انتقل إشتياق أحمد إلى رحمة الله!
كتب مائة كتب إسلامية، وثمانمائة رواية، وكتب أكبر رواية في اللغة الأردية مشتملة على ألفي صفحة وسماها (غار كا سمندر).
وكان آخرًا مدير ...
انتقل إشتياق أحمد إلى جوار رحمة الله!
الأديب الشهير، والروائي الإسلامي، ملك السهل الممتنع بلا تاج
الأديب المفضل لدى أطفال باكستان على مدى خمسين عامًا.
في الرابع من صفر المظفر من هذا العام1437هـ يوم الثلاثاء السابع عشر من تشرين الثاني سنة 2015م فاجأني نبأ رهيب.. وباغتني خبر عصيب.. يحمل بين طيَّاته آهًا وبكاءً.. ودُوارًا وحزنًا.. كأنما أُغشيَ وجهي قطعةً من الليل مظلمًا.. وأخذت الدموع تمخر مجاريها في خدِّي هطالة مدرارًا.. فرسم في وجهي مقلاعًا للأطفال.. وكأنما يتصدع فؤادي، قد أظلمت عليَّ الدنيا.. وضاقت علي الأرض بما رحبت.. ودارت الجدران حولي.. وأزف السقف أن ينقض.. ولم أتمالك نفسي حتى استلقيت فانطبقت جفوني مخافة انقضاض السقف.. حتى غمرني السُّبات في أمواجه العميقة...
*****
- هل تعلم أن إشتياق أحمد انتقل إلى رحمة الله؟
- وأي إشتياق أحمد؟
- ألا تدري؟
- مدير المجلة الأسبوعية: "مجلة الأطفال الإسلامية" (بچوں کا ٳسلام)؟
- نعم.. مدير مجلة الأطفال، والأديب الشهير، والروائي الإسلامي المعروف، ملك السهل الممتنع بلا تاج في الأدب الأُردي.. أديب الأطفال المفضل لدى الأطفال الذين تترواح أعمارهم ما بين خمس إلى خمس وثمانين..
- أحقًّا ما تقول؟
أيموت الأديب الذي جاوزت كتبه ثمانمائة رواية.. ومائة كتب إسلامية؟
أيموت مثل هذا الرجل الذي أنعش المواهب الكامنة في أطفال المسلمين، ورباهم تربية إسلامية اجتماعية برواياته الجذابة؟
أيموت القلم الذي أحيا الأدب الأردي بعدما كاد يجود بنفسه؟
أيموت المجاهد الذي غزا عقول أطفال المسلمين قرابة أكثر من نصف قرن غزوا فكريًّا اجتماعيًّا إسلاميًّا؟
أيموت الرائد الذي كشف لأطفال المسلمين مكائد أعداء الإسلام والبلاد؟
أيموت الكاتب الذي خطم عقول الأطفال من التشتت؟
أيموت الجد الذي علم الأطفال كيف يكتبون؟ كيف يعيشون؟ ولماذا يعيشون؟
لا، وكلَّا، إنها ممات الأمة بأسرها.. لقد بدأت أخاطب نفسي كالهائم الحيران.. ولا أحس جوابًا.. ولا أسمع ركزا...
*****
- ولد الأديب الراحل إشتياق أحمد عام 1366من الهجرة، ويطابقه 1944من السنين الميلادية، في أُسَر ذات عسر، بمدينة "باني بت" الهندية، وهاجرت عائلته إلى باكستان إثر استقلالها فاستقرت في مدينة "جهنغ"(جھنگ).
- أخذ يتراود المدرسة حتى أكمل الثانوية.. ثم ترك الدراسة لقلة ذات يد والده..
- لقد كان مولعًا بقراءة القصص والروايات؛ حتى حمله شغفه بها على كتابة قصة.. وطبعت في مجلة قنديل الأسبوعية عام1380هجرية /1960ميلادية باسم "طويل القامة" (بڑا قد).. وطبعت أول رواياته عام 1400هجرية/1980ميلادية باسم "سر الحزمة" أو "سر الرزمة" (پیکٹ کا راز).
- كتب ثمانمائة رواية للأطفال خاصة.. لكن الشيوخ كانوا أشد ولعًا منهم! كانت كتبه ورواياته مظهر الأدب السهل الممتنع.. وكانت ثلاثة سلاسل: الأبطال في الأولى المفتش جمشيد، وأولاده الثلاثة: محمود، فاروق، فرزانة. وفي الثانية: المفتش كامران مرزا وولده آصف، آفتاب، فرحت، وفي الثالثة: شوكي، إشفاق، أخلاق، مكهن.
- تنفرد رواياته وكتبه عن غيرها بالمقناطيسية الجاذبة، وارتباط بعضها ببعض، وكان جل رواياته إما حل معضلة، أو البحث عن الحقيقة.. أو تعرض للهجوم والدفاع.. أو الانفكاك من قيد الأعداء.. وتتميز بتبغيض الجرائم والمنكرات.. وتحبيب الإحسان والمعروف، ويشعر القارئ بالواقعية، وكنت عندما بدأت أقرأ رواياته لم أك أصدق أنها خيالية حتى عثرت على تصريح من المصنف.. فإذا أخذ القارئ مصنَّفا له وقرأه نصب بصره في الكتاب حتى لا تطرف عينه.. ويشعر بأنه هو البطل الحقيقي في القصة.. وتمر عليه الساعات لا يشعر...
- اختير عضوا مساهما في هيئة المجلس العالمي لتحفظ ختم النبوة مكافأة لرواياته في سبيل تحفظ ختم النبي صلى الله عليه وسلم.. وكشف زيغ الفرقة الضالة المبتدعة.. غرس الاستعمار البريطاني لزحزحة المسلمين عن الجهاد.. ورفع النقاب عن مؤامراتهم ضد الإسلام وأهله عموما وضد باكستان خاصة...
- وتحمَّل إدارةَ عدة مجلات حتى آل الأمر إلى مجلة الأطفال الإسلامية الأسبوعية(بچوں کا اسلام) حتى وفاته...
*****
وإليكم نبأ وفاته بقلم جاويد شودهري مترجمة:
كان ذلك يوم الثلاثاء.. 17/ 11/ 2015ء، ودعه المقرئ عبد الرحمن في مطار كراتشي بعد انتظاره إلى تسليم أمتعته وقطع بطاقة الصعود.. واتصل به أثناء رجوعه.. فقال الشيخ الراحل: بطاقة الصعود معي.. وقد صليت الظهر.. وأبشرك أن الإقلاع على الموعد.. سأصلي العصر في مدينة "لاهور" إن شاء الله.. فاطمأن له المقرئ عبد الرحمن.. وكان الوقت باقيا للمغادرة.. وكانت الساعة آنذاك الواحدة والربع، وإقلاع الطائرة الواحدة والنصف.. فعاود الاتصال به في الواحدة والنصف.. فالتقط الهاتف، ولم يحر جوابًا.. وسمع المقرئ أصوات أنينه.. فقال بصوت مرتفع: كيف صحتك يا شيخ؟ هل أنت بخير؟ وكان يجيب؛ ولكنه لم يك يفهم..
*****
فانعطف.. وأسرع المسير إلى المطار مرة أخرى وكان قد وصل إلى "شارع فيصل".. فعاود الاتصال أثناء الطريق فلم يجد جوابًا.. وأخبر مسؤولي المطار إثر رجوعه إليه: أن المسافر الفلاني كان راجعًا إلى لاهور في "خطوط شاهین الجوية" وقد فاجأه المرض في صالة الانتظار، والتمس منهم أن يأذنوا له بلقائه.. فلم يكترثوا به وقالوا: لقد أقلعت "خطوط شاهين الجوية" وقد ذهب صاحبك.. فعاود المقرئ الاتصال.. فإذا بجواله يقبل الاتصال..
*****
وقدم المقرئ إليهم جواله، وأخبر أن جوال المريض غير منطفئ.. وهذا دليل على أنه لا يزال في صالة الانتظار.. فدعوني أذهب إليه.. فرفضه المسؤولون.. فأخذ المقرئ يعاود الاتصال بين الفينة والأخرى حتى رفعه أحد من كان هناك.. فقال: مع الأسف قد توفي صاحبك...! فارتفع صراخ المقرئ من شدة الحزن.. فأذن له المسؤولون بدخول صالة الانتظار ولقائه.. فلما دخل صالة الانتظار.. فاجأ على سرير مكسور.. وسخ قذر .. جثة البطل العظيم.. الذي طبقت رواياته الآفاق، وسجل في تاريخ الأردية مفخرة كتابة أكبر رواية بوليسية في ألفي صفحة....!!!