بين شريعة الله و شرائع الأرض
شريعة الله ليست مجرد شريعة دين أو شريعة جماعة من البشر يعبدونه سبحانه بل هي أعمُّ من ذلك بكثير فهي تدير هذا الكون بتناسق تام بدون خلل؛ فكل الكون يسير بهذه الشريعة، قال تعالى ﴿قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ(9) وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ(10) ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ (11) فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ(12) ﴾ [فصلت: 9-12].
إذن؛ فشريعة الله شريعة كونية شاملة تُسَير الكون برضاً من الخلق أو بسخط منه، بما فيه الإنسان، وإنه ليس مستثنىً من شريعة الله فهي تُسَيرِّ حياته بدايةً من تقرير الله لوجوده ثم مدة الحمل وظروف الولادة. وهو يتنفس الهواء الذي أوجده الله و بالمقادير التي حددها الله كما أنه يجوع ويعطش ويأكل ويشبع ويحس بما حوله بكل بساطة يعيش وفق ما أراده الله أي يعيش وفق شريعة الله الكونية.
وبما أن الانسان عاجزٌعن إيجاد شريعة تُسَيرله شؤون حياته الفردية فلا بد أن ينقاد إلى الشريعة التي أوجدها الله لتسير حياته المجتمعية لتتوافق مع حياته الفردية ومع حركة الكون ليعيش حياةً بدون تضارب بل ليعيش حياةً منسجمةً متناسقة.قال تعالى: ﴿وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا﴾ [ابراهيم: 12]، وبناءًا على النجاح الذي تنفرد به شريعة الله في تسيير الكون فلا بد أن تحقق السعادة والهناء للبشر في حياتهم الدنيا و من ثمَّ الآخرة .
ويكون نجاح شريعة الله نابعاً من مصدرها الرباني العالي والسامي فوق كل ما سواه من المصادر، فشريعته سبحانه تعلو بالبشر نحوَ العُلَى، نحو الرُقي، تسموا بالناس في إنسانيتهم، في قيَمهم، في تصورهم للكون والحياة، وبالتالي تحقق أعلى درجات التقدم الخُلُقِي و الفكري المحسوس وبالتالي أعلى درجات التقدم المادي الملموس في كل مجالاته من صلاح نظام الحكم إلى نجاح نظام الاقتصاد إلى الغزارة والجديد المفيد في المجال العلمي وبذلك يتحقق أروع نموذج للتقدم والتحضر فقد بلغ الجيل الأول من المسلمين هذا المقصد، و نحن نقول كلمة "نجاح" شريعة الله لا نقصد أبداً النجاحَ الذي فيه احتمال للفشل أو الخطأ، فسبحانه منزه عن كل زلةٍ وهو الكامل وحده، بل نقصد النجاح المؤكد المحتوم المتوقع والذي لا شك فيه.
أما شرائع الأرض كلُّها أو ما يُعرف بالأوضاع أو الإيدولوجيات فلا تملك هذا النجاح، بل لا تملك حتى احتمالَ النجاح فهي سائرة نحو الفشل لا محالة؛ فالحق واحد لا يتعدد قال تعالى ﴿فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ ﴾ [يونس: 32]