لا تكن زوبعة في فنجان!

كيف أتعلم اللغة العربية؟ كيف أتقن الكتابة؟ كيف أطالع في الصحف والمجلات؟ كيف وكيف ... 

كيف أتعلم اللغة العربية؟ كيف أتقن الكتابة؟ كيف أطالع في الصحف والمجلات؟ كيف وكيف ... 
بهذه الأسئلة قد يفاجئ أحدنا طالب مهرولا إليه وفي شيء من الارتباك، وهو في مجلسه دبر الصلاة، أو في ظرف لا يتأقلم مع هذا الطرح والسؤال.

يطرح إحدى هذه الأسئلة وهو عند الطرح مستعجل، متأهب للقيام من عندك، لا يقبل التأجيل في الرد، ولا يسمح لك بالتفكير والتأني، ويتوقع أن تجيب عن طرحه في أسرع وقت، حتى لا يذهب وقته سدى، ويقول أجب مختصرا ومفيدا واجتنب الإطناب: ما هو أقصر سبيل يؤدي إلى إتقان المهارة الفلانية ؟!

لو بدأت في بيان مقدمة، تبين له أن السؤال مبتسر، والملف يحتاج إلى هذا التفصيل وذاك فهو لا يتأخر في إطلاق قوله: المرجو منك الكلام في صميم الموضوع والابتعاد عن الهوامش وكل شيء يبعدنا عن الهدف !! فأنت محتار ماذا تقول، وبأي منهج تفهمه، وكيف تخرج نفسك من بين فكي الكماشة.

هذا السؤال ينبثق عن خلفية ربما تشكلت عبر خطابة أو محاضرة أومطالعة وربما مسامرة ! يجد خطيبا يخطب بالعربية، أو كاتبا بهذه اللغة أو متحاورا يتحاور بالفصحى أو... 
إحدى هذه المحطات هي الدافعة التي ساقته نحوك لطرح هذا السؤال، جاءك لأنه سمع أنك تعرف من أين تؤكل الكتف، فزارك مستشيرا، والارتباك باد على وجهه.. كأنه نادم على الأيام الفائتة ومزمع على التدارك فورا، ساورته الرغبة في الأمر عند المرور بإحدى المحطات المذكورة أعلاه.

 ارتباك أحدهم وهو يأتيني ويلقي عليّ هذا السؤال المتشعب الأطراف يذكرني بالمثل العربي "زوبعة في فنجان" الذي يضرب لهيجان محدود الأثر يحدث في وقت فيزول، وكل ما له ضجة، والزوبعة هي الإعصار الشديد التي لا تستمر وتتوقف بعد ثواني ودقائق من حيث انطلقت.

كثيرا ما جاءني طالب فطرح هذا السؤال المدهش في غير ظرفه وموضعه! وأنا قلت: يا أخي هل تتوقع أن أقول لك افعل كذا، تتعلم اللغة العربية أو تصبح كاتبا من غدك؟! ولو كان الأمر بالسهولة التي تظنها لما تمنيت تعلمه ولما جئتني ولديك هذه النسبة العالية من الحرص والطموح ... ثم أقول له تأتيني في المكتب في الساعة الفلانية من الغد .. أؤخره بهدف اختباره هل هو موطّد العزم فعلا أم مثله مثل الزوبعة .. وأيضا لأجد فرصة للتفكير فيما طلب. والأكثر هم يذهبون دون التفات إلى الخلف، بينما أرى القلة منهم يحضرون في اليوم المعين وفي الساعة المحددة.
هؤلاء الذين يسألون في الطريق أو في أي مكان آخر .. كيف أتعلم و كيف ...؟ أكثرهم ليس لهم في الحقيقة همة ولا جلد على الاجتهاد، ولا أقول الجميع لأنه من الممكن أن يوجد فيهم صاحب همة وإرادة أيضا.

هناك طلاب يتمتعون بهمة القعساء وحيوية ونشاط عاليين، لا يراهم أحد إلا ويتركون فيه أثرا إيجابيا، لهم سعي حثيث ومشي دؤؤب نحو القمة، لا تفتر لهم حماسة ولا يضعف لهم عزم، بدؤوا المشوار منذ سنة أو أكثر أو أقل، يحثون الخطى إلى الأمام مفعمين بالأمل والرجاء نحو المستقبل، اعتزموا على إتقان مهارة في مجال فاستقاموا على الطريق، وقد جنوا ثمار اجتهادهم وسهرهم ومثابرتهم.

أعرف من دخل الطريق بحماسة وهو كل يوم يزداد حماسة ورجاء، لا تثنيه وعرة الطريق ولا سحق أوديتها، سائر في الطريق، لا يلتفت إلى اليمين والشمال، ولا إلى من تخلف ولا إلى الطريق التي سلكها بل نظره مشدود نحو الأمام تستهويه القمة، وهو يرى نفسه بعيدا عنها، فيغذ في السير.

أعرف ذلك الذي شعر بالضعف في مجال ما، فشمر للجبران عن ساعد الجد، وتهيأ لسد الثلمة، كانت الحافزة كلمة سمعها أستاذا أو زميلا فوعاها، واعتملت فيه اعتمالا، وأقامته لئلا يقعد، منشّطة همته، مثيرة فيه الحماسة ووتر التنافس والمسايرة، وهو يحظى بهمة دونها السحاب والنجوم.
أعترف بنبلهم وسموهم، وأبارك لهم في خطواتهم، داعيا إلى مزيد السعي والعمل.

ويا أخي المتعجل، لا تتعجل، ولا ترتبك، فالشيء الذي يأتيك سريعا ودونما عناء ومشقة، لن يدوم لديك أيضا بل سريع الزوال. إنّ تعلم اللغة العربية، وتعزيز المفردات والمصطلحات للكتابة، والمطالعة في الصحف، كلها يتطلب منك الاستمرار والدوام، ولا يمكن لأحد أن يحصل عليها بين عشية وضحاها، وعلاوة على هذا فالمهارة التي تحصل بسهولة وسرعة بإمكان الجميع إتقانها، ثم أي خير في مهارة أو ميزة يتمتع بها الجميع؟

فافهم وقم ثم استقم ولا تكن زوبعة في فنجان، تصل وتنجح.

السيد مسعود

مدرّس في قسم معهد اللغة العربية بجامعة دار العلوم زاهدان- إيران
مجموع المواد : 50
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025

التعليقات

يجب أن تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

إنشاء حساب

يستغرق التسجيل بضع ثوان فقط

سجل حسابا جديدا

تسجيل الدخول

تملك حسابا مسجّلا بالفعل؟

سجل دخولك الآن
المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025