عبرات التضرع
ما أروع ما قالته الكاتبة الأردنية إحسان الفقيه في إحدى مقالاتها:
"قد يفتح العدو أعيننا على ما كنا بإزائه كالعميان، ويغرف لنا من قاع بحر عيوبنا، ويجردنا من دروعنا الواهية، وبعد أن نتزن عقب الصدمة نقول له في غير وداد: شكرا"...
فلقد ذكرت في المقال أن فيروس كورونا كشف لنا القناع عن عيوبنا ومساوينا حتى نعود إلى إصلاح أنفسنا، وأكدت أن هذا الفيروس يمثل منعطفا مهما في تاريخ البشرية جمعاء.
ولا شك؛ فإن العالم قد شهد لنا هذه الأيام روائع التضرع والابتهال إلى الله، ومشاهد ذروف الدمع من خشية الله والندم من المسلمين والكفرة، ما ليس لنا به عهد من قبل؛ فإن هذا الوباء تسبب لتليين قلوب الكثيرين ممن قد رضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها، ولايرجون لقاء الرب تبارك وتعالى، والذين كذبوا بآياته ولقائه، فأترفهم في الحياة الدنيا، والذين كان عليهم إذ رأوا بأس الله أن يتضرعوا ولكن قست قلوبهم وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون.
على الرغم من ذلك. كله عندما مسهم الضر الشديد وابتلوا في هذه الآونة بهذا الوباء الذي عم وطم في البلاد، والذي طاف على رقاب الجبابرة فأذلها، وصحيح أحوالهم فأعلها، وثابت أقدامهم فأزلها، رأى الناسُ أعينَهم تفيض من الدموع حزنا وتلهفا، تسكب عبرات التضرع والاستكانة، والضعف والعجز والافتقار بين يدي الرب تعالى، بعدما كانوا من قوتهم في زهو وكبر، ومن علومهم وتقنياتهم في أشر وبطر، والآن، فقد عنت وجوههم لله الواحد القهار، وعجزوا أمام قوته وجبروته، واستسلموا لقدرته وكبريائه، نعم، فإن أهل إيطاليا شاهدهم العالم بدأوا يسكبون دموع التضرع وعبرات الخضوع أمام الله سبحانه وتعالى، حيث خرجوا على الشوارع يسجدون ويخضعون، وأخذ فرعون اليوم الرئيس الأمريكي يبدأ حفلات البرلمان بالاستماع إلى تلاوة سورة الفاتحة ويصغي لها بأذنيه، وفهمت النساء في العالم حكمة مشروعية الحجاب للنساء، وعرف الناس في العالم محاسن شريعتنا السمحاء ودين الإسلام الحنيف...ولم يكن ذلك إلا لأن الله تعالى أراد بإرسال جند من جنود الله الحقير أن يتوب العباد إلى الله، وليمرغوا جباههم في أعتابه، ويظهروا عجزهم وافتقارهم إليه؛ فإننا قد فرطنا في جنبه كثيرا، وقد قصرنا في حق شريعته أتم تقصيرا، فمن أجل ذلك، قذف الله في قلوبهم رعب هذا المخلوق الصغير الذي لا يرى، وأما الآن فلا محيص لنا وللأمة الإسلامية والإنسانية بأسرها عن هذا البلاء الذي نزل بساحة العالم إلا باللجؤ والافتقار إلى الله، وإطفاء نار غضب الرب تبارك وتعالى بعبرات التضرع والابتهال بين يديه.
فصفوة القول أنه يجب على كل من يحمل في قلبه هم الأمة والرفق بهم والنصح لهم والعطف عليهم أن يخلو بالله سبحانه وتعالى في دلج الليل الآخر، فما أحوجنا إلى عبرات المترحمين على الأمة المكروبة!! وما أفقرنا إلى الذين يتضرعون ويستغفرون بين يدي الله تعالى من أنفسهم ومن الأمة قاطبة !! ويتمثلون في مناجاتهم بقول الشاعر، ولله دره:
فما لي سوى فقري إليك وسيلة
فبافتقاري إليك فقري أدفع
ومالي سوى قرعي لبابك حيلة
فإذا رددت فأي باب أقرع
يوسف عبدالرحمن الخليلي
إضاءة/٤ شعبان/ ١٤٤١ھ