يا بناة المستقبل!! (مرحبا بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم)

ههنا تتوجه مسئولية كبيرة عليكم أيها الطلبة، فاعرفوا مكانتكم إنكم ورثة الأنبياء الذين لا يورّثوا دينارا ولا درهما وإنّما ورّثوا العلم.
إذن لا مبرر للتقاعس والتكاسل

قال النبی صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ النَّاسَ لَكُمْ تَبَعٌ، وَإِنَّهُمْ سَيَأْتُونَكُمْ مِنْ أَقْطَارِ الْأَرْضِ يَتَفَقَّهُونَ فِي الدِّينِ، فَإِذَا جَاءُوكُمْ فَاسْتَوْصُوا بِهِمْ خَيْرًا» ( ابن ماجة/ باب الوصاة بطلبة العلم)

لقد منّ الله عليكم أيها الطلبة الأعزة إذ وفقكم لطلب العلم، واصطفاكم واجتباكم لخدمة الإسلام والمسلمين، فاذكروا نعمة الله عليكم واشكروه يرضه لكم.

إن الله اختاركم لإعلاء كلمته وتبليغ رسالاته، ومواصلة طريقة أنبياءه وأولياءه «فهل أنتم تشكرون؟»

يقول عز من قائل وهو يخاطب نبیه موسى: {إنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ}. [الأعراف: 144]

عليكم أن تشكروا ربكم على هذا التوفيق وعلى هذا الاختيار وعلى هذه النعمة الكبيرة التي ليست بعد الإيمان والنبوة نعمة تعدلها واحذورا أن تزدروا هذه النعمة الكبيرة، واشكروا الله تعالى بالجنان واللسان والأركان.

ولنعم ما قال الشاعر العربي:

لقد أفادتكم النعماء مني ثلاثة / يدي ولساني والضمير المحجبا

فاشكروا ربكم بالجنان والقلب، واعرفوا منته عليكم، وتحدثوا باللسان حول هذه النعمة، واشكروا طاعته.

فاجتنبوا محارم الله وابتعدوا عن معاصيه وامتثلوا أوامره وطبّقوا شریعته على أنفسكم ما استطعتم، واجتهدوا لإصلاح بیئتكم التي تعيشون فيها وابدأوا بمن يلونكم من الطلبة والناس من العشيرة والأقارب والأصدقاء.

يا بناة المستقبل!

اختاركم الله في زمان كثرت فيه الفتن وتهاجمت المحن، على البلاد الإسلامية، ألا ترون أن أبالسة الجن والإنس كيف يخططون لإبادة المسلمين وإذلالهم ولا يألون جهدا، إنهم يكيدون ليلا ونهارا ليدوسوا كرامة الأمة، مؤامرة تلو مؤامرة، مكر تلو مكر، كيد يليه كيد.

اتحدت قوى الكفر والطواغيت ليميلوا على المسلمين ميلة واحدة، ويقضوا على القيم الإسلامية وینتقموا من أمة محمد صلى الله عليه وسلم فهل من ذي غيرة ملتهبة وهل من مستيقظ وهل من ذي وعي ودراية. ألا يكفي الأوضاع الراهنة لإحياء الضمائر الحرة وإيقاظ النفوس الراقدة، ألا تكفي صرخات العجائز وأنين المضطهدين وبكاء الأيتام الذين لا يجدون حيلة ولا يهتدون سبيلا لإنهاض القاعدين المتناومين.

ههنا تتوجه مسئولية كبيرة عليكم أيها الطلبة، فاعرفوا مكانتكم إنكم ورثة الأنبياء الذين لا يورّثوا دينارا ولا درهما وإنّما ورّثوا العلم.

إذن لا مبرر للتقاعس والتكاسل ولا مبرر للقعود والرقود والجمود إنما دخلتم هذه الدار (دارالعلوم) لتتعلموا العلم فلا تتكاسلوا ولا تتساهلوا. بل شمروا عن ساق الجد فاصلحوا نيتكم وجددوا عزمكم واغتنموا الفرص والأوقات ولا تضيعوا لحظة واحدة من اللحظات الذهبية التي منحها الله إياكم.

حياتك أنفاس تعد وكلما ** مضى نفس انتقصت به جزء

وأوصيكم جميعا بما يلي فتهتمون به كل الاهتمام:

1- إخلاص النية

2- علو الهمة، يقول ممشاد الدينوري: همتك فاحفظها فإن الهمة مقدمة للأشياء فمن صلحت له همته وصدق فيها صلح له ماوراء ذلك من الأعمال.

وقال الشيخ أحمد بن إبراهيم الدرعي: كن رجلا رجله في الثری وهمّه في الثريا، وما افترقت الناس إلا في الهمم، ومن علت همته علت رتبته ولا يكون أحد إلا فيما رضيت له همته.
ولا ريب أن الإنسان يقدر بالهمة العالية على تحقيق كثير من الأمور التي يعدها عامة الناس خيالا لا يتحقق. فعليك أن تجعل من همتك مطية تقطع بها الصحارى والمفاوز حتى تصل المنزل الذي ترومه.

3- الابتعاد عن سفاسف الأمور ودناياها:

إن الطالب المثالي الذي رشح نفسه لخدمة الإسلام والمسلمين ويريد أن يلعب دورا حاسما في إنقاذ الأمة من المشكلات لا يرضى لنفسه دنايا الأمور بل يطمح دائما إلى ما هو أفضل وأحسن فيرتفع عن مجالس اللغو وإضاعة الوقت، والاشتغال بالأمور التافهة.

وإليكم قصة رجل من رجال الفكر والهمة وهو عبد الرحمن الداخل - صقر قريش - لما توجه تلقاء الأندلس أهديت إليه جارية جملية فنظر إليها وقال: «إن هذه من القلب والعين بمكان، وإن أنا اشتغلت عنها بهمتي فيما أطلبه ظلمتها، وإن اشتغلت بها عما أطلبه ظلمت همتي، ولا حاجة لي بها الآن وردها على صاحبها».
هذا هو البطل الذي تلألأ 33 سنة على عرش الحكم بأندلس فنفع الله به العباد والبلاد.

4- تنظيم الأوقات والمحافظة عليها:

ولكم في السلف الصالح أسوة، هذا هو الإمام الزاهد التقي الإمام النووي یحکي عنه صاحبه أبو الحسن العطار: إنه كان لا يضيع له وقت لا في ليل و لا في نهار إلا في اشتغال حتى في الطرق، فاستطاع أن ينجز أعمالا جساما نافعة في حياته وترك آثارا خالدة. وعلیکم بمطالعة كتاب قيمة الزمن عند العلماء للشيخ عبدالفتاح أبي غدة رحمه الله لتعلموا قيمة الوقت والحياة في ضوء حياة العلماء الربانيين.

5- المجاهدة:

فلا يتحقق شيء بدون المجاهدة ولا يتشرف الإنسان بالهدى المطلوب إلا بالمجاهدة « والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا « إن الذين يستغرقون في الحظوظ النفسانية ولا تهمهم إلا الأطعمة الشهيه والنوم في الغرف المكيفة والجلوس على المائدة المزينة والركاب في السيارات الفارهة. والتفرج في المتنزهات والشوراع المزدحمة ، لن يذوقوا لذة العلم والتحقيق ولن يزدهروا في المستقبل.

قال الإمام عيسى بن موسى: « مكثت ثلاثين سنة أشتهي أن أشارك العامة في أكل هريسة السوق فلا أقدر على ذلك. لأجل البكور إلى سماع الحديث.» (ذيل طبقات الحنابة منقول عن الهمة).

6- قراءة سير الصالحين وأهل الهمة:

إن الذين يطالعون سير الكبار والصالحين وذوي الهمم العالية ففي البداء يتأثرون ثم يوفقون للتأسي بهم وتقليدهم في حياتهم.

ومن ثم نرى إن الله سبحانه وتعالى قص على أنبياءه أنباء الرسل قبله. {وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ} . [هود: 120]

كم من إنسان قرأ سيرة صالح مجاهد ذي همة وغيرة فتغيرت حياته إثر ذلك تغييرا كليا وصلح أمره وحسن حاله، فتحول نجما ساطعا تلالأ في تاريخ الأمة ونور العالم.

يقول الإمام ابن الجوزي رحمه الله: أعوذ بالله من سير هؤلاء الذين نعاشرهم لا نرى فيهم ذا همة عالية فيقتدي بها المبتدئ ولا صاحب ورع فيستفید منه المتزهد، فالله الله، وعيلكم بملاحظة سير القوم (أي السلف المتقدمين) ومطالعة تصانيفهم وأخبارهم، فالاستكثار من مطالعة كتبهم رويّة لهم.

نعم أيها الإخوة الطلبة إنكم إذا قرأتم كتاب أحد من الصالحين فكأنكم رأيتموه وجالستموه واستفدتم من علومه وأفكاره.

7- الدعاء الصادق والالتجاء إلى الله سبحانه وتعالى:

فهو المسؤول أن يقوي إرادتنا ويعلي همتنا ويرفع درجاتنا.
وكيف؟ وقد أمرنا أن نتضرع إليه ونسأله حاجاتنا ووعدنا بالإجابة «ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً» (الأعراف:55) «وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ» (غافر: 60) وقال النبي صلى الله عليه وسلم «من فتحت له أبواب الدعاء فتحت له أبواب الإجابة».

فلا تتكاسلوا في الدعاء ولا تعجزوا فإن كل شيء خزائنه عندالله.{قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعائكم} وكان شيخنا ومربينا المفتي رشيد أحمد رحمه الله عندما يوصينا يقول: إن الهمة العالية والتضرع الصادق هما عجلتان للنجاح والنجاة.

بهما تنحل المشكلات وتتحقق الآمال والرغبات.
وهو المستعان وعليه التكلان، ولا حول ولاقوة إلا بالله العلي العظيم.

شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2024

التعليقات

يجب أن تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

إنشاء حساب

يستغرق التسجيل بضع ثوان فقط

سجل حسابا جديدا

تسجيل الدخول

تملك حسابا مسجّلا بالفعل؟

سجل دخولك الآن
المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2024