَّذا السيرُ لولا ذلكَ الخطرُ
نُمسِي ونُصبحُ في خَوفٍ يطولُ بها / فلا يَطيبُ لنا وِرْدٌ ولا صَدَرُ
إذا انجلتْ غَمْرةٌ قامت صَواحِبها / فليسَ تَنفكُّ عن تأريخها الغُمَرُ
لا تَبكِ إن جَدَّ بعضُ القومِ في السَفَرِ
لا تَبكِ إن جَدَّ بعضُ القومِ في السَفَرِ / إذا تَيقَّنتَ أنَّ الكلَّ في الأثَرِ
واعجَلْ إذا قُمتَ للتوديعِ في غَلَسٍ / فرُبما فاتَكَ التوديعُ في السَحَرِ
تَعدوُُ المنايا على الأرواحِ خاطفةً / منَ الأجِنَّةِ حتى الشيخِ في الكِبَرِ
تُرَى أيَذهبُ يَومٌ لا يُقالُ بهِ / قد ماتَ زيدٌ وماتتْ هِنْدُ في الخَبَرِ
يا يومَ يوسُفَ في الأيامِ نَحسَبهُ / نَظيرَ صاحِبهِ المشهورِ في البَشَرِ
يومٌ بهِ الناسُ قد شَحَّتْ قُلوبُهمُ / بالصَبرِ إذْ جادتِ الأجفانُ بالدُرَرِ
يومٌ تزَعزَعَ رُكنُ المَكرُماتِ بهِ / واكمَدَّتِ الشمسُ من حُزنٍ على القَمرِ
يومٌ بهِ العُجْمُ قبلَ العُرْبِ نادِبةٌ / تقولُ أينَ كريمُ البَدْوِ والحَضَرِ
أينَ الذي كانَ يُستَسقَى الغمامُ بهِ / يوماً إذا ضَنَّتِ الأنواءُ بالمَطَرِ
أينَ الذي كانَ يَقضِي حَقَّ خالقِهِ / في حالةِ الصفوِ أو في حالةِ الكَدَرِ
أينَ الذي كانَ غَوْثَ العائِذينَ بهِ / وعِصمةَ الجارِ عِندَ الضَنْكِ والضَرَرِ
أمسى وليسَ لهُ سَمْعٌ ولا بَصَرٌ / مَنْ كانَ في الناسِ ملءَ السَمْعِ والبَصَرِ
مَنْ لم تَسَعْهُ القُصورُ الشُمُّ باذخةً / قد باتَ منحصِراً في أضيقِ الحُفَرِ
قد كانَ يَصدَعُ ريحُ الطِّيبِ مَفرِقهُ / وكانَ يُؤْذي يديهِ ناعمُ الحِبَرِ
مُبارَكُ الوَجهِ محمودُ الخِصالِ لهُ / قلبٌ سليمٌ من الأدرانِ والوَضرِ
قد عاشَ فينا سعيداً بالغاً وَطراً / وماتَ عنَّا سعيداً بالغَ الوَطَرِ
سارَتْ لَدَى نَعشِهِ الأشرَافُ ماشيةً / تحتَ السَناجقِ ذاتَ الوَشْيِ والصُوَرِ
يبكي عليهِ بدَمعٍ فاضَ مُنسجماً / من ليسَ يبكي لوَقْعِ الصارِم الذَكرِ
ويلاهُ من فَتْكِ دُنيانا الغَرُورِ بنا / وَهيَ الحبيبةُ نَهواها من الصِغَرِ
شِبْنا وشابَتْ وما شابَتْ صبَابَتُنا / بِها ولا انتَبهَتْ عينٌ إلى السَهرِ
هذا الطَريقُ إلى دارِ البَقاءِ لنا / فلا تَفاوُتَ بينَ الطُولِ والقِصَرِ
وهو السَقامُ الذي عزَّ الدَواءُ لهُ / وليسَ تَنفَعُ منهُ شِدَّةُ الحَذَرِ
يا غافلينَ استفيقوا اليومَ واعتَبِروا / بما تلاقونَ في الدُنيا منَ العِبَرِ
الموتُ أعظَمُ شيءٍ عندَنا خَطَراً / والموتُ أيسرُ من عُقباهُ في الخَطَرِ
أَهدت لَنا نَفَحَاتِ الرَوضِ في السَحَرِ
أَهدت لَنا نَفَحَاتِ الرَوضِ في السَحَرِ / خريدةٌ من ذَواتِ اللُطفِ والخَفَرِ
خاضَتْ إلينا عُبابَ البحرِ زائرةً / فليسَ بِدْعٌ بما أَهدَتْ من الدُرَرِ
كريمةٌ من كريمٍ قد أَتَت فلها / حَقُّ الكَرامةِ فَرْضاً عِندَ مُعتَبرِ
أهدَى إلينا بها رَبُّ القريضِ كما / أَهدى السَّحابُ إلينا صَيِّبَ المطرِ
محمدُ العاقلُ الشَهمُ الذي اشتهرتْ / أَلطافُهُ بينَ أهلِ البدو والحَضَرِ
في طِيبِ مَجلِسِهِ عِلمٌ لمُقتبِسٍ / وفي رَسائِلِهِ جاهٌ لمُفتَخِرِ
رَحْبُ الذِراعِ طويلُ الباعِ مُقتدِرٌ / قد نال أَسرارَهُ من فضلِ مُقتَدِرِ
كأنهُ النيلُ في فيضٍ وفي سَعَةٍ / لكنَّ مَورِدَهُ صفَوٌ بلا كَدَرِ
ماضي اليَراعِ يوشّي الطِرسَ عاملُهُ / فيُبرِزُ الحْبِرَ في أَبهَى من الحِبَرِ
تَجري على الصُحُفِ الأَقلامُ في يَدِهِ / فتُحسِنُ الجمعَ بينَ البِيضِ والسُمُرِ
أَصَبْتُ من بحرِ عِلمٍ لُجَّةً طَفَحَتْ / فكُنتُ من غَرَقٍ فيها على خَطَرِ
تَخُوضُ فيها الجواري المنشآتُ بِنا / من النُّهَى لا منَ الأَلواحِ والدُسُرِ
أَهلاً بزائرةٍ غَرَّاءَ قد نَزَلَتْ / في القلبِ مرفوعةً منهُ على سُرُرِ
أَحيتْ كليمَ فُؤَادٍ لي فقُلتُ لهُ / أُوتِيتَ سُؤْلكَ يا مُوسى على قَدَرِ
رَبيبةٌ من ذَواتِ الغُنجِ والحَوَرِ
رَبيبةٌ من ذَواتِ الغُنجِ والحَوَرِ / سَبَتْ فُؤَادي فلم تُبقي ولم تَذَرِ
قد هاجتِ الشَوقَ مني نحو مُرسِلِها / فأَصبَحَ السَمْعُ محسوداً من البَصَرِ
أَهدَى بها حَمَدُ المحمودُ مَكرُمةً / منهُ فكانَ جليلَ العينِ والأَثَرِ
هو الكريمُ الذي تَسمُو مَواهِبُهُ / عن النُضارِ فيُهدِي أَنفَسَ الدُرَرِ
أَفادني من عطاياهُ بِنافلةٍ / جاءَت على غيرِ مِيعادٍ ولا خَبَرِ
خَيرُ الكرام الذي يُعطيكَ مُبتدِئاً / وأَبهَجُ الرفد رِفْدٌ غيرُ مُنتَظَرِ
اللَوْذعي الذي في مِصرَ مَجلِسُهُ / وذِكرُهُ لا يَزالُ الدَّهرَ في سَفَرِ
جِهادُهُ في سبيلِ العِلم مُلْتَزَمٌ / وهَمُّهُ الدَّرسُ في الآياتِ والسُوَرِ
قد جاءَني مدحُهُ عَفواً فحمَّلَني / شُكراً ثقيلاً عظيمَ القَدْرِ والقَدَرِ
لَبِستُ حُلَّةَ فخرٍِ منهُ زاهرةً / بالحُسنِ لكنَّها طالَتْ على قِصَري
راقَتْ بعَينَيهِ أَبياتٌ قد انتشرَتْ / في مصرَ كالحشَفِ المطروح في هَجَرِ
هاتيكَ أسعدُ أبياتٍ ظفرتُ بها / فإنَّها جعلَتني أسعدَ البشَرِ
عينٌ قدِ استَحسنَتْ مَرْأىً فطابَ لها / واللهُ يَعلَمُ سِرَّ العينِ في الصُوَرِ
أَخافُ إنْ قُلتُ لم يَصدُقْ لهُ نَظَرٌ / مَن كان في كلِّ أَمرٍ صادقَ النَظَرِ
قِفْ بالدِّيارِ وحَيِّ القومَ عن كَثَبِ
قِفْ بالدِّيارِ وحَيِّ القومَ عن كَثَبِ / فكم لنا عِندَ ذاكَ الحَيِّ من أَرَبِ
دارٌ تَرَكتُ بها قَلبي على ثِقَةٍ / من حِفظهِ إِنَّهُ في ذِمَّةِ العَرَبِ
أودَعتُهُ مَن يَصُونُ الجارَ مؤْتَمَناً / ولا أَمانَ بكفَّيهِ على الذَهَبِ
الحافظُ العهدِ تأْبى الغَدرَ شِيمتُهُ / والصَّادِقُ القولِ معصوماً من الكَذِبِ
هوَ الصَّديقُ السَّليمُ القلبِ من وَضرٍ / وَهوَ الأَميرُ الكريمُ النفسِ النَّسبِ
ما خابَ راجِيهِ في ضيقٍ وفي سَعَةٍ / ومَنْ دعا خالدَ الوهَّابَ لم يَخِبِ
إنّي عَقَدتُ لهُ عَهداً أَقومُ بهِ / في القُربِ والبُعدِ بينَ الحَرْبِ والحَرَبِ
يَزُورُني منهُ طَيفٌ عِندَ هِجرَتهِ / فكانَ عنِّي على الحالينِ لم يَغِبِ
رُوحي إلى اليَمَنِ الميمونِ طائرةٌ / على جَناحٍ من الأَشواقِ مُضطَرِبِ
أَستخدِمُ الريحَ في حَملِ السَلامِ لهُ / منِّي فتَخطَفُهُ الأَنواءُ في السُحُبِ
يا حَبَّذا بُرَقُ الأَعراب من بُرَقٍ / وحبَّذا هضَبُ الأَعرابِ من هِضَبِ
وحبَّذا كلُّ رَبْعٍ في مَنَازِلِهِمْ / كأنَّما السُمْرُ فيهِ غابةُ القَصَبِ
وكلُّ مَرْعىً بهِ الأَنعامُ سائمةٌ / كأَنَّها كُثُبٌ قامتْ على كُثُبِ
وكلُّ دارٍ بها الضِرغامُ مُؤْتلِفٌ / بالظَبيِ بينَ عَرُوض البَيتِ والطُنُبِ
يأْتونَ من نَحْرِ ذي الدِرعِ المنيعِ دُجَى / ليلٍ إلى نحرِ ذاتِ السَرْجِ والقَتَبِ
لا تَنطفي نارُهم إلا على وَدكٍ / يجري فيَفصِلُ بينَ النارِ والحَطَبِ
بَلَغَتَ يا أَيُّها الوهَّابُ ما بَلَغُوا / وفُقْتَهُم بجَمالِ اللُطفِ والأَدبِ
وَرِثتَ خيرَ أَبٍ في المجدِ مُشتهِرٍ / ولو عَدَاكَ أَبٌ أَورَثْتَ خيرَ أَبِ
هذِهْ صَحيفةُ مُشتاقٍ يُذكِّرُكم / عَهداً لنا عندكم من سالفِ الحِقَبِ
إنْ فاتني الكاتبُ المحبوبُ مَنظَرُهُ / فإنَّني اليومَ أرضى منهُ بالكُتُبِ
عاجَ المتيَّمُ بالأطلالِ في العَلَمِ
عاجَ المتيَّمُ بالأطلالِ في العَلَمِ / فأبرَعَ الدَمعُ في استهلالِهِ العَرِمِ
دَمعٌ جَرَى عن دَمٍ أو عَنْدَمٍ خَضِلٍ / يَسقي الرِّكابَ ولكنْ ليسَ بالشَبِمِ
حَيٌّ على حيِّ مَيٍّ مَيّتٌ لَحِقتْ / بذَيلِها نَفسُهُ لو تَمَّ رِيُّ ظَمِي
يَصبُو على الذِّكرِ سُكراً كيفَما ذُكرتْ / لهُ فقد أنَّ أنَّى اشتُقَّ لفظُ فمِ
ما لي أُلفِّقُ صُحْفَ العُذرِ في طَرَفٍ / من غَدْرِ مَن فيهِ مالي لا يَفي بدَمي
قد أطلقَ اللحظَ في لفظٍ يُحرِّفُهُ / فراحتِ الرُوحُ بينَ الكَلْمِ والكَلِمِ
وَقَى وَقَدْ وَقَدَ الأحشاءَ سِرَّ هَوىً / بها ليرفُو بِلَى الأطماعِ في الذِمَمِ
من دُرِّ دُرْدُرِ ثَغرٍ طابَ مَرشَفُهُ / كم سال سَلْسالُ دَمعٍ فيهِ مُرتكمِ
ثَبَتُّ في فِتنةٍ شَبَّتْ فَشِبْتُ ففي / شبيبتي شيبةٌ شَنَّتْ بني جُشَمِ
رَمَى هَوَى الغيد بي في البِيدِ رافلةً / عيِسُ النَّوَى في النَّواحي بي بلا خُطُمِ
آرامُ خَيفٍ كِرامٌ في أساوِدِها / بيضٌ صِحاحٌ تُخيفُ الأُسْدَ في الأكَمِ
قَضَتْ بخيبةِ جَفنٍ فَضَّ في شَجَنٍ / دَمعاً كدُرٍّ طُلاها اللامعِ العِصَمِ
لا عطَّلَ اللهُ دَمعاً سالَ وَهْوَ دَمٌ / عَكْساً ولا حالَ وَردٌ لاحَ كالعَلمِ
يحلو الضَّنى في الهَوَى عِندي مُغايَرةً / في العاشِقينَ لمن يشكو من السَقَمِ
هيهاتِ هيهاتِ ما أرجوهُ من رَشأٍ / وقد تَكرَّرَ منهُ اليأسُ في القِدَمِ
مَهْما أشارَ بهِ في اليومِ قُلتُ نَعَمْ / وليسَ لي عِندَهُ في الدَّهرِ مِنْ نَعَمِ
خَطَّ العِذارُ على مصقولِ عارضِهِ / حِسابَ أسْراهُ توليداً من الرَّقَمِ
أغَمضتُ شكوايَ من جَورٍ فَفسَّرها / بجَمعِنا منهُ بينَ الخَصْمِ والحَكَمِ
يا طالما مَثَّلتْ عينايَ صُورَتهُ / كمَنظَرٍ في غَديرِ الماءِ مُرتسِمِ
بَكَيتُ فافتَرَّ فانْجابتْ لنا دُرَرٌ / حتى تَطابَقَ منثورٌ بمُنتظمِ
هازَلتُهُ في اتِّساعِ الجِدِّ تَوْرِيةً / فقالَ سَلْ مَنْ أحلَّ الصَيدَ في الحَرَمِ
قلتُ اقْضِ قال اعتَزِلْ قُلتُ امضِ قال أقِلْ / فأبطَلَ القَبضُ ما وَجَّهتُ في السَّلَمِ
قابلتُهُ خاشِعَ الأبصار مُبتسمِاً / فصَدَّ عنّي دَلالاً غيرَ مُبتسِمِ
لَمَّا رأى مَدمَعي شِبهَ الشقيقِ جَرَى / راعَى النَظيرَ فغَطَّى الوَردَ بالعَنَمِ
خَيَّرتُهُ بينَ عيني والحَشا فَثَوَى / عيني ليَحجُبَها عن سائرِ النَسَمِ
طَيُّ الهَوَى نَشَرتْهُ عَبْرةٌ عَبَرَتْ / بزَفرةٍ فمَزَجْتُ الماءَ بالضَّرَمِ
أدمجتُ شكوايَ منهُ في العِتابِ وما / يُجدي العتابُ ولا الشَكوَى مَعَ الصممِ
أمسَى يُعنّفُني اللاحي فقُلتُ تُرَى / أما اكتفَيتَ بما راجعتَ قال لَمِ
فقُلتُ إنَّكَ فردٌ لا نظيرَ لهُ / إذْ رُمتُ إبهامَ سَمْنِ الوَصفِ بالوَرمِ
ماذا تُحاوِلُ يا شَعبانُ من رَجَبٍ / بمَعَنويِّ مَلامٍ منكَ مهُتضِم
أنتَ الصَبُورُ على ذَمِّ تُصادِفُهُ / في مَعرضِ المدحِ ذو حِلمٍ عن التُهَمِ
أبدَعتَ في اللَومِ لُؤماً لم يُلِمَّ بهِ / فَصلٌ من الحُكْمِ أو فَضلٌ من الحِكَمِ
لولا التَّهكُّمُ في نُصحي ائْتَمَرَتُ بهِ / إنَّ النَصيحةَ عِندي أحسَنُ الشيَمِ
أحكَمتَ في الخيرِ سِرّاً بارعاً حَسَناً / فاترُكْ مُؤَارَبَتي يا طاهِرَ الحُرَمِ
قدِ اشتَهرتَ بتَسْهيمِ الرُّقَى عَلَماً / فأنتَ أشهَرُ من نارٍ على عَلَمِ
يا راحِلينَ انظُرونا نَقتبِسْ طَرَفاً / من نُورِكم فهو يَهْدي العينَ في الظُلَمِ
جَرَّدتُ قلبَ شجيٍّ سارَ إثْرَكُمُ / مُستتبِعاً غُمضَ جَفنٍ باتَ لم يَنَمِ
أطمعتُ عيني برَصدِ الطَّيفِ مُنتظِراً / زيارةَ الزُورِ في ضغْثٍ من الحُلُمِ
حَصَرتُ مُلحقَ أجزاء الهَوَى فأنا / أهلُ الهَوَى بمِلاحِ الأرضِ كُلِّهمِ
بَكَيتُ حَوْلاً ولكنْ غيرَ مُعتذرٍ / وغيرَ مُستدرِكِ التلميحِ بالنَدَمِ
طرَّزتُ زَهْرَ الرُّبَى بالدَّمع مُنسجماً / في طيّ مُنسجِمٍ في طَيِّ مُنسجِمِ
في مَنزِلِ السِرِّ منِّي فِتنةٌ هَتَكتْ / سِترِي فأردَفتُ دَمعي غيرَ مُحتشِمِ
تيَّمتُ في القلبِ صَفْوَ الحُبِّ مُحترِساً / مَعَ التَّمكُّنِ من سَعيٍ إلى اللَمَمِ
حتى عَصانيَ صَبري بعدَ طاعتهِ / وطاعني بذلُ دَمعٍ كانَ في عِصَمِ
وعَرَّضَ الحُبُّ نفسي للبَلاءِ ولَمْ / أكُنْ بمُتلفِ نفسٍ غيرَ مُغترِمِ
سُهدٌ ووَجدٌ وتَعديدٌ أنوحُ بهِ / وزَفرةٌ كأجيجِ النَّارِ في الأجَمِ
وأدمُعٌ أربَعٌ ضَمَّنتُ مُزدَوِجاً / منها فَرائدَ ياقوتٍ فقُلتُ عِمِي
رَجَوتُ أن تَرجِعَ الأيَّامُ تَجمَعُنا / هيهاتِ لا نَتْجَ أرجُوهُ من العُقُمِ
ذَيَّلتُ بالنَّوحِ دَمعاً لا أُلامُ بهِ / ومَن بَكى لِفراقِ الإلفِ لم يُلَمِ
دَبَّجتُ صُفرةَ خَدِّي بالدُّمُوع جَرت / حُمراً وأسْوَدُ رأسي ابيضَّ عن أمَمِ
بالَغتُ مُلتزِماً ما ليسَ يَلزَمُني / حتى دُعيتُ إمامَ العِشق في الأُمَمِ
فلو أطعتُ انسِجامَ الدَمعِ حينَ جرى / لأغرقَ الرَكْبَ فوقَ الأينُقِ الرُسُمِ
ولو تَنفّستُ فوقَ البحرِ حينَ غَلا / غليلُ صَدري لخُضتُ البحرَ بالقَدَمِ
يا جيِرةَ العلَمِ المردود صاحبها / صَدراً لعَجْزٍ ينادي جِيرةَ العَلَمِ
سارُوا وما التَفتُوا نحوَ القتيلِ بهم / نَفسي فِداكُم كَرِهتُمْ مَيظَرَ الرِمَمِ
قالوا أصبْنا فلا تُوجِبْ مَلامَتَنا / نَعَمْ أصابُوا فُؤاداً بالسِّهامِ رُمي
يَكنِي عن السُهدِ طُولُ الليل بَعدَهم / مُستطرِداً من قَصيرِ الذيلِ كالهِمَمِ
قد أطعَمَتْهُ بما أرضاهُ عن كَثَبٍ / سُهولةُ الظَرْفِ فاقتادَتْهُ كالنَّعَمِ
مُرْضىً فَدَعْ أمَلاً لا يستحيلُ بهِ / بلْ يحتَسي الآلَ ماءً عُدَّ في ضَرَمِ
هُمُ الكِرامُ لهم بينَ الكِرامِ هَوىً / منَ الكرامِ وتَرديدٌ من الكَرَمِ
فطابَ تَرصِيعُ شِعري في الثَّنا لَهُمُ / وخابَ تشريعُ فِكري في المُنَى بهِمِ
أنَّى يُناقضهمْ من لا يُماثلُهُم / حتى يَرُدَّ لهم عاداً إلى إرَمِ
ما الزَّهرُ والزُهْرُ في أُفْقٍ وفي أُفُقٍ / أشهى وأشهَرُ من تَفريعِ ذِكرِهمِ
فَوِّفْ وصُغْ جملاً وأنشدْ وطِبْ زَجَلاً / وانزِلْ على حَرَمٍ من أشطُرِ الخِيَمِ
لي بَينَها قَمَرٌ في طَرْفِهِ حَوَرٌ / في ثَغرِهِ دُرَرٌ والسِمْطُ من سَقَمي
سَاوَى على لَوحِ ياقوتٍ لعارِضهِ / سَطرَين من خَطّ رَيحانٍ بلا قَلَمِ
أبكِي فأودِعُ وَرْداً ضمِنَه خَجَلاً / إنّ الحَيا يُنبِتُ الأزْهارَ في الأكَمِ
شَبَّهتُ شَيئينِ من أعطافِهِ ودِما / دمعي بشيئينِ مَوجِ البحرِ والدِيَمِ
وقُلتُ هل كانَ لولا البحرُ من مَطَرٍ / فصَحَّ لو كانَ يُجدِي مَذهَبُ الكَلِمِ
بَشَّرتُ طَرْفي بمرْآهُ فبَشَّرني / مُشاكلاً بالعَذابِ الهُونِ والنِقَمِ
مَن كانَ يبخَلُ عنّي بالكلامِ فهل / أرجُو لهُ في اجتماعِ الشَّملِ من كَرَمِ
أهوَى العَذُولَ الذي أمسى يُعللّنُي / بذِكرِهِ فَهْوَ عندي خيرُ مغتَنِمِ
يُصوِّرُ الذِكرُ لي ميمُونَ طَلعتِهِ / وَهْماً فيُوضِحُ لي عن وَجهِهِ الوَسمِ
يَحْميهِ ماضي لِسانٍ طالَ مُنعطفاً / يَفوهُ باللغُزِ مَنسُوباً إلى البَكَمِ
لو مَرَّ من قَمَرٍ شهرٌ ولم أرَهُ / لم ألقَهُ بعدَها إلاّ بِطَرْفِ عَمِي
رُمتُ الأحاجي بخَدَّيهِ فقُلتُ لهُ / رادَفتَ رَحْلَ لَظىً يا ظَبْيَ ذي سَلَمِ
لا عيبَ فيهِ سِوَى عينٍ إذا مُدِحتْ / في مَعرِضِ الذَمِّ عُدَّتْ من سُيوفِهِمِ
ووَجنةٍ ذاتِ آثارٍ تُرشِّحُها / دَماً وقد خَدَشتْها رِقَّةُ النَّسَمِ
لمعْنَيَيْهِ ائتلافٌ وهْوَ قد فَتَنَ ال / أبصارَ بالحُسن والأسماعَ بالرَنَمِ
تَعطَّفتْ فوقَ ذاك الرِّدْفِ قامتُهُ / تَعَطُّفَ الغُصنِ لمَّا مالَ في القِمَمِ
يا بارعَ الحُسنِ لي فيكَ الشِّفاءُ وقد / طَلَبتَ قتلَ مريضٍ عن سِواكَ حُمِي
أراكَ تَفتَنُّ في قتلي بلا سَبَبٍ / بُشراكَ قد نِلتَ فخراً كان لم يُرَمِ
سَعَت إلى عَدَمي في مَصرَعٍ قَدَمي / ولم تَنَلْ هِمَمي جُزْءاً منَ الشَّمَمِ
ما زالَ عقدُ يميني وجهَ نادرةٍ / كادَت تُؤَثِّرُ فيهِ أحرُفُ القَسَمِ
تألَّفَ اللَفظُ بالمَعنى لِواصِفها / كما تألَّفَ بالأوزانِ في النَغَمِ
محظُورةُ الصيدِ من دُونِ الظِبا كَرَماً / لنُكتةٍ قيلَ فيها ظَبيةُ الحَرَمِ
إذا تَزَاوَجَ دَمعي فافتضَحتُ بهِ / خافَتْ رقيباً فصدَّتْ صَدَّ مُكتتِمِ
حيَّا ليالي بُدُورٍ في الخُدُورِ لَقد / أعارَنا الدَّهرُ إياها فلم تَدُمِ
لم تَلْقَ عيني لها عَيناً ولا أثراً / فلاحَ في الوَهمِ رأيُ الشِرْكِ من ألمِ
تَظَلُّ بيضُ الظُّبَى تَحْمي مَضاجِعَها / فلا مَجازَ إليها دُونَ سفكِ دَمِ
ألدَّهرُ أغرَبُ ما في الدَّهرِ من بِدَعٍ / يَبينُ فيهِ الصِّبَى في قَبضةِ الهَرَمِ
شيخٌ لهُ الليلُ حِبرٌ والضُّحَى وَرَقٌ / يُنشِي فُنونَ اختِراع اللَوحِ والقَلَمِ
أحبابَنا في حَياةٍ نحنُ مُوجَزَةٍ / فيها الغِنَى بالرِّضَى والذُخرُ في الرُّجَمِ
فلا يَدومُ علينا قَبضُ نائبةٍ / ولا يَدومُ لكم بَسطٌ من النِعَمِ
إنّي تَجاهَلتُ في دُنيايَ مَعرفةً / هل كانَ في أهلها مَسٌّ من اللَمَمِ
دارٌ قدِ استَخْدَمَتْ عن صَبْوةٍ غَلَبَتْ / من عهدها المَلِكَ المخدومَ كالخَدَمِ
عَنيفةٌ وَزّعتْ تَوشيعَ طاعتِها / عَدْلاً على المَعْشرينِ العُرْبِ والعَجَمِ
تَنْفي بإيجابها الغاراتِ هُدْنَتَها / فلا تَعُدُّ لَيالي الأشهُرِ الحُرُمِ
بِكْرٌ عَجُوزٌ وَلودٌ حُرَّةٌ أَمَةٌ / قامتْ بتَنسيقِ وَصفٍ غيرِ مُلتئمِ
يُريكَ عنوانَها في الناسِ مُطَّرِداً / كِسرَى بنُ ساسانَ ربُّ التَّاج والغَنَمِ
نَظَلُّ نُرسِلُها في لُؤمِها مَثَلاً / ولا نَزالُ بها لَحْماً على وَضَمِ
هِيَ الدَّنيَّةُ نَدعوها لذلكَ بالدْ / دُنيا اتِّفاقاً وما يُسمَّى بحيثُ سُمِي
دارُ الخَرابِ خَرابُ الدار شيمتُها / وعَكسُ آمال آل المالِ والنِعَمِ
قد أوغَلَ النَّاسُ في حُبِّ الغِنَى سفَهاً / وعاشِقُ المالِ عبدٌ خادمُ الصَنَمِ
لا يَصحَبُ المرءُ شيئاً من غِناهُ ولو / سَلَّمْتُ ذاك لكانَتْ صُحبَةُ العَدَمِ
تجانَفَ القومُ عن تهذيبِ أنفُسِهم / فلا يُراعُون للتأديب من حُرَمِ
ما غَيَّرَ اللهُ عنهم عَقدَ نِعمتهِ / إلاّ وقد غيّروا ما في نفوسِهمِ
كلٌّ يرُوحُ بلا زادٍ سِوَى عمَلٍ / حتَّى المُلوكُ فلا تَستثنِ من أرَمِ
أينَ الذين رَوَى الراوونَ من دُولٍ / وأينَ مَن أرَّخوهُ من ذَوي العِظَمِ
شيبٌ ومُردٌ وأجنادٌ وألْويةٌ / تَفنَى جميعاً كأنْ ما قام لم يَقُمِ
أجسامُهم للثَّرَى تُعطَى وأنفُسُهم / للهِ والمالُ للأعقابِ في القِسَمِ
لا بُدَّ للجمعِ من داعٍ يُفرِّقُهُ / لكن تفاوُتُهُ في الطُّرْقِ الهممِ
والأمس واليوم في الترتيب مثل غد / لهو ولعب يزج السم في الدسم
بئسَ الحياةُ التي طابت أوائلها / إن لم يكن طابَ منها حُسنُ مُختَتَمِ
بكلِّ ظَبْيةِ وَحشٍ ظَبيةُ الأنَسِ
بكلِّ ظَبْيةِ وَحشٍ ظَبيةُ الأنَسِ / ماذا نُعادِلُ بينَ العَفْوِ والفَرَسِ
إن كانَ في الجِيدِ والعَينينِ بَينَهُما / شِبهٌ فأينَ جمالُ الثَغْرِ واللعَسِ
رَبيبةٌ من بني الرَيَّان مُترَفةٌ / تَرنو بلَحْظٍ لأُسْدِ الغاب مُفترِسِ
سُبحانَ من صاغَ ذاكَ الثَغْرَ من بَرَدٍ / لَها وألهَبَ ذاك الخَدَّ بالقَبسِ
فَتَّاكةُ اللحظِ غَرَّتْني لَواحِظُها / لما رأيتُ عليها فَتْرةَ النَّعَسِ
تَبيتُ في حَرَسٍ من لحظِ عاشقِها / يا وَيحْهُ وَهْوَ منها ليسَ في حَرَسِ
يَلوحُ ضَوءُ جَبينٍ تحتَ طُرَّيِها / يا للعُجابِ اجتِماعُ الصُبحِ والغَلَسِ
وتنتَضي السَّيفَ من جَفنٍ مَضارِبُهُ / أمضَى من السَّيفِ في كَفِّ الفَتَى الشَرِسِ
ملحيةٌ قَصَّرَتْ عنها الحِسانُ كما / قد قَصَّرَتْ كلُّ مِصرٍ عن طَرابُلُسِ
عن بَلدةٍ زانَها اللهُ العليُّ بما / أفادَها من عطايا رُوحِهِ القُدُسِ
أنشا بها كَنْزَ أسرارٍ لسائِلهِ / أشفَى من المَطَر الهامي على اليَبَسِ
فَضَّاضُ مُشكلِةٍ خَوَّاضُ مُعضِلةٍ / روَّاضُ مسئلةٍ من كلِّ مُلتبِسِ
الناظمُ الناثرُ الشَهْمُ الكريمُ لهُ / بالفَضلِ يَشهَدُ طيبُ النَفسِ والنَفَسِ
سَهْلُ الطِّباعِ سليمُ القلب من وَضَرٍ / صافي الصِّفاتِ نقيُّ العِرضِ من دَنَسِ
يَزُفُّ من كَلِمٍ كالدُرِّ ساطعةٍ / أبكاَرَ فِكرٍ كضَوْءِ الصُبحِ مُنبجِسِ
خَرائدُ من بَنات العُرْبِ قد فُتِنَت / بحُسنهِنَّ بَناتُ التُرْكِ والفُرُسِ
إذا أفاضَ لِسانٌ منهُ في جَدَلٍ / مَضَى فأبلى لِسانَ الخَصْمِ بالخَرَسِ
لا يصَطلِي نارَ إبراهيمَ مُجتهِدٌ / ولا تنالُ عُلاهُ كَفُّ مُلتمِسِ
يا غائباً بان عنا غير ملتفتٍ / وذكرُهُ في حمانا غيرُ مندرِسِ
إن لم تَكن نَظرةٌ منكم أفوزُ بها / فنظرةٌ من كتابٍ منك مُقتَبَسِ