شتان بيننا وبين أكابرنا...
مجالس الكبار لا تخلو عن فائدة وحكمة، فالجالس فيها لا يعود خائبا، والبعيد عنها لا ينال شيئا، ولا سيما إن كان الكبار من الأقرباء، مثل الجد والجدة وغير ذلك، فإنهم دائما يتحدثون عن تجاربهم مروا بها.
هذا ما حسست حين كنت جالسا مع جدي اليوم، فكان حديثه في أمور كثيرة، وعيناه تقولان أشياء فأشياء لا يمكنني استيعابها في مقالة تحتوى صفحة أو صفحة، بل أحتاج إلى دفتر، بل دفاتر لأقيدها فيها.
فكان يقول: إن ما رأيته في زمننا (أي قبل ستين عاما) لم أره في عصرنا الحاضر، فلو رجعنا قبل خمسين عاما أو ستين عاما لرأينا أناسا مفلسين لم تكن لديهم ثروة مالية، ولم تكن لديهم سيارات فخمة وضخمة، ولم تكن المواصلات آنذاك متواجدة مثل ما تكون اليوم، ولم تكن بيوتهم من اسمنت، بل كانت من طين...
إنه عصر لا مثيل له، فالطلاب كانوا يكنون الاحترام والود لأساتذتهم، والاحترام في غاية بأنه لو ظهر أستاذ في زقاق من الأزقة فلا مجال لتلميذه أن يمر منه.
المجالس أحياء بالحديث والود فتجد واحدة فيها صغار وكبار، لكن لا يتجرأ أحد الصغار أن يتحدث فيها، بل كان الكبار هم الذين كانوا يتحدثون فيها...
الاحترام للكبار والشفقة على الصغار، لكن يا للأسف انقلبت الأمور علينا، فكل شيء أمامنا ينعكس خلافه.
فمنذ أن دخلت علينا الدنيا أفسدت علينا أخلاقنا وحلو عيشنا فالبيوت متينة باللبنة والاستمنت والسيارات فخمة، والطرق مشيدة ، والمصارف مملوء من الثروة المالية، لكن القلوب خالية من الود واللسان بعيد عن الصدق...
هذا ما اقبسته من كلام جدي اليوم، فلو قلت نحن باحثون عن شيء فقدناه في حياتنا هو الصدق والود والأخلاق والاحترام...
ثم جلوسك مع كبارك يدخل فرحة وسرورة في قلبه، فإن جلست معهم نصف ساعة وأرجعتهم إلى أيامهم الماضية فكأنك كسبت قلوبهم تماما.
وهذا من عادتي أنني دائما أحيي مجالس كبارنا وأحاول إرجاعهم إلى الماضي وتذكيرهم الأحداث التي حدثت في زمنهم...
فحوى كلامي لا تترك كبارك في البيت جالسين صامتين، بل أشغلهم بالحديث، ثم سوف تعرف مدى سرورهم وفرحتهم، وليس هذا كله فحسب، بل يحبونك أكثر من الآخرين...