لكم الله يا أهل ميانمار
احمرَّت أرض ميانمار بدماء المسلمين الأبرياء من الأطفال والشيوخ والنساء؛ حيث دخلت الجنود البوذية الحكوميّة داخل قطاع المسلمين وقتّلت أهلها تقتيلاً عشوائيًّا، ودمَّرت عليهم منازلهم، وأطلقت عليهم الرصاصَ عن كثب مما أدت إلى شهادة كثير من الروهينغا إلى جانب عدد كبير من الجرحى، والحقُّ أنّ التوصّل إلى المعلومات الصحيحة في مثل الظروف الحرجة المتأزمة التي يمرّ بها الشعب المسلمون في ميانمار صعبٌ جدًّا.
وإن ميانمار اليوم مجروحة، والمسلمون الأبرياء مظلمون في ديارهم، وقد أخرجوا من بيوتهم وديارهم، ونزل عليهم من الويلات التي لا يعلم شدَّتَها إلاّ الله سبحانه تعالى وحدَه، وكلُّ هذا -للأسف الشديد- على مرأى ومسمعٍ من أمم العالم! فلا يتحرك لهم أحد، ولا يُسْمَعُ صوتٌ، وما ذنبهم إلا أنهم مسلمون! وإنَّ المذبحة الأخيرة التي نَفَّذَها ميانمار السفّاحة المجنونة على المسلمين كانت أشدَّ ضراوةً من كلّ التي سبقتها، إنها ارتكبت مع المسلمين أشنع الجرائم الحربيّة جهارًا ونهارًا، وإن ما أحدثته ميانمار من جرائم في حق شعبها المسلمين تحت رعاية وحماية ودعم الغرب يؤكد أنها هي راعية وحامية وداعمة الإرهابيين الخبثاء في العالم.
ولكن الإخوة المظلومين ولاسيما الشباب والأطفال الذين فتحوا أعينهم على الدماء والنار، والتعرض لعمليات هدم المنازل على الرؤوس، وقتل الصغار والكبار وتصيُّد النساء والأطفال قدموا حسَبَ عادتهم في التضحية والفداء. ومن المؤسف جدا أنَّ العربَ كلَّهم في مثل هذا الوضع المتأزم الحرج أيضا لم يتَّخِذوا أيَّ خطوة حاسمة سريعة في وقف قتلهم وإحراقهم؛ مع أنهم يملكون من قوة شديدة تمنعها من تقتيل إخواننا المسلمين وإبادتهم الجماعيّة؛ بل نظروا الحوادث مكتوفي الأيدي عاجزين عن اتخاذ خطوة فعّالة لحقن دماء الشعب الفلسطيني وصيانة أرواحه وممتلكاته وإعادة حقوقه وحريته نحو العيش الكريم في بلاده.
وقد كان من أخلاق الإسلام الفضيلة أنه أقام بين المسلمين الأخوة الإيمانية والإسلامية، فالحق تبارك وتعالى يقول : في كتابه الكريم : "إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ" (سورة الحجرات 10) فعقد الله سبحانه وتعالى بهذه الآية الكريمة الأخوة الإيمانية بين كل المؤمنين دون استثناء منهم، وقد كان النبي صلى الله تعالى عليه وسلم آخى بين المسلمين وركَّز على توطيد الصلة الإيمانية العميقة بينهم، فكان أصحابه صلى الله تعالى عليه وسلم رحماء بينهم كما قال عز وجل " مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ " .
وقال النبي صلى الله تعالى وسلم: "المؤمن للمؤمن كرجل واحد إن اشتكى رأسه اشتكى كله" (رواه مسلم) فالنبي صلى الله تعالى عليه وسلم شبَّه المؤمن في هذا الحديث بجسد واحد، ونفهم من هذا الحديث أن كافة المؤمنين في العالم كجسد واحد له أعضاء متنوعة، فرغم هذا التنوع توجد صلة ودِّية عميقة بين هذه الأعضاء؛ حيث إذا ابتلى أحدها بمرض أو ألم لا يوجد القرار في الأعضاء الأخرى، ويستعد كل الأعضاء لنصر العضو المريض حسب استطاعتها، فتمشي الرجل إلى الطبيب وكذلك يستعد الفم لشرب الدواء ولوكان مرا، ولايقول : إني لست مريضا، فلا أتحمَّل صعوبةَ المرارة لمرض غيري؛ بل ينصر بعض الأعضاء بعضا في الآفات والأمراض، فلوخرجت حرقة في اليد لا تنام العين بألمها؛ بل يتسابق كل عضو لإزالة الألم من ذلك العضو المبتلى.
فكذلك المسلمون في البلاد الإسلامية إخوة للمسلمين في البلاد غير الإسلامية، وكذلك المسلمون في الغرب إخوة للمسلمين في الشرق.. الكل يرتبط بعضه ببعض بوحدة الإسلام التي أوجبت عليهم حقوقا لبعضهم على الآخر، فينبغي لكل مسلم في بنغلاديش أن يألم لما تعرض له إخوته في ميانمار من قتل وإبادة وتدمير وتشريد واعتداء على الأرواح والأعراض، ووكذلك ينبغي لمسلم في المملكة العربية السعودية أن يحزن لما أصاب إخوانه في ميانمار. كما جاء في الحديث الشريف، عَنْ أَبِي مُوسَى الأشعري - رضي الله تعالى عنه- عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ "الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا ثُمَّ شَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ (رواه البخاري 6026، ومسلم 2585)
فالعداء للإسلام والمسلمين قديم وليس وليد عصرنا هذا، فالمسلمون في كل مكان يحاربون ويقتلون ويشردون ويفعل بهم الأفاعيل ولو نظرنا إلى دول شرق آسيا نجد أن المسلمين فيها يعانون من الاضطهاد منذ القدم، وحدثت الكثير من المذابح التي رايح ضحيتها الآلاف من المسلمين الذين قتلوا بغير ذنب على أيدي البوذيين وغيرهم ممن يكرهون الإسلام ويعادونه كل هذا وحكام العرب صامتون ساكتون، صمت رهيب!
أحداث يشيب لها الرأس! ولا يتحرك أحد! وإذا تكلموا كان حديثهم فقط نشجب وندين ونستكر. أين حكام أمتنا؟ أما فيكم أبيٌ قبله خفاق؟ أما فيكم رجلٌ رشيد؟ إخواننا في بورما يقتلون كل يوم، نساء تغتصب شباب يقتل أطفال تذبح مساجد تهدم كل هذا ولا يتحرك أحد.
وقد يطرح هنا السؤال لماذا يتعرض المسلمون في كل عالم للقتل والإبادة والتدمير والتشريد والاعتداء على الأرواح والأموال، والجواب أنَّ السبب الوحيد في ذلك كله أننا قد ابتعدنا عن تعليم الرسول صلى الله تعالى وسلم "المسلمون كرجلٍ واحدٍ إن اشتكى عينه اشتكى كله وإن اشتكى رأسه اشتكى كله"، وإننا تخلينا عن المحبة والتعاطف التي علمناها رسولنا صلى الله تعالى وسلم، فلم نبق على الصفة التي كان آباؤنا عليها، وكذلك تركنا الأخذ بأسباب القوى المادية التي أمرنا بأخذها ويحثُّنا على إعداد القوى قال تعالى "وَأعِدُّوْا لَهُم مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوّةٍ ومن رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُوْنَ بِه عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ" ﴿سورة الأنفال: 60﴾
ويأمرنا أن نكون على حذر دائم من أعداء الإسلام، لا نأمن لسلمهم ولا نستكين لسكونهم، قال تعالى "وخُذُوْا حِذْرَكُمْ" (سورة النساء : 102) فإنَّ أعداء الإسلام والمسلمين يتمنون دائما أن يضع المسلمون سلاحهم، ويتركوا جهادهم، ويغفلوا عن تحرير أوطانهم وأنفسهم، ويتجهوا إلى متاع الدنيا وشهواتها، كما قال تعالى "وَدَّ الَّذِيْنَ كَفَرُوْا لَوْ تَغفُلُوْنَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيْلُوْنَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً" (سورة النساء :102) وسيظل أعداء الله منتظرين مترقبين هذه الفرصة، مهما يهتفون بحرية التدين، فأقصى أمانيهم محاربة الإسلام، وإبعاد المسلمين عن دينهم، وسيزالون يسعون لذلك بمختلف الطرق وبشتى السبل، وهذا ما وضحته لنا الآية الكريمة في سورة البقرة : 217 "وَلاَ يَزَالُوْنَ يُقَاتِلُوْنكُمْ حتى يَرُدُّوْكُمْ عَنْ دِيْنِكُمْ إِن اسْتَطَاعُوْا".
ولهذا يجب على المسلم أن يكون في حالة استعداد دائم لمواجهة أعداء الإسلام وألا يترك سلاحه إلا في الضرورة القصوى، قال تعالى "وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِّنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوْا أَسْلِحَتَكُمْ" (سورة النساء: 102) ولا يقتصر التدريب والإعداد على الجيش النظامي فقط بل هي مسؤولية كل فرد مسلم.
فإن كنا من المؤمنين ألسنا مجروحين بجرح ميانمار وأهلها المسلمين؟ فكيف تنام عيوننا نوم الغفلة؟ واشتغلنا في سائر المعاملات الدنيوية وتركنا الجهاد في سبيل الله تعالى؛ بل حان لكلِّ مسلمٍ أن يُخرجَ القلمَ ويَكتُبَ، وأن يرفعَ صوته ويَندُبَ، وأن يرتقيَ منبرَه ويَخطُب، وأن يرفعَ سلاحَه ويَضرِب، والله سبحانه وتعالى هو المسئول أن يرد لنا روحنا المفقود.