علاج النوم هو النوم!
إنني متفكر اليوم في كتابة موضوع كواجب يومي، لكن كثرة الأشغال في أمور أخرى تمنعني من ذلك، ومع أن الكتابة أيضا أمر من تلك الأمور، فأنا مشغول بقيام إنجاز تلك الأمور، وفكرتي في أمر الكتابة، وذلك لأنني لو لم أكتب اليوم موضوعا، فيكون دينا علي، حيث إنه يجب علي كتابته، ولو غدا أم بعد الغد، وليكن في علم الجميع أنني جعلت كتابة موضوع كواجب يومي، فإن أكمل ذلك الواجب في نفس اليوم فإكماله علي واجب ولو بعد عدة أيام، فكلما أتخلف من كتابة الموضوع تتراكم علي كتابة المواضيع، مثل ما تراكمت في هذا الأسبوع حوالي ستة مواضيع.
أما عنوان الموضوع فهو أسجله في نفس الوقت عند ما يحضرني، حتى أتذكر فيما بعد عنوان ذلك الموضوع، وأستجمع أفكاري حوله، كي يسهل علي كتابته، وإذا لم أكتبه في نفس الوقت فإنني في النهاية إنسان، وهو عرضة للنسيان، فأنسى، ثم أحتاج إلى ضعف الجهد، حيث إني أولا أركز على اختيار عنوان الموضوع، ثم أتفكر حوله، فهذا يكون عبئا علي، ويتطلب مني معظم الوقت من أوقاتي. فلذلك قررت قبل من أول يوم بأني أسجل عنوان الموضوع إذا حضرني في نفس الوقت، أما الكتابة فلا حرج في تأجيلها إلى وقت آخر، وإن كان هذا التأجيل غير مناسب.
وبما أني معتمد على أفكاري في كتابة المواضيع، فأكون متفكرا كالصياد للسمك، فإنه يتربص ويرقب سمكا في الماء، فما إن وجد وعثر وتيقن أنه تعلق بسنارة، وشعر حركة غير عادية في الخيط المربوط بالسنارة، يخرجه من الماء مباشرة دون أن ينتظر لحظة، فأنا أيضا متربص في صيد عناوين المواضيع المختلفة، ثم ما إن أجد عنوانا مناسبا ولو في جلسة الإخوة، أختاره، وأسجله، ثم أتفكر حوله عند الكتابة.
فقبل خمسة أيام سمعت عبارة من أحد زملائي، وهو كان يمازحني، وما كان يعلم أني جالس أمامه لصيد عنوان الموضوع، فما إن نطق عبارة مليئة من الأفكار، اصطدتها، وجعلتها عنوانا لموضوع اليوم، وبدأت أتفكر حوله من مختلف جوانبه، حتى أتمكن من إكمال الموضوع حوله.
فإن ذلك الأخ قد منحني فكرة ممتازة فيما نطقها من عبارة، وهي ليست عبارته أيضا، بل هو أيضا نقلها من أستاذه. فقال لي: مرة أستاذي كان يقول لي: أخي، هل تعلم ما هو علاج النوم!؟ فقلت في نفسي: ما ذا يمكن أن يكون له علاج، وأنا لست طبيبا مختصا بالأمراض، فلم يسألني أستاذي اليوم عن مرض النوم وعلاجه، وبدأت الأفكار تأخذني واحدة تلوى الأخرى، وأنا في قعر بحار الأفكار، إذا ذلك الأستاذ كرر علي نفس السؤال بصوت جهوري، فأنا في البداية ذعرت ما ذا حدث! لكن تمالكت نفسي وسيطرت على أفكاري وعلى نفسي، ثم قلت له بكل أدب واحترام: عفوا يا أستاذي، أنا لست طبيبا لتسألني مثل هذه الأسئلة، فإن هذا السؤال يخص الطبيب.
فضحك الأستاذ حتى بدأت نواجذه، ثم ضحك.. ثم ضحك... ثم قال لي: اسمع يا بني، إن هذا المرض ليس كأمراض أخرى، حيث يعالج عند أمهر طبيب، ويحتاج إلى أن يؤكل الدواء لإزالته، بل هذا المرض عادي، وعلاجه أيضا سهل.
فقلت له: وأنا مندهش ـ ما هو علاجه يا أستاذ؟
فقال لي: علاج النوم هو النوم. فتفكرت قليلا، ثم أنا أيضا ضحكت، وقلت في نفسي: نعم، صدق ما قال أستاذي، فالنوم هو مرض أيضا، ودواء أيضا في نفس الوقت.