تخريج حديث رفع البصر بعد الوضوء
نحمده ونصلي ونسلم على رسوله الكريم، أما بعد:
قديما سمعتُ أن من السنة بعد الوضوء أن يرفع الرجل بصره إلى السماء مع قوله الدعاءَ المأثورَ، ثم عثرتُ على فتوى أحد العلماء الكبار في عدم إثبات هذا العمل، وبعد حين مرّ بي حديث في سنن أبي داود في ثبوت رفع البصر بعد الوضوء.
فها أنا أدرج هذا الحديث مع التوثيق والإحالة، وأعقبه بأحوال الرواة في الحديث؛ رجاء أن يرى العلماء في هذه المسألة رأيا جزما، ويفصلوا فيها فصلا مبرما. والله المستعان.
أخرج أبو داود في سننه:
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الْهَمْدَانِيُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ يَعْنِي ابْنَ صَالِحٍ يُحَدِّثُ ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُدَّامَ أَنْفُسِنَا نَتَنَاوَبُ الرِّعَايَةَ رِعَايَةَ إِبِلِنَا، فَكَانَتْ عَلَيَّ رِعَايَةُ الْإِبِلِ فَرَوَّحْتُهَا بِالْعَشِيِّ ، فَأَدْرَكْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَخْطُبُ النَّاسَ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: «مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ يَتَوَضَّأُ فَيُحْسِنُ الْوُضُوءَ، ثُمَّ يَقُومُ فَيَرْكَعُ رَكْعَتَيْنِ، يُقْبِلُ عَلَيْهِمَا بِقَلْبِهِ وَوَجْهِهِ، إِلَّا قَدْ أَوْجَبَ»، فَقُلْتُ : بَخٍ بَخٍ، مَا أَجْوَدَ هَذِهِ. فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ: الَّتِي قَبْلَهَا يَا عُقْبَةُ أَجْوَدُ مِنْهَا، فَنَظَرْتُ، فَإِذَا هُوَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَقُلْتُ: مَا هِيَ يَا أَبَا حَفْصٍ؟ قَالَ: إِنَّهُ قَالَ آنِفًا قَبْلَ أَنْ تَجِيءَ: «مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ يَتَوَضَّأُ فَيُحْسِنُ الْوُضُوءَ ثُمَّ يَقُولُ حِينَ يَفْرُغُ مِنْ وُضُوئِهِ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، إِلَّا فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةُ، يَدْخُلُ مِنْ أَيِّهَا شَاءَ»، قَالَ مُعَاوِيَةُ : وَحَدَّثَنِي رَبِيعَةُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ.
وحَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ عِيسَى، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ الْـمُقْرِئُ، عَنْ حَيْوَةَ وَهُوَ ابْنُ شُرَيْحٍ، عَنْ أَبِي عَقِيلٍ، عَنْ ابْنِ عَمِّهِ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوَهُ. وَلَمْ يَذْكُرْ أَمْرَ الرِّعَايَةِ، قَالَ: عِنْدَ قَوْلِهِ : فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ رَفَعَ بَصَرَهُ إِلَى السَّمَاءِ، فَقَالَ : وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِمَعْنَى حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ.
(سنن أبي داود: رقم الحديث:169 و 170،ورقم الصفحة في النسخة الهندية (مكتبة رحمانية): 34و35)
أحوال الرواة المذكورين في الحديث الثاني، المأخوذة من «تقريب التهذيب» للحافظ ابن حجر العسقلاني(مع تلخيص وتوضيح)، وأرقام الصفحات وفق النسخة المطبوعة من دار المنهاج ـ اعتنى بها الشيخ محمد عوامة ـ ، الطبعة التاسعة: سنة 1433هـ :
1. الْحُسَيْنُ بْنُ عِيسَى الطائي، أبو علي البسطامي: صدوق صاحب حديث، توفي سنة 247هـ . (ص: 205).
2. عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ المكي، أبو عبدِ الرَّحمن الْـمُقْرِئُ: ثقة فاضل، أقرأ القرآن نيفًا وسبعين سنة، وهو من كبار شيوخ البخاري، توفي سنة 213هـ . (ص: 363).
3. حيوة بن شريح: ثقة، مات سنة 224 هـ . (ص: 221).
4. أبو عقيل: هو زُهرة بن معبد أبو عقيل المدني: ثقة عابد، مات سنة 127هـ. (ص: 683).
5. ابن عمّ أبي عقيل: مجهول لا يُعرف. (كذا في بذل المجهود: 2/60، دار اللواء. وهذا لم أجده في التقريب).
وبعد هذا البحث: أرجو من العلماء أن يفيدونا بآرائهم: بأن هذه الرواية لا شك ضعيفة؛ لجهالة ابن عمّ أبي عقيل، ولكن هل هذا الضعف ممّا يتحمّل في الفضائل، حيث يسوغ العمل بهذه الرواية مع ما فيها من الضعف، أم يُمسَك عن العمل بها لشدة ضعفها؛ لأن الرواية الشديدة الضعف: ذهب المحققون إلى عدم قبولها في الفضائل ولا غيرها؟ وتحت أي قسم تندرج هذه الرواية؟؟