يتابعني كظل (حكاية شبه قديمة لكنها مبنية على الحقيقة)
كنت جالسا سارحا في فكرة إذ بي تذكرت قصة صديقي الذي كان معي الدراسة، وهذه القصة شبه قديمة حيث أنها حدثت قبل خمسة عشر عاما، وأنا طالب في الصف الثالث أم الرابع، فكان بيني وبين زميلي علاقة حيث أننا كنا من منطقة واحدة، والمدرسة التي كنا فيها كانت بعيدة عن منطقتنا حوالي ثمانين كلومتر...
وبما أننا كنا في صف واحد، فقلت له مرة من المرات: يا أخي، أكرمني بالشائ، فإنني أرغب في الشائ، فأجابني فورا دون تأخر، تفضل نذهب معا اليوم في الحصة الثالثة إلى المقهى ونشرب الشائ، علما أن اليوم لا يحضر الأستاذ في الحصة الثالثة، فقلت له: طيب، نذهب ونشرب الشائ معا...
فلما درسنا حصتين ودق الجرس معلنا عن نهاية الحصة الثانية فمباشرة مسك يدي قائلا: تفضل يا أخي، نذهب إلى المقهى لنشرب الشائ، فخرجت معه ولست قادرا على كتابة مدى سروري آنذاك بسبب إكرامه إياي بالشائ فلما وصلنا إلى المقهى وجلسنا فجاء النادل واضعا دورق الماء على الطاولة مستفسرا ماذا تريدان؟
فقال صديقي: أحضر كوب الشائ في كوبين، يقال له في الأردية (كٹ چائے یعنی ایک میں دو) فما لبثنا إلا وأحضر نصف كوب الشائ في كوبين، وشربنا، وسدد زميلي فاتورة الشائ، فرجعنا إلى المدرسة مسرورين...
فشاركنا في الحصة الأخيرة، ثم تناولنا الغداء، فجاءني ذاك الزميلي نفسه قائلا: أريد الشائ، فأنا ظننت أنه هو يمازحني، فلم ألتفت إليه ظنا: إنه مزاح، لكن ما هذا! إنه لم يكن يمازحني بل كان جاد في هذه المرة قائلا: أخي أكرمني بالشائ، فأنا أكرمتك قبل قليل...
فحرت في البداية واضعا يدي على رأسي متفكرا فيما قال لي صديقي، وبما أني لم أعامله من قبل، فهذه المعاملة كانت أول معاملة معه، فقلت له: لا بأس، الشائ الذي أنت أكرمتني فهو كان من كرمك، فأنا لا أستطيع إكرامك الآن..
فظل يتابعني كظلي أنا، أينما أذهب يذهب معي ويطالبني نفس المطالب وبدأ وكأنه يمتص دمي مثل البعوضة، فسئمت منه أخيرا حتى كدت أن أجن، فقلت له مادا يدي إليه قائلا: تعال أكرمك كوبين وليس كوبا واحدا، فما إن سمع كوبين بدأ اللعاب يسيل من طرفي شفتيه وكأنه عثر على لحم مشوي، فأخذته إلى نفس المقهى وقلت للنادل: تفضل أحضر ثلاثة أكواب من الشائ، فنظر إلي حائرا بأننا اثنان والطلب لثلاثة أكواب، فقلت له: لا تدوخ دماغي فأنا متدوخ من قبل، أحضر لي ما طلبته منك، فرجع وأحضر ثلاثة أكواب من الشائ، فشرب زميلي كوبين وشربت أنا كوبا واحدا، ثم رجعنا إلى المدرسة، فتنفست الصعداء وعزمت في نفسي على أنني لم أطلب منه الإكرام مرة أخرى...